على خلفية تكريم فؤاد افرام البستاني في دير القمر عام 2004/ادمون الشدياق: من خطف وذبح على الهوية الى خطف وذبح الانتماء والهوية

449

 من خطف وذبح على الهوية الى خطف وذبح الانتماء والهوية
بقلم ادمون الشدياق/موقع ليبانونزم lebanonism

نشرت بتاريخ 21 أيار/2005

عندما قرأت عنوان خبر تكريم فؤاد افرام البستاني في دير القمر شعرت بسرور وفرح كبيرين أولاً لأن الرجل كان عملاقاً من عمالقة الفكر اللبناني في كافة المجالات الفكرية والادبية والعلمية والتاريخية وثانياً لأنني خاصة وكل فرد من أفراد المقاومة اللبنانية نشعر بحنين البنوة نحو ذاك الذي كان منذ وعينا النضال وما يزال حتى بعد رحيله أب لنا من أباء الفكر المقاوماتي الذي هو القاعدة التي نرتكز عليها في نضالنا للوصول الى لبنان الدائم النهائي الغير قابل للتجزئة أو النعت أو الاضافة. ولكن ما أن قرأت الخبر بكامله حتى شعرت بحزن يشوبه شيئاً من الغضب لأنني أحسست في تلك الدقيقة من الزمن بأن هذا هو شعور فؤاد افرام البستاني في عليائه بعد هذا الذي سموه زوراً وبهتاناً تكريم له ولفكره.

فلنسمع كيف كرم فؤاد افرام البستاني وما قيل عنه في حفل تكريمه، فقد جاء في كلمة الوزير مروان حماده : التأكيد ان ما خلفه فؤاد افرام البستاني لنا ولوطننا ولأمتنا، نعم لأمتنا العربية …. طغى على طبع الشخص الرجل ومنحه اجازة لأن يكون فعلا رجل عصره…. فقد عاد فؤاد افرام البستاني الى الاصول التي لم يغادرها يوما…. الى العروبة الحضارة والثقافة والانتماء. ففي النهاية كلنا يعود الى الاصول، والى الينابيع، وهي واحدة لا تتجزأ …. ، انني بقيت اتوسم في صورة العملاق فؤاد افرام البستاني صورة العالم، المفكر، المؤرخ، الموسوعي، والانساني …. وكبير من كبار العرب حضارة وثقافة “.

وهنا ارتأينا بعد هذه النعوت أن يرد فؤاد افرام البستاني نفسه على الوزير حماده ليبين له ما هي الاصول والينابيع التي ينتمي اليها هو وكل مناضل في المقاومة اللبنانية.فقد جاء في مقالة للدكتور البستاني في مجلة المسيرة العدد العشرون الصادر في 30 تشرين الثاني 1983 ما يلي:

” على انه آن الاوان لنسقط الاقنعة، ونقصي النفاق والمنافقين، صارخين : الى أي وفاق تدعون؟ وأي حوار بين الفرقاء؟ وأي فرقاء؟ وليس في لبنان، أو على أرض لبنان، الا فريقان: لبنان المعتدى عليه، والغازي الغريب المعتدي.

فلنعالج الأزمة بجرأة، بين لبنانيين خلصاء أصفياء لا يرون وطناً ولا مبدأ ولا عقيدة فوق لبنان والعقيدة اللبنانية، ويرون في هذا اللبنان وطنهم الدائم النهائي الوحيد، غير القابل للتجزئة، الكامل غيرالقابل للنعت، ولا الاضافة. وعندئذ لا نبقى بحاجة الى تجمع، ولا الى حوار، ولا الى ” تفهم وتفاهم” ولا الى طاولات… فقد شبعنا نفاقاً. وآن الوقت لاسقاط الاقنعة، وترك الباطنية، وطرح الازدواجية، ومجابهة الحقيقة بجرأة، ومنطق سليم.
وبناء على ذلك فلا يجوز أن ينعت لبنان بالعربي، ولا أن يلحق قسراً واعتباطاً بالعروبة”.
وهذا الرد يكفي ايضاحاً فإذا كان لايجوز بحسب قول الدكتور البستاني أن ينعت لبنان بالعربي، فكذلك لا يجوز أن ينعت اللبناني بالعربي أيضاً.

