الدكتور جان بيار قطريب : قراءة هادئة وحقوقية في قضية اللاجئين السوريين

247

الدكتور جان بيار قطريب : قراءة هادئة وحقوقية في قضية اللاجئين السوريين
ربيكا سليمان – خاص “لبنان 24” /29 حزيران/16

ليس الخطاب المحليّ المتباين حول قضية اللاجئين السوريين في لبنان جديداً، لكنه “دوّى” على وقع تفجيرات القاع الإرهابية، فاتخذ منحى أكثر حديّة وخطورة. ففيما طالب كثيرون بترحيل جميع السوريين الى بلادهم، إذ إن “الخطر الذي باتوا يشكلونه تجاوز البعدين الإجتماعي والاقتصادي، وصار يتمثل بكونهم جميعاً، قنابل إرهابية تتغلغل في مجتمعنا”، أعرب آخرون عن امتعاضهم من العنصرية التي باتت تلازم اللبنانيين الذين تحوّلوا الى جلادين يذبحون ضحايا الحرب مرة جديدة. أكثر من ذلك، تراشق اللبنانيون وأهل السياسة بالاتهامات: بات من وُصفوا بـ “أهل الحقوق والانسانية (وأحيانا المجتمع المدني)” خونة، “متفلسفين”، لا يأبهون لمصلحة وطنهم، فيما ألصقت أبشع الصفات بمن دعا الى النزول عن “مريخ الحقوق” حينما يحضر الارهاب!
السيادية والانسانية
يدرك عضو مؤسسة “حقوق الإنسان والحق الإنساني- لبنان” الدكتور جان بيار قطريب ان الحديث عن قضية اللاجئين بأبعادها كافة ومن ضمنها الإنسانيّ سيكون معقداً في الوقت الراهن بسبب التطورات الأمنية التي شهدتها الساحة اللبنانية منذ يومين، بحيث سيخضع للتجاذبات العاطفية وردود الفعل الغرائزية المفهومة عند المواطنين لا سيّما منهم المتضررين وأهالي الضحايا الذين لن يسهل عليهم هضم أي مقاربة انسانية وحقوقية. وفي حديثه لموقع “لبنان24″، يؤكد أن “موضوع اللاجئين السوريين في لبنان شائك للغاية كونه يُقارب من زاويتين متناقضتين يصعب التوفيق بينهما: الأولى هي مسألة سيادية، والثانية انسانية”.
يشرح: “في المسألة السيادية نحن نتكلم عن حيّزين: قانوني يشمل التأكد من حيازة اللاجئين أوراقاً ثبوتية، كيفية دخولهم إلى الأراضي اللبنانية (بطريقة شرعية أم لا)…، وأمني يتعلق باحتمال وجود ارهابيين في صفوفهم. أما المسألة الإنسانية فتتعلق بحقوق اللاجئين وواجبات الدولة المستضيفة تجاههم”. وتشمل الحقوق بحدّها الأدنى: المأوى، المأكل، الطبابة وتعليم الأطفال. لكن ماذا لو كانت الدولة المضيفة عاجزة عن تأمين كل هذه الحقوق؟ “بالطبع، المسؤولية لا تقع على الدولة وحدها، بخاصة اذا كانت مقدراتها ضئيلة وامكانياتها شبه معدومة، انما يضطلع المجتمع الدولي هنا بدور كبير وأساسي لمساعدة بلد اللجوء على تأمين الحدّ الأدنى من الحقوق لمن لجأوا اليه موقتاً، مع الحفاظ على الخدمات التي يؤمنها لسكانه الاصليين ومواطنيه ما يضمن لهم حياة كريمة”، يشرح قطريب. ويدعو في هذا السياق الى مقاربة اكثر عقلانية، بحيث يصار الى استثمار اليد العاملة السورية المنتجة في قطاعات (الزراعة) لا تنافس فيها اليد العاملة اللبنانية، تحت اشراف الدولة، بما يعود بالفائدة على الانتاج اللبناني أولاً واللاجئين انفسهم. قطريب يحرص على لفت النظر إلى أمر أساسي، وهو الإصرار على اعتماد مصطلح “نارحين” بدل “لاجئين”، وكأن الصفة لا يحددها الواقع الميداني كما يفترض، بل الارادة السياسية! (ومن المعروف ان النازح هو من إنتقل من إقليم إلى آخر ضمن حدود الدولة الواحدة). وبرأيه، فإن لبنان ليس بلد لجوء لأكثر من سبب ومعطى، بما فيها المشاكل التي تضرب بنيته التحتية التي لا تسد احتياجات السكان!
كيف يتمّ التعامل عادة مع اللاجئين بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية؟
يشرح قطريب أن ثمة مسائل ثلاث تُعالج فيها أوضاع اللاجئين:
أولا: أن يكون البلد الذي لجأوا إليه بعد موطنهم الأم هو بلد لجوء موقت أي عبور الى حين تأمين لجوء دائم في دولة ثالثة
ثانياً: مبدأ عدم رد اللاجئين وترحيلهم إلى موطنهم طالما ان الحرب مستمرة أو إلى حيث تكون حياتهم بخطر.
الثالثة: التوطين ببلد اللجوء الذي قدموا اليه.
وفي هذا الإطار، يذكر قطريب بأن السيادة المحلية تأخذ اليد الطولى في بعض المسائل، فيما تكون الكلمة للقانون الدولي في مسائل أخرى.
