ريـمون شاكر: ريـمون شاكر/زيدان زيدان: رئيس موقّت للجمهورية/ميشال هليّل: لماذا سليمان فرنجية

199

هل يصمد لبنان في وجْه الصراع السنّي – الشيعي ؟
ريـمون شاكر/النهار/23 آذار 2016

قبل الثورة الـخمينية ببعيد، منذ الـجاهلية، وغزوات العرب بعضهم البعض لـم تتوقف يوماً. قبائل وعشائر تتقاتل لأسباب تافهة، وآلاف الضحايا تسقط من دون سبب. نشأ الـخلاف بيـن السنّة والشيعة على أثـر إغتيال الـخليفة الثالث للمسلميـن عثمان بن عفان. ونشأت نزاعات بيـن الإمام علي بن أبـي طالب الذي بويع خليفة رابعاً للـمسلميـن وبيـن معاوية بن أبـي سفيان والـي الشام على موضوع الثأر من قتلة عثمان. وإلى جانب بعض الـخلافات الفقهية من موضوع العصْمة، والصحابة، والسيدة عائشة أم الـمؤمنيـن… الـخ. فالنقطة الرئيسة فـي الـخلاف بيـن السنّة والشيعة تعود إلى الشخصية التـي تـخلف رسول الله مـحمد فـي قيادة الأمة. بدأ الـخلاف بعد وفاة الرسول سنة 632م، وشهر كل فريق سلاحه فـي وجه الآخر للتقاتل وليتحوّل الأمر من جدال ونقاش إلى تكفيـر وحروب ودماء لا تنتهي. حصل التغييـر الـجذري بالنسبة الى الشيعة مع قيام الدولة الصفوية عام 1501 فـي إيران على يد إسـماعيل الصفوي، وتـمّ إعتناق الـمذهب الشيعي الإثنـي عشري مذهباً رسـمياً لإيران وسكانـها. وعام 1979 قامت الثورة الإسلامية فـي إيران ضد حكم الشاه فتسبّبت بتأجيج الـخلافات بيـن الـجانبيـن السنّـي والشيعي، والـخلاف الذي بدأ صراعاً فكرياً تـحوّل بمرور الزمن صراعاً سياسياً، ثـم مواجهات مسلحة. بيـن 1980 و1988 وخلال الـحرب بيـن إيران والعراق، ساندت السعودية وحلفاؤها العراق تـحت حكْم صدام حسيـن كحـصن ضد إيران الثورة. وعام 1987، قُتل أكثـر من 400 شخص فـي مكة عندما نظّم حجاج إيرانيون تظاهرة سياسية واشتبكوا مع قوات الأمن السعودية، مـمّا أدّى إلى ثلاث سنوات من قطْع العلاقات الديبلوماسية، ثـم جاء الغزو الأميـركي للعراق عام2003 ليوقظ من جديد وحش الطائفية فـي الـمنطقة ويبلغ ذروته وشدّته بعد ثورات الربيع العربـي. وهكذا، أصبحت الدول العربية والإسلامية فـي الشرق الأوسط مقسّمة على أساس طائفي لا على أساس وطنـي أو قومـي. من اليـمن إلى البـحرين، ومن العراق إلى سوريا ولبنان، تدعم كل من طهران والرياض مـجموعات أو دول تشاطرها مذهبها، وتستخدم العصبية الـمذهبية أداة تفيدها فـي تـحقيق أهدافها السياسية، لكن هذه الأداة خطرة ومُكلفة بسبب تداعياتها ونتائجها على الـمجتمعات. وعـلـى الـرغم من التبدلات التـي تسيطر على الـمشهد الإقليمي، يبدو أن مرحلة الـحلول السلمية لن تبدأ قريباً، وأن الـمواجهة مستمرة بيـن السعودية وإيران وتتفاقم بشكـل تصاعدي، وكـل الدلائـل تشيـر إلى الرغبة الـجامـحة عند الطرفيـن فـي كسْر بعضهما البعض. فالرياض التـي شعرت بأنـها مـحاصرة بالنفوذ الإيرانـي الـمتمادي فـي العراق واليـمن وسوريا ولبنان، إنتفضت على واقعها الـمتـردّي وقرّرت الـمواجهة من دون رحـمة، وهذا ما يفسّر الإجراءات القاسية التـي إتـخذتـها ضد لبنان ردّاً على خروج الديبلوماسية اللبنانية عن الإجـماع العربـي، الذي دان بشدّة إحراق سفارة الـمملكة العربية السعودية فـي طهران، وإعلان الـمملكة وقف الـهبة التـي كانت أُقرّت فـي عهد الـملك عبد الله بن عبد العزيز فـي آب 2014 لتسليح الـجيش اللبنانـي وقيمتها ثلاثة مليارات دولار أميركي، وما تبقّى من الـمساعدة الـمقررة بـمليار دولار الـمخصّصة لقوى الأمن الداخلي. ويأتـي القرار الذي إتـخذته دول مـجلس التعاون الـخليجي بإعتبار “حزب الله” منظمة إرهابية ليزيد حدّة التوتّر بيـن الرياض وطهران ويؤجّج الصراع السنـي-الشيعي فـي كل الـمنطقة ويـهدّد أمن لبنان واستقراره. حتى اليوم، لا تزال الـمواجهة السعودية – الإيرانية سياسية فـي لبنان، ولـم تتحوّل عسكرية بفضل الـمظلتيـن الدولية والإقليمية، ولكن ما يقضّ مضاجع اللبنانييـن ويقلقهم، كيف لـهذه الـمواجهة أن تستمر سياسية ولا تنـزلق إلى صراع داخلي مسلّح فـي دولة فقدت كل مقوّماتها ؟ إلى أيّ مدى يستطيع الوطن الصغيـر الصمود فـي هذا الـمناخ من التوتر الطائفي والـمذهبـي وأمام الـمحن الإقتصادية والإجتماعية الـناجـمة من عدم الإستقرار، ومن غياب الرئيس وشلل الـحكومة والـمؤسسات، إضافةً إلى وجود مليون ونصف مليون من النازحيـن السورييـن على أرضه ؟ حالياً، يعيش اللبنانيون فـي قلب العاصفة، ووطنهم الـمشرذم والـمشلّع تزنّره الـحرائق من كل صوب، ومـحكوم عليه بأن يبقى متخبطاً فـي الإضطرابات الأمنية والأزمات السياسية والإقتصادية في انتظار ما ستؤول إليه كوارث الـحرائق فـي هذا الـمشرق العربـي الـملتهب. لقد عوّدنا زعماؤنا بفضل تبعيّاتـهم وأنانياتـهم وجهلهم على هذا الـنمط من الـحياة، وتعوّدنا العيش خانعيـن فـي “الزبالة” والأوساخ فـي وطن سائب من دون رئيس ولا مؤسسات، ومن دون إستقرار ولا أمان. فأرجو أن لا نتعوّد قريباً على إستسهال لعبة الـموت ونبش القبور، ونـحن نردّد عن اقتناع مع إيـمانويل كانط : “السلام الدائـم موجود فقط فـي الـمقابـر”!
*مـخـتـار الـجـديـدة