وقد جاء في مكان اخر من كلمة الوزير حماده ” فؤاد افرام البستاني لم يكن الرجل الموسوعي في اي وقت من الاوقات ملكا لعائلة…. ولا هو كان ملكا لمنطقة، ولم تصادره طائفة، ولا حتى جبهة…. هو ابعد واسمى من سجون الانتماءات الضيقة التي اراد البعض زجه فيها، وتحجيمه عبرها”.

وعلى هذا الادعاء نجيب معالي الوزير بأنه لو عرف فؤاد افرام البستاني حق معرفته لكان عرف بأن المنطقة والطائفة والجبهة التي يتهمها الوزير حماده بتهمة محاولة مصادرة وزج الدكتور البستاني في انتماءاتها الضيقة كانت ولعظمة الرجل مصادرة هي بفكره ومقدار تقديسه للبنان الحضارة والهوية المميزة. لبنان الذي أراده كما راينا غير منعوت الا بذاته.

لا بل نقول لمعالي الوزير اكثر من ذلك وهو أن من يريد زج فؤاد افرام البستاني في سجون انتماءاته الضيقة ومن يريد تحجيمه هو مروان حماده نفسه ومن جر جره من عروبيين ومستعربين عندما يحشرونه في قمقم عروبتهم وحضارتها وهو من شمخ على قمة أعلى الحضارات شأواً ومكانة الاوهي الحضارة للبنانية التي ترجع وحسب أخر المكتشفات في جبيل الى سبعة الآف من السنين. وهنا أيضاً نريد لفؤاد افرام البستاني أن يرد على متهميه بنفسه ، فقد جاء في عدد مجلة المسيرة الذي ذكرنا سابقاً هذا الخبر:

الدكتور فؤاد افرام البستاني : الادب اللبناني أدب لغات.
معتبراً ان الادب العربي هو أدب لغة بينما الادب اللبناني هو أدب لغات، اعلن عضو الجبهة اللبنانية الدكتور فؤاد افرام البستاني في مؤتمر صحفي عن مباشرة تدريس الادب اللبناني هذه السنة في كلية الاداب في جامعة القديس يوسف وقد قسمت الدراسة الى سلاسل اربع كل منها تتناول مرحلة من مراحل الادب اللبناني.
وبرنامج التدريس موزع كالآتي:
السلسلة الاولى (1983 – 1984) الادب اللبناني باللغة الكنعانية (الفينيقية).
السلسلة الثانية (1984 – 1985) الادب اللبناني باللغات اليونانية واللاتينية والارامية والسريانية.
السلسلة الثالثة (1985 – 1986)
أ – الادب اللبناني ( الشفهي والمكتوب بالحرف السرياني الكرشوني) باللغة اللبنانية.
ب – الادب اللبناني باللغة العربية
السلسلة الرابعة (1986 – 1987) الادب اللبناني باللغات العصرية: الايطالية والفرنسية والانكليزية ووالاسبانية والبرتغالية والالمانية.

وهذا الرد من الدكتور البستاني ذاته يثبت لمعالي الوزيرالذي يريد تعريبه بالقوة كيف كان ينظر الى حضارته اللبنانية على انها حضارة فاعلة وديناميكية قادرة على الابداع بأي لغة( بما فيها اللغة العربية) وفي أي عصر ( حتى وفي أيام العصر العربي) وفي ذات الوقت قادرة على أن تبقى حضارة عالمية غير منعوتة الا بذاتها وكذلك انتاجها وهو هنا الادب اللبناني المنعوت بنفسه ولو تعددت لغاته. بعكس الحضارة العربية المتأطرة والمحدودة بلغة واحدة لا يمكنها الافلات منها لتنطلق حضارة عالمية وبذلك تحجم وتزج الذي يتبناها في انتمائاتها الضيقة.
*
هذا الذي جرى في دير القمر ليلة 28 أيار لم يكن تكريم بل كان غزوة عروبية من الدرجة الاولى تخللها نقلة نوعية ممن اعتاد الخطف والذبح على الهوية وانتقل اليوم الى خطف وذبح الانتماء والهوية، والضحية كما دائماً بريئة مستفردة وليست بقادرة على رد الاعتداء.

