نوفل ضو/الرئيس الحَكَم … لا الطرف ولا الصُوَري

104

الرئيس الحَكَم … لا «الطرف» ولا «الصُوَري»
نوفل ضو/جريدة الجمهورية/السبت 08 تشرين الأول 2016

واضح من لعبة شد الحبال وعض الأصابع الرئاسية وما يرافقها من تجاذبات ومواقف سياسية وإعلامية أنّ الإتفاق بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» على ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية ليس كافياً لوصوله الى بعبدا.

وبالتالي فإنّ النظرية القائلة إنّ اتفاق «الثنائية المسيحية» كفيل بإقامة التوازن الوطني مع «الثنائية الشيعية» ومع المرجعيّتين السياسيتين للسنّة والدروز أثبتت عدم دقتها بدليل ما بيّنته التطورات من أنّ طريق عون الى الرئاسة يمرّ حكماً بثمنٍ سياسي سيكون على المسيحيين تسديده للمرجعيات السنّية والشيعية والدرزية سواءٌ كان ذلك تحت مسمى «السلة» أو «التفاهم الوطني» أو «التوافق السياسي» أو أيّ مسمى آخر.

 وواضح أيضاً أنه على الرغم من مرور أشهر طويلة على ترشيح «القوات اللبنانية» عون إلى رئاسة الجمهورية، فإنّ حظوظ عون لم تتحسّن قيد أنملة إلّا بعد إعلان رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري أنه على استعداد لـ«توسيع خياراته الرئاسية»، وهي «مبادرة» لا يمكن أن تُؤتي ثمارها أو تحقق أيّ نتائج ما لم تكن نتيجة اتفاق سنّي – شيعي بين كلٍّ من «حزب الله» وحركة «أمل» من جهة وتيار «المستقبل» من جهة مقابلة، بالإشتراك مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد حنبلاط المتموضع على تقاطع الحريري – برّي بما لا يزعج «حزب الله» وخياراته الإستراتيجية على المستوى اللبناني.

والواضح كذلك أنّ وصول عون الى رئاسة الجمهورية في حال حصوله لن يكون بشروط المسيحيين السياسية بدليل أنّ المفاوضات الدائرة في شأن الطبيعية السياسية للمرحلة المقبلة تتمّ بين بيت الوسط – وعين التينة – وكليمنصو، في حين أنّ الحديث مع الجانب المسيحي لم يتطرّق الى أيٍّ من المضامين السياسية للمرحلة المقبلة، وهو ما يعني عملياً أنّ المسيحيين يمكن أن يحصلوا في أفضل الظروف على رئاسة جمهورية يتحكّم بمفاصل قراراتها غيرهم من مكوّنات المجتمع اللبناني الطائفية والمذهبية.

إنّ هذه المقاربة تفرض إعادة النظر بمقولة «الرئيس القوي». ذلك أنّ وصول عون الى رئاسة الجمهورية لا يمكن أن يتمّ إلّا بالشروط السياسية للتفاهم السنّي – الشيعي – الدرزي، وهو ما ظهر جلياً في المقابلة التلفزيونية الأخيرة لعون التي اضطر فيها الى التخلّي عن كلّ شعاراته السابقة على مدى ثلاثين عاماً لعدم إثارة حساسيات إسلامية عموماً وسنّية خصوصاً.

وبالتالي فإنّ «النموذج الرئاسي» الذي قدّمه عون كدفعة على الحساب لتسهيل وصوله الى بعبدا يظهر بوضوح أنه لن يكون قادراً في حال وصوله الى رئاسة الجمهورية أن يسير بالسياسات التي سبق أن جاهر بها وبنى «قوّته» على أساسها.

بكلام آخر، فإنّ المؤشرات الراهنة تدلّ على أنّ أكثر ما يمكن أن يحققه «المسيحيون الأقوياء» من معركة وصول النائب ميشال عون الى رئاسة الجمهورية هو الحصول على موقع في السلطة مكبَّل بشروط وموازين قوى سياسية تفرغه من صلاحياته الدستورية، وإلّا لماذا كان الموقف الأخير المنتفض للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومن ثمّ النداء الأخير لمجلس المطارنة الموارنة؟

ربّ قائل إنّ ما صدر عن بكركي وردة فعل القادة المسلمين عليه دليل على أنّ الأمور لم تُحسم بعد، وعلى أنّ ما يسعى اليه الثلاثي بري- الحريري – جنبلاط لا يزال يصطدم بجدار مسيحي يحول دون ترجمته على أرض الواقع…

ولكنّ الصحيح أيضاً أنّ تدخل بكركي أثبت أنّ عون حتى ولو تحالف مع «القوات اللبنانية» ليس بالقوة التي تسمح له بأن يصف نفسه بالرئيس القوي الذي يمكن أن يعيد للمسيحيين موقعهم في مؤسسات الدولة اللبنانية بمعزل عن دعم الكنيسة المارونية…

وفي مثل هذه الحال يصبح أيّ مرشح آخر يحظى بدعم الكنيسة «رئيساً قوياً» قادراً على ضمان الشراكة مع المسلمين، خصوصاً أنّ عون المرتبط بورقة تفاهم مع «حزب الله» تتجاوز الدستور في تغطية السلاح غير الشرعي بات على قاب قوسين أو أدنى من ورقة تفاهم مع تيار «المستقبل» تتجاوز المسار الدستوري الطبيعي في شأن رئاسة الحكومة وإدارة شؤون الدولة، ممّا يعني أنه في صدد «سلة» من التفاهمات على السياسات والمناصب والخيارات جاهرت بكركي برفضها.

وقد يكون من المفيد في هذا المجال التذكير بما جاء في النداء الأخير لبكركي الذي اعتبر أنّ رئيس الجمهورية «لكي يقوم بمهمته الوطنية العليا، ينبغي أن يكون حراً من كلّ قيد، وعندئذ يكون «الرئيس الحكم»، لا «الرئيس الطرف»، ولا «الرئيس الصوري». فهل تنطبق هذه المواصفات على عون «الطرف» المقيّد بورقة التفاهم مع «حزب الله» وبشروط الحريري الحكومية للسير في ترشيحه؟

* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»