أسعد البصري: الموصل ليست الفلوجة، ولا يمكن تكرار الانتهاكات الإنسانية/عبد الرحمن الراشد: دومينو الربيع البريطاني

367

الموصل ليست الفلوجة، ولا يمكن تكرار الانتهاكات الإنسانية
أسعد البصري/العرب/29 حزيران/16

بالرغم من الألم الذي خيم على المنطقة بسبب الانتهاكات وحرق البيوت والمقابر الجماعية ومعاناة النازحين بعد أحداث الفلوجة، فإننا لا نستطيع سوى التخلي عن المشاعر والعودة إلى العقل. في النهاية لن تسمح الولايات المتحدة بأي خلل في موازين القوى بين الدول المركزية الثلاث في المنطقة وهي تركيا وإيران والسعودية. لا صحة لإمكانية تحرير الموصل قريبا كما صرح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من مدينة الفلوجة وهو يرفع العلم العراقي. رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية جايمس كلابر كان قد صرح قبل شهرين بأن الولايات المتحدة لن تستعيد الموصل خلال هذا العام، وربما يستمر الصراع لعقود.
كما أن تجربة الفلوجة قد هزت العالم العربي والإسلامي لإصرار الحكومة على الاعتماد على المرتزقة الإيرانيين وعلى المسلحين في الحشد الشعبي. الموصل يصل عدد سكانها إلى ثلاثة ملايين وقد ذكر محللون أميركيون أن الدواعش سيتخذون من المدينة الكونكريتية درعا لهم في حالة الحرب.
إن حرب شوارع كهذه في مدينة كبيرة بين الميليشيات الشيعية والدواعش قد تجر المنطقة بأسرها إلى حرب طائفية، وهو ما لن تسمح به الولايات المتحدة على الإطلاق. السفير الأميركي السابق في بغداد، زلماي خليل زاده، كان قد حذر دول المنطقة من الحروب الدينية، ومن أن سياسة إيران العدائية قد تؤدي إلى انهيار كبير، ولكنه أشار إلى أنه لا يمكن التفكير في ردع إيران دون إشراكها في الحلول المناسبة. وذكّر العرب بمأساة حرب الثلاثين عاما في أوروبا القرون الوسطى بين ملوك الكاثوليك وملوك البروتستانت، التي لم تنته إلا باتفاق وشراكة بين أطراف الصراع في “اتفاقية وستفاليا”. العالم يعرف التعقيد الذي أدى إلى ظهور داعش، فالسفير زلماي خليل زاده قال بأن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كان مهووسا بفكرة الانقلاب السني عليه من قبل الضباط البعثيين، لهذا لم يتردد بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011 في تسريح الضباط السنة وتعيين ضباط سياسيين “دمج” غير حقيقيين بدلا عنهم.
كما أنه لم يتردد في سحب السلاح من القبائل السنية والصحوات وقطع رواتب الآلاف منهم والاستغناء عن خدماتهم. هذا الظرف تصاعد مع الطبيعة الطائفية للحكم ليتحول إلى اعتصامات واحتجاجات ثم إلى انضمام الضباط والمسلحين الناقمين إلى تنظيم إرهابي مثل “داعش” للانتقام من الحكومة وسقطت الموصل بيدهم عام 2014.هذا كله مفهوم لدى السياسيين الأميركان، ولكن زلماي خليل زاده قال إن الحل في العراق متعلق بالحل في سوريا، ونحن نرى بوادر مصالحات بين تركيا وروسيا وبين تركيا وإسرائيل، مما يعني تعاونا أكبر للدول الأساسية المعنية بالشأن السوري لإنهاء الصراع الذي دام خمس سنوات.
