من المستقبل مقابلة مع العلامة السيد محمد حسن الأمين/ظاهرة حزب الله فاقعة التناقض مع الدولة/دعا الى تشكيل هيئة نخبوية تستعيد عربياً وعالمياً صورة لبنان المصادرة

264

من المستقبل مقابلة مع العلامة السيد محمد حسن الأمين/ ظاهرة حزب الله فاقعة التناقض مع الدولة/دعا الى تشكيل هيئة نخبوية تستعيد عربياً وعالمياً صورة لبنان المصادرة
حاوره: يقظان التقي/المستقبل/25 أيلول/16

في تقدير الموقف لمجمل القضايا الراهنة التي تهم لبنان والعرب والمسلمين، يرى العلامة السيد محمد حسن الأمين الى حالة استنزاف الدولة العربية وإلى ضرورة العناية بكل شعب من الشعوب العربية، وخاصة ما يتعرض له منذ سنوات الشعب السوري من القتل والاضطهاد والانتقام من قبل «نظام هو أسوأ الأنظمة في العالم» مؤكداً أن «هذا النظام الى زوال».

العلامة السيد الأمين يتحدث إلى «المستقبل» في تقدير موقف من مآل الأوضاع الراهنة، ويبدي تفاؤلاً إزاء الوضع اللبناني والعجز المفرط في البنى السياسية والثقافية والاجتماعية، مشيراً إلى ظاهرة التناقض بين الدولة وحزب الله مديناً «اي صورة تمزق المجتمع اللبناني باسم الدين والطائفة». ويأسف لاستحالة قيام الدولة المدنية الحديثة، وتردي علاقات لبنان العربية صورة الصراع المذهبي اقليمياً داعياً الى تشكل هيئة نخبوية من كل اللبنانيين تستعيد صورة لبنان العربية الحقيقية وترسلها الى العالم، جازماً ان «البحث عن المصالح المشتركة للمسلمين في الاقليم كفيل بأن يحدث التقارب والتوافق والتعاون والأمور اللاهوتية تصبح هامشية امام قضايا الناس اليومية المعاصرة«.

يقول العلامة الشاعر والمثقف: «يؤسفني وأنا أتحدث عن وطني لبنان أن أكون صريحاً بالقول وبصورة مباشرة وواضحة أن هذا الوطن لم يكن في يوم من الأيام وطناً مستقلاً بالمعنى الدقيق للكلمة، وكما نتمناه جميعاً وليست الرغبة عندي في استقلال لبنان انعكاساً لأي شكل أو صورة من صور الرغبة، في انتزاع لبنان من محيطه العربي. فأنا من دعاة العروبة ومن دعاة الوحدة، بل اكثر من ذلك إن نزعتي الفكرية تقوم على مشروع التجدد الحضاري على المستويين العربي والاسلامي بصورة عامة. ولكن هذا لا يمنعني من أن أجد لوطني لبنان حقاً في الاستقلال الذي يجعل منه مساحة حية وخصبة، في سبيل الدعوة الى ما أشرت إليه وهو التجدد الحضاري على مستوى المنطقة كلها».

ويضيف:»وإذا اردت أن أُقيِّم ما شهده لبنان حاليا من تفكك وغياب للدولة وتراجع فادح في الأداء السياسي وانعكاساته المخيفة على بنية المجتمع اللبناني، فإنني لا أحذر أو أتوجس من القول بأن طابع المرحلة الراهنة يشكل في نظري إحدى الدوائر الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث خاصة لمظهر العجز المفرط في البنى السياسية والثقافية والاجتماعية عن تشكيل الصورة التي طمحنا ونطمح اليها سواء لقيام وطن متقدم لدولة واجتماع مدني أو لوطن قادر ان يحقق دوراً ولو جزئياً في إطار ما تشهده المنطقة من تفكك وانهيار. ولعل أكثر ما يحز في النفس أن أحلامنا كمواطنين لبنانيين في تجاوز واقعنا الطائفي الذي تظهر تجلياته بصورة بالغة البشاعة، تنهار شيئاً فشيئاً حتى لا تكاد تظهر صورة استحالة قيام الوطن الذي نحلم به، المجتمع المدني والدولة المدنية وأكثر ما يؤلمني وأنا من علماء الدين أن ارى مظاهر العجز والتفكك الراهنة تنسب إلى أديان اللبنانيين وتعدد هذه الأديان. وهذا يدفعني للقول بأن ما يشهده الاجتماع اللبناني هو في جوهره عدوان واضح على أديان اللبنانيين انفسهم وليس عدواناً من الأديان على الاجتماع اللبناني.

