محمد بركات: رسالة من صحفي شيعي لبناني الى حسن نصر الله

1700

رسالة من صحفي شيعي لبناني الى حسن نصر الله
محمد بركات/الصدارة نيوز
التاريخ , 2016-06-13

لا شيء يستأهل دموع الأطفال، لا في الجنوب ولا في البقاع ولا في سورية الحبيبة. أجلس على شرفة في ضاحية بيروت الجنوبية وأكتب إليكَ، وأكاد أرى المعارك قاب قوسين أو أدنى من هذه الشرفة. تماما كما بات الجولاني على مشارف القرداحة. ربّما تخرج علينا بعد حين لتقول: “لو كنتُ أعلم”. لا بأس. جلّ من لا يخطىء. رغم أنّ غلطة الشاطر بألف. ونحن كنّا نعلم. حين قلنا لكَ: “لا تذهب إلى سورية”، لم نكن نريد الفوز عليكَ في الانتخابات النيابية، ولا البلدية، ولا أردنا الوزارات، ولا سلاحكَ، ولا أموالكَ، ولا نفوذكَ. قلنا لكَ، نحن العشرات ممّن تهدر دمنا اليوم: “لا تذهب. دعِ السوريين في حالهم. ثاروا أو أرهبوا أو تدعشنوا أو تلبرلوا”.

ولم نقل لكَ: “سلّم سلاحكَ إلى سمير جعجع أو إلى سعد الحريري”. لم نطلب منكَ الاستسلام. قلنا لكَ: “دعِ المقاماتِ وشأنها، فهي هناك منذ مئات السنين، وهدم الكعبة أهون على الله من دم امرىءٍ مسلمٍ”. لكنّكَ سخرتَ منّا. سخرية العارف والواثق من الانتصار، على طريقة الأيديولوجيات والعقائد المؤمنة بحتمية الانتصار والسيطرة على العالم. نحن،

قلّة قليلة في مذهبكَ، وكثرة كثيرة في لبنان، قلنا لكَ أن لا أحد يستطيع هزيمة الحقّ. وأنّ حجم لبنان، وحجم قوّتك العسكرية، وحتّى حجم المحور الذي به تستقوي، وبكَ يستقوي، لايسمح بليّ ذراع التاريخ. لكنّك سخرت منّا. سخرية المستمع إلى “أغبياء وعميان وخَوَنَة”. على طريقة الأحزاب التي تعيش نشوة عددية ومالية وجغرافية، فتظنّ أنّ بها سيختم التاريخ دوراته وسيتغيّر. وغنّى لكَ المغنّون وطبّل لكَ من حولَكَ، وكتب لكَ من تدفع لهم الملايين، ولم ينصحكَ غيرنا.

لا أكذب عليكَ وأقول إنّنا كنّا خائفين على حزبكَ الذي نعارضه في السياسة، لكنّ محازبيكَ من أخوتنا وأولاد أعمامنا وخالاتنا وعمّاتنا، ومن جيراننا وأصدقائنا، وتداعيات مشاركتكَ في الحرب السورية سترتدّ علينا جميعاً. وقد ارتدّت، مليوني نازح تقريباً، وحروب على حدودنا وجرودنا، بدل أن تكون على أبواب دمشق بين النظام والمعارضة، وأزمات معيشية وسياسية وأمنية. وصلت التفجيرات والسيارات المفخّخة لتنتقم من الجميع. كثيرون ماتوا وهم ليسوا معكَ في السياسة. كان القرار لكَ وحدَكَ. وها نحن ندفع الثمن جميعنا. كنّا نعلم، ليس لأنّنا أنبياء أو نتنبّأ بالمستقبل، بل لأنّنا قرأنا التاريخ والمنطق، وأنتَ رفضتَ، ولا زلتَ ترفض، وتقول لنا إنّنا نقبض من السفارات كي نثبط عزيمتك وعزيمة مقاتليك. لكنّ واللهِ، بكسر الهاء، وكما أقسمتَ بيمينك نقسم بأيماننا: لا نريد بكَ شرّا. ولأصدقكَ القول: لا نريدكَ أقوى مما كنتَ، علينا وعلى اللبنانيين. لكن واللهِ: نريد أن نستدركَ المقتلة التي دخلنا بها. نعرف أنّ عدد القتلى والجرحى من المقاتلين اللبنانيين قارب الخمسة آلاف، وربّما أكثر، وقد يصل إلى 10 أو 20 ألفاً، كما وعدتَ وقلتَ، حين تحدّثتَ عن التضحية بـ”ثلاثة أرباعنا”. لكن يمكن استدراك الخطأ. كلمة واحدة، وتعرف أنّها ستجد آذاناً لدى السوريين. تسوية ربّما، أو هدنة.

تراجع عن المشاركة في الحرب السورية، ومرابضة على الجرود وعلى الأراضي اللبنانية، واعتذار من السوريين، وستجد كلّ اللبنانيين معكَ إذا اعتدى أحدٌ علينا. أو هل تظنّ أنّنا سنفرح إذا دخل الدواعش إلى بيوتنا وهتكوا حرماتنا؟ بينكَ وبين نفسكَ، هل تصدّق أنّنا خَوَنَة؟ أكاد أجزم أنّك تعرف صدق نوايانا، ومتأكّد من صحّة مرامينا، أو بعضها، إن لم نقل كلّها. وما يغضبكَ أنّ من حولكّ، من مناصرين وحزبيين، وحتّى قياديين، بدأوا يهمسون بما نصرخ به. أنت تعرف أنّه ليس المرشد الإيراني من يشخّص مصلحتنا. هذا ضدّ الشريعة حتّى.

نحن أهل هذه البلاد نشخّص مصلحتنا، ومصلحة أولادنا وأطفالنا. وإن كان على المال فلا أحد يموت من الجوع. وأنتَ لم تستشر أحداً. المرشد شخّص مصلحة نظامه وبلاده وأرسل أبناءنا إلى سورية، على حساب مصلحة بلادكَ ومصلحتكَ ومصلحة حزبكَ. كاتب هذه السطور مستعدّ للمشاركة العسكرية في حماية لبنان إذا صرتَ لبنانياً. في قطعات الجيش والقوى الأمنية، وحتّى في مقاومة شعبية. لكن ليس لصالح الأسد، بل للدفاع، فعلا، عن لبنان. ومثلي الآلاف. لن يستطيع أحد أن يتسلّل من خلافاتنا. فالأوطان لا تُحمى بأعداد العسكر بل بالسياسة والمنطق وقوّة الحقّ.

نحن نعلم. نفهم أنّك خائف من استثمارنا في هزيمتكَ. ولا أحد يفكّر بالاستثمار في الدم. صدّق. لكنّ المنطق يقول إنّه لا بدّ من الاستثمار في مستقبل سوريا. ربّما أنت غاضب من الرئيس نبيه برّي. لكنّه يفكّر في سوريا الجديدة، ولا يريد أن يكون الشيعة كلّهم على خلاف دموي معها ومع شعبها. وأنتَ وحدكَ لا تردّ على أحد.