خيرالله خيرالله: فوضى السلاح.. الخطر الأكبر/عبد الوهاب بدرخان: هناك الإرهاب ومستغلّو الإرهاب

206

فوضى السلاح.. الخطر الأكبر
خيرالله خيرالله/المستقبل/06 تموز/16

ما وراء صمود الأردن وانهيار العراق وسوريا واليمن وفلسطين؟ يعود ذلك الى فوضى السلاح التي تفاداها الأردن في العام 1970، بفضل تماسك شعبه ومؤسساته المدنية والامنية في وجه المنظمات الفلسطينية المسلّحة التي كان يمكن ان تقضي على المملكة وان تقدّم لإسرائيل خدمة مجانية ما زالت تحلم بالحصول عليها في يوم من الايّام. اذا انهار لبنان يوما، فان ذلك سيكون بسبب فوضى السلاح التي يحاول «حزب الله«، الذي ليس سوى ذراع إيرانية، تعميمها في كل انحاء البلد وفي محيطه القريب والبعيد وذلك لتبرير تمسّكه بسلاحه غير الشرعي. هذا السلاح الموجه في نهاية الامر الى صدور اللبنانيين والى مؤسسات الدولة اللبنانية العسكرية والمدنية والامنية، لا اكثر ولا اقلّ. سيطول الجدل في شأن ما حدث في بلدة القاع البقاعية، التي لحق باهلها ظلم ليس بعده ظلم، بسبب فوضى السلاح من جهة وسماح «حزب الله« لنفسه بإلغاء الحدود بين سوريا ولبنان من جهة أخرى. لكن اللبنانيين، جميع اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، سيكتشفون يوما ان وجود سلاح غير شرعي خارج سيطرة الحكومة في أساس كلّ علّة. كلّ ما تبقى تفاصيل ونتائج جانبية لوجود هذا السلاح الذي يمنع، مثلا، انتخاب رئيس للجمهورية… او يسعى الى فرض رئيس للجمهورية يضمن القضاء على ما بقي من مؤسسات الدولة في ضوء ما يتمتّع به من خبرة في هذا المجال. وهي خبرة طويلة من دون ادنى شك. ثمّة من يعتقد ان انهيار سوريا لا علاقة له بفوضى السلاح وان سوريا كانت تحت سيطرة نظام مركزي قوي يستند الى اقلية متماسكة، هي الاقلّية العلوية، استطاع ان يتحكّم بكل شاردة وواردة في البلد. كان يمكن لهذا الكلام ان يكون على علاقة بالواقع وبالحقيقة، لولا ان رهان النظام السوري كان دائما على نشر فوضى السلاح في لبنان، ثمّ في العراق، وحتّى في فلسطين. في مرحلة معيّنة، ارتدّت فوضى السلاح عليه بعدما استثمر فيها طويلا. من يراهن على فوضى السلاح خارج أراضيه لا يمكن ان يتوقّع غير ما آل اليه الوضع في سوريا. فالنظام السوري لم يعمل منذ مطلع سبعينات القرن الماضي سوى على ارسال السلاح الى لبنان وذلك بغض النظر عن الجهة التي تحصل على هذا السلاح. كان مهمّا اغراق لبنان بالسلاح كي يجد النظام السوري وظيفة له في منتصف سبعينات القرن الماضي، وهي وظيفة السيطرة على المسلحين الفلسطينيين في لبنان بحجة ضبطهم، علما انّه لعب الدور الرئيسي في الانتشار الفلسطيني المسلّح في البلد.

عمل النظام السوري في كلّ وقت على تجديد هذه الوظيفة وتطوير دوره القائم على الاستثمار في فوضى السلاح خارج الأراضي السورية وذلك بالتنسيق مع ايران… الى ان وقع ضحية تلك اللعبة التي خرجت من تحت سيطرته. في سياق تطوير هذا الدور القائم على نشر فوضى السلاح، وبعد حصول الانسحاب الفلسطيني المسلّح من لبنان صيف العام 1982، صار رهان النظام السوري على الميليشيا المذهبية المسمّاة «حزب الله« كي يضمن انّه لن تقوم قيامة للدولة اللبنانية يوما. تُستخدم فوضى السلاح وسيلة لتدمير دول المنطقة والسيطرة عليها. هذا ما نشهده في العراق ايضا حيث قضت الميليشيات التابعة للأحزاب المذهبية ذات المرجعية الايرانية على أي امل في بقاء العراق موحّدا. كيف يمكن المحافظة على الامن في بغداد وحماية المدينة من «داعش« وغير «داعش« ما دام في العاصمة العراقية وحدها نحو مئة تنظيم مسلّح خارج سيطرة الحكومة التي على رأسها حيدر العبادي؟

