عقل العويط: لستُ أنا مَن يستسلم لكَ

129

لستُ أنا مَن يستسلم لكَ!
عقل العويط/النهار/1 تشرين الثاني 2016

قبل انتخاب الرئيس، كنتُ أقف أمامكَ أيّها الجدار اللبناني. الآن، بعد انتخاب الرئيس، أواصل الوقوف أمامكَ، فأشعر بأنّكَ تستدرجني إليكَ. بل تستفزّني. بل تهدّدني في وجودي. هل أكرهكَ أيّها الجدار؟ هل أخافكَ؟ لا. لا شيء من هذا، ولا من ذاك. أنتَ تضعني، وجهاً لوجه، أمام حقيقتي، وتعرّيني، لأنكَ تعبيرٌ تشكيليٌّ مأسويّ عن الوجود اللبناني المهين الذي أعيشه. ولأنكَ تجعلني، مع كثرٍ غيري في هذا اللبنان، بعضاً من كينونتكَ الطاحنة.
أنتَ تستدرجني إليكَ لتلتهمني، أيّها الجدار. هذا حقّكَ المكتسب. لأنكَ السيّد الآمر الناهي. أحاول أن أرى فيكَ عملاً تشكيلياً واختبارياً محايداً. أرى التجريب، والخلق، والريادة، لكني لا أتمكن من معاينة الحياد.
تدرك أيّها الجدار تماماً، بحسّكَ المخصّب بالوجع، أنكَ لا تستطيع أن تكون محايداً، لأنك عارفٌ أين يقيم الإنسان اللبناني، والعربي، في هذا الزمن. إنه يقيم في قلب المطحنة. وهو لا يتورّع عن تشكيل هذه المطحنة، كما لو أنّها مطحنته هو، في حين أنّها مطحنة الوجود برمّته، وجداره الشاهد.
أتوقف ملياً أمام هذا المختبر التشكيلي الذي تتكوّن منه أيّها الجدار، فأرى جبلة باطون وإسمنت وحديد ونفايات، وبشراً فوق بشر، تحت بشر، في خضمٍّ من الغبار والهلاك المعماري المشبّك، وتحت أسنان المطحنة الكونية، وأرى لبنان والإنسان فيه كبش محرقة.
أنتَ متورّط، أيّها الجدار، في هذه المقتلة الحضارية التي ينفّذها أسياد لبنان، وأسياد العالم العربي، والعالم، ومرتزقته، وشياطينه، و… آلهته. تبّاً لهؤلاء، جميعاً، أيّها الجدار. وتبّاً لكَ أيضاً، لأنكَ ترضخ، وتستسلم لخططهم الجهنمية، ولا تنتفض عليهم، ولا تزعزع أركانهم.
أنا لستُ وحيداً في هذا الإحساس. لأنّي أرى صفوفاً متراصّة، ومتراكبة، من البشر، هم أهلي وأخوتي، في لبنان، وفي العالم العربي، وفي العالم كلّه، ضمن كتل الإسمنت والحديد والغبار والرمل والحصى، هي حصيلة المشهد الرهيب، الذي آلت إليه حياتنا.
أنتَ أيّها الجدار لستَ ملهاةً. ولا محض عملية تشكيلية اختبارية باردة. إنكَ الجدار اللبناني، الجدار العربي، جدار الوجود، وقد صرتَ تعبيراً ملحمياً عن الشرط البشري، ومرآة كابوسية للإنسانية جمعاء.
أتفرّج عليكَ، أيّها الجدار اللبناني، كأني أتفرّج على المصير الإنساني برمّته.
بقدر ما يؤلمني مشهدكَ أيّها الجدار، يذهلني أنكَ شهادة احتجاج تشكيلية بارقة في وجه الخراب العميم.
أيّها الجدار، يمكنكَ أن تطحننا قدْر ما تشاء. لكنكَ لن تستطيع أن تنال من الأحرار النبلاء، وإنْ تحت ركامكَ.
لستُ أنا مَن سيعبدكَ، أيّها الجدار. ولستُ أنا الذي سيستسلم لكَ.