أسعد بشارة: إلى قانون «الستّين» دُر//طوني عيسى: إنتخابات 2017: طوائف تحت السيطرة

115

إلى قانون «الستّين» دُر
أسعد بشارة/جريدة الجمهورية/الأربعاء 11 كانون الثاني 2017

تتوالى مفاوضات المماطلة والتسويف بين القوى السياسية التي إئتلفت في التسوية الرئاسية والحكومية، لتصبّ في النهاية في تكريس قانون الستين وإجراء الانتخابات النيابية ربما في موعدها، على أساس هذا القانون الذي لعنته كلّ القوى، فيما معظمها يعمل سرّاً على تكريسه.

بالنسبة الى الثنائي المسيحي، فإنّ قانون الستين بات الأفضل، في ظلّ التحالف الذي يأمل كلّ من «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» أن يؤدي الى اكتساح معظم الدوائر ذات الأكثرية المسيحية في جبل لبنان والشمال والاشرفية وزحلة وجزين، ويسعى هذا الثنائي الى إجراء عملية تجميلية على هذا القانون لنقل بعض المقاعد، خصوصاً المقعد الماروني من طرابلس الى البترون، والمقعد الماروني من بعلبك الى بشري، ولا يمانع الثنائي المسيحي إضافة لمسات تجميلية على قانون الستين كفرض «الكوتا» النسائية، والبطاقة الموحَّدة، وكلها تفاصيل لا تؤثر في نتائج الانتخابات، ولا تغيّر من النتائج.

أما بالنسبة الى تيار «المستقبل»، فإنّ قانون الستين يبقى الصيغة الأفضل ووفق الحسابات المستقبَلية، فإنّ كتلة «المستقبل» لن تخسر وفق هذا القانون اكثر من مقعد او مقعدين، في طرابلس وعكار، وفي الحسابات ذاتها إنّ اللواء أشرف ريفي بالكاد يستطيع أن يخترق لائحة «المستقبل» في طرابلس.

وبناءً على هذه الحسابات، يعمل «المستقبل» على إجراء الانتخابات وفق الستين، ويضع «فيتو» على النسبية الشاملة، كما يفاوض على القانون المختلط، لكن على أساس الدمج بين صيغتي رئيس مجلس النواب نبيه بري، والصيغة الثلاثية لـ«المستقبل» و«القوات» والحزب التقدمي الاشتراكي، التي تقلّص حجم كتلة «المستقبل» الى ما يقارب الـ25 نائباً، فيما تشطر النسبية الكتلة ثلاثياً وتقزّمها بحيث تقارب الـ10 أو 12 نائباً. وبالنسبة الى جنبلاط المعركة هي معركة حياة أو موت، فهو لن يقبل بالنسبية تحت أيّ ظرف، كما أنه بالكاد يمكن أن يسير في القانون الثلاثي الذي اتفق عليه مع «المستقبل» و«القوات»، لكنّ هذا القانون نفسه الذي يقسم جبل لبنان مراعياً هواجس جنبلاط غير مقبول لدى «حزب الله» وحركة «أمل» والتيار العوني. ويبقى السؤال: ماذا سيكون موقف «حزب الله» وبري من استنزاف الوقت الذي يطيح بفرصة إنتاج قانون انتخاب جديد، وهل وافق الحزب ضمناً كما بري على السير بقانون الستين مجدداً، تحت عنوان عدم القدرة على إمرار القانون النسبي أو المختلط؟ الواضح أنّ «حزب الله» بات مطمئنّاً الى مرحلة ما بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وما سبقها من اتفاقات وما تلاها من نتائج. فكلّ القوى التي انخرطت في التسوية سلّمت عملياً لـ«الحزب» بسياساته والتزمت خطوطه الحمر، لا بل إنّ الخطوط المفتوحة بين بعض هذه القوى و«حزب الله»، والحوار المستمرّ معه، خصوصاً حواره الثنائي مع «المستقبل»، كلّ ذلك أدّى الى مهادنةٍ ستطول، لا بل الى تغيير في خريطة تصنيف الخصوم والأصدقاء.

