محمد سلام/ هل العرب ضد الدولة الإسلامية

380

 هل العرب ضد الدولة الإسلامية

محمد سلام/الجمعة 19 أيلول 2014

ينقسم العرب المسلمون السنّة على تحديد الخطر الذي يهددهم: أهو في الدولة الإسلامية على أرضهم أم في الدولة الإيرانية على أرضهم؟ لذلك يتعذّر عليهم إعلان موقف واضح ومفهوم من مسألة التحالف الذي يقوده الرئيس الأميركي باراك أوباما ضد الدولة الإسلامية.

الأنظمة العربية، التي تنطلق أولوياتها من همّ الحفاظ على وجودها أولاً، ترى أن الدولة الإسلامية هي عدوها الأول … وبعدما “ننتهي منها أو ربما ونحن ننهيها نتمكن من معالجة” موضوع التمدد الإيراني على “الأرض العربية.”

الشعوب العربية السنيّة ترى أن تمدد الدولة الإيرانية إلى الأراضي العربية السنيّة هو التهديد الوجودي للعرب السنّة، وبالتالي فإن الأولوية يجب أن تكون لمواجهة تمدد الدولة الإيرانية إلى الأراضي العربية السنيّة.

أما موقف الشعوب العربيّة السنيّة من الدولة الإسلامية  فيتوزّع على ثلاث منصات، إذا صح التعبير:

-1- منصة الإقتناع الديني-العقائدي بقيام دولة الخلافة. وهو يرفض ضربها بالمطلق على قاعدة: “إذا كنا لا نوافق على أداء دولة الخلافة، فنعمل على تصويبه بالتفاهم معها لا بمحاربتها.” وهذه الشريحة متواجدة بخصوصيتها في كل الدول العربية السنيّة، وإن بنسب متفاوتة.

-2- المنصة النفعية. وهي تمثل الشريحة القلقة من تمدد الدولة الإيرانية الشيعية على الأرض العربية السنيّة وترى في الدولة الإسلامية حليفاً يقوم بالمواجهة التي لم تقم بها الأنظمة: “فلماذا نحارب من يحارب عدونا؟”

-3- المنصة الثأرية. وهذه تمثل الشريحة العربية السنية التي عانت مباشرة من إضطهاد الدولة الإيرانية على الأراضي العربية. وهذه الشريحة متواجدة في العراق وسوريا واليمن … ولبنان. هي شريحة، إن لم تكن منضوية فكرياً للدولة الإسلامية، إلا أنها تصفّق علناً وسراً لكل من يضرب السكين الإيرانية الشيعية المسلّطة على رقبتها. شعارها: “لماذا نعادي من يقتل قاتلنا؟”

خطورة هاتين الشريحتين (النفعية والثأرية) تكمن في إمكانية تصاعد قلقها وتنامي معاناتها وتعاظم خوفها على الوجود ما قد يدفعها إلى إعتناق شعار، بل شعارات، أكثر حدة تبدأ ب: “لماذا لا نساعد من يقتل قاتلنا؟” وتقود إلى …

معضلة النظام العربي السنّي تكمن في أنه لم يستطع أن يصالح أولويته مع أولويات شعوبه، أو بالأحرى، فشل في إيجاد قلق مشترك يوحد موقفه مع مواقف شعوبه. لم يستطع النظام العربي حتى أن يجزم لشعوبه بأنه يضمن بقاءهم بصفتهم “مسلمون عروبيون” –كما وصفهم رئيس الحكومة اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة في كلمته بلقاء سيدة الجبل- أي بنقاء ثقافي كامل شامل من أي نفوذ إيراني-شيعي على الأرض العربية السنيّة.

لذلك تبدو مهمة تحالف أوباما ضبابية ومبهمة بالنسبة للعرب حكاماً وشعوباً، وليس بالنسبة للرئيس الأميركي الذي لا تعنيه هوية الشعوب، بل يعنيه فقط مصالح أميركا، ومن قال إن مصالح أميركا تتطابق مع مصالح العرب السنّة؟؟؟

إيران ليست ضد تحالف أوباما، بل تعتبره ناقصاً، تريد ضمانات بأنها ستكون، ومعها أسدها العلوي، وريثة لحصة ما على أرض العرب السنّة بعد تحقيق حلم القضاء على الدولة الإسلامية.

