الدكتورة/رندا ماروني: قانون الانتخابات بين المرتجى والأفضل والواقع

621

قانون الانتخابات بين المرتجى والأفضل والواقع
الدكتورة/رندا ماروني/15 كانون الثاني/17

 نعيش اليوم معضلة التوافق على قانون انتخابي يرضي جميع الأطراف، التقليديين منهم، والخارجين عنهم والتي بدأت تتصاعد وتيرة مطالبتهم بقانون انتخابي عادل لا يستثني أحدا، فالكل يريد المشاركة في اللعبة السياسية التي من المفروض أن تكون ديمقراطية ومنصفة لجميع الأطراف وتعطي كل ذي حق حقه. إن الأنظمة الانتخابية على اختلافها وجدت لتدير اللعبة الديمقراطية الحديثة وتنتج معارضة وموالاة للحكم، أما في دول العالم الثالث والأنظمة الديكتاتورية أو القريبة منها، العملية الانتخابية عادة تتم بصورة صورية لا تمت إلى أصول اللعبة الديمقراطية بصلة، فكما استوردت هذه الأنظمة شكل الدولة دون مضمونها، وشكل النظام دون مضمونه، كذلك استوردت الأنظمة الانتخابية وتحايلت عليها لتلائم أهدافها في إتمام هذه العملية.

نعيش اليوم معضلة إنتاج قانون مرتجى لكل طرف من الأطراف الحاكمة على هواه، وعلى قياس مصالحه، وغايته في حصد أقصى ما يمكنه من المقاعد النيابية ليدير بها استمراره السياسي والمنفعي والزعماتي وفي هذا الإطار تم وضع سبعة عشر اقتراح لمشاريع قوانين من قبل القوى السياسية المختلفة تتراوح بين الأكثري والنسبي والمختلط بخلطات عجيبة في بعضها تلغي الدور الفاعل للمواطن اللبناني في المحاسبة وتجعل منه مشاهد مصفق لكم الفساد الهائل الذي يتحكم في واقعه السياسي والذي ينعكس قهرا ومعاناة في حياته اليومية دون أن يكون لديه القدرة على التغيير، فهو مربوط مشلول مقعد، إنه يرى ويسمع ويفكر لكنه عاجز عن السير إلى الأمام، إلى واقع أفضل. ولا نخفي سرا حول طبيعة كل قانون من القوانين ومن هي الفئات المستفيدة منه، فدولة الرئيس نبيه بري وحزب الله يناديان بالنسبية والدائرة الواحدة يشاركهما في هذا الإطار بعض أصحاب الحركات المطلبية اليسارية المنشأ والتي ركزت في تحركاتها على مطالب اجتماعية، هادفة سياسيا إلى إلغاء الطائفية السياسية عن طريق اعتماد دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي، مع العلم إن هذا السقف العالي في اعتماد الدائرة الواحدة تبعته مواقف أخرى بوجوب اعتماد القانون النسبي الكلي أو الجزئي كشرط لإجراء العملية الانتخابية، بمعنى أنه لم تعد الدائرة الواحدة شرط واجب تنفيذه، ولكن هذا الكلام لكي يترجم عمليا يحتاج إلى التوافق على قانون انتخابي جديد بديل للستين وعلى وجوب إقراره في مجلس النواب. أما كتلة المستقبل بالاشتراك مع اللقاء الديمقراطي والقوات اللبنانية كانت قد تقدمت بصيغة على أساس النظام المختلط ولكن ما كان مقدما لم يعد هو المرتجى وخاصة لدى النائب وليد جنبلاط حيث إن مواقفه الأخيرة تدل على تمسكه بالقانون الذي تم التوافق عليه بالدوحة للحفاظ على حجمه السياسي، رافضا أي شكل من أشكال النسبية القادرة على إلغاء دوره الفاعل والمقرر في الحياة السياسة اللبنانية، هذه الحملة الجنبلاطية أتاها الرد من تيار المستقبل ببيان يتضمن على أن الانتخابات يجب أن تجري في موعدها على أساس القانون المختلط والمستند إلى النظامين الأكثري والنسبي وفق الصيغة التي تقدمت، الأمر الذي أثار حفيظة النائب وليد جنبلاط مطلقا حملة رافضة واصفا المناقضين “بالعلوج”.

