الـيـاس الزغـبـي: سقوط على طريق بعبدا

136

سقوط على طريق بعبدا
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/17 كانون الأول/16

بعد “جهاده” في حلب، كان لا بدّ لـ”حزب الله” أن يولي اهتمامه “جهاد” عين التينة، فأعاد تصليب موقف “مكلَّفه الشرعي” نبيه برّي، وأوصاه برفع سقف “جهاده الأكبر” إلى عيار الـ30، بعدما كان عيار الـ24 في طريقه إلى قصر بعبدا لإعلان الحكومة. لقد سقطت تشكيلة الـ24 بالضربة القاضية على طريق بعبدا، بما يشبه إسقاط حكومة الحريري وهو على طريق البيت الأبيض، والفارق البسيط هو في الشكل والتوقيت: فالأُولى أُعدمت من الرابية بعد أشهر من ولادتها على أساس “اتفاق الدوحة”، والثانية وُئدت من عين التينه قُبيل الولادة! إضافةً إلى أنّ الرسالة لم تكن موجّهة إلى واشنطن سابقاً، ولكنّها بالتأكيد موجّهة إلى بعبدا راهناً.

وإذا كان إعدام الأُولى تمّ على خلفيّة خرق “الدوحة” بهدف الاستئثار بالسلطة عبر تشكيل “حكومة ضامنة” وليس فقط “ثلث ضامن”، فإنّ إسقاط تشكيلة الـ24 جاء على خلفيّة استثمار “انتصار حلب”، واستشعار الغلبة التي لا بدّ من فرضها على الميزان السياسي اللبناني. فمنذ انطلاق مشاورات التأليف قبل شهر ونصف، كان يتمّ استيلاد عقدة جديدة بعد حلّ سابقتها، من الماليّة إلى السياديّة، ومن الوازنة لهذا أو ذاك إلى الأشغال، ومن رفض وزير شيعي في حصّة رئيس الجمهوريّة إلى توزير سنّي من “8 آذار”، وقومي وأرسلاني وربّما بعثي، وحقيبة خامسة للشيعة… ودائماً تحت شعار “حكومة وحدة وطنيّة جامعة”!

وحين نجح الرئيس المكلّف في ترتيب تشكيلة مقبولة بتلبية معظم مطالب “الجهاد الأكبر”، فاجأوه بلغم “الثلاثينيّة” وهو في طريقه لإعلانها من القصر الجمهوري، فقبل أن يصل إلى القصر سارع برّي إلى إعلان رفضه العاجل والحاسم لتشكيلة أقلّ من 30 وزيراً. ليس سرّاً أنّ الكفّ الناعمة التي قدّمها قائد “حزب الله” في خطابه الأخير، كانت ذات قفّازة مخمليّة أخفت موقفاً حديديّاً لم يتأخّر في الظهور. وكان برّي أميناً في إظهاره وإعلانه تحت شرط الـ30.

وفي العمق، تذهب تعقيدات “حزب الله” إلى أبعد من حرصه على حصص حلفائه في “جبهة الممانعة والمقاومة”، وتبلغ حدّ الموقف الاستراتيجي. فهو يريد أن يتحكّم بمسار العهد وحكومته على مستوى السياسة الخارجيّة والالتزامات. وليس خافياً أنّه شديد الامتعاض من تكرار أوساط رئيس الجمهوريّة حسم زيارته الأُولى إلى المملكة العربيّة السعوديّة، وانفتاحه على المؤسّسات الماليّة والاقتصاديّة الخليجيّة، ولو تحت العنوان الانمائي الذي يسعى إليه العهد.

وتركيز نصرالله في خطابه على عدم معارضته هذا الانفتاح، يعتمد أسلوب التقيّة، لجهة أنّه يُعلن غير ما يُضمر.
وهنا لا نقرأ في النيّات، بل نستدلّ بالسوابق في هذا المجال. فلطالما وعد بالتهدئة وشنّ حروباً، ولطالما تحدّث عن حوار وسعى إلى تصادم، فخوّن ثمّ حاور ثمّ خوّن.
والنماذج ماثلة من حصار بيروت وغزوها إلى حرب تمّوز إلى إسقاط اتفاق الدوحة، فالحرب السوريّة وما وراءها من وظائف وأدوار خارجيّة مقرّرة، وصولاً إلى فرض الفراغ الرئاسي الذي امتدّ أكثر من سنتين واضطُرّ للخروج منه مكرهاً. ونشوة “حزب الله” والأسد بمأساة حلب، جعلتهما يتعاميان عن انتكاسة تدمر، ولا يتعجّلان التوظيف إلاّ في لبنان، من خلال شدّ الخناق على تشكيل حكومته. فـ”الصبي لا يستقوي إلاّ على خالته” كما في المثل الشائع.

ليس متاحاً لهما الآن توظيف نتائج حلب في تدمر وإدلب والرقّة ودير الزور والجنوب السوري، لأنّ القرار في مكان آخر، من موسكو إلى واشنطن وأنقرة، فليكن التوظيف في الحلقة الأضعف، لبنان، خصوصاً أنّه في وضع هشّ على عتبة عهد جديد يحتاج إلى هدوء ورعاية كي يتمكّن من الاقلاع.
إنّهما يعملان بشكل سافر على توجيه لبنان وفق بوصلتهما، وليس أسهل من تعطيل تشكيل الحكومة لممارسة الادارة والتحكّم. ويعتبران أنّ لهما دالّة ومَونة على العهد لأنّه خرج من “صلبهما”.

أيّ حكومة ستولد بعد كلّ هذه الشروط والعقد والمَونة و”الجهاد”؟
لقد دفنوا بنت الـ24 ووضعوا حجراً على قبرها.
أمّا الثلاثينيّة فتحمل في أحشائها أجساماً مشوّهة أشدّ خطراً من ذاك اللقيط المسمّى “ثلثاً معطِّلاً”.

فهل لدى القابلة الثنائيّة عون – الحريري عصا سحريّة لتأمين ولادة مولود طبيعي وشرعي؟
ربّما، باللجوء إلى توليد قيصري لحكومة غير تقليديّة.