الكولونيل/شربل بركات: شاعر المقاومة اللبنانية في الحنوب، الاستاذ يوسف حبوب

527

شاعر المقاومة اللبنانية في الحنوب، الاستاذ يوسف حبوب
الكولونيل/شربل بركات
13 آذار/16

ولد يوسف حبوب وترعرع في عين إبل ثم سكن مع العائلة بعض الوقت في مدينة حيفا عندما كان والده يعمل هناك ولكنه عاد ككل العينبليين في 1948 بوم بدات الاضطرابات وتوقفت الاعمال.

كان انطانس حبوب والد يوسف شاعرا بالفطرة تتلمذ لشعراء عين إبل الأقدم منه مثل انطانس شباط وانطانس الجشي وانطانس السبعيني ولكنه حاول دوما أن ينتقي شعره ومفرداته. وقد تعلّم يوسف من والده حب الشعر وتعرّف على خصائصه، ولكنه بعد الدراسة ومن ثم ممارسته مهنة التعليم، حاول أن يشذّب أكثر الكلمات لتؤلف أبياتا تكرج بسهولة، كما كان يقول المرحوم انطانس شباط “متل المي بالنزلة”، ولذا فلم يكتب يوسف الزجل فقط كبقية الشعراء الارتجاليين، ومع قدرته على ذلك، بل أحب أن ينظم قصائده بتمعّن لتكون مداميك متراصة تعبّر عن الفكرة بأحسن المفردات التي تتناغم لتؤدي المعنى مستندة إلى مبنى متكامل وانسياب سهل وبدون عناء متبعة الايقاع وملتزمة بالوزن الملائم.

ولكن الروح الوطنية أثرت كثيرا بيوسف وهو تعلّق بلبنان بعد الله مصدر وحي وهدفا للنضال في زمن كثر فيه المتحزبون والافكار الغريبة التي كانت تنال من الاحساس بالانتماء الطبيعي لوطن الأرز وتحاول لصقه بشتى الطرق بالمحيط الأكبر من الفكر القومي إلى البعثي إلى العروبي إلى الشيوعي وغيرها من الافكار التي كانت تشغل بال الشباب وخاصة في المجتمعات الفقيرة نوعا ما حيث يفسّر كل تقصير بالحرمان والوعد بأن الايديولوجية الجديدة سوف تلغيه من الوجود وتحل محله فرص العمل والمساواة والعدالة الاجتماعية وغيرها من الاحلام التي تدغدغ المخيلات.
وكان يوسف وطنيا ملتزما يحب بلدته وجماعته ويقدّر الزعماء اللبنانيين مع احترامه لراي الآخرين. ولكنه يوم بدأت المشاكل تهدد الوطن لم يبق على الحياد، ولا وقف متفرجا، بل شحذ قلمه سيفا يرد فيه على المعتدين ويدافع عن وطنه وقومه ومنطقته بالطريقة التي يعرفها وهي الشعر.

وهكذا فقد ترك لنا في كل مناسبة قصيدة تذكّرنا بالحدث وتحرّك العزة والفخر والعنفوان.
اليوم، وفي بداية السنة الخامسة عشر على غيابه، نتذكر شاعرنا ونقرأ في قصائده نفسا غاب عن المنابر وروحا لا زالت تعيش مكبوتة تحت ركام الوطن الضائع، والذي جعله الجبناء، قصيري النظر، مذبلة المنطقة ومذبلة التاريخ لا بل مذبلة واقعية بكل ما للكلمة من معنى، لأن الوطن بالنسبة لهم لا يتعدى سوق البيع والشراء، والناس سلعا معروضة، بينما الحلم ممنوع، والفكر مسجون، والرجاء مفقود، فلا هم يقدمون ولا يتركون لأحد أن يحاول الاقدام فهم يسرقون الافكار أحيانا ويقزّمونها أو قل يمودرونها كي لا تنبت.