فبدلاً من ان تشكل المسيحية والاسلام في لبنان الصورة الجوهرية الحقيقية لوحدة الأديان السماوية، يبدو ان الاجتماع اللبناني يأخذ بها إلى الاتجاه الذي يوحي بأن هذه الأديان هي التي تسيء إلى الاجتماع الوطني وتجعل منه اجتماعاً غير قابل لاقامة البنية الحضارية التي هي في جوهر المسيحية والاسلام لو كان اللبنانيون فعلاً مؤمنين حقيقيين».

[ماذا عن مسألة استنزاف الدولة وأين نذهب في هذا الاستنزاف؟
ـ «أكثر من اي فترة مضت يبدو تغييب الدولة واستنزافها خطراً ليس على النظام فحسب، بل خطراً على الوطن نفسه، وإذا تتبعنا منطق ما يسمى السياسيين وأشكال الاختلاف القائمة بينهم لأمكننا القول إن ثمة درجة عالية من اللامبالاة، وانعدام المسؤولية الوطنية، بل شهدنا ان ثمة مغامرة بالوطن نفسه، ومثل هذه الظاهرة لم نشهدها في مراحل سابقة رغم كل الأحداث والصراعات التي شهدها لبنان قبل الاستقلال وبعد الاستقلال. ولعل المفارقة المؤلمة هي ان هذه الطبقة السياسية المسؤولة عن كل ذلك ما زالت قادرة على الاحتماء لما تدعيه من تمثيل للبنانيين. وهذا التمثيل لا يكتسب شرعيته الا من الانقسام الطائفي.

وهذا ما يجعلني أحمل المجتمع اللبناني والنخب اللبنانية بصورة خاصة مسؤولية فادحة في إضفائهم الشرعية على مثل هذا الخلل السياسي وغياب أي مظهر من مظاهر الاعتراض الجدي والحقيقي، بل أكاد اقول أن الكثير من هؤلاء النخب الفكرية والثقافية والإجتماعية تكاد تكون هي الأداة التي تتكئ عليها هذه الطبقة السياسية. حتى لنكاد نعجب أن عدداً كبيراً من هذه النخب الثقافية يرضون لأنفسهم الالتحاق المجاني أو حتى الالتحاق والمدفوع الثمن لهذه الطبقة السياسية أو تلك.

وهنا دعني أوجه نقداً قاسياً لطبقة تسمى رجال الدين في لبنان تتحمل مسؤولية استثنائية في تكريس البعد الطائفي وحمايته وإضفاء الشرعية عليه في الوقت الذي ترفض الأديان اعتماد هذه الصورة التي تمزق المجتمع باسم الدين والطائفة».

[ وماذا عن ظاهرة التناقض بين الدولة وبين «حزب الله»؟
ـ «يمكنني في هذا المجال أن أعزو ظاهرة التناقض بين الدولة اللبنانية وبين حزب الله الى ضعف واضح في بنية الدولة اللبنانية نفسها، الأمر الذي يجعل طرفاً لبنانياً كحزب الله يعتنق إيديولوجية دينية وسياسية ذات بعد يتجاوز دائرة الوطن اللبناني، وتجعل منه حزباً ذات مصلحة في مزيد من غياب بنية الدولة ومؤسساتها. ولعل هذه الظاهرة تبدو فاقعة عند حزب الله ولكنها والحق يقال إن ظاهرة تراجع الدولة ومؤسساتها ستشكل فرصاً لكل البنى والأحزاب التي تطمح الى مزيد من حرية التصرف بما يتناقض مع مصلحة الدولة. فاذا كانت الدولة قوية لن يكون بوسع حزب الله ولا غيره من الأحزاب أن يخرج على قيم الدولة وقوانينها. فالمشكلة إذاً هي مشكلة غياب الدولة، قبل ان تكون مشكلة أحزاب إيديولوجية، لا تؤمن بقيم لبنان ووحدته وإستقلاله وكونه وطناً نهائياً يجمع اللبنانيين».

