مقابلة مطولة وشاملة من النهار مع الرئيس أمين الجميل

361

الرئيس أمين الجميّل لـ”النهار”: ندعم كل قادر على تأمين النصاب والأكثرية انتخابات الرئاسة أولوية وسنتعاون في حال التمديد لضرورات معيّنة

مي عبود ابي عقل/النهار

11 تشرين الأول 2014

تلقف الرئيس نبيه بري كرة الرئيس سعد الحريري المنادي بأولوية الانتخابات الرئاسية على الانتخابات النيابية. جاءته “شحمة على فطيرة” ليمضي بخيار التمديد الذي يفضله معظم الافرقاء، وإن من دون ان يضمن حصول الاستحقاق الرئاسي رغم دعواته الثلاث عشرة، لكن الرئيس امين الجميل، الملقب بـ”العنيد”، لن يتراجع عن مطالبته بتطبيق الدستور والذي يولي الاولوية لانتخاب رئيس الجمهورية ويعتبره “تشريع الضرورة” الوحيد حاليا لتعود معه الامور الى مسارها الطبيعي ونصابها القانوني، ويستعيد لبنان عافيته الديموقراطية. من هنا كان المدخل الى الحديث مع الرئيس السابق، والمرشح المطروح لرئاسة الجمهورية.

¶ الى متى تستمر مسرحية الرئيس بري بالدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية؟

– هذه ليست مسرحية. الرئيس بري يقوم بواجباته ويطبق الدستور، والعقدة لدى الجهة التي تعطل النصاب وتمنع حصول الانتخاب في شكل دستوري. المواد التي تحدد النصاب وطريقة الانتخاب والمواعيد التي لحظها الدستور لدعم المؤسسات والنظام، تستعمل لنسف النظام والمؤسسات، والمفروض على النواب والقيادات ان يحترموا المواد الدستورية لتحقيق المصلحة العامة، لا ان يكونوا ضد النظام ويعملوا على تعطيله.

¶ ولكن من يعطل هذا النظام هم حلفاء الرئيس بري. هل يمكن ان يكون له دور في لجم التعطيل؟

– لعبة تعطيل النصاب مشغولة بيدي “جوهرجي”. عند “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” العدد المطلوب من النواب لتعطيل النصاب، ولو لم يكن لديهم الثلث الكافي لكانوا لجأوا الى طلب دعم الرئيس بري وغيره. هم وحلفاؤهم المباشرون قادرون على التعطيل، لذا تركوا الحرية للآخرين. هذا نوع من مناورة دستورية تنافي الدستور والبلاد.

¶ يقول الوزير بطرس حرب انه اذا نزل العماد ميشال عون الى المجلس فإن الانتخابات الرئاسية تحصل. هل توافقه الرأي؟

– هذا صحيح من ناحية العدد. اما في الخلفية والاهداف السياسية من وراء هذا التعطيل فأمر آخر. هناك تقاطع مصالح بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” لتعطيل النصاب في هذا الشكل. بمنطق الدستور والتقاليد اللبنانية من يرغب في الترشح يترشح، ويجس نبض مجلس النواب، اذا رأى ان لديه حظوظا يستمر والا فإنه ينسحب، لذلك هناك دورات متتالية. واذا تبين للمرشح انه لا يتمتع بالدعم الكافي من النواب للوصول، فإنه ينسحب لمرشح آخر عنده حظوظ اكبر. هذه اصول اللعبة، وهذا ما حصل مدى 7 انتخابات رئاسية سابقة، حيث كانت تحصل اعادة تشاور في مجلس النواب. لكن ان نصل الى انتهاء المدة الدستورية لانتخاب الرئيس، ولا يتم هذا الانتخاب، فإن هذا يعتبر انقلابا على الدستور وخارجا عن اطار الاصول الدستورية او التقاليد اللبنانية، وندخل منطق التعطيل للتعطيل. هذا ما وصلنا اليه، وكان المفروض في 25 ايار، ان يستخلص كل مرشح للرئاسة النتيجة، ويخلي من لا حظ له المجال لغيره، ويحصل تشاور في اطار المصلحة الوطنية من اجل تأمين انتخاب رئيس قادر على نيل الاكثرية، وينجز الانتخاب في شكل دستوري ومنطقي وبما يخدم مصلحة الوطن.

