علي الحسيني: داريّا.. الجوع ولا للركوع

170

 داريّا.. الجوع ولا للركوع
علي الحسيني/المستقبل/27 آب/16

بدأت أمس عملية إخراج المسلحين من بلدة «داريّا» في الغوطة الغربية لمدينة دمشق، تنفيذاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه أوّل من أمس الخميس بين النظام السوري وممثلين عن الهيئات المدنية والعسكرية في المدينة، والذي يقضي بتفريغ المدينة من أهلها. وقد جاء هذا الإتفاق بعد أربع سنوات من حصار البلدة وتجويع أهلها البالغ عددهم نحو ثمانية آلاف، أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء وكبار السن.

يوماً بعد يوم تتضح صورة الحرب السورية وأهدافها بشكل أكبر وأعمق، ومعها يتظهر سير المعارك التي يخوضها «حزب الله« وحلفاؤه من جيش النظام و«الحرس الثوري الإيراني« والميليشيات العراقية والأفغانية، وأسبابها في كل منطقة والنتائج العسكرية والميدانية التي يتم تحقيقها والتي تصب غالباً ضمن خطة تدمير الحجر وقتل أو تهجير البشر. ولأسباب أصبحت معروفة للقاصي والداني، تتعلّق بالتوسع الديموغرافي الذي يسير عليه الحزب عن طريق قضم مساحات من الأراضي السورية إمّا عنوة، وإمّا عن طريق حصارها وإخضاع أهلها لمبدأ، الأرض مقابل الغذاء أو السلامة الجسدية.

بعدما عجز النظام السوري و»حزب الله» عن دخول بلدة «داريّا» طيلة السنوات الماضية، كان القرار بحصار أهلها وتجويع أطفالها وذلك في محاولة لإرغام عناصر الفصائل المُسلحة الذين يبلغ عددهم نحو خمسمئة مُقاتل تقريباً، على الإنسحاب من البلدة التي لها رمزيّة خاصة في الثورة السورية حيث كانت «داريّا» في طليعة حركات الاحتجاج التي قامت ضد النظام السوري في آذار العام 2011 وأوّل المناطق التي خرجت عن سلطته. فجاءت مُكافأتها من خلال حصارها ومنع الدواء والغذاء عنها، بالإضافة إلى القصف اليوم الذي تعرضت له من الأرض والجو، وما زاد من نكبة الأهالي، تعرضهم للعديد من المجازر أبرزها تلك التي راح ضحيتها مئتان وواحد وعشرون شخصا معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال الرُضّع، بعدما لجأوا إلى مسجد سليمان الديراني هرباً من القصف، فما كان من جيش النظام إلا أن حاصر المسجد ثم قام بتصفيتهم.

قبل عملية التفاوض بين الفصائل المُسلحة وقوات النظام في «داريّا»، ذكرت بعض المعلومات أن ابنة قائد الفرقة الرابعة بجيش النظام ترأست وفد النظام في المفاوضات مع المعارضة المسلحة، حيث هددت بأن هذه آخر فرصة للتفاوض، وأنه ستتم إبادة كل سكان داريا في حال رُفضت قرارات الوفد. الأسلوب نفسه كان اعتمده «حزب الله» في كل من «مضايا» و»الزبداني»، حيث أوعز للأهالي يومها، بضرورة تطبيق أحد الخيارين: إمّا الموت داخل البلدة من جرّاء الحصار بعد منع الغذاء والدواء عنهم، وإمّا قبولهم ببيع منازلهم وأراضيهم بأبخس الأثمان، مقابل السماح لهم بالخروج بشكل آمن، مع أطفالهم من البلدة.

اعلام «حزب الله» والنظام، هلّل بالأمس لخروج المسلحين من «داريّا» وراح يصف ما حصل بـ»الإنتصار» الكبير لمحور «الممانعة»، لكن في حقيقة الأمر، أن البلدة المُحاصرة، لم ترى النور منذ حصارها إمّا بسبب القصف المتواصل لها واليومي، وإمّا من خلال براميل الحقد التي كانت تنزل عليها بعدد الدقائق. لكن وعلى الرغم من كل ما سبق وتعرضت له البلدة، إلا أن اعلام «المُمانعة» كان يحاول على الدوام، حرف الأنظار عن الجرائم التي ترتكبها جماعاته، من خلال نشر معلومات تقول بأن الفصائل المُسلحة هم الذين يُحاصرون «داريّا» ويرتكبون المجازر بحق الاهالي. لكن زيفهم كُشف بالأمس بعد عملية الإخلاء، إذ أن أكثر من ثلثي الأهالي قرروا التوجه إلى محافظة «إدلب» ليلتحقوا بأبنائهم الثوّار.

من جهتها أعربت منظمة الأمم المتحدة أمس، عن «قلقها من اتفاق داريا«، مشيرة الى أن «خروج المدنيين يجب ان يكون طوعياً وآمناً«. والبلدة التي وصفتها منذ فترة الأمم المتحدة بأنها «العاصمة السورية للبراميل المتفجرة»، سوف تكون لاحقاً، صورة مُصغّرة عما يُمكن أن تكون عليه سوريا في المستقبل في ظل الأطماع الإيرانية التي يُنفذ «حزب الله« سياستها التوسعية بحذافيرها. كما وأن عناصر من الحزب، يُشاهدون عن قرب حجم مأساة اجمعت المنظمات الحقوقية والانسانية في العالم، على أنها الأسوأ من بين الحروب كلها والأكثر ضرراً في نفوس عائلات تمنت القتل لأطفالها بدل أن تراهم يموتون من الجوع والعطش. لكن هل بإستطاعة أي من هؤلاء العناصر، أن يتخذ قرارا أحاديّاً بعدم تطبيق نموذج «داريّا»، في بلدات سورية أخرى؟.

يسأل البعض، كيف لحزب يُفاخر بـ»مقاومته» ويتباهى بعقائده الدينية والثقافية والفكرية، أن يُمارس كل أنواع الظلم هذه، والغلوّ والمُكابرة في طريقة تعاطيه مع شعب أعزل يصطف بالطوابير إستعداداً للموت من أجل كرامته ولكي لا تُنتهك أعراضه ولا تُدنّس أرضه بدخول الغزاة اليها؟.