نبيل بومنصف: هل سلموا بالهزيمة/نايلة تويني: 14 آذار دفاعاً عن لبناننا العظيم/وسام سعادة: التحالف الاستقلالي المزمن: العبور الى النقد

223

هل سلموا بالهزيمة ؟
نبيل بومنصف/النهار/14 آذار 2016
ماذا تراها كانت تعني الذكرى الحادية عشرة لانبثاق انتفاضة ١٤ آذار أكثر لولا تراكم مئة سؤال وسؤال ستملأ الفضاء الإعلامي والسياسي اليوم بفعل اهتزاز التحالف السيادي الى حدود التداعي شبه الكامل ؟ والأهم اي جدوى من كل ما سيقال إذا سيكون على سبيل إثبات ما بات يصعب إثباته بعدما انحرفت القوى حاملة الإرث السيادي الى المكان الخاطىء؟ قد يكون العقم نفسه هو “الوعظ ” الفوقي والحض على مراجعات نقدية ما دامت وقائع السياسة لا المبدئيات صارت العامل الأقوى المتحكم بهذه الحركة . وعبثا نزعم الطوباوية في مقاربة مناسبة عزيزة على قلوب الكثيرين ممن اعتنقوا الحركة الاستقلالية والسيادية عقيدة مبدئية على أمل ان تحقق مشروع دولة حديثة ونظيفة تليق بالشباب اللبناني . لم يعد من مكان للطوباويات التي ورثناها من زمن المقاومة اللبنانية لكل عابث ومنتهك لاحلام اللبنانيين سواء كان اسم الإطار الذي يجسد هذه المقاومة ١٤ آذار او كان يحمل تسمية أخرى قبلها . في السنتين الاخيرتين لم يقتصر الفراغ على رئاسة الجمهورية ومؤسسات الدولة بل تمدد الى ما لا يعوض، اي إيمان الناس بالدولة وبالقوى السياسية قاطبة دون اي تمييز ، وهنا الخسارة الأفدح لقوى ١٤ آذار التي كان عليها التزام خط احمر لا يسمح بمساواتها بالخصوم ولا سيما منهم أولئك الذين يحترفون تعطيل الدولة ومشروع الإصلاح الجذري لمفهوم النظام المدني للدولة . نحن لسنا ممن ينتحبون على قوى سياسية تنخرط في الصراع على السلطة ايا تكن المبررات الموضوعية لهذا الصراع وايا تكن تداعياته على صورة ثورة سيادية . الأحزاب والقوى الطائفية والسياسية لا تعمل جمعيات خيرية وليس منطقيا ان تجلد قوى ١٤ آذار لكونها مثل ربيباتها في ٨ آذار وسواها . المسألة ليست حتى في تنافسات تقليدية من ضمن التيارات والتحالفات فهذه قواعد تاريخية يستحيل تنزيه الجهات السياسية عنها . ما يثير الخوف هو الاستسلام من داخل المنطق السياسي لقوى ١٤ آذار لمفهوم ميزان القوى المختل أصلا بحيث لا يعود نفع ولا امكان لترميم اذا ساد في حركة ١٤ آذار ما بات يصطلح عليه الآن بأنه الهزيمة النفسية . ليس الأمر على يأس كما تشي به كل الظواهر الاستسلامية كأن القدرة على مقاومة الفراغ وتداعياته قد تلاشت الى حدود التسليم بقواعد لعبة فرضها معطلو النظام . المعطلون يرزحون هم ايضا تحت وطأة تفسخات أكبر وأقوى مما ألم بخصومهم . كل الطبقة السياسية اللبنانية راهنا هي في موقع الانهيار ولا شيء سواه ، ولا يمكن اي جهة التباهي بلحظات تفوق مهما تشاطرت وبرعت وتفننت في اللعبة الدعائية التي تذر الغبار في عيون الناس والقواعد والجماهير . تحتاج ١٤ آذار الى ١٤ آذار فهل صار هذا مطلبا مستعصيا ؟!

