علي حماده: في لبنان لا شيكات على بياض//روزانا بومنصف: جميع الأفرقاء يخرجون رابحين من الفراغ ! المناخ الجديد لا يحجب انعدام المساءلة

89

في لبنان لا شيكات على بياض
علي حماده/النهار/5 تشرين الثاني 2016

انتخب الجنرال ميشال عون رئيسا، ثم كلف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الاولى للعهد. ارتاحت البلاد نوعا ما، وإن يكن العارفون ببواطن الامور يقرون بأن أيا من القضايا الخلافية الكبرى التي تنقسم البلاد حولها لم تحل، ولن تحل. فإشكالية سلاح “حزب الله” غير الشرعي بكل وجوهه قائمة اكثر من اي وقت مضى. والخلاف العميق حول عصابات ما يسمى “سرايا المقاومة” قائم ايضا. والخلاف حول تورط “حزب الله” في حرب في سوريا تحت عنوان “الحرب الاستباقية” مطروح ايضا. وأخيرا وليس آخرا، هناك مستويان من المواطنية في لبنان، حيث ثمة بيئة معينة تعتبر نفسها فوق بقية البيئات المكونة للبنان. هذه القضايا الخلافية سترافق عهد عون، ومسار الحريري رئيسا للحكومة. وإذا كانت سمة المرحلة الحالية، استنادا الى موازين القوى على الارض، فرضت على الكثيرين اتخاذ وضعية النعامة بدفن الرؤوس في الرمال، فإن التطورات في الاقليم وحركة “حزب الله” التوسعية في الداخل، ووظيفته الامنية والعسكرية في الخارج ستؤدي باللبنانيين عاجلا ام آجلا الى العودة الى لب الازمة ومنابعها.

لا شك في أن آمال اللبنانيين انتعشت كثيرا بعد حصول التسوية الرئاسية التي أفضت الى انتخاب عون رئيسا، وتكليف الحريري تشكيل الحكومة الاولى وترؤسها، أقله حتى إتمام استحقاق الانتخابات النيابية في منتصف ٢٠١٧ أو في الربع الثالث منه. ولا شك في ان انتعاش الآمال ترجم ارتياحا في الداخل، ولا سيما بعدما سمع اللبنانيون أن الرئيسين عون والحريري ينويان فعلا ان يتعاونا في سبيل تحقيق إنجازات سريعة تنعكس مباشرة على حياة المواطنين. كما ينويان وضع عدد من المشاريع والاجراءات المتوسطة المدى على سكة الاقرار في مجلسي النواب والوزراء. لكن التجربة في لبنان علمتنا أن الآمال هشة بسبب هشاشة الوضع السياسي، أكان في الداخل أم في الاقليم. ومع ذلك فإن جميع اللبنانيين يريدون إعطاء العهد الجديد بجناحي التسوية عون والحريري، فرصة للانجاز، أقله في المجالات التي يفترض ألا تكون موضع خلاف. وهذا لا يكون من دون تعاون حقيقي بين عون والحريري، فحيث يمكن الحريري ان يعمل وينجز، سيكون مطلوبا من عون ان يعبد الطريق أمامه، لكي يكسبا معا. يبقى أن هناك علامة استفهام كبيرة تتعلق بموقف العرب من لبنان بعد انتخاب عون رئيسا للجمهورية. صحيح ان ترؤس الحريري حكومة العهد الاولى يشكل رسالة ايجابية للعرب، لكنه غير كاف. والرئيس عون مطالب بأكثر من خطاب القسم الذي حاول فيه ارضاء كل الاطراف بشيء من الغموض. فاستمرار لبنان منصة لاستهداف العرب امنيا وعسكريا واعلاميا، لن يسهل انطلاقة عهد عون. واي عهد في لبنان مهما علا شأن صاحبه محليا، لا يمكنه ان ينجح من دون العرب. وسلوك “حزب الله” ليس عاملا مسهلا لانفتاح عربي جديد على لبنان. بناء على ما تقدم ، نقول ان التحديات كبيرة جدا. وان فرحة الايام الاولى لملء الشغور الرئاسي لن تطول، لان الاستحقاقات داهمة وفورية، ولان ما من شيء في السياسة اسمه شيك على بياض لأي كان.

 

جميع الأفرقاء يخرجون رابحين من الفراغ ! المناخ الجديد لا يحجب انعدام المساءلة
روزانا بومنصف/النهار/5 تشرين الثاني 2016