كان التفجير الأخير الذي تعرضت له منطقة الكرادة خير دليل على ان المطلوب بقاء العراق «ساحة« تسرح فيها الميليشيات وتمرح تحت شعار «الحرب على الإرهاب« التي يشنّها «الحشد الشعبي« على «داعش«. النتيجة ان «الحشد« و«داعش« وجهان لعملة واحدة ولا شيء آخر غير ذلك. يرتكب «الحشد« جرائم في حقّ اهل السنّة في مناطق معيّنة مثل الفلوجة، فيرد «داعش« بقتل أبرياء من كلّ الطوائف في الكرّادة داخل بغداد. لم يعد معروفا من يعمل عند الآخر. هل «داعش« يعمل عند «الحشد« ام «الحشد« يعمل عند «داعش«؟ المهمّ بالنسبة الى ايران ان لا يقوم العراق وان لا تكون هناك مؤسسات حكومية متماسكة. الهدف ان تنخر الميليشيات المذهبية بسلاحها غير الشرعي ما بقي من مظاهر الدولة. الهدف واضح كل الوضوح ويتمثل في تحويل العراق بشكل رسمي الى مستعمرة إيرانية. من لبنان، الى العراق، الى اليمن، الى فلسطين حيث قضت فوضى السلاح في قطاع غزّة على ايّ امل في استعادة اللحمة بين الضفة والقطاع، تتوضح كل يوم خطورة هذه الظاهرة من جهة واهمّية صمود مؤسسات الدولة او ما بقي منها من جهة أخرى. لا يزال لبنان يقاوم. تعود مقاومته الى طبيعة قسم من الشعب اللبناني تؤمن بالاستثمار في مستوى التعليم والتربية وما بقي من مؤسسات الدولة، خصوصا تلك المرتبطة بوزارة الداخلية تحديدا.

الى متى تستمرّ هذه المقاومة اللبنانية بعدما اخذت ايران على عاتقها حماية فوضى السلاح وتوسيع انتشار هذه الظاهرة التي كانت الى ما قبل فترة قصيرة من اختصاص النظام السوري؟ لا جواب واضحا على مثل هذا النوع من الأسئلة التي تعكس بؤس منطقة بكاملها تعاني من مشروع توسّعي إيراني يستثمر في فوضى السلاح وفي اثارة الغرائز المذهبية في الوقت ذاته.

 

 

هناك الإرهاب ومستغلّو الإرهاب
عبد الوهاب بدرخان/النهار/6 تموز 2016

الحرب الايرانية في سوريا، بمشاركة “حزب الله” ودزينة من الميليشيات المماثلة، أصبحت تسمّى الآن “الحرب الاستباقية للمقاومة” ضد ارهاب “الجماعات التكفيرية”. ينبغي الكثير من انعدام الضمير لقبول ما تقدّمه البروباغندا الترويجية لهذه الحرب. فالارهاب وجماعاته موجودون طبعاً ولا شك في ذلك، لكن الصدقية تفترض الاعتراف أولاً بأن الهدف الرئيسي لنظام بشار الاسد وللايرانيين وأتباعهم كان ولا يزال إطفاء شعلة ثورة الشعب السوري من أجل حرّيته وكرامته، بدليل الحصارات التجويعية التي لا يفرضها أي تنظيم ارهابي بل النظام وحلفاؤه ويقوم فيها “حزب الله” بدور مخزٍ وثّقته منظمات الأمم المتحدة.

وطالما أن الأمين العام لـ “حزب الله” هو رجل دين أولاً وأخيراً، فإن الصدقية تتطلّب منه أيضاً الإقرار بأن عمله – كـ”رجل حرب” في خدمة النظامين الايراني والسوري – ساهم في نشوء هذا الارهاب وتوحّشه وانتشاره، أكان “فكره” وهّابياً أو أي شيء آخر. فليس مقبولاً في أي دين أو عرف أو أخلاق أن يقدم طرفٌ ما على انتاج الشر وتصنيعه ثم ينبري هو نفسه لمكافحته. والمؤكّد أن “محاربة الارهاب” لم تضفِ أي أخلاقية أو قدسية على حرب ايران – “حزب الله” في سوريا، ولا على حرب اميركا وروسيا واسرائيل فيها، بل غدت شعاراً يفيد الجميع، بمن فيهم تنظيم “داعش”، لتغطية جرائمهم بحق سوريا والسوريين.

عدا مثاليَن بالغَي الوضوح في العراق وسوريا، يبدو المثال اللبناني، خصوصاً بعد التفجيرات الانتحارية في القاع، أكثر وضوحاً في أن صانعي الارهاب هم أكثر المستفيدين منه وحتى أكثر المعبّرين علناً عن ذلك. فهذه الجرائم أتاحت للسيد حسن نصرالله أن يقول للبنانيين، من دون أن تكون له صفة، أن الأمن “ممسوك”، وأن يستغلّ واقعة القاع ليعرض “حماية المسيحيين”، موظّفاً مرّة اخرى تغييبه للدولة وتعطيلها، على رغم أن كل نجاحات الأجهزة الأمنية تمّت وتتم من دون مشاركة “حزب الله” التي غالباً ما تعقّد المهمّات لأنها تميّز بين قرية وأخرى، بعكس ما يقول نصرالله. ليس في تطميناته ما يطمئن، فحتى المريدون لا يحبذون ظهوره – كزعيمٍ للأمة أو كمن ينوب عن رئيس جمهورية مغيَّب – ليدعوهم الى “عدم الخوف أو القلق أو الهجرة أو اعادة النظر في وجودهم في مناطقهم”. لم يقل للسوريين أي شيء مشابه بل شارك في تخويفهم واقتلاعهم من منازلهم ومناطقهم. ولا قال للبحرينيين واليمنيين إن المطلوب “استراتيجية وطنية رسمية لمكافحة الارهاب”، أو إن “الوحدة الوطنية” هي السلاح الأمضى في مواجهة الارهاب، ففي هذين البلدَين كما في سوريا ثمة مصلحة لإيران في تقويض الدولة والمؤسسات. كذلك في السعودية حيث بلغ الارهاب المدينة المنوّرة. كان نصرالله، وهو الخبير العليم، أول من قال إن “داعش” يريد الوصول الى مكة المكرّمة!…