رئيس موقّت للجمهورية
زيدان زيدان/النهار/23 آذار 2016
نحن في جمهورية لم يتعلّم السياسيّون رغم ما يقارب من قرن، كيف الإمساك بالمفاصل الأساسيّة لممارسة السلطة، ولا الحكم، بينما دول العالم، وحتى الدول المحيطة بنا التي سبقناها جميعاً إلى الاستقلال تحسن التعامل الدستوري مع الآلة الحاكمة، خصوصاً رئاسة الجمهورية. في مصر مثلاً أدرك اللواء السيسي الذي هو شاب غير مخضرم، وغير مجرّب سياسياً، كيف التعامل دستورياً مع الواقع المستجد. إذ لم يكد حكم الرئيس مبارك يشرف على الانتهاء، وصار فراغ سدة الرئاسة وشيكاً حتى استدعى بادراك كامل شخصاً له حضور سياسي وجعله رئيساً “موقتاً” للبلاد، إفساحاً في المجال لوضع القوانين التأسيسيّة الضرورية. وعندما أصبح كل شيء جاهزاً انتخب اللواء السيسي رئيساً وأجريت مراسم تنصيبه، وهكذا كان وأنقذت مصر من الفراغ الرئاسي. أما وقد تركنا الفراغ يستفحل صار حريّ بنا، وهذا أضعف الإيمان، أن يبادر قائد الجيش المؤتمن الأول والأخير على سلامة البلاد ونظامها السياسي إلى تعيين رئيس “موقت” لكونه الطريق الدستوري السليم الأوحد وتجاوز التلهي الناجم عن الآراء غير السليمة التي لا طائل فيها. وانطلاقاً مما يقتضي، يا حضرة قائد الجيش أن تبادر فوراً إلى تعيين رئيس موقت إرساءً لسفينة الرئاسة التائهة وانتشالها من يد جميع من يعتقدون خطأ أنهم معنيون بالأمر بينما قيادتهم غير الدستورية لم تؤدِ حتى الآن إلاّ إلى دفع الدولة إلى الهاوية. لبنان لم يمت ولن يموت، ولا ينقصه إلاّ السير في المنحى الأوحد أعلاه الذي يقطع دابر المناورات ذات المنفعة الشخصية القائمة على حساب الوطن والمواطن. وقى الله لبنان من سياسات المصالح الشخصية، وخصوصاً ممّن يفضّلون الجري في ركاب مصالح خارجية غير عربية تنال من المصلحة الوطنية العليا ومن أشقائهم في الوطن، أما استمرار مقاربة الأمر على ما هو حاصل فيدني كثيراً من الخيانة العظمى، إن لم يكن قد وصل إليها الآن. وصار من الضروري التوقّف عندها ووضع حد قضائي لها.