نعم هذا الذي جرى في دير القمر لم يكن تكريم ولكن تسوية حساب من اللذين اطلقوا النار فرحاً في مختلف مناطقهم في الجبل عندما سمعوا بوفاة من كان بفكره وقلمه يرد جحافلهم مكسورين عن صدر لبنانه الحبيب.

أرادوا أن يردوا لفؤاد افرام البستاني الكيل كيلين والصاع صاعين وفي عقر داره عندما رقد يعجز عن مقارعتهم، فنعتوه بالنعوت التي لم يرتضيها للبنان ولا لأي لبناني وهو من لم يرى وطنا ولا مبدأ ولا عقيدة ولا نعت فوق لبنان والعقيدة اللبنانية والهوية اللبنانية المميزة ليتكنى به.
* * * * * * * * * *

” النهار”
السبت 29 أيار 2004

تكريم فؤاد افرام البستاني في دير القمر
“لم يكن ملكاً لعائلة أو طائفة أو جبهة”
دير القمر – “النهار”:
اصدقاء واحباء التقوا امس ليكون فؤاد افرام البستاني موضع تكريم مع مرور عشر على رحيله وفي اطار الاحتفال بمئوية ولادته. فأحيت جامعة سيدة اللويزة – فرع الشوف في دير القمر يوما للبستاني في قاعة النائب نبيل البستاني في الجامعة، شارك فيه وزير الاقتصاد والتجارة مروان حماده ممثلا رئيس الجمهورية، ونائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، وطوني رزق الله ممثلا وزير المهجرين، والنواب جورج ديب نعمة، ونبيل البستاني وفؤاد السعد وطوني انطونيوس ممثلا النائب نعمة طعمة، ورئيس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون، وسعيد عقل، وممثل “التيار الوطني الحر” غياث البستاني، وناجي البستاني، ورئيس مجلس القضاء الاعلى السابق منير حنين، والنقيب عصام كرم، وقائمقام الشوف جورج صليبي، ومدير مؤسسة العرفان الشيخ سامي ابي المنى والشيخ حكمت مرسل والآباء فؤاد صغبيني وانطوان سعد وخليل ابو جودة وشوقي رفول وفيليب الحاج وايلي صفير ورئيس الجامعة الاب بطرس طربيه.
النشيد الوطني افتتاحا، فعرض لفيلم قصير عن الراحل، فتقديم من مسؤول العلاقات العامة في جامعة سيدة اللويزة سهيل مطر، ثم كلمة لرئيس الجامعة الاب طربيه الذي قال: “هو اكبر من لقب ووسام ومقام، انه مجموعة قيم واعمال وابداعات وروائع، وكم نحتاج في هذا الزمن الى مثل هؤلاء الناس. فاذا كان الآخرون عددا فهو وحده الجودة والقياس، والى قامته يتطاول الآخرون، واذا كان فؤاد افرام البستاني خرج من سجن الجسد الى فضاء الروح فقد خرج قبل ذلك من سجن الادارة والوظيفة والمهنة الى فضاء الوطنية الرحب. ويبقى اسمه علامة مضيئة في تاريخ لبنان وفي بناء حضارة النهضة العربية”.
الفرزلي
ثم القى نائب رئيس مجلس النواب الفرزلي كلمة قال فيها:
“علاّمة الادب والثقافة، جهبذ العربية، هيرودتس التاريخ، رائد النبل السياسي والصحافي ذو الكلمة الفصل والرأي القاطع كحد السيف. من وعى حقائق الكيان اللبناني المتجذر في العصور والاجيال، موسوعة الفكر وسادن شتى فروع المعارف، مربي الاجيال من الكبار، الدكتور فؤاد افرام البستاني اخلد الى السكينة ورحل بعد ان ملأ الدنيا وشغل الناس، كاتبا اسفارا بمداد الذهب، ومرصعا جبهة الخلود بما لا يدركه زوال.