فـ«الحزب» لم يعد مهتمّاً بإضعاف تيار «المستقبل» بعد انخراطه في التسوية، كذلك لم يعد مهتمّاً بالتركيز على تحجيم «القوات»، التي تسير العلاقة معها على إيقاع تفاهم 18 كانون الثاني، وباتت ترجمة كلّ هذه الحسابات الجديدة تتجه الى إعادة تكريس قانون الستين، الذي يجدّد عملياً لأركان التسوية، والذي سينتج مجلساً نيابياً، يشبه ما أنتج في الحكومة من توافق على ملف النفط والتعيينات، وذلك استكمالاً لسلّة التفاهمات التي سبقت انتخابَ عون. لكن ماذا عن عملية التجميل التي سيتعرّض لها قانون الستين، للمساهمة في تبرير قبوله وهضمه وشطب ذاكرة الرأي العام حول الحملات التي شُنَت ضده ممّن سيقبلون به اليوم؟

من ضمن عملية تجميل الستين، طالب الثنائي المسيحي بنقل مقعد طرابلس الماروني الى البترون، فلم يعارض «المستقبل»، لكنه اشترط في المقابل نقل أحد المقعدين السنّيين من بعلبك ـ الهرمل الى عكار، ليتناسب عدد الناخبين مع عدد المقاعد، فرد «حزب الله» بالرفض المطلق لطلب «المستقبل»، ولن يكون مستبعداً أن يتعرّض كلّ مطلب لنقل مقعد من هذه الدائرة الى تلك لموجة مطالبات مضادة. من ضمن ما يحَضر من أفكار لتجميل الستين، فرض «الكوتا» النسائية، هذه «الكوتا» التي يمكن أن تفرض بنسبة 20 أو 30 في المئة، ولكلّ احتمال طريقة احتساب في الترشيح على أساس عدد المقاعد في الدوائر، لكنّ التطبيق في موضوع «الكوتا» النسائية ليس معقداً ويمكن احتساب الأصوات بسهولة، فهل سيكون نقل بعض المقاعد من دائرة الى دائرة،كذلك فرض الكوتا النسائية، وبعض التعديلات الإجرائية في القانون مدخلاً الى تجميل العودة الى الستين، وإجراء الانتخابات في موعدها؟ الجواب ينتظر 18 كانون المهلة النهائية لتشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات، التي لا يمكن إجراء انتخابات من دونها تحت طائلة الطعن بالنتائج.

 

 

إنتخابات 2017: طوائف تحت السيطرة!
طوني عيسى/جريدة الجمهورية/الأربعاء 11 كانون الثاني 2017

الأرجح أنّ «الشغل» الحقيقي في قانون الانتخابات «ماشي» «تحت الطاولة»، وأنّ القليل يُناقَش فوقها. وباستثناء صراخ النائب وليد جنبلاط، لا تُسمَع اعتراضات ذات شأن من داخل النادي. كان كثيرون يتوقّعون مساراً صدامياً حول كلّ الملفات بين الثلاثي الطوائفي الذي تعاقَد على الصفقة الحالية: الشيعي والسنّي والمسيحي. والسخونة الزائدة كانت منتظَرة على جبهة عون ـ بري، حيث جرى الحديث كثيراً عن «الكيمياء المفقودة»، وأُطلِق العنان لتحليل ما يقصده رئيس المجلس بـ«الجهاد الأكبر». عملياً، سادت الأسابيع الأولى من العهد لعبةُ تجاذبٍ عنيفة لجأت إليها القوى الشيعية والمسيحية خصوصاً، وخلالها رُفع سقفُ المطالب والشروط إلى الحدّ الأقصى. ولكن، يبدو أنّ النهاية جاءت سعيدة، فولِدت الحكومة ضمن تسوية متكاملة تَحفظ للجميع أن يحقّقوا المكاسب في اللعبة، ضمن حدود الواقعي والمقبول، والتخلّي عن الطموحات الكبيرة.

الثغرة التي اعترَت التسوية هي استثناؤها الموقعَ الدرزي التقليدي. فمعادلة التسويات بعد «إتفاق الطائف» بقيَت ثنائية، شيعية ـ سنّية، في غياب العامل المسيحي. وفي هذه المعادلة، اضطلع جنبلاط بدور وسيطٍ له حصّة من الأرباح. وهذه المعادلة كرَّسها السوريون لكنّها بقيَت قائمةً على رغم خروجهم في 2005.

إذاً، حافَظت المعادلة الجديدة على الدورَين السنّي والشيعي، لكنّها أعادت الاعتبار إلى العامل المسيحي، فيما عاد العامل الدرزي خطوات إلى الوراء، ما أثار «قلق الطائفة». وربّما أراد الوزير السابق وئام وهّاب إطلاقَ رسائل مختلفة الاتّجاهات من تهديده بـ«هدم الهيكل على الجميع»، ولكن كان لافتاً استنفار وهّاب، كما جنبلاط، دفاعاً عن موقع الطائفة. التسوية التي استولدت الحكومة ترجَمها الهدوء السياسي والإنتاجية المفاجئة في ملفات «دسمة» وحسّاسة، بدءاً من الجلسة الأولى. وهي ظهرت في الالتفاف الفريد من نوعه حول جولة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الخليجية. وعلى الأرجح ستتواصل في التوافقات المقبلة حول ملفات أخرى، كالاتصالات وسواها، والتعيينات، وخصوصاً في الانتخابات النيابية.

