محمد قبيلات/العرب/ميشال تامر لبناني رئيسا للبرازيل ولبنان بلا رئيس

284

ميشال تامر لبناني رئيسا للبرازيل ولبنان بلا رئيس
محمد قبيلات/العرب/23 نيسان/16

عمّان – “لو لم أكن في البرازيل لكنت نافستك في الانتخابات البلدية”. كلمات مازح بها ميشال تامر رئيس بلدية بتعبورة، القرية اللبنانية التي ولد فيها والداه وإخوته الكبار. اليوم تامر أصبح رئيسا للبرازيل وليس لبلدية بتعبورة التي زارها عام 2012 والتقى فيها الأهل والأقرباء. بطبيعة الحال وكما هو متوقع من مغترب بحجم ميشال، سيسأل أهل قريته عن الصغيرة والكبيرة في القرية عن عيشهم ومصروفهم ودخلهم وسبل تحسين زراعة الزيتون والإنتاج. مزاح ميشال الجاد مع رئيس بلدته سيعكس “جِد الرجل” ويظهر جانبا من طموحاته بالزعامة. على أيّ حال لم يفت الرجل أن يعد أهالي مسقط رأس والده أن يعود إليهم رئيسا. وها قد حصل. القرويون في بتعبورة صرّحوا لوسائل إعلامية الكثير عن الزيارة، ومن بين ما قالوا إنه شرب معهم المشروب البلدي الذي أهدوه له. كما أهدوه الزيت والصابون البلدي من إنتاج أرض الكورة الخيرة، هو بدوره شكرهم ووعد بالعودة إليهم رئيسا.

تلك زيارة لم تكن كافية ليتعمق ميشال تامر في المشهد اللبناني، وإلا لكان غيّر رأيه، فبينما تحتدم الصراعات في دول المشرق بين طوائف ومنابت وأصول وأعراق على الرئاسات، تتفتق ذهنيات المحاصصات عن تقسيمات، آخر ما تراعى فيها أو تلتفت إلى الكفاية، تحقيق العدالة، أو المصالح العليا للدولة بالمعنى القومي الأشمل. فلم يزل البرلمان اللبناني يخفق مرة بعد أخرى وهو يسعى لانتخاب رئيس جديد للبلاد، منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، في 25 مايو 2014، حتى بلغ عدد المحاولات إلى حدود الأسبوع الماضي 39 محاولة فاشلة، كلها لم تنجح في التوافق على ملء الفراغ الرئاسي، فظل المقعد الرئاسي شاغرا في بعبدا، حيث ما يزال الارتجال يهيمن على السياسة في بلداننا، ولم تترسخ إلى هذه اللحظة قوانين وإجراءات تراعي المصالح الوطنية لا الفئوية. ميشال تامر يمارس المحاماة والتدريس الجامعي، قبل أن يدخل الحياة السياسية البرازيلية. حيث أسندت إليه عدة مسؤوليات حزبية ووظائف قضائية وتشريعية وتنفيذية، فقد تولى رئاسة حزب (الحركة الديمقراطية البرازيلية)، وانتخب نائبا في مجلس النواب الفيدرالي الذي اختير رئيسا له ثلاث مرات، ثم عين نائبا لرئيسة البلاد عام 2011

ميشال اللبناني ليس مثل البرازيلي
هنا، تُقدم لنا البرازيل مثالا جديدا في الحكم وتداوله. فلقد حلّ اللبناني ميشال تامر في المقعد الرئاسي بحكم موقعه كنائب للرئيس، بعد أن أطاح البرلمان بالرئيسة ديلما روسيف، التي تتحدر أيضا من أصول غير برازيلية، فهي بلغارية الأصل.