بين خمسة او ستة من كبار الشرق ولبنان، كان وسيظل جذوة نور وشعلة معرفة.
غرّب في بطون التواريخ القديمة، وشرّق في اعماق الماضي واساطيره، فاعطى لبنان والتاريخ العالمي، القديم والحديث ما يُشرف ويبهر.
وسم فؤاد البستاني القرن العشرين بسمة الغزارة والنوعية، فكان له تراث في القصة والادب والنقد وطرائق التعليم والتاريخ ودائرة المعارف وملاحم الاغتراب وسير القديسين، ولم يترك موضوعا يفلت من مقبض ريشته.
البستاني المؤلف الموسوعي، المربي واستاذ المعاهد ورئيس الجامعة اللبنانية الذي ثبت لها اركانا، هو معلم الفلسفة والتاريخ والادب، واستاذ للمعلمين، شرف الاكاديمية الدولية للعلوم السياسية في “جنيف” بانتمائه اليها.
أحب فؤاد، كما جبران، في الادب، ثلاثة: التمرد والابداع والتجرد، وكره، مثله، في الادب ثلاثة: التقليد والمسخ والتعقيد”.
وهو، طالما، صبغ ادبه ولوّن تاريخه باسلوب ناصع واضح تأسره البلاغة وقوة السبك، فكان له نثر ممتع ممتنع جعله نسيج وحده. وفيه، قبل غيره، يصح قول “بوفون”: “الاسلوب هو الانسان نفسه”.
والقى الفرزلي ايضا قصيدة.
حماده
وتلاه الوزير مروان حماده بكلمة قال فيها: “انه لشرف عظيم لي ان ادعى الى هنا في رحاب هذا الصرح العلمي الكبير، في دير القمر الحبيبة، بين اهلي واحبائي لأتحدث ببضع كلمات عن رجل كبير من قياس العمالقة اسمه فؤاد افرام البستاني. فعندما شرّفني اخي وصديقي حارث، بالدعوة الى القاء كلمة في المناسبة، لم اتردد لحظة واحدة. ولم يكن ذلك بدافع من الواجب تجاه من احب، ولا لغاية محسوبة، وانما لسببين اثنين:
العاطفة التي تجمعني بالبيت، يا ابن العم، يا حارث، وهي عاطفة البعقليني تجاه الديري. عاطفة الشوفي تجاه الشوفي وعاطفة التواصل والمحبة الضاربتان في التاريخ… تاريخ العائلتين وتاريخ المنطقة وتاريخ لبنان (…) اما السبب الثاني (…) فهو التأكيد ان ما خلفه فؤاد افرام البستاني لنا ولوطننا ولأمتنا، نعم لأمتنا العربية، من ثروة فكرية، ومخزون ثقافي، وعلوم رفيعة، طغى على طبع الشخص الرجل ومنحه اجازة لأن يكون فعلا رجل عصره، ورجل انسانية يتخطى الحدود والحواجز وقضى على رواسب المراحل الصعبة التي مر بها لبنان. فقد كان فؤاد افرام البستاني القيمة الانسانية، والثقافية الكونية اكبر وابقى. وكان في جذوره الاصيلة، وفي انتمائه الثقافي العربي اقوى من المحن والخلافات. فقد عاد فؤاد افرام البستاني الى الاصول التي لم يغادرها يوما، الى البلدة الحبيبة، الى الجبل العزيز، الى العروبة الحضارة والثقافة والانتماء. ففي النهاية كلنا يعود الى الاصول، والى الينابيع، وهي واحدة لا تتجزأ، وعُراها لا تنفصم”.
ورأى ان “فؤاد افرام البستاني لم يكن الرجل الموسوعي في اي وقت من الاوقات ملكا لعائلة شأنه في ذلك شأن البساتنة الكبار، ولا هو كان ملكا لمنطقة، ولم تصادره طائفة، ولا حتى جبهة. لأن الموسوعي كان وسّع دائرة معارفه وعارفيه والمعجبين به، والمتلقنين على يديه ومنه، الى ما هو ابعد واسمى من سجون الانتماءات الضيقة التي اراد البعض زجه فيها، وتحجيمه عبرها”.
