ايلي الحاج: انصرف العالم عن لبنان فماتت فيه السياسة اللاثقة سرّ تمسك الحريري وجعجع بمرشحَيهما/نديم قطيش: زحفًا زحفًا نحو الرياض/مشاري الذايدي: حصار عربي لحزب إيران

297

انصرف العالم عن لبنان فماتت فيه السياسة اللاثقة سرّ تمسك الحريري وجعجع بمرشحَيهما
ايلي الحاج/النهار/4 آذار 2016
كان محرجاً لكتلتي “المستقبل” و”القوات اللبنانية” أن تنزلا إلى مجلس النواب الأربعاء الماضي 2 آذار ولا يوافيهما إليها المرشحان اللذان افترقت الكتلتان بسببهما، النائبان سليمان فرنجية وميشال عون. صحيح كانت جلسة محسومة النتيجة لم يتغيّر سوى رقمها 36 وعدد حضورها 73 لكنها كانت محطة يرى سياسيون من فكر 14 آذار أنها يجب أن تكون أخيرة بهذين المرشحين، وإلا فسيكون الاستمرار في ترشيحهما والذهاب إلى البرلمان لانتخابهما ملهاة أقرب إلى المأساة لا يليق بالكتلتين الجليلتين تكرارها ما دام المرشحان يعلقان حضورهما لتأمين النصاب القانوني على موافقة “حزب الله”، الحزب نفسه الذي لا ينفك “المستقبل” و”القوات” عن مهاجمته يومياً في السياسة والإعلام بينما يقدمان إليه هدية رئاسة الجمهورية، فيضعها في جيبه وعينه على الجمهورية، غير مبال لأحوال شعبها الرثة ويأسه في أسر الفراغ “لا معلّق ولا مطلّق”.
السياسيون الضنينون بروح 14 آذار بعدما تهاوى جسمها التنظيمي يأملون ولا يتفاءلون بأن الحليفين (سابقاً) سيعيدان النظر كلُّ في ترشيح من رشَّح للرئاسة. فلندع جانباً، يقولون، مسألة الإرتباط الوثيق لكل من فرنجية وعون بـ”حزب الله” والمحور الإقليمي الأوسع الذي خلف الحزب، ألا يريان بأم العين أن قدرتهما على المضي في هذا الخيار كما يفعلان هي مؤشر ولا أبلغ إلى سقوط هذه البلاد في قعر اهتمامات العرب والغرب، القريب والغريب على السواء؟ لبنان ؟ ماذا يجري في لبنان، غير تراكم جبال الزبالة؟ يروي أحد القياديين في مجلس خاص أنه بعدما التقى عدداً لا يحصى من ديبلوماسيي دول وهيئات عربية وأممية خرج بخلاصة أن لا أحد يسأل عنّا هذه الأيام. فافعلوا ما تريدون، تسلّوا وتلهّوا أيها السياسيون ما شئتم. في هذا الهامش يتحرك أفرقاء الداخل أحراراً طلقاء. فتصنّف مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، البالغة التأثير عادة في لبنان، “حزب الله” تنظيماً إرهابياً، من غير أن يحول هذا التصنيف دون حرية أفرقاء يتفاعلون عادة مع توجهات تلك الدول في الانفتاح حوارياً على الحزب المعني أكثر من ذي قبل، بل تحسين العلاقات به مقارنة بالسابق. ويثير موقف اتخذه وزير خارجية لبنان جبران باسيل في القاهرة وجدّة غضبة لا سابق لها في الرياض وعواصم خليجية أخرى، وفي الوقت نفسه لا تكترث تلك العواصم لاستمرار فريق لبناني صديق لها في تأييد ترشيح حميه ميشال عون للرئاسة، ولا لإعلان رئيس سابق قريب منها انه متشبث أكثر من أي وقت مضى بترشيح شخصية أقرب ما تكون إلى بشار الأسد و”حزب الله”، ولا مَن يهتم. ولماذا يهتمون ما داموا عارفين أن لا رئاسة ولا من يرأسون هذه البلاد، على المدى المنظور أقله؟