[ تخشى على لبنان الذي تعرفه؟
ـ «هذه الخشية قائمة، بل أكاد اقول إننا نحن الآن على حافة الهاوية إذ لم نكن في الهاوية نفسها والذي يزيد من هذه الخشية هو ان لبنان للمرة الأولى يكاد يفتقد بصورة كاملة الى اهتمامات خارجية، كانت تجد في الصيغة اللبنانية ضرورة لا بد من الحفاظ عليها وحمايتها على المستويين الإقليمي والدولي».

«أكاد أرى لبنان متروكاً لمصيره وأرى العالم العربي والعالم بأسره مشغولاً هذه المرة بصورة لافتة وفادحة عما يجري في لبنان وبحسابي أن مرحلة كهذه المرحلة التي يخلو فيها لبنان على سبيل المثال من رئيس الدولة لهذه المدة الطويلة من دون تدخل وضغوط خارجية لانتخاب هذا الرئيس، لم تمر على لبنان».

[ هل نحن ذاهبون نحو مؤتمر تأسيسي؟
ـ «لست متفائلاً بفكرة المؤتمر التأسيسي استناداً الى ما سبق من مؤتمرات تأسيسية أو شبه تأسيسية في الطائف أو في الدوحة. ولكني في الوقت نفسه لا أرى بداً من مؤتمر يستند إلى مبادئ مختلفة عما كانت عليه المؤتمرات السابقة وأحسب أن مؤتمراً تأسيسياً يعيد توزيع الحصص الطائفية في لبنان لا يمكن أن يؤدي إلى الغرض المنشود.

ـ إن لبنان بحاجة إلى ثورة بالمعنى العميق لكلمة الثورة والتي تتحقق فيها بنية الدولة الحديثة وانحلال البنية الطائفية وزوالها. فالوطن الحقيقي لا يمكن ان يكون ساحة لتقاسم الحصص سواء أكانت هذه الحصص طائفية أو سياسية إذا لم نخرج من هذه العقلية فليس لنا أمل بأن نحقق النقلة التاريخية من لبنان المحاصصة والصراع والنفي والنفي المتبادل إلى وطن يماثل ما أنجزته أمم كثيرة في عالمنا المعاصر، لم تدفع كل هذه الأثمان الباهظة التي دفعناها وندفعها نحن اللبنانيين ونظل نراوح مكاننا.

إني باسم الدين أحرم تحريماً جازماً التمسك بالبنية الطائفية لهذا البلد وأعتبر كل الذين يتمسكون بهذه البنية هم إما دجالون ومنافقون ولا علاقة لهم بالدين، أو أغبياء متخلفون لا يفهمون معنى الحضارة والتقدم وبناء الأوطان».

[ حزب الله يضع اصبعه في كل مكان في لبنان وفي سوريا واليمن والعراق والبحرين، كيف ترى إلى المأساة التراجيدية السورية والى تردي علاقة لبنان مع العالم العربي»؟
ـ «لقد فتحت جرحاً عميقاً في نفسي. أنا اللبناني المعني بوطني. ولكن ذلك لا يجعلني اقل عناية بكل شعب من شعوبنا العربية، وخاصة هذا الشعب السوري ذو التاريخ العربي الاصيل، والكفاءات والامكانيات الكبيرة التي يتمتع بها والذي يتعرض منذ سنوات لهذا القدر من القتل والاضطهاد والانتقام من قبل حاكميه على النحو الذي أكاد اقول إن اسوأ الأنظمة في العالم لم تعامل شعبها كما يفعل هذا النظام، وإني لأعجب كيف بوسع اي طاغية في هذا العالم ان يقتل ويشرد نصف شعبه أو اكثر ويبقى هذا العالم متفرجاً إن لم نقل معيناً ومساعداً لمثل هذا النظام؟«.

