ايلي الحاج: انطوت صفحة “14 آذار” بهزيمة سياسية

285

انطوت صفحة “14 آذار” بهزيمة سياسية
ايلي الحاج/النهار/3 تشرين الثاني 2016

لم يرَ الجيل الطالع احتفالات بانتخاب رئيس للجمهورية، فآخر رئيس فاز متمتعاً بشعبية كبيرة كان الشيخ بشير الجميّل قبل 34 عاماً، على أمل ألّا تكون هذه الحسنة يتيمة في تطورات الأيام الماضية. ولعلّ الحاجة إلى إظهار ما يشبه الانتصار والتخفيف من وقع الخسائر كانت دافعاً إلى سبق بين أطراف متلاقين – متعارضين إلى تبني إنجاز عملية إرجاع الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا بعدما خرج منه قبل 26 عاماً، في حين أن معظمهم، لا سيما في “14 آذار” سابقاً كانوا مرغمين، بفعل مسار انحداري سلكوه وحسابات ورهانات خاطئة على القبول بأمر واقع رفضوه عند بدء أزمة الفراغ الرئاسي.

ليس استرجاع ما حصل تحريضاً على جلد ذاتي بل استخلاص للعبر. عندما يصرّح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع تلفزيونياً أن عمادي “قوى 14 آذار” هما “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” ومعروف أين هما الآن، فلا يجافي الحقيقة تماماً لأنهما فعلاً أكبر قوتين حزبيتين في التحالف السياسي الذي استند إلى إرادة شعبية عارمة التقت على عناوين “حرية سيادة استقلال” ذلك اليوم التاريخي. أسوأ ما حصل بعد ذلك أن إحدى هاتين القوتين كانت تفاجئ حلفاءها بين وقت وآخر بانعطافات حادة في السياسة العامة، مثل زيارة دمشق في كانون الأول 2009 خلال مرحلة سميت بالـ “سين – سين” وكان تأثيرها السلبي كبيراً على الحركة السيادية ككل، مع التحفظ حتى عن هذا التعبير نظراً إلى التصاق لأسباب خاصة، ومظاهر تبجيل مبالغ فيها لقيادة أحد طرفي النزاع العربي- الإيراني في المنطقة.

في مقابل هذه النزعة الاحتكارية للقرار برز تفرد آخر في مقاربة موضوع رئاسة الجمهورية، فترشيح الدكتور سمير جعجع نفسه للرئاسة بدا استباقياً فارضاً نفسه قبل البحث والمناقشة بين الحلفاء، باعتبار أن المنصب يخص المسيحيين وهو يمثل القوة الأكبر بينهم داخل فريق 14 آذار سابقاً. كان التبرير المضمر لدى هؤلاء الحلفاء هو القبول بجعجع مرشحاً لغاية واحدة، هي تعطيل ترشيح الجنرال عون بترشيح قطب ماروني ليوازن قطباً مارونياً وعندما يأتي زمن التسوية ينسحبان لمرشح توافقي.

كان جعجع على حق في اعتباره بعد جلسة الانتخاب الوحيدة التي انعقدت قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان يوم 23 نيسان 2014 أن حلفاءه لا يريدونه رئيساً، فنتيجة التصويت أعطته 48 صوتاً وأعطت المرشح النائب هنري حلو 16 صوتاً، ولو بُذِل جهد كافٍ في الداخل والخارج لإقناع رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط بتأييده به لوصلت أصواته إلى 64 ويكفيه صوت واحد للفوز. لكنها الديموقراطية في نهاية الأمر، وموازين القوى أيضاً.

تمسك “حزب الله” بمرشحه، واضعاً بقية اللبنانية أمام معادلة “عون أو استمرار الفراغ”، ومراراً رفض الدكتور جعجع الانسحاب لمصلحة مرشح توافقي يتمتع بمقبولية أكثر منه، يُحتمل أن يتمكن حلفاؤه من تسويقه أو التفاوض أقله على ترئيسه.

ظل الخيار محصوراً بينه وبين عون، والفراغ ينهش كل الدولة والمؤسسات وجيوب الناس. وكان انحياز بكركي منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس سليمان إلى نظرية ضرورة ترئيس أحد أقطاب الموارنة الأربعة “الأقوياء” عنصراً معرقلاً لإمكانات التسوية.

وبعد سنة ونصف على هذه الحال بدت جبهة “14 آذار” متضعضعة فوق ما كان متوقعاً. فالرئيس سعد الحريري الذي بدأت تلوح علامات تأزم أعماله، ذهب في تشرين الثاني 2015 إلى اتفاق مع رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية على دعم ترشيحه. خطوة مدوّية أثبتت أن أعضاء فريق الحريري لا يعرفون جعجع أبرع الناس في حياكة الانتفاضات والانتفاضات المضادة.

أيام صعوده كانوا طلاباً في الخارج أو غارقين في أعمالهم يقرأون عنه في الصحف. على الأثر عجّل في وضع “ورقة النوايا” مع “التيار العوني” وأعلن دعمه ترشيح الجنرال عون بحضوره في معراب وتبادلا الأنخاب في 18 شباط الماضي. بعد ثمانية أشهر في 20 تشرين الأول أعلن الحريري، الذي ازدادت أثقاله، تأييده لعون متخلياً عن فرنجية. أقنعه جعجع بأن يُشاركا في صنع تركيبة الحكم الجديدة ويحمي كل منهما الآخر داخلها.

كانت ثمة نظرية لطالما سوّق لها رئيس “القوات” فحواها أن “حزب الله” لا يريد عون رئيساً، وثبت بطلانها، فالحزب لم يتردد في جمع أرباحه عن الطاولة بعدما كدّسها خصومه أمامه دفعة واحدة.

فوق ذلك كرّس الحزب ولا سيما أمينه العام السيد حسن نصرالله أنه بات المرجع للجمهورية، ورغم انشغالاته في قضايا المنطقة بأكملها، باتت كلمته هي الفصل في القضايا اللبنانية الكبيرة، كتوزيع الرئاسات والقرارات المصيرية المتعلقة بالدولة على غرار ما كانه الرئيس السوري حافظ الأسد في مرحلة التسعينيات.

هكذا طُويَت صفحة قوى 14 آذار بهزيمة سياسية يُفضّل أبطالها تصويرها انتصاراً. لكن الأزمة اللبنانية لم تنته، وما تغيّر أن النائب الجنرال ميشال عون صار رئيساً وانتقل إلى قصر بعبدا.