حديث مختلف مع حكيم السياسة وحارس الطائف الأصلي/الرئيس الحسيني للنهار : لا مخرج من الأزمات إلا بوثيقة الوفاق

191

حديث مختلف مع حكيم السياسة وحارس “الطائف الأصلي” الحسيني لـ”النهار” : لا مخرج من الأزمات إلا بوثيقة الوفاق
ابراهيم بيرم/النهار/23 آذار 2016

الرئيس حسين الحسيني علامة فارقة في دورة الحياة السياسية اللبنانية منذ اكثر من نصف قرن. مناضل سياسي بامتياز في رحلة الجهاد السياسي الطويل التي اطلقها إمام الباحثين عن سبل استئصال الحرمان من كل البلاد وارساء وطن العدالة والمساواة الامام موسى الصدر، اذ كان في طليعة الذين آمنوا بهذا العالِم القادم من بلاد فارس ، وساروا واياه كتفاً الى كتف منذ حوارات دار الفتوى في النصف الثاني من عقد الستينات، والتي رمت الى ارساء اسس مؤسسة اسلامية موحدة وجامعة ، الى قَسَم بعلبك الشهير، ثم الى تأسيس “حركة المحرومين” (قبل ان تسمى لاحقا حركة “امل”) متوليا رئاسة اول مجلس قيادي لها الى ان خرج منها اثر الهجوم العسكري الفلسطيني على منزله في عرمون. مثقف موسوعي وحواري حاضر في كل المنتديات الثقافية والفكرية التي وسمت بيروت في عقدي الستينات والسبعينات، وكان منتدى جريدة “النهار” في الحمراء ابرزها واكثرها تنوعا فعدّ نفسه واحدا من روافدها. ومشرّع مذ ولج الندوة البرلمانية في انتخابات 1972 الى ان تولى رئاستها عام 1984 ، الى ان خرج او أُخرج منها في اعقاب اول انتخابات نيابية جرت بعد الشروع في تطبيق اتفاق الطائف عام 1992.

وبين هذا وذاك كان السيد حسين عَلَم اتفاق الطائف وأحد الساعين بدأب وجد الى تطبيقه باعتباره المخرج الاساس والمضمون من ازمات النظام المفتوحة والحائل دون الانهيارات المتوالية للدولة وللنظام والانتظام العام.

ايمانه الكلي بهذا الاتفاق وبمندرجاته وبما يمكن ان يؤسس له كان سببا اساسيا لابعاد السيد عن الواجهة او لاحراجه تمهيدا لاخراجه مع الثلة التي بذلت الكثير في سبيل انجاز هذا الاتفاق الذي اعلن في الطائف بعدما رسمت خطوطه العريضة وروحيته في بيروت.

وفي السنوات التي اعقبت حرب تموز عام 2006 كانت للسيد مواقف ميزته عن سواه ، وتحديدا عن الركب الذي ينبغي ان يكون في عداده مما اعطاه مزية التفرد ورتبة الفرادة ، فاختار الذهاب الى المطرح الصعب والمكلف فأسس في تموز 2007 وفي ذروة الانقسام والتطاحن مع اكثر من مئة شخصية وازنة ولها تجربتها ومكانتها ومن كل الانتماءات تجربة سياسية اطلق عليها اسم “المركز المدني للمبادرة الوطنية”، واطلق معها وثيقة ارادها تأسيسية . وربما كانت هذه الجرأة على التميز والقول والفعل سببا اساسيا من اسباب اخراجه من مجلس النواب لاسيما بعدما كان استقال منه في خطوة مدوية ونادرة عام 2008.

خرج السيد من ساحة البرلمان والعمل البرلماني حيث كان دوما احد اعلام المعارضة فيه ، ولكن الى ساحة اخرى هي ساحة حكماء السياسة في لبنان . ومن هذا الموقع ومن موقع العليم بالدقائق والماسك بحبل التفاصيل والمؤمن بالعيش المشترك وبنهائية الكيان اللبناني، وهو الشعار الذي كان مرشده السيد الصدر اول من اطلقه، ينطلق السيد في حديثه الى “النهار”. هو حديث اقرب الى فلسفة الامور منه الى الحدث اليومي. ينطلق من المطرح الاحب والذي يبقى بالنسبة اليه نقطة الضوء شبه الوحيدة في ليل ازمة الوطن الطويلة ،

اتفاق الطائف ، فيحلو له ان يقرأ نص مداخلة القاها في 23 – 6- 2011 بدعوة من لجنة الحوار الاسلامي المسيحي ويستعيد كلاما معمقا قاله في هذا الاتفاق وشاءه ان يكون فصل المقال وزبدة الكلام، فالاتفاق بالنسبة اليه جامع لكل المواصفات ، فهو “وثيقة وفاق وطني مكتوبة وعلنية وليست رؤية او اشاعة او صفقة خاصة وسرية على غرار الميثاق الوطني”، وهو (اي الاتفاق) “وثيقة وطنية وليست وثيقة حزبية او طائفية” ،

وهو ايضا وايضا “وثيقة رسمية اي ذات قيمة قانونية قبل ان تكون ذات قيمة معنوية او اخلاقية”، وهو ايضا وايضا اتفاق نال موافقة المجتمعين العربي والدولي وتأييدهما” . وهو عطفا على ذلك كله “اتفاق متكامل يوجب تطبيقه كلا واحدا لا استنساب فيه وان كان لا بد فيه من الترتيب الزمني”.

