حارث سليمان لـ«المستقبل»: إيران تعمل لتثبيت إمبراطوريتها ونصرالله ربح جائزة لكنه يؤجل تسلمها

265

حارث سليمان لـ«المستقبل»: إيران تعمل لتثبيت إمبراطوريتها ونصرالله ربح جائزة لكنه يؤجل تسلمها

علي الحسيني/المستقبل/13 شباط/16

لا يختلف إثنان على حجم المخاطر التي تتهدد لبنان اليوم من جرّاء الإنقسامات السياسيّة الحاصلة فيه وعلى رأسها ملف رئاسة الجمهورية، تماماً كما هو حجم التهديد في المنطقة التي تشهد حروبا مذهبية وطائفية تشتعل نيرانها في أكثر من بلد عربي. وفي ظل هذا اللهيب تعمل ايران على أكثر من محور لتثبيت «إمبراطوريتها» الموعودة من خلال إذكاء نار الفتنة، سواء بشكل مُباشر منها، أو من خلال «حزب الله» الذي يخوض معركة إنتحار في سوريا تحت حجج تتبدّل أسبابها وظروفها بحسب سير معركة المصالح هناك.

في قراءة للواقع السياسي المتعلّق بأزمة الفراع الرئاسي، يُشير الباحث والمُحلّل السياسي حارث سليمان إلى أن «الأحداث والتطورات التي حدثت على الساحة اللبنانية منذ أن أعلن الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية وترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع للجنرال ميشال عون، جعل «المعركة« عبارة عن تنافس بين مرشحين من فريق الثامن من آذار، لكن المستغرب هو موقف حزب الله الذي اعتبر نفسه منتصرا لكنه فعليّاً امتنع في المقابل عن التصويت لأحد المرشحين»، لافتاً إلى أن « موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بهذا الخصوص، يُشبه كمن اشترى ورقة «يا نصيب» رابحة لكنه يرفض صرفها، أي يرفض استلام الجائزة ظنّاً منه أن الآتي سوف يُربحه أكثر».

ويضيف: «هذا في التشبيه، أمّا في السياسة فإن الامر مُختلف تماماً، لأن في لبنان ثمة باطن وظاهر، فالظاهر أن حزب الله يؤيد الجنرال عون والباطن أن في لبنان يوجد ثلاثة مرشحين. الأول الجنرال عون والثاني النائب فرنجية والثالث هو الفراغ وهذا الأخير هو مرشح الحزب الفعلي«، معتبراً أن «حزب الله ينحاز الى الخيار الثالث لأن لديه أجندة إقليمية يضعها فوق الأولويات اللبنانية ويعتبر أن ورقة الرئاسة اللبنانية ورقة يجب ضمها إلى ملف التفاوض بين إيران والغرب وبالتالي فإن الافراج عن الرهينة أي، رئاسة الجمهورية، لا يمكن ان يتم إلا من أجل تعويم شرعية حليفه بشار الأسد في سوريا لدى الدول الغربية. ومن هنا يصح القول أن البحث الحقيقي عن رئاسة الجمهورية يجب أن يتم في ايران التي تعطل هذا الإستحقاق مقابل فدية تُدفع في قصر المهاجرين في سوريا«.

ويرى سليمان أن «حزب الله هو حزب لديه نوّاب في البرلمان اللبناني ولديه جمهوره وأفراده لبنانيون، لكن أولوياته وأجندته السياسية ليست لبنانية وهو ليس حزبا يُشبه بقيّة الاحزاب اللبنانية. حزب الله هو حزب أمن لديه حزب وليس حزبا لديه أمن تماماً مثلما يُقال بأن إسرائيل هي جيش لديه دولة وهذا الأمن الذي يمتلكه الحزب هو جزء من الهيكلية الأمنية والعسكرية للحرس الثوري الإيراني«، موضحاً أنه «عندما يضع الحرس الثوري أولوية إستنهاض حكم بشار الأسد وحماية النظام السوري، تماما ستكون أولوية الحزب هي نفسها وعلى رأسها الموت من اجل الاسد والتضحية بطائفة بأمها وأبيها لأجل نظامه وحكمه. كل قضية ايرانية هي قضية اولى لحزب الله«.

وعن ذهاب «حزب الله« الى سوريا استدراكا للخطر «التكفيري»، يلفت سليمان إلى أن «هذا كلام مردود على حزب الله بالوقائع والتواريخ، فعندما ذهب الحزب الى سوريا لم يكن هناك شيء اسمه داعش الذي تأسس بعد سنة من دخول الحزب الى سوريا. إذاً، لا يستطيع أن يخبرنا الحزب أو أن يخدع اللبنانيين بأنه ذهب لقتال داعش، بل ذهب لحماية الأسد ونظامه وهذا ما أثبتته الوقائع والأحداث«، مشيراً إلى أن «الحزب بدأ بفبركاته هذه بأنه ذاهب لحماية القرى الشيعية ومساعدة المواطنين على الحدود اللبنانية – السورية ثم تحوّل إلى حماية مرقد السيدة زينب، وكأن هذا المرقد كان طيلة الف وأربعمائة عام بحاجة إلى حماية الحزب او أمثاله. ثم بعدها طالعنا بحكايات وخبريات حتى رأيناه يُقاتل اليوم في حمص وفي حلب وريفيهما».

