الياس الزغبي: جماعة 14 شباط

270

“جماعة 14 شباط”
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/13 شباط/16

كانت عبارات “ثورة الأرز” و”انتفاضة الاستقلال” و”قوى 14 آذار” ثقيلة الوطأة على معارضيها وأعدائها، فراحوا يبحثون عن تسميات وألقاب جديدة على سبيل التحقير بحسب ظنّهم.

وارتأوا أنّ عبارة “جماعة 14 شباط” هي الأكثر نيلاً من خصومهم، فبالغوا في استخدامها في خطبهم وكتاباتهم ونشرات أخبارهم وبرامجهم الساخرة، على مدى سنوات، بهدف تشويه أساس نضال هذه “الجماعة”.

في اعتقادهم أنّ نسبة “ثورة الأرز” إلى 14 شباط يحطّ من قدرها ومستواها، ويحوّلها إلى مسألة وفاة شخص، أو مناسبة عائليّة ومذهبيّة ضيّقة. وفاتهم أنّ استشهاد رفيق الحريري كان تتويجاً لنضال عريق، وصاعقاً لانتفاضة وطنيّة كانت تنتظر إشارة الانطلاق.

وعشيّة الذكرى الحادية عشرة لهذا الحدث الوطني، يتبيّن مدى خطأ “8 آذار” في تكوينها كردّ على 14، بينما تكمن حقيقة “14 آذار” في ما هو أعمق في الزمان والمكان، منذ تشكّل الرفض الأوّل لأيّ وصاية أو احتلال قبل 40 عاماً، ثمّ في المحطّات التأسيسيّة الأربع التي سبقت الاستشهاد بين 2000 و 2005: نداء بكركي، مصالحة الجبل، لقاء قرنة شهوان، البريستول.

المعنى العميق لسقوط رفيق الحريري يكمن في نقل القضيّة اللبنانيّة من مستوى النضال الجزئي بطابعه المسيحي إلى نضال كلّي بطابعه الوطني العابر للطوائف.

لم يتمّ اغتياله لأنّه رجل أعمال وأموال، أو لأنّه شخصيّة سنيّة لبنانيّة عربيّة دوليّة مرموقة، أو لأنّه خاض مهمّة الإعمار بعد الحرب، أو شاكس في السياسة اليوميّة والحكومة والخصومات على النفوذ.

بل لأنّه تحوّل إلى حالة استقلاليّة سياديّة لبنانيّة في وجه الوصاية والاحتلال، تماماً مثل رموز كبرى سبقته إلى المصير نفسه نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: كمال جنبلاط وبشير الجميّل ورينه معوّض. وقبلهم وبعدهم عشرات الشهداء من القادة والشخصيّات السياسيّة والروحيّة وأهل الفكر والرأي.

هنا ينعقد سرّ 14 شباط، وتالياً 14 آذار 2005. إنّه السرّ الكامن في وحدة دماء الشهداء، هذه الدماء التي تقاطعت وامتزجت بدم الحريري ومن سقط بعده. وهو هذا السرّ نفسه ما يجعل الحالة السياديّة باقية، ولو على ترنّحٍ واهتزازات قويّة وخطيرة.

فالملفّ الرئاسي بترشيحاته الضريرة باعد بين مكوّنات “ثورة الأرز”، وقبله ملفّات أُخرى كثيرة بدءاً من زيارة دمشق تحت رعاية الـ”س – س”، مروراً بقانون الانتخاب، ووصولاً إلى تشكيل الحكومة الراهنة.

والخروج من صفوفها بدأ منذ انطلاقتها، سواء بمؤسّسين بارزين فيها أو بتشكيلات فرعيّة.

والخلافات البينيّة بين مكوّناتها، وداخل كلّ مكوّن، لا تُعدّ ولا تُحصى، وليست قضيّة الوزير أشرف ريفي أوّلها ولا آخرها.

هذا التباعد شديد الأذى على تماسك “14 آذار” وتفاعلها كجسم سياسي واجب الوجود لمصلحة لبنان، لكنّ الأساس القائم على معنى شهاداتها أمتن من كلّ هذه الارتجاجات.

وليس من المبالغة القول إنّها باقية، ولو خارج إرادة المتصارعين في بيتها.

وسيبقى منها ما ومن يحمل رايتها، وفي طليعة هؤلاء أهلها الأقحاح، من الناس الطيّبين الأحرار الذين لم ينزلوا تكراراً إلى ساحة الحريّة من أجل هذا الزعيم أو هذا الحزب وذاك، ولا من أجل أجندة رئاسيّة هنا ومصلحة انتخابيّة هناك، وتقويم كلام هنالك.

وهؤلاء المصابون بالإحباط من نزاعات قياداتهم وسوء إدارتها وتباين مصالحها، جاهزون للتحفّز من جديد، وإعادة بناء الانتفاضة على أسسها الصحيحة. والخطيئة الكبرى التي ترتكبها هذه القيادات هي التوهّم باستمرارها قويّة شعبيّاً وسياسيّاً خارج التحالف السيادي، أو بأنّها قادرة بسهولة على نسج تحالفات جديدة تجافي نهجها ومبادئها.

أمّا المتهافتون على نعي “14 آذار” في 14 شباط، فلا يدركون عمق العلاقة الوطنيّة بين المناسبتين.

وسيظهر لهم أنّ ما كانوا يعتبرونه قدحاً وذمّاً أو نقيصة في تسميتهم الشهيرة “جماعة 14 شباط” هو عنوان بقائها وديمومتها. أليست “جماعة” في توصيفهم؟

نعم، الجماعة تعبير إنساني إجتماعي تعني الجمع والتضامن، بل تعني أكثر وأعمق في مفهومها الديني التكويني في الإسلام والمسيحيّة، فهنا الكنيسة جماعة المؤمنين، وهناك الإسلام “أهل الجماعة”.

وكما كانت لحظة 14 شباط ثمّ 14 آذار تاريخيّة جامعة عابرة للطوائف، هكذا تبقى وتُعيد إنتاج نفسها.

فما جمعه لبنان لا يفرّقه إنسان.