لا توجد إمكانية لتحرير الموصل هذا العام، هذا يبدو مستحيلا، إلا إذا تم حل الصراع في سوريا. كما أنه لا يمكن تحرير الموصل بالمرتزقة والميليشيات المنفلتة التي تحرق البيوت وترتكب الإبادة الجماعية.العالم كله على علم بجريمة الصقلاوية والتصفيات العشوائية للمئات من الرجال. لا يمكن لهذا السيناريو أن يتكرر في الموصل، ولا أعتقد بوجود أمل في تحرير الموصل هذا العام. النفوذ الإيراني في تصاعد بالمنطقة، فقد اعتمدت السعودية على تقارير أميركية تفيد بأن القادة الشيعة في العراق يتذمرون من النفوذ الإيراني، ويرفضون الإذعان لإرادة دولة واحدة، وأن إيران لا تعاملهم باحترام. حاولت المملكة العمل على مد جسور مع الشيعة العرب وهؤلاء القادة، إلا أن التجربة كشفت عن زيف هذه التقارير، وأن إيران تعمل بمنظومة معقدة شيعية في العراق بينها أعلى درجات التنسيق. هذا وتحقق ما توقعناه من اندفاع القادة السنة العراقيين نحو إيران.
مأدبة إفطار رمضانية أقامها المفتي العراقي الشيخ مهدي الصميدعي للسفير الإيراني في بغداد، كذلك مدير الوقف السني الشيخ عبداللطيف الهميم يبدو قريبا من السفير الإيراني، وهناك أيضا أنباء عن لقاءات في طهران عقدها وجهاء وشيوخ قبائل سنة عراقيون. الجديد أن هذا التقارب السني مع إيران يحظى بتأييد شعبي، فقد كشفت معاناة الفلوجة عجز العرب في الوصول إلى النازحين وتقديم المساعدة لهم بسبب التدافع السياسي مع إيران، لهذا يفكر السنة في الحصول على حماية إيرانية تخفف من معاناتهم الإنسانية خلال الحرب على داعش. لا نريد الحديث عن خيبات الأمل السعودية بشيعة العراق التي انتهت بتعليق صور الشيخ السعودي نمر النمر على الفلوجة وإعلان حسن نصرالله مشاركة حزب الله في التحرير وقصف المدينة بصواريخ النمر.
السيد مقتدى الصدر (القائد الشيعي العربي الذي يلبس الكفن كما فعل القادة التاريخيون في مقاتل الطالبيين وسيقود لواء التمرد على إيران) صرح مرتين؛ مرة بأنه لا يحق للسفير السعودي ببغداد زيارة السجون العراقية واعتبر ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية، والتصريح الأقسى هو الدعوة إلى مظاهرات ضد البحرين على خلفية سحب الجنسية من المعارض البحريني الشيخ عيسى قاسم. لم يكتفوا بذلك، بل أشاعوا خبرا غير صحيح عن مشادة بالأيدي مع القنصل السعودي في بغداد مشعل العتيبي مع أهالي “شهداء” الحشد الشعبي. حيدر العبادي لم يكن أقل إيلاما للعرب بإعلانه الميليشيات كمؤسسة حكومية، وأن الجنرال الإيراني قاسم سليماني موجود تحت أسوار الفلوجة بصفة قانونية كمستشار عسكري للحكومة العراقية، بعد أن كان وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي يسخر من السياسيين العرب لسنوات، ويقول لهم لا يوجد شيء اسمه سليماني وأنه تجول في كل العراق ولم يسمع أو يرى هذا الجنرال.هذه الصورة موجعة ولا شك، وتدل على رغبة إيران في تأزيم الوضع الداخلي للعراق والمملكة العربية السعودية، كما أن الشيعة لا يريدون للنصر على داعش أن يكون نصرا للمملكة بالمشاركة معهم في مكافحة الإرهاب. لهذه الأسباب، أعتقد بأن عمليات تحرير الموصل ستكون مختلفة، وأن السعودية ستكون حاضرة في قرار كبير كهذا، لأن تكرار العذاب الإنساني في الفلوجة على نطاق أوسع في الموصل، لا شك في أنه سيقود المنطقة إلى حرب وأزمات داخلية. أهل الموصل يمنون أنفسهم اليوم بأن الأكراد سيقومون بحمايتهم من الحشد، يعتقدون أن الهرب باتجاه البشمركة هو الخلاص إذا تقدم المرتزقة الإيرانيون وشيعة ميليشيات الحشد الشعبي (وليس الجيش العراقي) نحو المدينة.

