الدكتورة/رندا ماروني: تراجيديا حزبية ومزاعم ميثاقية

95

تراجيديا حزبية ومزاعم ميثاقية
الدكتورة/رندا ماروني/28 كانون الثاني/17

إننا نعيش فعلا حالة تراجيدية في واقع الأحزاب اللبنانية، حتى إن تسميتها بالأحزاب هي تسمية فضفاضة جدا عليها، فما يعرف بالأحزاب في الدول الديمقراطية مختلف تماما عما نطلق عليه تسمية أحزاب لبنانية خارجة عن كل معايير الأحزاب الديمقراطية في العالم الحديث، ولم تستطع هذه الأحزاب المؤتمنة على تطوير الحياة السياسية أن تعمل على تحسين أدائها الديمقراطي، بل اكتفت بلعبة المحاصصة والمصادرة التي راقت لها كثيرا حتى الغرام فبقيت عليها، حتى بات واقعنا يرثى له على كافة الأصعدة الحياتية والمعيشية، وتفاقم الدين والفساد والتفلت من الحساب حتى الذروة من أعلى الهرم حتى أسفله في كافة الوزارات والمجالات والقطاعات، والمواطن يئن لا حول له ولا قوة، وكيف لا وهو العاجز المكبل الغير قادر على محاسبة جلاديه، لا قرار واضح له في تقرير السياسات العامة التي تخضع لمزاجية القابضين على مصيره.

إن الأحزاب اللبنانية التي هي في الدرجة الأولى أحزاب شخصيات وطوائف لم تستطع إن تشكل بعدا وطنيا خارقا للطوائف، ولم تستطع أن تطرح نفسها كقوى سياسية بديلة عن الطوائف، ولا أن يصبح أعضاء البرلمان ممثلين لها وليس لطوائفهم، كما إنها لم تستطع أن تشكل بعدا ديمقراطيا تطويريا داخل الطائفة الواحدة أو داخل صفوفها. فإذا أردنا أن نصفها علميا، يقول موريس دوفرجيه، هي تجمعات صغيرة ليس لها سوى تمثيل عددي ضعيف في البرلمان، ولا تبدو أنها قادرة على لعب دور حكومي أو معارض مهم، وهنالك نوعين من منها:

الشخصيات parties de personnalites،

وأحزاب الأقليات الدائمة partis de minorites permanentes،

والواقع اللبناني ينطبق على هذين الوصفين، حيث لم يستطع أي حزب سياسي من تزعم الأكثرية وحده وتأليف الحكومة، ولم يتمكن من تملك غالبية في البرلمان، حتى عندما انقسم البرلمان اللبناني إلى تكتلين سياسين كبيرين 8 و14 آذار، وقبلها بعد الانتخابات البرلمانية في العام 1968 حيث انقسم المجلس إلى تكتلين كبيرين هما الحلف والنهج، لم تستطع الحكومات التي تشكلت إلا أن تكون ائتلافية، كما إن هذه التكتلات لم تبنى على أساس نظرة مغايرة لواقع الحكم، إنما على توافق حول قضايا ظرفية قد تكون مصيرية إنما هي ظرفية وطارئة في الواقع الائتلافي اللبناني، حيث قد تتوافق وتأتلف حول قضايا وتتفرق هي نفسها في قضايا أخرى فتتغير طبيعة التكتلات.

إذا إن الائتلاف هو سمة الواقع اللبناني، وهو ائتلاف فريد من نوعه، ليس لأنه ائتلاف بين عدة أحزاب ولكن لأنه ائتلاف بين عدة شخصيات، وهذا الائتلاف يشكل حالة طبيعية في دول متعددة الأحزاب وكان من الممكن أن يشكل حالة طبيعية في لبنان لو إن الأحزاب الموجودة كانت ملتزمة بالمعايير الديمقراطية لتكوين ونشأة الأحزاب، أو لو أنها عملت على الأقل للسير في هذا الاتجاه، ولكن من الغير طبيعي وما يتجاوز المنطق في القرن الواحد والعشرين إننا ما زلنا نعيش في إطار المفاهيم البدائية للأنظمة التوافقية ولم تشأ هذه الأحزاب أن تطور واقعها، ولم يستطع المواطن اللبناني حتى الآن من انتزاع هذا التغيير منها انتزاعا، فهو مكبل بقوانين انتخابية تضعها السلطات الحاكمة لإعادة إنتاج نفسها بعبقرية بمزاعم وذرائع ميثاقية.