موقف جنبلاط الرافض للقانون النسبي، الذي يعتبر رفضه له مسألة وجودية حيث كان شديد الوضوح في هذا الإطار، فهو لا يقبل قانونا يلغي الدروز كمكون أساسي في البلد، قابله تضامن قواتي مع موقف النائب جنبلاط سابقا لبيان تيار المستقبل، حيث أعرب حزب القوات اللبنانية على أنه لن يقبل بقانون انتخابي لا يرضى عنه الحزب التقدمي الاشتراكي، وهنا تطرح الأسئلة التالية: ما هو مصير الصيغة المختلطة في ظل هذه التجاذبات واحتدام المواقف المتناقضة منها؟ وهل دعم النسبية علنا يقابله نفس الحماس ضمنا؟ وإذا كانت الصيغة المختلطة لا تستثير الحماس عند واضعيها فلماذا روج لها من الأساس؟ هل تمت صياغتها من باب الاستمالة لمكونات أخرى أم من باب الرضوخ لوجوب التغيير نحو اعتماد النسبية؟ بين النسبية وقانون الستين تحتدم المعركة أما باقي المشاريع المقترحة فهي مركونة على الرف ولا مكان لها في التراشق القائم، مع أن بعضها قد يتضمن الصيغة المناسبة للواقع اللبناني ولكن غير مفصلة على قياس بعض الزعماء أو الطوائف لتشكيل غلبة فئة على أخرى في ظل الاحتدام الطائفي القائم في المنطقة والذي ينعكس على الواقع اللبناني بحرب باردة غير متوازنة في الوقت الحالي.

فإذا طرحنا السؤال التالي، ما هو قانون الانتخابات الأفضل الذي يلاءم الواقع اللبناني المتعدد دون أن تشعر أي فئة من الفئات بالغبن والتهميش؟ ولا نقصد بأي فئة من الفئات أي زعيم من الزعماء بل نقصد أي طائفة من الطوائف بالإضافة إلى المجتمع المدني الذي بدأت تتصاعد وتيرة مطالباته، بمعنى الحفاظ على حقوق الطوائف من جهة وإفساح المجال للقوى الشبابية الجديدة بالانخراط في العمل السياسي من جهة أخرى. فإذا انطلقنا من أن للبنان واقع متعدد لا يجوز تجاوزه إلا بارتياح تام من قبل جميع الأطراف وليس نتيجة غلبة فئة على أخرى، هذه الغلبة التي سوف ينتج عنها تشبث مضاعف بالانقسام والتريث لاقتناص فرص جديدة لإعادة تشكيل موازين القوى، وهذا ما يبقينا في صراع دائم على السلطة لا قرار له ولا نهاية، فغلبة فئة على أخرى هي دائما وقتية تتغير مع تغير الظروف والمعطيات، هذا ما عليه أن يدركه الجميع والعمل على بناء دولة حديثة بشروط حديثة لا تستثني أحدا والعمل على تأهيلها بصيغة سليمة مانعة لحروب باردة أو ساخنة. فإذا تجاوزنا مصالح الزعماء ونظرنا إلى مصلحة الطوائف كمكونات ومصلحة المواطنين كأفراد وحقهم في الانخراط في العمل السياسي وإعطائهم القدرة على محاسبة الفاسدين من الحكام، في هذا الوضع يطل علينا العديد من القوانين القابلة للتطبيق بسهولة وليس كما يصورها البعض بأنها غير قابلة للتطبيق أو بالأحرى يشيطنها لغاية في نفس يعقوب، منها مثلا الدائرة الفردية التي تفرز طبقة سياسية جديدة خارج القبضة الزعماتية وتعطي المواطن القدرة على محاربة الفاسدين وإقصائهم عن العمل السياسي

