شادي علاء الدين : تصفية مصطفى بدرالدين وهدايا ما بعد النووي

155

تصفية مصطفى بدرالدين وهدايا ما بعد النووي
شادي علاء الدين /العرب/17 أيار/16

حرصت إيران على تضمين كل رسائل التعزية بمقتل القيادي البارز في حزب الله مصطفى بدرالدين اتهاما مباشرا وواضحا لإسرائيل، على عكس ما أعلنت عنه قيادة الحزب في بياناتها التي اتهمت الجماعات التكفيرية بتنفيذ العملية التي أودت بحياته، والتي كانت وفق الحزب عبر قصف مدفعي.

الصحافي الفرنسي المعروف والمتخصص في قضايا الإرهاب، جورج مالبرونو، أعلن أن حزب الله طلب من وسائل الإعلام عدم إيراد إسرائيل ضمن قائمة المتهمين في قضية مقتل مصطفى بدرالدين. التناقض بين إيران وحزب الله يعكس أجواء قد لا يكون الحزب فيها درة تاج الإمبراطورية الإيرانية المزعومة، بل عبئا يجب التخلص منه للشروع في تنفيذ المفاعيل غير المعلنة للاتفاق النووي مع الشيطان الأكبر، الذي تترجح فرضية احتوائه على بنود سرية تصب في صالح تصفية كل العناصر المتورطة في الاعتداء على الشخصيات أو المصالح الأميركية.تسعى إيران إلى تمكين حلفها مع أميركا وهو الحلف الذي كانت تعتقد أنه سيكون تاما ومنجزا فور توقيع الاتفاق النووي وأنه سيضمن لها التفوق على كل جيرانها، والتحول إلى القوة العظمى التي تُرسم سياسات المنطقة انطلاقا من خصوصية توجهاتها ومصالحها. تقلص الطموح الإيراني مع التحولات السعودية التي أظهرت نزوعا حربيا مواجها لم يكن مألوفا، ومع ظهور ملامح وعي شيعي عراقي يعتبر الوجود الإيراني في العراق بمثابة احتلال للبلاد ونهب لمواردها. دفعت هذه التطورات إيران إلى تحجيم طموحاتها لتقتصر على الإبقاء على النظام الذي يشهد، بدوره، تحولات عميقة في بنيته طالت الهالة المقدسة التي كان يتمتع بها الولي الفقيه، وجعلت دوره ومكانته محل نقاش سياسي، وهو أمر كان مستحيلا التفكير به في مراحل سابقة.

ضرورات الحفاظ على النظام تستوجب تجرع الكثير من كؤوس السمّ كما أسمى المرشد الاتفاق النووي مع الشيطان الأكبر، ولكن ليست كؤوس السم جميعها على نفس الدرجة من السمية فهناك سم أهون من سم. من هنا يبدو منطقيا أن يعمد النظام الإيراني إلى تنقية نفسه من العناصر التي تعرف الكثير من الأسرار من قبيل السفير الإيراني السابق في لبنان، غضنفر ركن أبادي، وبعض ضباط الحرس الثوري الذين صارت أخبار سقوطهم المتواصل وغير المنطقي في سوريا جزءا من السياقات اليومية للحريق السوري. يضاف إلى ذلك تصفية كل العناصر التابعة لحزب الله والتي ترتبط بملفات شائكة تطال الأميركيين، وترتبط بملف اغتيال رفيق الحريري الذي قد تقود التحقيقات فيه إلى الكشف عن ضلوع إيراني في المسؤولية عنه، وهو ما سيضعها في مواجهة لا تريدها مع المحكمة الدولية. لتضحية الإيرانية بمصطفى بدرالدين احتمال قد يكون مرجحا على سائر الاحتمالات، لأن هذا الرجل هو صندوق معلومات عميق يحتوي على أسرار العمليات التي طالت أميركيين، إضافة إلى الكثير من الملفات الحساسة. إحراق هذا الصندوق وإتلاف محتوياته من الضرورات القصوى للسياسة الإيرانية الجديدة التي تعتبر أن فتح الصفحة الجديدة مع أميركا تتطلب تنظيف الملفات السوداء جميعها. قيادات حزب الله لا تتمتع أمام هذا السياق الاستراتيجي بأي حصانة خاصة، لا بل وعلى العكس من ذلك، بدت قيادات الحزب وكأنها القربان المثالي التي يمكن تقديمه ثمنا للتطورات المتسارعة في العلاقات الأميركية-الإيرانية.

تحرم إيران الحزب من استخدام العنوان الإسرائيلي الذي طالما كان الحجة التي يستخدمها لتعطيل كل سجال معه، وتحويل كل خلاف سياسي معه أو انتقاد لمشاريعه إلى سياق تخويني. العنوان التكفيري الذي تريد إيران أن تحصر عمل الحزب حاليا ضمن حدوده الآن لا يستطيع منافسة وهج وحرارة ومتانة العنوان الإسرائيلي. استغلال جنازة بدرالدين في منطقة الغبيري من أجل منح عنوان الخطر التكفيري، الذي يتخذ شكل العداء للسعودية، زخما يتفوق على العداء لإسرائيل الذي شكل صورة الحزب، بدا وكأنه طموح كاريكاتوري من ناحية ويائس من ناحية ثانية.

تسعى إيران إلى التعامل مع المجتمع الدولي بوصفها دولة، وليس بوصفها حزبا أو ميليشيا. شكل الخطاب في هذه الحالة واتهام إسرائيل لا يسمحان بالركون إلى منطق التهـديد والوعيد، بل ويتيحان الفرصة أمام ظهور صيغة ملتبسة تهدر فيها حقيقة مقتل بدرالدين وتطمس معالمها بشكل تام.

ترمي إيران جثة بدرالدين وحقيقة اغتياله في غابة اتهام إسرائيل في لحظة انطلاق مسارات التسويات الكبرى التي ستسبقها مجازر كبرى. ن تقتصر ضحايا هذه المجازر على الناس والأمكنة والتاريخ وحسب. لمطلوب قبل كل شيء هو إهدار دم الحقائق، كي يمكن بناء منطقة الأزمات المشتعلة على أساس متين من الأوهام الصلبة والحقائق المحترقة، والتي لم تكن تصفية بدرالدين سوى أحد سياقاتها الدموية.