قد يكون هذا الإنصراف العربي والدولي عن لبنان هو سرّ موت الحركة السياسية فيه. ماتت السياسة. ومن يرشح فرنجية لا يتخلى عنه وإن أدرك أن إيصاله مستحيل لأسباب متعددة . وفي الأساس ما كان سيصل بعدما تبيّن أن موقف “حزب الله” الأوّلي من ترشيحه كان الموقف النهائي أيضاً. ولا يتخلّى عنه مَن أيّده خشية أن يفتح تخلّيه أبواب قصر بعبدا المهجور أمام مرشح الحليف السابق، ميشال عون المستحيل وصوله هو أيضاً، ولكن الذي لا يتخلى عنه مَن رشّحه أخيراً لحسابات لا تنحصر في رئاسة الجمهورية. حسابات تتعلق بالعلاقة الصعبة مع حلفاء لم يحسبوا حساباً للأوزان والأحجام في رأيه، وتختلف أساليبهم في الممارسة السياسية كما النظرة إلى الحلفاء. ثمة من يلاحظون عند هذه النقطة أنه لم يعد المهم اسم الرئيس العتيد بل مَن أتى به ودعم وصوله إلى الرئاسة وتفاهم معه مسبقاً على المقابل. 14 آذار اليوم غرفة تلعب فيها الريح بعدما انكسر زجاج الثقة وتشرّعت نوافذها. لا وسيط يسعى إلى مرشح ثالث بين معراب وبيت الوسط، المتباعدين خلف الإبتسامات الحزينة، غير الريح. فات الأوان للسؤال مَن زيّن للحريري ترشيح فرنجية من دون اعتبار لرد فعل جعجع، ولماذا ذهب جعجع إلى المدى الأبعد من غير التفات إلى الخلف، على رغم أن الطريق مقفلة أمام مرشحه عون الذي يحترف الإنتظار والوقت ضده؟ فات الأوان ولم يعد يجدي سوى تدخل خارجي، إيجابي. تدخل بل قرار لن يأتي ما دامت مشكلة هذه البلاد بنظر العالم النفايات ولا شيء آخر. لا الرئاسة الشاغرة ولا الحكومة العاجزة حتى عن حل للنفايات. الحكومة؟ ربما سيتوجب على المهتمين إقناعها بالاستقالة، في قابل الأيام، من خلال استقالة رئيسها تمام سلام. هي أصلاً تألفت لتدير الفراغ شهراً أو شهرين وليس سنتين. وأوضاع لبنان وشعبه بلغت مستوى من السوء لا أسوأ منه ، وأي تغيير سيكون أفضل. فلتستقل ويحصل ما سيحصل، لعل العالم ينتبه لوجود دولة اسمها لبنان.

زحفًا زحفًا نحو الرياض
نديم قطيش/الشرق الأوسط/04 آذار/16
ما قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه يوم الثلاثاء الفائت ليس مجرد صفحة جديدة من صفحات التصعيد مع المملكة العربية السعودية. فهو اعتبر أن «أشرف وأفضل وأعظم» شيء عمله في حياته «هو الخطاب الذي ألقيته ثاني يوم من الحرب السعودية على اليمن والذي نفعله الآن، وأشعر أن هذا هو الجهاد الحقيقي، هذا هو الجهاد، هذا أعظم من حرب»، واصفًا الشعب اليمني بأنه «تجاوز بمظلوميته الشعب الفلسطيني»!! كلام كهذا يتجاوز إعلان الحرب على السعودية، إلى التجرؤ العقائدي على اعتبارها العدو وموضوع الجهاد، بل وجهة أفضل الجهاد وأشرفه وأعظمه. بوضوح لا التباس فيه أعلن نصر الله أن السعودية هي العدو الجديد وليس إسرائيل، التي لم يقاتلها حزب الله جديًا طوال ست عشرة سنة إلا في حرب عام 2006، والتي انتهت بالقرار الدولي 1701 الذي أقفل جبهة جنوب لبنان، وأشك أن تفتح مجددًا إلا في سياق حرب إقليمية كبرى. ولمن فاته هذا الإعلان الأول من نوعه عن التحول الاستراتيجي الكبير في وجهة قتال حزب الله ودوره العسكري والأمني والسياسي ضمن المنظومة الإيرانية، أو لمن قد يخطئ في توصيف الكلام باعتباره مادة تعبئة ليس إلا، تبرع نصر الله بالقول إن مظلومية الشعب اليمني تجاوزت مظلومية الشعب الفلسطيني، للتأكيد على أن ظلم السعوديين أشد من ظلم إسرائيل، ما جعلهم يستحقون اندراجهم في خانة العدو قبلها! ليس بغير دلالة أن يطال التحول المذكور «عدة الشغل» كلها، ومن ذلك أن تصدح حناجر جمهور نصر الله بعبارات نابية تسيء للعائلة الملكية. وليس بعيدًا أن تصدح الحناجر نفسها بشعار «زحفًا زحفًا نحو الرياض.. حربًا حربًا حتى النصر»!