وقال: “لقد كان فؤاد افرام البستاني علما من اعلام الفكر والادب والتأريخ. كان ذلك باعتراف اقرانه من المحيط الى الخليج. وكان الرجل عالما، دارسا، متبحرا، ومتفانيا في سبيل العلم والمعرفة. هذا امر اجمع عليه الناس. ولكن فؤاد افرام البستاني لم يكن فقط رجل الروائع، ولا رجل دائرة المعارف، ولا الاستاذ الجامعي، وانما كان على صلة بالحياة السياسية في وطنه. هذا الجانب من فؤاد افرام البستاني واكبته، ولكن من الجانب الآخر من المسرح السياسي في اصعب الظروف التي مرت بلبنان. ولذلك اردت ان اقول لكم هنا، من على هذا المنبر الكبير، انني بقيت اتوسم في صورة العملاق فؤاد افرام البستاني صورة العالم، المفكر، المؤرخ، الموسوعي، والانساني. كبير من هذه الدوحة الكريمة، وكبير من الدير الحبيبة، وكبير من الشوف القلب النابض، وكبير من لبنان الرسالة، وكبير من كبار العرب حضارة وثقافة. هذا هو فؤاد افرام البستاني الموسوعي، الانساني، الشامل كما يراه مروان حماده، كما يحترمه وكما يحبه”.
كرم
ثم تحدث النقيب عصام كرم: “فؤاد افرام البستاني تلميذ المعلم نعّوم، ابن النهضة الثانية، اطل على الينابيع اطلالة الطمّاح المتعافي. فأقبل عليها يعلّ وينهل ولا يرتوي حتى اخضلّت المناهل بمواهة الاصلاء. وحتى استوى، هو، فؤاد افرام، في المطلع البهي من الامداء الفساح.
هذا المثقف بلا حدود تملأَّ من ثقافته، وهضمها، وارتقى بها من مدارج الثقافة الى مراتب المعرفة حتى بات عصيا على ان يعرّف به بـ”الروائع” في ادب العرب وبـ”دائرة المعارف” يحاول اكمالها لعله يتجاوز عبارة “عثمانية” العبارة التي وقف عندها نسيب ونجيب ابنا المعلم بطرس مع سليمان البستاني.
المدى الارحب كان مداه. والافق الاوسع كان ملعبه حتى بات اشمل بكثير من ان يُختصر بكتاب ألّفه او عبر موسوعة توفّر عليها… مثلما لا يُختصر فيكتور هوغو بأنه صار خطيب اليسار، ولا إميل زولا بأنه صاحب “إني اتّهم”.
هذا العارف، الغارف من العطايا، كان السنين السمان تتدارك السنين العجاف عند الطالبين”.
البستاني
ثم كانت كلمة الدكتور حارث البستاني، فقال:
“كرس حياته بكاملها للبحث والدراسة والتأليف والتربية. عمل جاهداً حتى آخر رمق لتنشئة الشباب اللبناني، ناضل بلا هوادة في سبيل سيادة لبنان واعلاء شأنه، وغادرنا صبيحة يوم باك ومصقع. شيخ جليل هوى لينضم الى قافلة عظماء القرون الغابرة.
كان جليل الجبل ينتمي الى سلالة ملوك الآداب العربية والاسلامية. يعمل بعدما تحرر من التزاماته الجامعية، على اعادة صياغة وانجاز مخطوطاته التي تجاوزت بالعدد مؤلفاته المنشورة.
حياته، بحث دائم عن المعرفة الاصيلة والشفافية المطلقة وعظمة لبنان حتى وصلت به الى عتبة الموت المشرق المؤذن برؤية الخالق.
لم يغلق باباً يوماً امام طارق شيخاً كان او فتياً، يستقبل الجميع بوجه بشوش ويصغي اليهم. فكل رأي بالنسبة اليه جدير بأن يؤخذ في الاعتبار. ولم يبخل يوماً باعطاء فكرة او بتوجيه نصيحة لطالبها.