 

14 آذار… دفاعاً عن لبناننا العظيم
نايلة تويني/النهار/14 آذار 2016
ليس اليوم التاريخي 14 آذار ملكاً لأحد من السياسيين. وليس للأحزاب المتصارعة عليه. وليس للذكرى وإحياء المهرجانات وإطلاق المواقف. وليس أمانة عامة متعثرة على صورة التحالفات والترشيحات. وليس تحالفاً سياسياً للانتخابات النيابية والبلدية، أو للاتفاق على عدم إجرائها. وليس نكاية بـ 8 آذار وأحزابها التي تمسكت بالوصاية السورية واستمرت في توريط لبنان في المستنقع السوري، وتمدد بعضها الى البحرين واليمن، وأفسد علاقات لبنان بأشقائه العرب. 14 آذار روح السيادة والاستقلال والحرية. الروح الذي يحرك ويحيي ويبني ويرسم معالم مستقبل مشرق يحترم كيان الانسان وكرامة المواطن أياً تكن هويته السياسية او انتماؤه الطائفي. 14 آذار رفض للوصاية والاحتلال والتبعية. 14 آذار وفاء لكل الشهداء الذين سقطوا والذين ظلوا أحياء بعد محاولات إسكاتهم. 14 آذار رفض للمنطق الإلغائي والديكتاتوري والتوتاليتاري. 14 آذار هو قسم جبران تويني بوحدة اللبنانيين مسيحيين ومسلمين وغيرهم دفاعاً عن لبنان العظيم. 14 آذار هو حلم الدولة المدنية التي نادى بها المطران الراحل غريغوار حداد، هو لبنان حقوق الانسان التي خطها شارل مالك، وهو الحلم الاقتصادي الذي كاد يندثر باغتيال الرئيس رفيق الحريري. 14 آذار هو اولئك الشباب الذين نصبوا الخيام في ساحة الشهداء، ساحة الحرية، فأجبروا السياسيين على اللحاق بهم في انتفاضة الاستقلال التي دحرت المحتل السوري، فأزالت ما تحوّل كابوساً على صدور اللبنانيين. 14 آذار هو الناس الذين تقاطروا الى تلك الساحة في ذلك اليوم التاريخي، وتجاوز عددهم المليون في أضخم تظاهرة شهدها لبنان وستبقى درساً للاجيال المقبلة. هؤلاء الناس الذين توافدوا من دون تعبئة سياسية أو حزبية، بل إن الاحزاب تبعتهم. هؤلاء الذين رفعوا العلم اللبناني – وحده – شعاراً لهم ليثبتوا إنهم شعب حي لم تكسره حروب الاخرين على أرض لبنان على حدّ وصف غسان تويني، ولا الحروب العبثية التي خاضها أطراف البيت الواحد فخدموا أعداء لبنان وكبدوا المجتمع خسائر تفوق تلك التي تسبب بها الاسرائيلي والسوري والفلسطيني معاً.
14 آذار ينسجم اليوم مع حملة “حرر فكرك” التي أطلقتها “النهار” قبل شهر، وهدفها دفع اللبنانيين الى ثورة لا تدمر، الى انتفاضة تؤسس للمستقبل، الى رفض “النفايات السياسية” قبل النفايات التي تراكمت في الشوارع، الى فضح المؤامرات والسمسرات والصفقات والسرقات، الى القيام بتغيير يبدأ بالأمور البسيطة كل في موقعه، لنقود معاً حملة إصلاح وتغيير لا تشبه حملات حملت ذاك الشعار قولاً لا فعلاً. نحن ندرك تماماً ان الاحزاب والمذاهب أقدر على التأثير في الناس، لكننا ندرك أيضاً ان اللبنانيين الذين نزلوا الى الساحات، والذين قاوموا المحتل الاسرائيلي، ورفضوا الوصاية السورية، وأجهضوا مشروع إقامة وطن بديل للفلسطينيين في لبنان، جديرون بدولة تليق بهم، وبمؤسسات ترعاهم وتوفر لهم الخدمة الفضلى، ونحن قررنا ان نكون الى جانبهم في مسيرة ربما كانت طويلة أو قصيرة، وواثقون من أنهم يعرفون جيداً ان مصلحتهم في بناء دولة، دولة المواطن والمؤسسات. نحن آمنا بلبنان، ونراهن على اللبنانيين، على جمهور 14 آذار الذي لا تحده أحزاب وطوائف.