تامر مارس المحاماة والتدريس الجامعي، ثم دخل الحياة السياسية البرازيلية فأسندت إليه عدة مسؤوليات حزبية ووظائف قضائية وتشريعية وتنفيذية، فقد تولّى رئاسة حزب “الحركة الديمقراطية البرازيلية”، وانتخِب نائبا في مجلس النواب الفيدرالي البرازيلي الذي اختير رئيسا له ثلاث مرات، ثم عُيّن نائبا لرئيسة البلاد عام 2011. لم يقف أصله أو انتماؤه الديني حائلا دون وصوله إلى الرئاسة، فلا أحد هناك يناقش مسألة الأصول، ومردّ ذلك أن المواطن البرازيلي يثق ببنى الدولة ومؤسساتها ورؤيتها، ويثق بالعدالة والقانون، لذلك هو لا يخاف من انحياز قد يمارسه من يشغل منصب الرئيس، خصوصا أنه محدد الصلاحيات ويخضع للرقابة والمحاسبة، ثم إن تقسيم العمل السياسي يضمن سير العملية السياسية ضمن أطر وممرات دستورية واضحة وثابتة. لقد أُنتخِب تامر في يناير 2011 للمرة الثالثة ليكون نائبا لرئيسة البرازيل روسيف، بعد أن كُلّف بهذه المهمة بالوكالة للمرة الأولى بين 27 و31 يناير 1998، والثانية ليوم واحد في 15 يونيو 1999. ويعتبر ثاني سياسي من أصل لبناني يتولّى هذا المنصب في البرازيل بعد خوسي ماريا ألكمين الذي شغل هذا المقعد خلال فترة (1964-1967). والدا ميشال؛ مخايل تامر ومرشا بربر، هما لبنانيان هاجرا في 1925 من قرية بتعبورة المنسية بجرود مرتفعات قضاء الكورة شمال لبنان، مع من هربوا من المجاعات التي عمّت المنطقة إبان وبعد الحرب العالمية الأولى، أنجبا عدة أطفال كان ميشال أصغرهم والتحقا بأقارب لهما في مدينة برازيلية ريفية اسمها “تييتيه” تبعد 145 كيلومترًا عن سان باولو.

تامر أصبح محاميا وسياسياً برازيلياً لامعاً، بعد أنهاء دراسته في جامعة سان باولو، ونال الدكتوراه من الجامعة الكاثوليكية.
تزيد خبرته في العمل السياسي على 40 سنة، فهو يتولى منذ أكثر من 10 سنوات رئاسة “حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية” المتمتع بأغلبية نسبية في البرلمان البرازيلي الجديد. وله كتب في القانون، آخرها في 1994 تحت عنوان “الدستور والسياسة” بيع منه أكثر من 300 ألف نسخة.
روسيف وتعبيراً عن حالة من حالات اليأس، خرجت من القصر الرئاسي لتتجول على دراجة هوائية حين كانوا يصوّتون على تنحيتها.
تحالف ينتهي بفتح بوابات الجحيم
تحالفَ مع “حزب العمال” وهو حزب يساري قويّ، لكن لا تحالفات أبدية في السياسة، فكان لا بد من أن تأتي لحظة تتضارب فيها المصالح، أو تصبح الفرصة سانحة لعبور مرحلة التحالف وتجاوزها للوصول إلى السلطة.
تعبيراً عن حالة من حالات اليأس من هذه التحالفات، خرجت روسيف من القصر الرئاسي لتتجول على دراجة هوائية حين كانوا يصوّتون على تنحيتها، وهي المتّهمة بالفساد والإفساد، والتلاعب بالخزينة، وبانتهاج سياسة اقتصادية شعبوية أدت إلى ركود مستفحل، لم تعرف مثله بلاد الأمازون طوال 25 سنة مضت.
إلا أن أكثر ما سرّع بفتح بوابات الجحيم عليها، هو الحديث عن تورّطها بفضيحة فساد ضخمة طالت شركة النفط الوطنية “بتروبراس”. وصل صداها إلى الشارع البرازيلي فانتفض عليها باحتجاجات ومظاهرات مليونية، معززة باستطلاعات أكدت أنها مرفوضة بنسبة 61 بالمئة من البرازيليين، وانعكست هذه الرغبة في المجلس النيابي، فثار معظم أعضائه ضدها. روسيف، اليسارية بلغارية الأصل عمرها 68 سنة من “حزب العمال” الحاكم منذ 13 سنة، تنفي الاتهامات وتراها نتاج مؤامرة من معارضين، ضمت الثلاثاء الماضي إليهم نائبها تامر نفسه، حين اعتبرته في بيان أصدرته في وقت متأخر أنه أحد قادة محاولة “الانقلاب” ضدّها، وبأنه وزّع رسالة صوتية على نطاق واسع عن قبوله بفكرة الحلول مكانها كرئيس. تامر يشتهر بالدهاء السياسي وقدراته البراغماتية على قراءة المراحل والمفاصل السياسية لاتخاذ مواقفه، وهذا ربما ما جعله يوصَف في وسائل الإعلام الدولية بأنه قاد “انقلابا” على حليفه في السلطة حزب العمال الحاكم منذ عام 2003 (بقيادة ديلما روسيف) لتولّي رئاسة البلاد. ويُتهم في هذا الصدد بإبرام توافقات مع المعارضة ممثلة في “الحزب الديمقراطي اليميني”، بعد التحقيقات التي بدأتها الشرطة على وقع الاتهامات لروسيف ومقرّبيها بالفساد المالي.