كما أن التدقيق في الوقائع الميدانية يفيد بأن إعلان نصر الله ليس تبجحًا. آخر الأدلة، الشريط الذي بثته قناة «العربية» لمدرب من حزب الله في اليمن يستفيض في الشرح لمجموعة من الحوثيين حول أشكال العمليات وأنواعها، كاشفًا أن من بين ما يتم تحضيره «عمليات استشهادية» في الرياض واغتيالات!! سبق هذا الشريط، الأوضح في إدانته لحزب الله ومشروعه الأمني في الخليج، الكشف عن عدد كبير من الخلايا في البحرين والكويت ومؤخرًا الفلبين تعمل كلها لضرب مصالح خليجية أو سعودية. يتضح إذ ذاك أن حزب الله بات يجاهر بما كانت تضمره ممارسته الأمنية والسياسية والعسكرية منذ القرار الكبير باغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير (شباط) 2005، على ما يمكن الاستنتاج من اتهام المحكمة الخاصة بلبنان لقادة في الحزب بالمسؤولية عن قتل الحريري! غير أنه وهو يجاهر بحلول «العدو» السعودي مكان الإسرائيلي، في خطابه وممارسته، يحاول التأسيس لتاريخ وذاكرة لا تمت للواقع بصلة، كقوله إن السعودية «من عام 2005 فاتحة حرب على حزب الله.. منذ عام 2005 وهي فاتحة مشكل معنا ونحن صامتون»! في حين أن الحرب في الحقيقة مفتوحة على السعودية ولبنان وعلى تقاطع مصالح الاثنين بشخص رفيق الحريري، الذي قتله حزب الله ونظام بشار الأسد، ولا أحسب أنه تجوز بعد اليوم المداراة الزائفة في هذا الملف أو محاولات تدوير الزوايا أو قول الأمور بغير أسمائها! لأننا كي نصدق نصر الله علينا أن نقتنع أن رفيق الحريري كان هو من يقود السيارة المفخخة التي انفجرت بموكبه وينقلها نيابة عن السعودية لتفجيرها في مناطق حزب الله ضمن الحرب المفتوحة على الحزب الصامت والمتلقي للهجوم عليه!!
خطورة كلام نصر الله على مصالح لبنان واللبنانيين، لا يقلل منها تواضعه المفاجئ حول حجمه الحكومي ودوره في صناعة القرار في لبنان، أو التنطح بشجاعة ريفية لأخذ المسؤولية عن الاشتباك مع السعودية بصدره وتحرير اللبنانيين من تبعاتها، كما يتحمل المسؤولية رجل في مشكل في ساحة قرية!