 فالدوائر الفردية معتمدة في أعرق ديمقراطيات العالم، فهل سنصبح منها؟
إن طرح قانون النسبية في ظل الخوف من الغلبة بين أكثرية طائفية وأقلية طائفية يزيد الواقع تعقيدا، فالقانون على القاعدة النسبية لا يشكل حلا سياسيا في لبنان، حيث لا يمكن لقاعدة العدد أن تعتمد بعد في الواقع اللبناني الحالي المنقسم، فإذا كانت الديمقراطية تعني حكم الأكثرية العددية، فإن ذلك يطبق عندما تكون هذه الأكثرية سياسية وليست دينية، وأكثر من دينية، مرتبطة بمشاريع خارجية، ففي الحالة الأولى يصبح بالإمكان تطبيق قاعدة التناوب على السلطة بين أكثرية وأقلية، حيث يمكن للمواطن أن يغير خياراته السياسية بالانتخاب وينتقل بتأييده واقتراعه من حزب إلى آخر، وهذا لا يمكن أن يحصل في ظل الواقع التعددي الطائفي لأنه عندما يكثر عدد إحدى الطوائف أو يطغى، فأن اللحاق بهذه الأكثرية يفترض تغيير الطائفة، في لبنان حاليا هناك أحزاب الشخصيات وأحزاب الأقليات، ولقد عايشنا انقساما عابر للطوائف بين 8 و14 آذار كان يمكن أن يشكل نواة حزبية عابرة للطوائف لكنه سقط عند الاعتبارات النفعية الخاصة، كما لا يجوز المقارنة بين ما شهدناه من تحالف سياسي عابر للطوائف وبين ما هو مطبق في الأنظمة الديمقراطية في أحزاب كبيرة على مستوى الوطن الموالاة لها أو معارضتها نابع من برامج حزبية، وليس الموالاة لها ومعارضتها نابع من اعتبارات انقسامية حول مفهوم الدولة.

فالقانون النسبي في واقع لبنان الحالي لا يجوز تطبيقه إلا داخل كل طائفة على حدى، فمن حسناته أنه يفرز طبقة سياسية جديدة ويعطي دورا للفئات المهمشة قد تؤسس لواقع مجتمعي لبناني لا يخاف تخطي الطائفة ليندرج في وحدة وطنية خالية من رموز الفساد والارتباطات الخارجية، مع العلم أن النظام الطائفي هو بحد ذاته نظام نسبي إنما النسب موزعة على الطوائف بتوازنات دقيقة والمطلوب إنه من ضمن هذه التوازنات الدقيقة التي تترجم الواقع التعددي أن يفسح المجال لقوى سياسية ناهضة بالانخراط في ممارسة المسؤوليات السياسية، وإنه لأمر سهل التطبيق إذا أفسحت المجال القوى السياسية الحاكمة واقتنعت إن الزمن إلى تطور وأنها لا تستطيع الاستمرار في إطباق يدها على الحكم، فهذا لا يشكل مصلحة للطوائف بل ﻹستمرارها. في هذه القوانين التي نقترحها وهناك المزيد منها، لا شي مثالي فيها، ولكنها تعطي فرصة لتطور الواقع اللبناني المتعدد الخائف والمهدد من بعضه البعض إلى السير لخلق واقع أفضل. إن المرتجى من القوانين الانتخابية والأفضل منها ملائمة للوضع اللبناني التعددي لا يمكن أن يتفلت من خضوعه ﻹعتبارات الواقع السياسي الحالي الذي ستكون له الكلمة الفصل في كل ما هو مقترح، فكما خضعت اعتبارات انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة لموزاين القوى، أيضا فإن قانون الانتخابات النيابية سوف يخضع لنفس المعايير ، ويبقى السؤال أين تكمن المصلحة الحقيقة وفي أي قانون ستجد نفسها الموازين الجديدة، إن غدا لناظره قريب…

قانون مرتجى
لنادي الرؤساء
يعيد إنتاج
أدهى الأدهياء
تشكل اللوائح
وتحذف أسماء
تفصل الدوائر
وترسم الأحياء
في دقة بالغة
لا سهوا لا أخطاء
فالحصة محسوبة
نواب ووزراء
وثروة منتظرة
تزيدهم ثراء
إنهم حاكمون
ولهم الإملاء
والطاعة والسمع
لزمرة أغبياء
تنحني إحتفاءا
بزعيم الزعماء
ليحبك في خلوة
حبكة سوداء
يتسامر يتناور
بحضرة الشركاء
ولا تخلو الجلسة
من أجواء دافئة
أضواء غناء وكستناء
ليبدعوا قانون مرتجى
لنادي الرؤساء…