السيد مازال متمسكا بهذا الكلام بل بكل حرف فيه ، فوثيقة الاتفاق اياه وضعت “لاعادة تكوين السلطة المفقودة وانهاء النظام الطائفي المشكو منه واقامة الدولة المدنية، الدولة الوحيدة القابلة للبناء اذا اردنا حفظ كياننا الوطني” . واذ يتلو السيد بعضا من تمجيد العلامة القانوني ادمون رباط بالاتفاق يستنتج “ان تطبيق الاتفاق هو السبيل الوحيد لتجاوزه الى ما هو افضل”. ويسأل : “إن لم يكن كذلك فأين هو الاتفاق البديل بعد كل هذه السنوات؟”.

واكثر من ذلك ، يذهب السيد في معرض تقويمه لتجربة الربع قرن الماضية الى القول بأنه “لا مكان لنجاحات اطلاقا ، بل بالعكس هناك ترد ونكوص الى مرحلة ما قبل الحرب الاهلية” . ويضيف بكلام آخر: “ان اللبنانيين الذين ادوا ما عليهم من ثمن للطبقة السياسية لم يتسلموا من هذه الطبقة وبعد كل هذا الوقت سوى التردي والمستقبل المجهول”.

وما الذي حال دون تطبيق الاتفاق الذي وضع ليكون خشبة الخلاص؟

يجيب السيد مباشرة : “حرب الخليج الثانية التي بدلت الاولويات الاميركية في المنطقة ، فبدلا من حل الازمة اللبنانية كمدخل لحل ازمة المنطقة جرى تبديل الدور السوري من مساعد على الحل الى مكلف ادارة الازمة في لبنان مما انتج تجاوزات خطيرة على البناء الوطني اللبناني اضرت بلبنان وسوريا معا وما برحنا نعاني من النتائج الى الان”.

وما المخرج بعدما بلغت الازمة الداخلية هذا المبلغ ؟ يجيب السيد بطرح خريطة طريق ممنهجة تبدأ:

– بتأليف حكومة انتقالية بموجب المادة 68 من الدستور لتحل محل رئيس الجمهورية وتقرر انتخابات نيابية استنادا الى مشروع القانون الذي قدمه وزير الداخلية السابق مروان شربل والقائم على اساس النسبية مع الصوت التفضيلي.

– وانتخاب رئيس انتقالي لمدة سنة.

والحكومة الانتقالية تكون بصفتها حكومة واقعية ومجلس النواب الحالي بصفته واقعيا وليس دستوريا وشرعيا .

والهدف استرجاع الشرعية الى المؤسسات ثم توليد الشرعية الجديدة.

ويدعو المجلس والرئيس الجديد الى الاقرار الفوري للقوانين الخمسة الاساسية وهي:

– قانون اصول العمل في مجلس الوزراء.

– تحقيق السلطة القضائية المستقلة وفقا لاحكام الدستور.

– قانون الدفاع وتنظيم المجلس الاعلى للدفاع على نحو يحوله مؤسسة دستورية برئاسة رئيس الجمهورية.

– قانون اقرار خطة تنمية شاملة تحقق الانماء المتوازن ، والتي يفترض ان تكون ركنا من اركان وحدة الوطن واستقرار النظام كما ورد في مقدمة الدستور.

– اضافة الى المسلّمات الخمس التي نص عليها اتفاق الطائف في مقدمته وهي الحرية والمساواة والعيش الكريم والتكافل والتضامن واللامركزية الادارية المتمثلة اساسا بالبلديات الموحدة وباتحاد البلديات.

الحسيني لتذكير بان بالقرارات الخاصة بلبنان

رأى الرئيس حسين الحسيني في بيان “أن من سيلتقيهم أمين عام الأمم المتحدة السيد بان كي – مون خلال زيارته إلى لبنان، يتوجب عليهم تذكيره بمضمون القرارات الدولية سواء الصادرة عن الجمعيّة العمومية، أو الصادرة عن مجلس الأمن، من اتفاقية الهدنة اللبنانيّة الإسرائيلية عام 1949، والقرارين 425 و 426 لعام 1978، مروراً بالقرارين 508 و 509 لعام 1982، وصولاً إلى القرار 1701 لعام 2006، وكلّها تقضي بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية كافةً وتطبيق اتفاقية الهدنة لعام 1949 المتخذة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وتذكيره بديباجة ميثاق الأمم المتحدة التي شارك في وضعها لبنان عام 1945 والتي تنصّ على ما يأتي:

” نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا :

– أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي جلبت على الإنسانية مرّتين خلال جيل واحد أحزاناً يعجز عنها الوصف.

– وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية.

– وأن نبيّن الأحوال التي يمكن من ظلّها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي.

– وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جوّ من الحريّة أفسح”.

وسأل : “هل من الإنصاف أن تبقى هذه المنطقة، ومنها لبنان، ملعباً للشياطين بعدما كانت قبل نشوء إسرائيل على أرض فلسطين موطناً للأنبياء والقدّيسين، بسبب إهمال منظمة الأمم المتحدة تطبيق قراراتها؟”.