¶ هل تعتقد ان “حزب الله” مستعد للتخلي عن مرشحه عون، خصوصا بعد تأييد السيد حسن نصرالله العلني له في خطابه الاخير؟

– “حزب الله” حزب سياسي له تمثيل في المجلس النيابي والحكومة. تحول من مقاومة في المطلق الى حزب يمارس العمل السياسي، وبذلك عليه ان يتقيد باللعبة السياسية. ليس المهم ان يبقى الحزب متمسكا بميشال عون، ولا ان تتمسك قوى 14 آذار بسمير جعجع، المهم ان نستطيع ايصال مرشحنا الى الرئاسة، عندما لا يكون لدينا العدد الكافي لإيصاله الى الرئاسة يجب الاقتناع بترشيح آخر. اذا بقي “حزب الله” متمسكا بهذا الشكل بعون، رغم اتضاح عدم القدرة على ايصاله الى هذا الموقع، فهذا يعني انه لا يريد انتخابات رئاسية.

من ناحية اخرى اذا بقي “حزب الله” مصرا على مرشحه، ولنفترض انه تمكن من تأمين نصاب الثلثين والنصف زائد واحد للانتخاب في الدورة الثانية لمصلحته، ففي امكان الفريق الآخر استخدام وسيلة “حزب الله” ذاتها وتعطيل النصاب. اذاً هذه لعبة واسلوب عبثيان في امكان اي فريق استخدامهما.

¶ هل صحيح ما ذكر عن تأييد الحريري لترشحكم في حال استطعت الحصول على تأييد قوى 8 آذار؟

– لم يعد الانتخاب حكرا على طرف من دون طرف آخر. وأي مرشح من قوى 14 او 8 آذار او من المستقلين قادر على تحقيق النصاب وتأمين الاكثرية، يصبح رئيسا. وفي الاجتماع الذي اطلقت خلاله قوى 14 آذار مبادرتها الرئاسية منذ شهر تقريبا، كان موقف الرئيس الحريري واضحا: ايا كان القادر من 14 آذار على ان يحقق هذين الشرطين فكلنا متضامنون معه.

¶ في لقائكما في باريس هل تحدثتما عن دعمك للرئاسة؟

– “ما حكينا بدعمي”، بل عن ضرورة انتخاب رئيس جمهورية. واذا كان شخص من 14 آذار، امين الجميل او غيره، قادرا على ان يحقق شرطي النصاب والنصف زائد واحد فنحن معه.

¶ لم يكن الحديث عنك شخصيا؟

– بلى حكي عني شخصيا لأنني من المرشحين المطروحة اسماؤهم منذ اجتماع بكركي، ولم يتغير شيء.

¶ هل فكرة الرئيس الوسطي او الوفاقي لا تزال مطروحة او يعمل عليها؟

-الرئيس الوفاقي لا يتناقض مع الرئيس القوي. يمكنه ان يكون قويا ووفاقيا في آن واحد، ويجب ان يكون كذلك لانه اذا كان وفاقيا ويفتقر الى الشخصية والقدرة على جمع الداخل ومحاورة الخارج فلا يحقق المصلحة الوطنية. في مرحلة ما طرح العماد عون نفسه رئيسا وفاقيا، وانفتح على الرئيس الحريري و”تيار المستقبل” وحصلت اجتماعات عدة وعلى مستوى وبنيت الاحلام عليها، لكنها لم تؤد الى نتيجة. في ضوء المعطيات يمكن ان يكون ترشيحي حلا.

¶ انتم ضد التمديد وحليفكم الرئيس الحريري او “تيار المستقبل” يؤيد الانتخابات. ما هذا التناقض في المواقف؟ وكيف يحل؟

– لم يتبلور الامر بعد. هناك معطيات عدة تتحكم في هذا الاستحقاق: هناك تقصير من الحكومة وتأخير دستوري في دعوة الهيئات الناخبة، وهناك تعطيل في مجلس الوزراء لتشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات، كذلك لم ترصد بعد الاموال الكافية لاجراء الانتخابات، اضافة الى الوضع الامني الذي حذر منه وزير الداخلية وعدم قدرة القوى الامنية والجيش، المنهك على جبهات عدة، على حماية الانتخابات.