على رغم ارتياح اللبنانيين لانتهاء الوضع الصعب الذي تمثل بانتهاء الشغور في الرئاسة الاولى وبدء تأليف حكومة جديدة مع عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاستها ، فان ما يبدو مثيرا للاستغراب واحيانا للاستهجان كيف ان جميع الافرقاء السياسيين يخرجون رابحين من فراغ تميز بصراع سياسي من خلال اقتسام السلطة من دون ان يخضع اي منهم للمحاسبة او لتقديم مراجعة امام الرأي العام . فالربح الذي تعممت افضاله على القوى السياسية الاساسية والذي سيطاول بعض القوى في المشاركة الحكومية لم يأخذ في الاعتبار العائلات التي دفعت اثمانا طردا من دول الخليج مثلا او اللبنانيين الذين اضطروا الى اقفال مؤسساتهم تحت وطاة الازمة الاقتصادية التي دقت ابواب اللبنانيين او الشباب الذين ازدادوا يأسا من البلد واضطروا الى الهجرة للعمل بظروف صعبة، وذلك من دون التوقف عند حال التوتر شبه الدائم للبنانيين خلال العامين الماضيين لاعتبارات تتصل بغياب المؤسسات والانتظام فيها ما انعكس على يومياتهم وحياتهم. كما ان هذا الربح سيعتد به على ان ما اعتمد من اساليب كان ناجعا بالنسبة اليهم ولو على حساب اللبنانيين الذين يكتفون بما يقدم اليهم على انه انقاذ ساهمت فيه هذه القوى و”كان الله يحب المحسنين”. فلا مساءلة لمن اوصل الوضع الى هذه الحال بعد تعطيل علني لم يثر خجل من قام به وهم قوى محلية في الدرجة الاولى ساهمت على الاقل في ان تشكل واجهة للخارج ولا محاسبة على مواقف دفع البلد وابناؤه اثمانها . ولذلك ليس واضحا ما اذا كان الافضل بالنسبة الى السياسيين ان ينسب الانتهاء من الازمة اليهم وحدهم شخصيا وتاليا اعادة الاعتبار الى الصناعة اللبنانية للحل الذي شهد لبنان ترجمته منذ مطلع الاسبوع ، او من الافضل نسبة ذلك الى قطبة اقليمية في مكان ما ساهمت في فك اسر الاستحقاقات اللبنانية الدستورية نتيجة حسابات او اعتبارات ما. وبالنسبة الى اوساط سياسية فان الاحتمال الثاني يبقى اقل وطأة على القوى السياسية من الاعتداد بصناعة الحل لان الاسئلة التي يمكن ان يستدرجها او يحفزها ذلك تتصل بالاسترهان المعتمد من قوى سياسية متضاربة من اجل تحسين اوراقها ومواقعها من دون الاخذ في الاعتبار مصالح الناس واللبنانيين فيما ان استرهان الوضع اللبناني من قوى اقليمية وانتزاعه منها في لحظة مناسبة وفق ما يتفق السياسيون على القول يظل افضل بكثير كذريعة تصب في مصلحة القوى السياسية. ولعل ما انهال من اتصالات على الرئيس تمام سلام من العواصم المؤثرة في الدرجة الاولى ان من خلال موقف للامين العام للامم المتحدة بان كي مون او مجموعة الدعم الدولية للبنان او الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وسواهم الكثير والاقرار له بما بذله على المستوى الشخصي في ابقاء البلد متماسكا بالحد الادنى الممكن وسط تلاطم الامواج الداخلية والخارجية يشكل المؤشر الوحيد الابرز على ان قيادة البلد لم تكن سهلة في العامين الماضيين في الوقت الذي عانى الرئيس سلام ما عاناه من الافرقاء السياسيين الذين وجدوا الطريق لاحراز المكاسب على حساب ما مثله سلام من صبر وهدوء ساعدا على عبور البلد المرحلة الصعبة على هذا الصعيد. وهو وحده من دون حكومته من استحق كل الثناء والتقدير على ما قام به ممن يقدرون ويعرفون حجم التحديات التي واجهت البلد.

ما اشاعته التسوية التي حصلت بالنسبة الى اللبنانيين كمشهد عام ان البلد لن يسمح له بالسقوط او الانهيار ايا تكن الاثمان التي دفعها البعض او الخسائر التي ترتبت عليه. وعلى رغم ذلك فان الشكوك والمخاوف تبقى قائمة من تسوية سياسية يسأل كثر اذا كانت مرحلية والى متى تدوم في ظل خشية فعلية ان تكون كذلك فعلا وقد حتمتها اعتبارات تلاقت على مواجهة لبنان شفير الهاوية على الصعيد الاقتصادي في شكل خاص كما احتمال مواجهة لبنان فراغا مؤسساتيا شاملا في الربيع المقبل متى حان موعد الانتخابات النيابية خصوصا ان التسوية قد اعتمدت على عناصر ارغام ضاغطة عدة لا تخفيها الوعود او التمنيات التي اطلقت ولا تبددها مشاعر الود والاحترام التي اطلقت الاسبوع المنصرم. ذلك ان ما يحوط بلبنان خصوصا في الجوار السوري المباشر لا يحمل افقا قريبا في اتجاه الحلول ولا كذلك العلاقات الاقليمية المتوترة بين السعودية وايران فيما شكل الموضوعان عقبتين بارزتين في موضوع انجاز الاستحقاق الرئاسي بداية ثم سائر الاستحقاقات فيما علامات الاستفهام تبقى قائمة حول السبيل للسير بين التناقضات الاقليمية بعدما فشل لبنان في ذلك في العامين الماضيين وتسبب افرقاء فيه في خسارة علاقات لبنان العربية والاستثمارات المحتملة. وهذا السؤال الذي يفترض ان يعني امكان تحييد لبنان او اذا كان ذلك سيطبق بمعايير الحد الادنى ان لم يكن لجهة عودة ” حزب الله” من سوريا فعلى الاقل بالنسبة الى انخراطه في سائر صراعات المنطقة يطاول ايضا امكان السير بين التناقضات المحلية التي تشكل في جزء لا بأس به انعكاسا للتناقضات الاقليمية بدورها. لذلك فان الهدف الابعد من دعم المناصرين والمؤيدين في هذا الاتجاه او ذاك، يرتبط بما اذا كان يمكن استعادة ثقة اللبنانيين بصدقية القوى السياسية التي تعمل على انتاج نفسها بالعمل من اجل لبنان وابنائه وليس من اجل مصالحها فقط.