فالحجج الميثاقية حاضرة دائما للتفلت من القوانين والمعايير الضابطة، فهي لا تلتزم أساسا قانونيا في بنيتها الداخلية، ولا تلتزم أساسا قانونيا في علاقتها بالدولة، ولا تلتزم أساسا قانونيا في علاقاتها الخارجية، فهي متفلته من الضوابط ولا من حسيب أو رقيب حول أعمالها ومصادر تمويلها حتى باتت سيفا مسلطا على رقاب اللبنانيين ومنافسا لهم في دولتهم وسالبا لحقوقهم بكل ما للكلمة من معنى، ولعل كل هذه التجاوزات الممارسة هي التي تحول دون إصدار قانون للأحزاب يبقيها في موقعها الملتزم بالقانون كشرط لاستمرارها ويحفظ دور الدولة ودور المواطن وهل يجوز بمنطقها السائد أن تستصدر قانون لقمع ذاتها وقمع تجاوزاتها الشاذة على المواطنين وعلى الدولة؟

وإذا كان وجود بعض الأحزاب العقائدية التي تتجاوز مبادئها النظام السياسي اللبناني، كان يحول في الماضي من استصدار قانون للأحزاب في لبنان، فاليوم تعددت الأسباب وتفاقمت لاستصدار مثل هكذا قانون، فالأسباب كلها تصب في إطار المصالح الضيقة وليس في إطار مصلحة المواطن ومصلحة استمرار الدولة كضابط للحياة السياسية اللبنانية.

ليس فقط التفلت من الضوابط القانونية التنظيمية لوضعها هي حال أحزاب اليوم ولكن أيضا التفلت من احترام المبادئ القوانينة والدستورية قافزة فوقها بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الجمهورية اللبنانية، حتى بتنا نترحم على أمس مضى كان من المفروض أن يكون الغد أفضل منه، ونترحم على رجالات كبار كان لهم بصمة مشرفة في الحياة السياسية اللبنانية، حتى المقارنة بين الأمس واليوم فهي غير جائزة وغير منصفة، فاﻷمس شهد انطلاقة قد تكون غير كاملة، أما اليوم فنشهد عصر انحطاط.

إن ارتكاب كل أشكال التجاوزات من قبل الأحزاب وتمريرها للرأي العام بمسميات حقوقية، وذرائع ميثاقية، وتبطينها وتغليفها بأوراق مزينة ودموع ملونة، يفرض على المواطن اللبناني إعادة النظر بالمفهوم الميثاقي ومقاربته مع ما يقدم له على أنه وجبة ميثاقية له النصيب فيها، وهي في الحقيقة وجبة سم محلى بعسل، كفيلة أن تجرده من وجوده كإنسان، ومن كافة حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمدنية، وهذا هو واقع حالنا اليوم، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب، فالميثاقية هي ميثاقية الطوائف ومرتبطة بوجودها وحقوقها كأفراد وهذا الوجود وهذه الحقوق لا يمكن أن تبقى محصورة بأشخاص مستفيدين يصممون السياسات العامة ويفصلون القوانين على مقاسهم الخاص وعلى قدر منافعهم فاحذروا ما تقدمه الأحزاب لكم في وجبة يطلقون عليها بالميثاقية.

تراجيديا حزبية

ومزاعم ميثاقية

منها ما هو أرضي

ورتبة بعضها ألوهية

تروي على هواها

أساطير أيديولوجية

عدتها في العمل جاهزة

توظيفاتها شعبوية

نظامها مبتور

قراراتها اعتباطية

على قياس أشخاص

والفوضى غوغائية

لا قاعدة لا تدرج

لا هرم لا هرمية

لشخصيات فذة

تدعي معرفة غنية

تسير على عماها

في خطة مزاجية

تنطق بإسم شعب

وتحريضاتها تيوقراطية

لا ارتفاع فيها

بل أقبية سفلية

تتولى القرار نيابة

عن فاقدي الأهلية

وتدعي التمثيل

في دراسات إحصائية

عبارة حداثة

من قاموسها ملغية

ترسم مصلحة طائفة

ومصالحها أصولية

تجرعنا السم عسلا

كوصفة سحرية

تعدنا بمستقبل باهر

كجوهرة زمردية

تخرق الحدود

تفتت الهوية

حكم غيرها ملعون

فسلطتها أزلية

التغيير فيها محظور

فالسلالة ملكية

على ذمة الكاذب

الأسطورة تاريخية

إنه لواقع محزن

لا بل تراجيديا حزبية