المتابعون لملفّ الانتخابات يتحدّثون عن توافق الأركان الثلاثة المعنيّين بالتسوية، الشيعي والسنّي والمسيحي، على انتهاج مسار يؤدي إلى حفظ مواقع كلّ منهم في شكل متوازن في المجلس النيابي المقبل، وتحديداً لجهة تحسين التمثيل المسيحي، مع الأخذ في الاعتبار موقع جنبلاط. وبناءً على هذه المسلّمة، سيتمّ التفاهم على قانون الانتخاب. في التمثيل الشيعي، ليس هناك قلقٌ لدى «حزب الله» أو حركة «أمل» من أيّ صيغة لقانون الانتخابات. فالواقع الجغرافي والديموغرافي الشيعي، معطوفاً على ما يملك «الثنائي» من أوراق، يَجعل اللاعبَ الشيعي الأقوى في الانتخابات، أياً كان القانون. لكنّ النسبية تَمنحه هامشاً من التحكُّم بالساحات الأخرى. وأمّا في الوسط السنّي، فالواضح أنّ هناك توافقاً على دعمِ الحريري لتمكينه من استعادة القيادة الأولى على رأس الطائفة، والتضييق على محاولات استيلاد زعامات جديدة ظهرت داخل «المستقبل» في مراحل غيابه عن الساحة. ويعني ذلك أيضاً «إراحة» الحريري من أزماته، تدريجاً.

وربّما تؤدي «إزالة الإلتباسات» بين لبنان والسعودية دوراً أساسياً في تحقيق هذا الهدف. فلطالما كان الرصيد السعودي غطاءً لنموّ الزعامة الحريرية في لبنان. وقد أيقنَ السعوديون أنّ احتفاظهم برصيد على الساحة اللبنانية ضروريّ للتوازن الإقليمي، خصوصاً مع استمرار الرئيس بشّار الأسد على رأس السلطة في سوريا.

ويَعتقد المتابعون أنّ التفاهم الآتي سنّياً سيَعتمد القاعدة الآتية: الحريري هو الأقوى، ومعه تمثيل مقبول للقوى السنّية الوسطية أو الحليفة لـ«حزب الله» في طرابلس وعكار وبيروت وصيدا والبقاع الغربي وإقليم الخروب. وأمّا القوى السنّية «المتشدِّدة»،أي تلك التي تأخذ على الحريري مهادنتَه «الحزب»، فسيتمّ تطويقُها وتعطيل وصولِها إلى المجلس المقبل. أمّا على المستوى المسيحي، فواضح أنّ الثنائي، «التيار الوطني الحرّ» و«القوات اللبنانية» سيسعى إلى تحصيل الحصّة الأكبر في المجلس، مع ما يقتضيه الأمر من تسويات مع القوى المسيحية ذات الأوزان الانتخابية في الدوائر المختلفة، وخصوصاً في بيروت وجبل لبنان.

ولكن، وكما يعمل «الثنائي الشيعي» للحفاظ على حلفائه في الساحة السنّية، فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله» سيَحرصان على انتخابات لا تؤدّي إلى إقصاء الحلفاء المسيحيين الذين يمتلكون تمثيلاً شعبياً في مناطقهم، كالنائب سليمان فرنجية وزعامات عدّة.

وفي الخلاصة، ليس هناك توجُّه لاعتماد قانون للانتخابات على قياس زعامة معيّنة، أو طائفة معيّنة، بل قانون انتخابات على قياس زعماء الطوائف جميعاً، المتعاقدين ضمن الصفقة: الثنائيان الشيعي والمسيحي والحريري، مع ضمان موقع مقبول لجنبلاط الذي لا يستطيع أحد أن يتحمّلَ مضيَّه في التصعيد.

وبهذا، لن تكون انتخابات تُقفِل الطريق على التنوّع السياسي داخل الطوائف فحسب، بل تُقفلها على المنتفضين خارجها، أي أمام ناشطي المجتمع المدني. فهولاء يَحلمون بتكرار تجربةَ انتخابات بلدية لو سادها النظام النسبي لأوصَلتهم أقوياءَ إلى المجالس البلدية. ونموذج بيروت هو الأبرز.

الانتخابات التي يجري التحضير لها تضع الطوائفَ كلّها «تحت السيطرة». والظاهر أنّ الوقت ليس وقت التغيير، حتى من داخل الطوائف، في البلد الممسوك وغير المتماسك!.