قال يوسف بلبنان:
ايه لبنان جرحنا وشفانا           هل لجرح على الزمان شفاء
هبة الريح في مغانيك رصد       وانسياب النسيم فيك حداء
نحن صغناك من نسيج            موشى طرزته أنامل عذراء
وحملناك فوق كل حدود          حيث رحنا وضاقت الآرجاء

وفي قصيدة أخرى:

أعداء لبنان كم مرت بنا محن             فشالنا العزم منها والجبين علا
إن تقتلوا الألف والمليون موطننا        بيقى لنا ثابتا بالغش ما زغلَ
فكل نبع به استسقى مدامعنا              ومن دمانا تراب الأرز قد جبلَ
جمعتم الشر من شتى منابعه             لدحر لبنان أو تقطيع ما وصلَ
فكان للحرب أغبرة وما انقشعت        حتى راينا لواء الشر منخذلَ
فكم شهيد لنا للحق رايته                وكم قتيل لكم للباطل اعتملَ
لا تجمع الحق والبطلان منزلة          شتان ما بين من أحيا ومن قتلَ

وهو يقول في مكان آخر:

هذه الأرض أرضنا                 فالروابي بدمانا تعمدت والتلال
كانت الصخر يابس اللب         صلبا فأذابته همة واحتمال
كم ذبحنا لأجلها وبقينا            داخل القبر راسنا شيال

أيها الغرب إن فنينا ستفنى                  أول الغيث قطرة فانهمال
يعرض السيل للحصى حين يجري         ثم يطغى فتستجيب الجبال
نحن في الشرق ومضة الحب حتى        إن ذوينا ذوى لديه الجمال
يرفض البعض أن نكون نصارى         بعد الفين هل لذاك مجال
يا عقيدا هل قالت العرب كلا               يوم قلتم وبئسما الأقوال
إن أردتم جسومنا فخذوها                 لكن الروح أخذها فمحال

وهو إذ يخاطب العقيد القذافي يومها على ما قال بشأن الموارنة، ليته عاش ليرى مصير هذا الذي ملأ الدنيا ضجيجا، ولو أن الموارنة ليسوا باحسن حال. ويا ليت من يتاجر بنفس الوسائل يتعلم من حكمة التاريخ فيرتدع.
فإلى روحك أيها الصديق العزيز ألف سلام ونحن نقول لك بالإيمان الذي شربناه سوية أن لبنان الذي أحببت سوف يقوم من رماده ولن يبقى من ظالم إلا وسيبلى بأظلم فنم قرير العين ونحن نراجع ما قلت:

أفديك يا موطني يا كبش محرقة           عن زلة الشرق قد قدمت مرتعدا
نعجة بين أشداق مفغرة                    عن زلة الغرب قد ما زلت مضطهدا
يا حلقة ضعفها مفتاح علتها              يا كرمة باعها الناطور أو سهدا
يا حبة الماس في عقد مزيفة             حباته ليت هذا العقد ما انعقد
يا ساحة المجد يا حرية جمعت           من حولنا الحقد والبغضاء والحسد

وإذ يلخص شرط الصمود يقول:

ثبتنا على الأيام رغم سوادها             لأنا جمعنا الرأس والقلب واليدا
ونمضي إذا ما باعد الخلف بيننا         كأنا غبار في الرياح تبددا

في ذكراك هذه يكرر اللبنانيون الشرفاء ما حلفت به يوما:

حلفنا وهذا الثلج يشهد                    أننا سنبقى هنا ما الثلج يسقط موعدا
حلفنا وهذا البحر يشهد أننا              سنبقى هنا ما البحر يزخم مزبدا
حلفنا وهذا الجرد يشهد أننا              سنبقى هنا ما الريح تلطم جلمدا
سنبقى هنا الأحرار يخفق بندنا          عزيزا على شم الجبال ممردا
ولن تنحني الهامات منا ذليلة           ولن نفقد الإيمان والعزم والهدى

فهل تقرأ الاجيال الجديدة بعضا من قصائدك فتتعرف على المقاومة الحقيقية التي ما اعتدت يوما على أحد، ولكنها ما تنازلت عن الكرامة والحق بالحياة، ولا عن الأرض أو أهلها، وبقي الوطن في بال ابنائها مجالا يتسع للكل وصدرا رحبا يستقبلهم.