¶ هل هذه الاعتبارات يمكن ان تجعلكم تغيرون رأيكم وتوافقون على التمديد؟

– نحن نتقيد باحكام الدستور الذي ينص بموجب المادتين 74 و75 على ان مجلس النواب، في غياب رئيس الجمهورية يتحول هيئة انتخابية، ولا يجوز ان يتلهى بأي موضوع غير انتخاب رئيس. ونعتبر ان انتخاب الرئيس هو تشريع الضرورة، ولا ضرورة اخرى تعلوه. اصبح مفهوم “تشريع الضرورة” مطاطا وشخصيا، وكلٌ يفسر الضرورة بما يناسب مصلحته، الى حد وضع تصحيح خطأ مادي في قانون السير في اطار تشريع الضرورة، وهذا استخفاف بعقول الناس، ومخالفة للدستور وهرطقة. في ضوء المستجدات، كل ما يخدم مصلحة البلاد، لن نتأخر عنه، ولكن في المطلق انتخاب رئيس الجمهورية هو الاولوية بالنسبة الينا.

¶ في حال حصول التمديد هل يمكن ان تستقيل كتلة الكتائب من المجلس؟

– كلا، لسنا في وارد اخلاء الساحة. لا يمكننا مقاطعة المؤسسات الدستورية، واذا حصل التمديد للضرورات التي ذكرتها فسنتعاون.

¶ما قراءتك لما حصل في مزارع شبعا؟

– مغامرة يمكن ان تورط البلاد في أحداث نحن في غنى عنها. ونؤكد مرة اخرى ان قرارات السلم والحرب يجب ان تكون منوطة بالدولة وبالمؤسسات الشرعية والدستورية، وأن تؤخذ بشراكة وطنية حقيقية.

¶ ما رأيك في ما يحكى عن ظاهرة تسلح المسيحيين، لا بل التنسيق والتعاون مع “حزب الله” في بعض البلدات البقاعية؟

– نحن ضد تسليح الشعب الا في اطار القوى الشرعية، فهذا خرق للدستور والقانون، اضافة الى سبب آخر يمكنني ان اتكلم عليه اكثر من غيري، وهو تجربتنا المرة مع الميليشيات ومع “ابو الليل” و”ابو الغضب” وغيرهما. تسليح الناس عشوائيا او في شكل حزبي سيؤدي الى انعكاسات خطرة على الداخل اللبناني وبين مكوناته، لأن السلاح بين المواطنين بدون امرة وانضباط وطنية، مهلكة للبلاد، واتكلم على تجربة ومعاناة. الحل هو بالتضامن والالتفاف حول الجيش وقوى الامن الداخلي، وقيام البلديات بالحراسة والمراقبة بالامكانيات التي تملكها، وبوضع خطة امنية شاملة تحت قيادة الدولة وسقف المؤسسات الشرعية. وكل ما عدا ذلك، وإن كان مفيدا ظاهريا او آنيا، إلا انه في مرحلة مقبلة وسريعا سيتحول هذا السلاح عبئا كبيرا على المجتمع اللبناني.

¶ ما رأيك في طريقة التعاطي وقضية العسكريين المخطوفين؟

– اتفهم اهالي المخطوفين، فنحن عائلة تلوعنا ونعرف قيمة الوجع. في الوقت نفسه يجب ان نتعالى على الجرح للحفاظ على معنى الشهادة والمعاناة، ولنحفظ البلاد. مؤسف ان مظاهر الاستنكار ادت الى الخلط بين الحق والباطل، وصارت الدولة والجيش هما المجرمين والمخطئين، والخاطفون هم الضحية والمظلومين ونعطيهم المبررات وهذا امر خطير. كذلك اريد ان اسجل عتبا على وسائل الاعلام التي تصب الزيت على النار، وتبرز هذا الخلط في المفاهيم، وتجيّش مشاعر الناس ضد الدولة والجيش. طلبنا من وزير الاعلام وضع حد لهذه المأساة الاعلامية التي يدفع لبنان ثمنها. كما ان قطع طريق ضهر البيدر ادى الى خسائر يومية قدرت بـ5 ملايين دولار للمزارعين واصحاب المصالح. هل نقاصص انفسنا؟ كلما قمنا بهذه الاعمال والمظاهر، تعزز موقع الخاطفين، وعلا سقف مطالبهم وتعطل امكان تحرير المخطوفين، فما دام الخاطف يستطيع الترويج لمصالحه وتحقيق مآربه، فلماذا يطلق المخطوفين؟ سيستغل هذا الموضوع الى النهاية على حساب المخطوف وعائلته والوطن. لذلك اقول ان تعامل الدولة والقيادات والاعلام كان خاطئا، مع كل احترامي وتحسسي لمشاعر الاهالي ومعاناتهم.