جرم المسؤولية
هناك من يرى أن المسار القضائي تلازم مع المسار السياسي في صياغة المشهد الحالي، وأن طلب إقالة الرئيسة استند في الأساس إلى ما أُطلق عليه اسم «جرم المسؤولية» عن عمليات الفساد، وليس التورّط المباشر، فيما استُبعد ما كانت تشير إليه المعارضة سابقا حول مبالغ تقاضتها روسيف أثناء حملتها الانتخابية، والسبب هو أن تورّط الرئيسة في مخالفات انتخابية سيُسقطها وتامر معًا، لذا أخذ القضاء مسارًا يوقع بروسيف وحدها، ويعوّم تامر بديلا.
إلى ذلك، لا يشعر البعض من البرازيليين المتحدرين من أصول لبنانية أن تنصيب تامر هو انتصار يُحتفى به؛ فالرجل ينتهز اللحظة السياسية ليصل إلى الرئاسة، من دون أن يأخذ في الحسبان التبعات السياسية والاقتصادية لقراره.

الصحف العربية استشهدت بآراء برازيليين من أصول لبنانية، فسجّلت أن تامر سيبقى رئيسا غير شرعي في نظر جزء كبير من الشعب البرازيلي، وأنه لن يكون مناصرًا للقضايا العربية، وتستند هذه الآراء إلى أن تقارب البرازيل مع العالم العربي، وتحديدًا تبني القضية الفلسطينية، كان موقفاً عمّالياً التحق به تامر بحكم الشراكة السياسية. اليوم، يتحالف تامر مع الأحزاب التي تربطها بالولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل علاقات مميزة، وبالتالي فإن وجوده في القصر الجمهوري لن يحقق بالضرورة آمال البرازيليين العرب.

عاصفة تحت السيطرة
ما يملأ الدنيا ويشغل الناس هذه الأيام من أخبار البرازيل، مجرد عملية سياسية تجري وفق أطر دستورية، تضمنها محددات قانونية وأخلاقيات تلتزم بالمصالح البرازيلية، لذلك هي عملية انتقال مأمونة للسلطة برغم كل هذا الصخب. البرازيل؛ بفضل نظامها السياسي المستقر، وما تتمتع به من أجهزة وآليات مراقبة ومحاسبة للأداء العام، استطاعت خلال السنوات العشر الماضية، أن تعبر مراحل المجاعة والفقر، وأن تصبح من أكثر بلدان العالم نموا، وأن تتخطى المديونية الكبيرة التي كانت تثقل كاهل اقتصادها، وبتعاون مع صندوق النقد الدولي، لكن قاد هذا الأمر من الطرف البرازيلي من استطاع أن يضع المصالح الوطنية على الطاولة، وأن يطوّع شروط الصندوق بحيث توائم الاقتصاد البرازيلي وإمكاناته. وعلى الصعيد السياسي الداخلي، عبرت البرازيل مثلها مثل الكثير من دول أمريكا اللاتينية، الأزمات والقلاقل السياسية كافة، من دون وصفات المحاصصة وحقوق الأقليات وهيمنة الأغلبيات. بالتنمية الاقتصادية الناجحة، والعائدة توزيعاتها بعدالة على الجميع، وبدستور راسخ يراعي حقوق المواطنين جميعهم بغض النظر عن أصولهم ومنابتهم وطوائفهم وأديانهم، استطاعت دولة مثل البرازيل أن تتجاوز أكبر المشكلات السياسية والاقتصادية. هذا لم يفعله لبنان الوطن الأمّ لتامر.