كان فضوله المسكوني، وسعة معرفته وعشقه للبنان ثالوثاً يضفي على صوته نبرة خاصة فتأتي كلماته في هذه المواضيع رنانة ومصقولة”.
بعلبكي
وبعد استراحة قصيرة كانت جلسة ذكريات تحدث فيها نقيب الصحافة محمد بعلبكي جاء فيها:
“للذكريات معه طعم الحنين الى تلك الايام، بما كان لها علينا وما كان لنا عليها من احداث، تجعل تلك المرحلة من تاريخ لبنان، عابقة بما نتمناه يعود، لو يعود، بكل ما كان فيه من طيبة وبركة وبيادر عافية.
كنا في المقاصد، وكان على الضفة الاخرى من التفكير الوطني الواحد. شخص مثير للجدل، يحترمه اخصام تفكيره بقدر ما يحترمه مريدوه، وهو بين الفريقين عالم جلود، وبحاثة طلعة، يرفد معهد الآداب الشرقية في الجامعة اليسوعية ويرفد مجلة “المشرق” ويرفد الشباب المطلبين عليه من واسع علمه وغزير معرفته.
وكان هو يبقى على اقتناعاته، راسخاً في معتقده العلمي والتاريخي والادبي، موسوعة من رحابة قول ووساعة بث، قلمه طاقة لا تتعب، وفكره دنيا من آفاق وساع، وما يقوله، ولو اثار جدلاً، يظل مرجعاً اليه يعاد.
اذكرها تلك الايام، واذكر كم نهلنا من “الروائع” مادة مدرسية لم تكن ضمن برامجنا المدرسية لكنها كانت ضرورة ولنا في اكتناز ما كان علينا ان نعرفه من ذخائر الأدب العربي.
وجاءت “دائرة المعارف”، يكمل بها العمل الجبّار الذي بدأه البستاني الاول، البطرس الكبير، فاذا به يوليها من وقته وجده ما يعجز عنه فريق كامل من الباحثين.
وحين كنا نتحلق حوله في جلساته وحلقاته، كان يمدنا بالوفير الغني من الادب والتاريخ والفكر، حتى لكأن الجلوس اليه حج الى واحد من أئمة الايام الخوالي”.
واضاف: “ذات يوم، وكان في زيارة صديقه القاضي بولس سلامة في زحلة، عرفه القاضي سلامة، وكان شاعراً كذلك، بشاعر فتى في زحلة تقدم من الاستاذ فؤاد بثقة وشموخ. طلب الاستاذ فؤاد ان يسمعه الفتى شعراً، ففعل الفتى. سأل الاستاذ فؤاد: “وهل عندك الكثير من هذه القصائد، اجاب الفتى: “عندي مجموعة كاملة، وعندي مسرحية شعرية جاهزة”. طلب الاستاذ فؤاد ان يراها، فأرسلها اليه الفتى الزحلي بالبريد. وحين قرأها الاستاذ فؤاد واعجبته، اشركها في مسابقة الجمعية الادبية يومها، ففازت المسرحية بالجائزة الاولى، ونشرها الاستاذ فؤاد في مجلة “المشرق”، فاشتهرت واشتهر صاحبها من يومها، ولا يزال صاحبها حتى اليوم يعترف بفضل الاستاذ فؤاد افرام البستاني عليه.
تلك المسرحية كانت “بنت يفتاح”، وذاك الفتى الزحلي هو سعيد عقل”.
ساره
ثم تحدث الدكتور البير ساره بالفرنسية. وعقدت جلسة اكاديمية ترأسها الدكتور منصور عيد، وتخللتها مداخلات لكل من الدكتور دياب يونس والدكتور احمد لواساني والدكتور غالب غانم والدكتور اهيف سنو، ومدير الفرع الدكتور اسعد عيد. وختاماً كان غداء وزيارة لمنزل فؤاد افرام البستاني في ديرالقمر.

 رابط المقال على موقع ليبانونزم

http://lebanonism.com/lebwp/?p=1446