 

التحالف الاستقلالي المزمن: العبور الى النقد
وسام سعادة/المستقبل/14 آذار/16
بعد أحد عشر عاماً على قيامها، لا تزال عامية الرابع عشر من آذار تحتفظ باستثنائية ذلك اليوم الجماهيري المشهود في حياة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، لا يقلّل من ذلك أن تكون النظرة الواقعية قد نفذت مجدداً الى تلك الذكرى، على حساب النظرة الملحمية. نتج عن ذلك الحدث شيئان أساسيان: تجذير وتوسيع ما عرف يومها بـ «انتفاضة الاستقلال« وصولاً الى اجلاء جيش الوصاية السورية عن لبنان، والتأسيس لما سيعرف على امتداد السنوات اللاحقة بالحركة السيادية، المتوازنة هذه المرة بين وجودها المسيحي ووجودها المسلم. الرابط بين «انتفاضة الاستقلال« والحركة الاستقلالية تشكل الى حد كبير من استمرار شهداء الاستقلال الثاني، الذين نكل بهم في «حرب سرية» تشكلت من سلسلة اغتيالات توزعت في محطات دامية ومفجعة على امتداد السنوات. قوة الحدث التأسيسي للاستقلال الثاني، توسع قافلة الشهداء لتضم تلاوين الوجود الكياني اللبناني، وصياغة تحالف مزمن اسلامي – مسيحي الى حد كبير، كل هذا شكل منظومة استمرارية لفكرة عن الرابع عشر من آذار. الحدث التأسيسي وجد نفسه سريعاً أمام ضرورة معاينته من خارج النوستالجيا «الاستنهاضوية» وحدها، وفي الوقت نفسه كحدث استثنائي ليس من السهل تجاوزه وركنه الى جانب الأحداث الماضية الأخرى. قوته أنه انتصار جماهيري على كل كلمة قالها السيد حسن نصر الله يوم الثامن من آذار من ذلك العام. أما التحالف السياسي نفسه فتمدد الى أزيد من عقد من الزمان، حتى الآن، بما شابه منذ البدء من اشكاليات وتعقيدات، سواء من جهة «التحالف الرباعي» أو من جهة انشقاق العماد ميشال عون عن الرابع عشر من آذار، والتحاقه بالحلف النقيض، وبعدها تعرض هذا التحالف لاختبارات متتالية، من استمرار الاغتيالات، الى الانشطار الكياني في أعقاب حرب تموز، الى محاصرة «الباسيج» للسرايا الحكومية، الى السابع من ايار، لكنه تحالف تمكن رغم كل ذلك من هزيمة خصمه في انتخابات ألفين وتسعة، ولو أنه تخلع بعد ذلك متأثراً «بجراح» فوزه هذا!. هذا التحالف دخل في اشكالية خطيرة منذ طرح «القانون الأرثوذكسي»، خصوصاً مع لعبة «السولد» من لدن «حزب الله» عندما وافق على هذا المشروع. توسع هذا الاشكال أكثر فأكثر بالنتيجة، الى موعد افتراق الترشيحات الرئاسية. يبقى أن هذا التحالف كانت مشكلته الأساسية ولا تزال، افتقاده لضبط نظري لما هو التحالف السياسي. التحالف السياسي لا يمكن أن يكون تحالفاً بين متماثلين، بل هو تحالف على قاعدة الالتقاء على أهداف مشتركة، ووسائل مشتركة لتحقيق الاهداف المشتركة، وحرية النقد بين الحلفاء. تشوش هذه المنطلقات الثلاثة أضر بهذا التحالف، الذي بقيت مع ذلك تجربته استثنائية، من حيث القدرة على الديمومة كل هذه السنين، في حين أن معادلة الهيمنة العنفية هي التي تجعل منظومة الثامن من آذار موجودة بشكل متماسك الى حد ما، لأنها تحت هيمنة «حزب الله«. اعادة تحديد ما هي الاهداف المشتركة، اعادة تحديد الوسائل، وتوضيح آليات النقد بين الحلفاء وليس فقط النقد الذاتي الجماعي المشترك بينهم، هي اليوم كما الأمس، سبل المضي قدماً والخروج من «الدراما» التي زادت عن حدها في الفترة الاخيرة.  فأياً كانت المشكلات لا يمكن المكابرة على الاهداف المشتركة، وفي مقدمتها وضع حد لمشاريع «حزب الله» الهيمنية الفئوية داخلياً، والتدخلية في البلدان العربية. واذا كانت الاهداف مشتركة فإن تنضيد الوسائل على صعوبته يظل متاحاً، لكن دون ذلك شروط، وطبعاً النقد سهل كمبدأ، صعب كتطبيق. فهل يكون بالمقدور العبور أيضاً باتجاهه؟.