ويتابع: «الحقيقة أن حزب الله يلبّي طلباً ايرانياً لحماية الاسد ضمن معركة تخوضها ايران طابعها مذهبي وتستعمل الشيعة العرب فيها وقودا لها. وفي مجال آخر تسعى ايران الى رمي السُنّة في أحضان داعش أي انها تُدعشن السُنّة لكي تضعهم في خانة الإرهاب أمام دول الغرب تماما كما فعلت في العراق، علما أن سُنّة العراق هم الذين أخرجوا الاحتلال الاميركي من بلادهم وليست ايران وسوريا، ثم هم من قاتلوا تنظيم القاعدة عبر ما عرف يومها بتنظيم «الصحوات» وهزموه لتقوم بعدها ايران بقتل زعماء وقادة الصحوات لاحقا».

وفي قضية إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يقول: «في الواقع أن أحدا لم يكن يتصوّر أن تقوم إيران بكل ما قامت به من حرب مفتوحة سنّية – شيعية تمتد من خرم شهر إلى الناقورة. ففي لحظات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لم يتبادر إلى فكر أحد أن هذا الاغتيال هو جزء من مخطط كبير، لكن اليوم إذا استعدنا قراءة ما جرى منذ العام 2005 الى الآن نستطيع ان نستنتج أن لجوء ايران ونظام الأسد إلى اغتيال الحريري وهنا تُصبح الأداة التي استُعملت عملاً تفصيليّاً، كان عملاً تأسيسيّاً لهذا الفالق الزلزالي الذي أراد تخريب المجتمعات العربية بين شيعة وسنة وقيام إيران بمد نفوذها عبر هذا الخلل الاجتماعي الكبير في المنطقة العربية من خلال إثارة النعرات المذهبية والطائفية».

ويُشير سليمان إلى أنه «إذا أردنا ان نستعيد مشهد اغتيال الرئيس الحريري عبر كل هذا الشريط نقول بكل راحة بال بأن إغتياله كان عملا تأسيسيّاً في إثارة هذه الفتنة التي ادارتها إيران وبنت عليها كل مخططها. أمّا أن تسألني لماذا رفيق الحريري، فهذا الرجل كان شخصيّة كبيرة منفتحة على كل المذاهب والطوائف، كما كان يلعب أدواراً كبيرة بنزع فتائل التوتر والتفجير ولذلك لم يُقتل لذنب اقترفه أو لثأر، بل قُتل لمنعه من أن يلعب دوراً في مواجهة المخطط الامبراطوري الايراني الذي شهدنا فصوله بعد رحيل الحريري«، لافتاً إلى أنه «ومنذ غياب الرئيس الشهيد جرت مياه كثيرة في هذا النهر، فلم نعد نستطيع أن نُرجع عقارب الساعة إلى الوراء. رفيق الحريري كان يُدرك في المرحلة الاخيرة من عمره حجم المخاطر وكان يُريد ان يدرأ الخطر عن لبنان وجعله خارج الصراع والخطر، لذلك أخذ عليه الكثيرون بانه كان يبرع بتدوير الزوايا لكنه في الحقيقة كان يحاول ان يُبعد البلد عن هذا الإنفجار الذي ما زلنا نعيش آثار إرتداداته«.

ويعود سليمان الى كلام نصرالله عن «انتصارات« حزب الله في سوريا، ويوضح «نعم هناك تقدم لهذا الحلف الايراني والميليشيات العراقية ونظام الاسد بدعم روسي في شمال حلب، لكن ذلك تم بدعم اساسي من الاكراد المدعومين من الاميركيين والروس، لكن المعركة لم تصل الى خواتيمها وتركيا لن تقف مكتوفة الايدي خصوصا في ظل الكلام عن تدخل سعودي وربما عربي – باكستاني«، مؤكداً أن «حزب الله وايران يلعبان بالنار والحزب تحديداً دخل في مستنقع لا يعرف كيف يخرج منه. أما بشار الأسد الذي يتمتع بحصانة ما تمنع انهياره لغاية اليوم وهو الذي اختبأ وراء الإرهاب، لن يطول بقاؤه إذ ان لا إنتصار على الإرهاب من دون رحيله ونهايته أصبحت مرسومة وإن كانت تتطلب مزيداً من الدم والصبر والوقت«.

ويرى أن «إيران تريد أن تُقيم امبراطوريتها على مساحة الوطن العربي وهي التي نجحت طيلة أربعين عاما في تمددها هذا من خلال شبكات مذهبية وإقتصادية وعسكرية وطائفية، لكن اليوم هناك استفاقة عربية جديدة جاءت عقب عاصفة الحزم في اليمن«، مشدداً على أن «مواجهة هذا المشروع تكون من خلال تجمع عربي – إسلامي على رأسه مصر والسعودية والعراق والدول الخليجية، وحتّى وإن كانت هذه الإستفاقة متأخرة نوعاً ما، إلا أن مواجهة هذا التمدد ليست بالمستحيلة من دون أن ننسى ضرورة قيام الدول العربية بمشروع إدماج الشيعة العرب بمجتمعاتهم من كل النواحي والاتجاهات«.