فمثلاً، تخضع المسألتان الأولى والثانية الى القانون الدولي بمعزل عما اذا كان لبنان موقعا على إتفاقية 1951 ام لا. وفي حال “مخالفة” هذه المبادئ، تكون الدولة عرضة لتداعيات عديدة. أما في المسألة الثالثة، اي التوطين، فإن السيادة المحلية تطغى على القانون الدولي، ذلك ان قرار توطين اللاجئين هو سياديّ محليّ بامتياز ولا دخل للمجتمع الدولي به.
هذا الموضوع تحديداً يُقارب بشعبوية كبيرة عند قسم من السياسيين والمحللين الذين يجعلونه مادة دسمة للمزايدات وشدّ الأوتار الطائفية. بحسب قطريب، التوطين لا يتمّ الا عبر مجلس النواب، وفيما لو حصل، فإنه يشكل خرقاً فاضحاً لمقدمة الدستور اللبناني التي تنصّ بوضوع على عدم التوطين.
ما يسعى قطريب الى قوله هو ان السياسيين الذين يهوّلون من خطر التوطين، الى حدّ ايحائهم بأنه أشبه بأمر منزل او خارجي او مفروض بالقوة، لهم يضيّعون البوصلة كون هذا القرار بيدهم وحدهم.
الأنكى ان ذريعة التوطين استخدمت لتبرير عدم اقامة مخيّمات للاجئين السوريين في لبنان، علماً أن المقارنة بين اللاجئ الفلسطيني واللاجئ السوري لا تملك اي مستند قانوني صحيح ذلك ان الفرق بين الاثنين كبير كون اللاجئين السوريين هم رعايا دولة قائمة ومعترف بها من قبل المجتمع الدولي، وعند توافر شروط عودتهم يكون بإمكانهم العودة إلى دولتهم، على عكس حالة اللاجئين الفلسطينيين.
المخيّمات تحافظ على كرامة المواطن واللاجئ.. والدولة
“ومنذ بدء توافد اللاجئين السوريين الى لبنان مع اندلاع الحرب في سوريا، طالبت مؤسسة “حقوق الانسان والحق الانساني – لبنان” بإقامة مخّيمات رسمية، فتمّ تخوينا واتهامها بنيّة التوطين”، يقول قطريب. ويلفت الى أهمية المخيّمات من النواحي العملية والإنسانية والأمنية، اذ يسهل احصاء الموجودين والفئات الديموغرافية من نساء واطفال وعجزة، وهذا ما يتيح للدولة معرفة من بقي ومن غادر عند انتهاء الحرب والعودة. كما تؤمن المسلتزمات والخدمات الصحية والتربوية والمعيشية بشكل افضل وفعّال أكثر. أكثر من ذلك، فإن اقامة مخيّمات للاجئين يساهم في ضبط الأوضاع الأمنية.
واذا كان قرار إقامة مخيّمات رسمية للاجئين هو موضوع سيادي محليّ بيد الحكومة اللبنانية لا تدخل فيه الأمم المتحدة، ماذا عن موضوع “المناطق الآمنة”؟
يشرح قطريب انه استنادا الى الواقع السوري الميداني الراهن، ثمة تعريفان للمناطق الآمنة: الأول يشير الى المناطق السورية المحيّدة عن الصراع العسكري، والثاني يشير الى المناطق العازلة على تخوم الحدود بحيث يمكن اقامة مخيّمات تؤمن حمايتها قوات حفظ دولية او قوات عربية.
شخصياً، يؤيد قطريب أيضاً طرح اقامة مخيمات في المناطق العازلة لأكثر من سبب ايجابي، لكنه يقرّ متأسفاً بأن هذا الموضوع يخضع ايضاً لتجاذبات سياسية وأمنية محلية وخارجية. حزب الله على سبيل المقال يتخوّف من عسكرة هذه المخيمات الحدودية وتحوّلها الى بؤر أمنية، فيما تعارض كلّ من روسيا وادارة الرئيس باراك اوباما في اميركا هذا الطرح ايضاً. الا ان قطريب يشير الى ان اوروبا التي تقول بأنها متضررة من الجوار القريب وتوافد اللاجئين اليها ومشاركة مواطنيها في عمليات ارهابية تكفيرية في سوريا، يمكنها على سبيل المثال ارسال قوات لحفظ امن هذه المخيمات الحدودية، ما يدحض التخوّف من عكسرتها.
الخلاصة حتماً ان ثمة تقصيرا وتراخياً من قبل المجتمع الدولي. بين الروس والأميركيين شدّ حبال، فيما أوروبا ليست أكثر من متفرجة، لا لاعبة! أما محلياً، فتغيب ايضاً الإرادة السياسية والتي ان وجدت، لسقطت كل الذرائع والمخاوف.
وهذا ما يقودنا الى وقفة ضمير وحق ومنطق. ليس كل لاجئ ارهابياً. المشكة ليست في اللاجئين أنفسهم، ولا حتى فينا وفي قبولنا هذا الواقع. المشكلة في أمكنة معروفة وواضحة. في الحرب. في الارهاب. في تقاعس الدولة عن اقامة المخيّمات. في تقاعس المجتمع الدولي عن ايجاد حلول تحفظ كرامة الجميع. لكن للأسف، نفهم انه في حضرة الموت والخوف والدمار والدماء، ثمة غشاوة تقتحم العيون، تمنعنا من التحديق بالمشكلة الأساسية. ندخل، نحن الأبرياء، في دوّامة عنف وحقد وتعصّب وثأر، ويضحك الأشرار.