ـ لا اريد أن أتطرق إلى الأضرار المباشرة الواقعة على لبنان بسبب هذه الحرب المفروضة على الشعب السوري فهذا امر واضح ولكن لا من أجل لبنان ولا من أجل احد في الدنيا، وانما من اجل العدل والحرية والكرامة وكرامة الكائن الانساني ارى ان استمرار هذه المأساة هي لطخة عار على جبين الانسانية كلها. انني لعلى ثقة ان هذا النظام إلى زوال ولكن ما أرجوه هو ان يكون زوال مثل هذا النظام بداية لزوال أنظمة القمع والاستبداد والجريمة على مستوى أكثر دول عالمنا العربي.

ويستطرد السيد الامين:
أنا قلت منذ البداية انني كمواطن ومفكر اتطلع الى نهضة التجدد الحضاري على مستوى الوطن العربي والعالم الاسلامي وفي جوهر هذه النهضة هي النقلة النوعية في عالم الاستبداد وقهر الشعوب الى عالم الحرية ومواكبة حضارة الانسان وتطلعه نحو حياة حرة كريمة، هي في نظري من جوهر الاسلام ومن جوهر الأديان السماوية كلها فضلاً عن كونها من جوهر ما تم انجازه على مستوى عالمنا المعاصر من مظاهر التقدم والحرية والعيش الكريم.

وأنا أدين بكل وضوح اي صورة من صور الوقوف الى جانب هذا النظام المستبد وأعتبر ان موقفاً كهذا هو صورة من أعلى صور التناقض مع فعل المقاومة، مقاومة الكيان الصهيوني الذي لا اجد لأحد مصلحة في الانتصار لهذا النظام القائم الا مصلحة الكيان الصهيوني. اما بخصوص العلاقات المتردية مع العالم العربي فقد اشرت في سياق كلامي السابق الى ان البنية السياسية والاجتماعية في لبنان هي من الضعف لدرجة تحتاج فيها الى درجة عالية من الاهتمام الاقليمي والدولي لمساعدة لبنان على قيام كيانه السياسي ومؤسساته على النحو الذي يمكن اللبنانيين من ان يقدموا هويتهم الحقيقية لعالمهم العربي وللعالم كله. ويؤسفني ان يكون الوضع الراهن لا يمكّن لبنان حتى الآن من ان يقدم هذه الصورة، بل ان لبنان يدفع ثمن هذه الصورة أوجاعا فادحة. واذا كان لي ثمة اقتراح فهو ان تشكل هيئة واسعة من كل اللبنانيين تعمل بجد وبإخلاص على تكوين الصورة التي ينبغي ان يكون عليها لبنان وان ترسل للعالم كله فحوى هذه الصورة، وان يصار الى تكريسها بكل الوسائل سواء منها الاعلامية او اللقاءات الموسعة مع الدول العربية والدول الأجنبية بما يعطي انطباعاً انها صورة لبنان الحقيقية. هذه هي صورة مصادرة ونحن نستعين بالعالم كله من اجل ان تستعيدها ولا أحسب ان اللبنانيين ينقصهم مثل هذه النخبة الواسعة التي تتمكن من القيام بهذه المهمة».

[وأين يذهب الصراع على اشده في المنطقة؟
ـ «هذا موضوع طويل، في كل المؤتمرات التي انعقدت في العقود الأخيرة تحت عنوان الوحدة الاسلامية والتي قيض لي حضور الكثير منها، كنت أشدد وما ازال ان السبيل الى الوحدة والتقارب بين المسلمين ليس سبيلاً لاهوتيا أو دينياً او فقهياً إذ كل المؤتمرات التي قامت وحصلت كانت تنتهي الى نوع من المجاملة ان لم اقل من التكاذب ولكن دون نتيجة او ثمرة تذكر.

ان السبيل للتقارب بين المسلمين ينطلق من الوعي الدقيق الى ما اسميه التشابه بل التماثل بين الأزمات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يعيشها المسلمون، وأن مجرد البحث عن المصالح المشتركة للمسلمين كفيل بأن يُحدث هذا التقارب والتوافق والتعاون. فنحن لا نختلف على امور الدين ولكننا نختلف على امور الدنيا، نحتاج الى سياسات ومقاربات بالأعمال وليس بالمبالغات والأمور اللاهوتية والعقائدية تصبح جانبية، لا بل هامشية امام قضايا الناس اليومية المعاصرة».