 

 

دومينو «الربيع البريطاني»
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/28 حزيران/16
هناك الكثير يقال حول صدمة الخروج البريطاني له علاقة أيضا بأوروبا والعالم٬ وليس فقط مسائل صغيرة مثل التأشيرة والجمارك. يمكن أن تتغير خريطة القارة الأوروبية٬ والاتحاد٬ والعلاقات بين الدول الأعضاء٬ والتحالفات الخارجية. مثلاً٬ هل توقظ انتفاضة البريطانيين ضد «نظام الاتحاد الأوروبي» رغبات بقية القوى المتململة الأوروبية الأخرى٬ وتغير الجغرافيا السياسية؟ كلها أحجار دومينو تتكئ على بعضها البعض. التغيير يجلب الفوضى هذا ما تعلمناه حتى في المناطق الأكثر استقرارا وثراء. نزعات الحركات الانفصالية موجودة في القارة لكنها نامت مع ظهور الاتحاد. يتقدمها إقليم الباسك الإسباني٬ فهل تعود القلاقل من جديد؟ هل يرتد الانفصال على كيان بريطانيا نفسه٬ وتطلبه اسكوتلندا٬ وتنهي ثلاثمائة سنة من الوحدة مع لندن؟ هل تتبدل العلاقات السياسية وينتهي الدور البريطاني أميركيا في أنحاء العالم٬ بعد أكثر من مائة عام من العلاقة الخاصة؟ هل تنسحب دول رئيسية أخرى من الاتحاد الأوروبي وتتسبب في إضعافه؟ هل يمكن للاتحاد الأوروبي كله أن ينهار نتيجة فتح باب الخروج لبريطانيا؟ هل تستغل روسيا الفرصة وتوسع نفوذها أوروبيا٬ بخروج بريطانيا الذي أضعف «محور الممانعة» ضد موسكو داخل الاتحاد؟ وأخيًرا٬ في عصر بروز دول اقتصادية كبرى٬ الصين والهند٬ هل تضعف أوروبا٬ خاصة في ظل وجود تيار داخل الولايات المتحدة يميل للتقارب عبر المحيط الهادي والآسيوي على حساب علاقاتها مع المحيط الأطلسي؟ عادة الأحداث الكبيرة لا تقف عند حدودها٬ مثل شقوق الزلازل. هذا ما قد يفعله قرار بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي. فهي دولة رئيسية ومؤثرة في الاتحاد والقارة البيضاء٬ وسيخلف خروجها فراغا ما٬ الذي تقاس تأثيراته خلال السنوات القليلة المقبلة. البريطانيون عندما صوتوا انقسموا تقريبا إلى النصف بين مؤيد للبقاء أوروبيا٬ معظمهم من سكان المدن الكبرى والشباب٬ وبين راغب في الخروج من الاتحاد٬ ومعظمهم في الأرياف ومن كبار السن. والبريطانيون عموما لا يعتبرون أنفسهم أوروبيين كثيرا٬ رغم أنهم كانوا قوة مهمة داخل الاتحاد وداخل القارة. شعورهم التاريخي أقرب إلى منظومة الكومنولث٬ وهي حاليا 53 دولة٬ معظمها من مستعمرات الإمبراطورية البريطانية السابقة٬ لكنه صار قليل الشأن٬ وعلاقات دوله بين بعضها بروتوكولية.
والخروج من أوروبا ربما يكون مريحا للبريطانيين٬ من حيث إنه يغلق الباب أمام المهاجرين من دول أوروبا الفقيرة٬ لكنه لن يوقف الهجرة غير الشرعية. والخروج سيوفر على البريطانيين تكاليف عضوية الاتحاد لكنه سيفقدهم فرص الأسواق المجاورة الضخمة. عملًيا٬ بريطانيا أصبحت أصغر اليوم مما كانت عليه الأسبوع الماضي٬ كانت جزءا من أربعة ملايين كيلومتر مربع٬ هي مساحة الاتحاد الأوروبي. اليوم تقلصت إلى نحو ربع مليون كيلومتر مربع.
وهناك خطر أن تتقزم أكثر٬ فطلاب الانفصال في اسكوتلندا٬ يتوعدون بأنهم خلال السنوات القليلة المقبلة٬ بإجراء الاستفتاء والاستقلال والخروج من المملكة المتحدة التي تتشكل من «دول»٬ وليست أقاليم أو ولايات٬ بخلاف معظم أنظمة العالم. اسكوتلندا «دولة»٬ مساحتها سبعون ألف كيلومتر مربع٬ أي نحو نصف مساحة جارتها إنجلترا. وفي الماضي القريب كّنا نقول: إن خطر تفكك بريطانيا أمر مستبعد بوجودها في الاتحاد الأوروبي الذي همش المشاعر القومية الانفصالية٬ لكن خروجها من الاتحاد أيقظ الحنين عند الفئات المحلية التي تنشد الاستقلال٬ وإن جاء ذلك على حساب المصلحة الجماعية. فالانفصال ليس في صالح الاسكوتلنديين أيًضا الذين لا يتجاوز عددهم الستة ملايين فقط٬ إنما الاستفتاءات الانتخابية تلعب على العواطف أكثر مما تقدر وتراعي المصالح الحقيقية للأمم. وقد لا يتوقف تساقط أحجار الدومينو عند هذا الحد بل يهدد كل الوضع الذي تشكل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. ومراقبة السلوك الروسي في التعامل مع الفراغ البريطاني في أوروبا يوحي بذلك٬ وسيعطينا قراءة أوضح لما قد تكون عليه نوايا المستقبل القريب. فاهتمام الأميركيين بالتقارب مع الصين والهند سيدفع الروس غربا٬ نحو أوروبا. وهناك مصالح تجارية روسية كبيرة تنمو مع دول٬ مثل ألمانيا٬ قد تبدل التحالفات السياسية في القارة الأوروبية٬ وتؤثر على محيطها٬ مثل منطقة الشرق الأوسط. وخروج بريطانيا أضعف المعادلة الأوروبية بشكل عام٬ أكثر من أي دولة أخرى يمكن أن تفعله. خروجها سلبي على الأوروبيين بشكل عام لكنه في جانب واحد ربما يكون إيجابيا٬ قد يصحح أسلوب الاتحاد الأوروبي في التعامل السياسي مع دول العالم. يقول أحد السياسيين الخليجيين٬ فشلنا في إبرام اتفاقية جماعية حول البتروكيماويات بسبب إقحام  الأوروبيين القضايا السياسية في المفاوضات. وهناك من يرى أن اليسار الأوروبي مسؤول عن الأزمة لأنه لا ينظر إلى أوروبا كعمل اقتصادي بالدرجة الأولى٬ وهو الأساس الذي بنيت عليه اتفاقيات الاتحاد٬ بل يريد السيطرة عليها سياسيا وبيروقراطيا.