علي الحسيني: حزب الله وسياسة.. تغطية السموات بالقبوات

285

حزب الله وسياسة.. تغطية السموات بالقبوات
علي الحسيني/المستقبل/25 نيسان/16

يبرع «حزب الله» في قلب الحقائق وتحويرها بما يتناسب مع مصالحه أو مع الحالات والمراحل الإستثنائية التي تُفرض عليه، تماماً كما يبرع في البحث بين الأكوام عن مشكلة عالقة أو ملف من هنا أو هناك يستغلّه من أجل تلميع صورته أمام الرأي العام لما لهذا الأمر من فائدة ترتد عليه نفعاً داخل بيئته بعدما أصبح عاجزاً عن تقديم أي إنجاز لها بعدما تخطّت خسائره في سوريا حدود المعقول وتجاوزت حتّى المنطق العسكري والسياسي.

لا يتوانى «حزب الله» عن احتضان جميع الملفات المطروحة في البلد مهما كبرت أو صغرت وجعلها عناوين اسبوعية يطرحها على اللبنانيين بعد ايهامهم بأنه الأحرص عليهم وعلى مصالحهم، وهو ما يسير عليه اليوم تحت حجّة مكافحة كل أنواع الفساد من شبكة الإتجار بالبشر وقضية «الأنترنت» غير الشرعي وقبلهما ملف النفايات، هذا مع العلم أن الباحث في أزمات لبنان القديمة منها والطارئة، سيجد أن «حزب الله» مسؤول عن معظم حالات الفساد الموجودة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وذلك إمّا من خلال تعطيله حالات التوافق كما هو الحال في ملف رئاسة الجمهورية، أو من خلال منحه المرتكبين والمطلوبين غطاء حزبيّاً يرفع عنهم المُحاسبة ويجعلهم في مرتبة «القديسين».

يشعر «حزب الله» اليوم أنه في أشد الحاجة إلى جمهوره الذي أصبح ينظر إلى قضايا حزبه على أنها تحصيل حاصل وربما امر واقع، وهذا ما يظهر بشكل جدي من خلال المناسبات الحزبية التي لم تعد تحشد الأعداد التي كانت تجمعها من قبل خصوصا في حالات المآتم سواء في القرى أو في الضاحية الجنوبية، وهناك من يقول ان سبب الإحجام عن المشاركة خلال المناسبات هذه، هو أن الموت اصبح بالنسبة إلى جمهور «حزب الله» أمرا مفروغاً منه بحيث صار مرور جنازة عنصر من الحزب بين الأحياء لا يحتاج إلى أكثر من إغلاق المؤسسات والمحال التجارية لفترة وجيزة ريثما تمر الجنازة، وهذا بحد ذاته يُعتبر تحوّلاً أو مفصلاً هاماً لدى الجمهور لكنه بالتأكيد لا يُزعج «حزب الله» الساعي إلى أن يُصبح الموت اليومي أمراً شبه عادي في بيئته منعاً للإحتجاجات والإنتقادات التي تُلاحقه. يُلهي «حزب الله» جمهوره بحملات على أحزاب مُحددة ويعده بملاحقة ملفات تحمل روائح الفساد، لكنه نسي أو تناسى أن منظومة كاملة من الفساد طبعت مسيرته منذ نشأته ولغاية اليوم، واحاطت به من كافة جوانبه الأمنية والعسكرية والسياسية حتى تصدرت كوادره وعناصره لائحة الأرقام القياسية في عدد مذكرات التوقيف الصادرة عن أعلى جهات قضائية تنوعت بين دول أوروبية وأخرى عربية وسط أسئلة عن مصير حزب بدأ عمله كمقاومة قبل أن ينتهي على أبواب العدالة الدولية.

وحمايته لهؤلاء العناصر والكوادر، ما هي إلّا جزء من تخفيف الاحتقان ضده داخل بيئته وإلاّ لكانت أسماء المُرتكبين والمُختلسين من داخل قيادة الحزب قد وزّعت ضمن نشرات يوميّة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية. ضمن سياسة التعمية عن الحقائق التي يُمارسها «حزب الله» بين جمهوره وداخل بيئته، سعى خلال الأيام الماضية إلى حرف الأنظار عن أعداد الإصابات التي لحقت بعناصره في كل من ادلب وحلب خلال الأيام الماضية وهو الأمر الذي ظهر من خلال مراسم التشييع التي أقامها في مناطقه، فكان القرار من القيادة بالتركيز على ملف الفساد وهو ما استُكمل أمس على لسان وزراء ونواب الحزب وعلى رأسهم نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي استعاد نغمة شبكة الإتجار بالبشر و»الإنترنت».

والأنكى من هذا كلّه تبنيه «شعاراً« جديداً من خلال قوله «ليكن معلوماً للجميع، شعار الحزب ومواقفه في الداخل اللبناني أننا سنبني الدولة وكل ما يحتاجه هذا البناء، وأما الحدود فسنحميها بكل متطلبات الحماية«.

لكنه لم يسأل نفسه عمّا إذا كانت حماية تجار «الكابتاغون» وغض الطرف عن عصابات السرقة والتشبيح في الضاحية، وحماية المطلوبين، وإرسال الشبان إلى الموت في سوريا، تقع ضمن هذا الشعار!.