الشعوب العربية السنيّة، بشرائحها أو منصاتها الثلاث المفصّله أعلاه، تتذكر أنها عندما خرجت في “جهادها العروبي الأول” قبل 100 سنة بالضبط بقيادة الأمير البريطاني لورانس ضد الدولة الإسلامية العثمانية لم تحصد سوى خيبات عروبية إستمرت قرناً من الزمن.

لورانس البريطاني ركب جمل العرب، أخرج الأسرة الهاشمية من مكّة، ألقاها في “المجلس العربي” الذي لم يستطع أن يدير شركة الكهرباء العثمانية في دمشق، ثم وزعها على الأردن والعراق، فأطاحت الشيوعية العربية بهاشمية بغداد، وبقيت هاشمية مكّة … في عمان.

والشعوب العربية بشرائحها الثلاث، وبأنظمتها أيضاً، تتذكر الخازوق الذي دقته أميركا في أسفلها خلال السنوات العشر الأخيرة عندما شجعت التمدد الإيراني الشيعي على الأرض العربية السنيّة. وتتذكر بألم وخجل سقوطها في خديعة “صحوات” العشائر العراقية السنيّة التي بذل أبناؤها دماء تبين بالنتيجة أنها صبت في خدمة مشروع أميركا-إيران.

خديعة الصحوات أذلّت العرب السنّة، شعوباً وأنظمة على حد سواء، إلى درجة أن أحداً لم يستطع حتى الآن إطلاق صفة شهداء على مقاتلي الصحوات، التي كانت في الحقيقة غفوات … بل غيبوبات عربية سنيّة.

وما كشفته الزميلة راغدة درغام في مقالتها فائقة الأهمية بصحيفة الحياة تحت عنوان “الخليج: داعش مقابل إيران” ما هو إلا نذر قليل من تناقض كبير هائج تحت السطح العربي السني.

وكتبت:  “هذا الأسبوع، عُقِد في الرياض مؤتمر استثنائي تميّز بالمصارحة العلنية وطرح التحديات بشفافية أقامه «معهد الدراسات الديبلوماسية» التابع لوزارة الخارجية السعودية ويرأسه الدكتور عبدالكريم بن حمود الدخيل و «مركز الخليج للأبحاث» الذي يترأسه الدكتور عبدالعزيز بن صقر. تحدثت في المؤتمر نخبة سياسية وأكاديمية وتخلله جلسات خاصة طافت فيها الصراحة وبدا واضحاً التباين في المواقف الخليجية من التحالف الذي يُصنَع ضد «داعش» ودور الولايات المتحدة فيه .

أحد المشاركين السعوديين قال في الجلسة الخاصة، إن هذه معركة أميركية أخرى لمصلحة الشيعة وطالب الرئيس الأميركي بعدم استخدام السُنَّة ذخيرة فيها، وقال: «خذ تحالفك وارحل، ولا تدّعي أن المعركة ضد داعش من أجلنا ولمصلحتنا. ارحل ».

«لا يمكن السُنَّة أن يقدموا دماءهم مجاناً» – أعلن عضو مجلس النواب – أمين عام مجتمع المستقبل الوطني العراقي الدكتور ظافر بن ناظم العاني من المنصة من أجل «ترسيخ سلطة طائفية جديدة». تحدث عن «الإذلال الطائفي» و «اجتثاث السُنَّة» وقال إن «الحرس الثوري الإيراني ليس أقل سوءاً من داعش ».  “

ما نشرته الحياة، على أهميته الفائقة، ما هو إلا جزئية بسيطة “معتدلة” من كلام أكثر صراحة، وأشد قسوة، وأكثر تشدداً قيل في المؤتمر المذكور.

فهل يتمكن العرب السنّة، أنظمة وشعوباً، من توحيد قلقهم، وتحديد عدوهم؟

هل سيسير العرب وراء إمام الجهاد الأميركي أبو حسين أوباما كما ساروا وراء لورانس، علماً أن أمير العروبة البريطاني كان أكثر تواضعاً: لبس رداء البادية، ركب الجمل مع العرب … فصدقوا كذبته، فيما أوباما يأتيهم محلقاً في السماء فهل يسيرون وراءه على … جمالهم؟

قد يكون الحل في التشبّه بالجمل إذا كان المقصود به الصبر …والثأر…(صفحة كلام سلام)