لماذا سليمان فرنجية؟
ميشال هليّل/النهار/23 آذار 2016
لأنّه ليس قوياً لدرجة يستطيع فيها أن يعطِّل مجلس النواب، ويشلّ مجلس الوزراء، ويعوق عمل مؤسسات الدولة.
لأنّه وسطي ينتمي إلى 8 آذار، وله مؤيّدون في 14 آذار، ويحبّه المستقلون.
لأنّه ليس قائداً ولا مُنقذاً ولا بطلاً، ولا يعِدنا بمنع الانهيار.
لأنّه ليس من مهمات الرئيس منع الانهيار.
لأنّه وفاقي لا يغضب ولا يهدِّد ولا يشاجر. ولا يلجأ إلى الشارع.
لأنّه الوحيد تقريباً الذي لديه فرصة الوصول وانقاذنا من لعنة النِصاب.
لأنّ الطوائف الدينية تُؤيِّده من دون استثناء، والدول العربية تدعمه من غير تحفظ، والعالم يرحِّب به.
لأنّ هناك أفضل منه، لكنّه هو الاكثر حظّاً.
لأنّه صادِقٌ وصابرٌ وصامتٌ.
لأنّه لم يقل مرة: “الأمر لي”، ونأمل ألاّ يقولها.
لأنّه، يمثّل اللبنانيّين، مسلمين ومسيحيّين ودروزاً.
لأنّه مدنيّ.
لأنّه لا يُخبرنا أنّه يملك الحلّ لكل المشكلات، ولا يقول عن نفسه إنّه الحل.
لأنّه غير مزاجي، وغير انتهازي، وغير متقلَّب.
لأنّه يتكلّم لغة الناس، ويتصرّف مثل مسؤول.
لأنّه قوي ولديه مكانته وزعامته وتمثيله الصحيح.
لأنّه يُحالف بشرف ويُخاصم باحترام.
لأنّنا بعد نحو أربعين جلسة لا نريد منه شيئاً سوى أن تنتهي الجلسات.
لأنّ هناك من يُقنع الناس إنّ من مصلحتهم، وإلى حين… أن يبقوا من دون رئيس.
لأنّ تعطيل الرئاسة مثله مثل قطع الطرق، وإحراق الإطارات، والتعدّي على الأملاك العامة، وأيضاً الخاصة.
لأنّه مرشّح التفاهمات الداخلية والعربية والدولية، والآخر… مرشّح النكايات.
لأن الذين فقدوا رشدهم يريدون أن يُقنعونا بأنهم على حق.
لأنّ هناك من لم يفقد رشده.
لأنّ لبنان سئِمَ من الرجال القادة والأيقونة والملحمة والأساطير.
لأنّه لا يُغامر ولا يقامر ولا يناور.
لأنّه مسالم.
لأنّه آن لمهزلة الرئاسة والمنصب والمشاركة والغُبن أن تنتهي.
لأنّ الذين ينتظرون وصول رئيس يأتي بالمعجزات سينتظرون.
لأنّه يمكن أن يكون سليمان فرنجية أو روبير غانم أو بيار حلو أو بطرس حرب، أو أي آخر لا يدّعي إنقاذنا… فيما بسببه نموت.