ليس هكذا تورد الإبل يا حضرة الأمين العام. الشجاعة الفعلية بتحمل مسؤولية «مقاومة السعودية» في اليمن وسوريا والعراق والبحرين والكويت ونيجيريا وغيرها، تتطلب منك إعلان خروج حزب الله من الدولة ومؤسساتها، وربما أن تصدق القول بالفعل، وتنتقل أنت وكل قادة حزب الله إلى المكان الذي تراه «الأشرف والأفضل والأعظم» للصراع مع «العدو السعودي الغاشم»! أما التفرد في تحديد أعداء لبنان وتعيين سبل مواجهتهم، واستتباع السياسة الرسمية للبنان كما حصل في موقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، أو في الضغوط التي مارسها الحزب لإصدار بيان حكومي تضامني مع الرياض جاء بلا طعم أو لون، فهو تعريض للبنان واللبنانيين جميعًا، لا تقع مسؤوليته على السعودية! وهو استدراج للبنان، كل لبنان، إلى تبعات المواجهة مع الرياض!

حصار عربي لحزب إيران
مشاري الذايدي/الشرق الأوسط/04 آذار/16
هناك جدار حزم عربي، سياسي وقانوني، يحاصَر به حزب الله اللبناني التابع للحرس الثوري الإيراني. جدار يزداد صلابة وعلوًا مع الوقت، بل مع الساعات، فبعد ساعات من قرار دول الخليج تصنيف الحزب اللبناني – الإيراني حزبًا إرهابيًا، بكل فروعه ومؤسساته وقادته، دون فصل مفتعل، كما فعل الأوروبيون من قبل، بين الجناح العسكري والسياسي وغيره من الأجنحة، وافق مجلس وزراء الداخلية العرب على التصنيف نفسه، طبعًا ما عدا لبنان والعراق. الأمر لن يقف عند الحد الخليجي والعربي، بقي هناك القرار الإسلامي عبر منظمة التعاون الإسلامي، ليكون هذا كله منصة صلبة يقف عليها أي جهد دولي لاحق في هذا الاتجاه.
في بيان وزراء الداخلية العرب بتونس، جاء وصف دقيق لطبيعة هذا الحزب المدمرة، وهي: «تقويض استقرار المنطقة العربية». ملف هذا الحزب «المدرسة» في تصميم الشبكات الإرهابية والعصابات الخارجة على القانون، وبث الدعايات السامة، وتدريب القتلة في العالم العربي، لم تقرأ كل فصوله بعد، والمقبل أكثر بشاعة وإدهاشًا. سقط القناع، وبانت خطورة هذا المخلب الإيراني على صميم الأمن لدول العالم العربي وكثير من دول العالم الإسلامي. لذلك كان من المتوقع أن تكون ردة فعل الحزب ومن يشبهه متماثلة، الحزب علق عبر كتلته النيابية المسماة «كتلة الوفاء» على الموقف الخليجي مركزًا التصويب على السعودية، رغم أن القرار هو للكتلة الخليجية كلها، بالقول: «هذا القرار الخليجي هو من متطلبات تطور العلاقات السعودية – الإسرائيلية وهو يمثل دفعةً على الحساب». حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية استنكرت القرار الخليجي ضد حزب الله. جماعة الحوثي قالت، عبر بيان مجلسها السياسي، إن القرار هو «قرار أرعن، وهو خدمة مجانية للكيان الصهيوني الغاصب وأدواته في المنطقة». أما الراعي الرسمي لكل هذه الجماعات، إيران، فنقل تلفزيونها الرسمي عن نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللاهيان: «حزب الله هو طليعة المقاومة ضد النظام الصهيوني، وإيران فخورة بالحزب». على كل حال سبق للخليجيين أن اعتبروا الحزب مدانًا بالإرهاب وملاحقًا عام 2013، لكن لم يلتزم الجميع بمقتضيات هذا الاعتبار. الجديد هو شعور الخليجيين، بمن فيهم الكويتيون، بخطورة ما يفعله الحزب بأمنهم الوطني. جوهر مشكلة العرب مع حزب إيران اللبناني هو في كونه مصدر تدريب وتغذية دائمة للتوتر والقلق الداخلي، خاصة مع احتكاره، أو محاولته ذلك، للتمثيل الشيعي العابر للحدود. حزب الله، تحت الحصار العربي، ولن يخرجه من ذلك خطب حسن نصر الله الكثيفة. الأمر أكبر من الخطب.