شارل جبور: ماذا يخفي قرار الحريري برفع الغطاء عن ريفي

288

ماذا يخفي قرار الحريري برفع الغطاء عن ريفي؟
شارل جبور/ليبانون فايلز/12 شباط/16

كان باستطاعة الرئيس سعد الحريري ان يمرر مناسبة ١٤ شباط من دون أن يفتعل إشكالا مع الوزير أشرف ريفي، خصوصا ان وزير العدل رفع صوته في قضية يتقاطع فيها مع رئيس “المستقبل”، أي قضية متفق لا مختلف عليها على غرار ترشيح النائب سليمان فرنجية، وبالتالي ما الرسالة من وراء رفع غطاء “المستقبل” عن ريفي وإعلان الحريري بان وزير العدل لا يمثله في الحكومة، وانه لا يسمح له بالمزايدة عليه؟ وما أسباب هذا الموقف وخلفياته؟ وما تداعياته على أرض الواقع؟

الانطباع السياسي لدى الرأي العام وحتى القوى السياسية ان تمايز ريفي عن “المستقبل” يقع بين حدين: بين من يضعه في سياق توزيع الأدوار من أجل إبقاء الشارع الطرابلسي ضمن “أهل البيت”، وبين من يعتبره يعبر عن تمايز جدي، إنما تحت السقف، الأمر الذي لا يتناقض مع التعددية التي يتغنى بها “المستقبل” وتجمع الحمائم والصقور، ولكن موقف الحريري أتى من خارج كل هذا السياق، وقد يكون مرده إلى الآتي:

أولا، وجود الحريري خارج لبنان، وتراجع قدراته المالية، وتلاشي الوضع التنظيمي لتياره، أوجد مواقع نفوذ داخل “المستقبل” لم يعد مسموحا استمرارها كونها تؤدي مع الوقت إلى نشوء أمر واقع جديد.

ثانيا، شكل ريفي حالة سياسية جدية داخل الشارع السني، وهي الوحيدة المدنية والتي تتقدم في الموقف على “المستقبل”، وبالتالي استمرارها على هذا النحو يجعلها تستقطب الشعبية من “المستقبل” وخارجه، ما يحولها إلى رقم صعب داخل المعادلة السنية، الأمر الذي تطلب رفع الغطاء عنه والتمييز بينه وبين التيار، وتوجيه رسالة إلى المحازبين بأن ريفي خارج “المستقبل” وعليهم الاختيار بين الحريري وريفي.

ثالثا، اعتبر الحريري ان حسم الموقف مع ريفي يبقى أقل كلفة من استمرار الوضع الحالي الذي يراكم فيه وزير العدل شعبية وصدقية، وان ضرر خطوة من هذا النوع اليوم يبقى محدودا فيما لو ترك لمرحلة مستقبلية.

رابعا، حاول الحريري تطبيع ريفي عبر إدخاله في الحكومة، ولكن وزير العدل حافظ على موقفه وكأنه خارج الحكومة وينتمي إلى حقبة المواجهة بين ١٤ و ٨ آذار.

خامسا، ثلاث رسائل وجهت لريفي قبل ان يحسم الحريري موقفه، الأولى رسالة شديدة اللهجة على لسان أمين عام “المستقبل” الشيخ أحمد الحريري بانه “عندما يقول الرئيس سعد الحريري كلمته في أي مبادرة لا كلمة تعلو فوق كلمته في تيار المستقبل”، والرسالة الثانية عبّر عنها النائب أحمد فتفت بأن ريفي ليس في تيار “المستقبل”، والرسالة الثالثة تولاها الحريري شخصيا عبر دعوة ريفي الى السعودية في محاولة أخيرة استيعابية، وبعد ان اصطدمت المحاولات الثلاث بإصرار ريفي على استقلالية موقفه، اتخذ رئيس “المستقبل” قراره بالتخلي عنه.

سادسا، تخوف الحريري من ان تشكل حالة ريفي عدوى سياسية، فيصبح الخروج عن موقف “المستقبل” هو القاعدة لا الاستثناء.

سابعا، الضغوط التي تعرض لها الحريري من أعضاء في “المستقبل” بأن التزامهم بسقفه أضعفهم، فيما خروج ريفي عن هذا السقف ساهم بتقويته، دفعه إلى الإسراع في اتخاذ هذا الموقف.

ثامنا، شعور الحريري بان سلطته على المحك، فإذا كانت القطيعة أقصى ما يمكن ان يقدم عليه بحق من يرفض ترشيح فرنجية داخل ١٤ آذار، فإن استبعاد اي شخص عن “المستقبل” هو الجواب لكل من يخرج عن سلطته.

تاسعا، وجه الحريري بواسطة ريفي رسالة واضحة المعالم على قاعدة “الأمر لي”، أي رسالة حاسمة بان لا مواقع نفوذ ولا تيارات داخل تيار “المستقبل”.

عاشرا، المواجهة التي يخوضها مع بعض مكونات ١٤ آذار وغيرها لا تحتمل أنصاف الحلول أو عدم التزام البعض في “المستقبل” بتوجهاته في إشارة انه يتجه لتثبيت تموضعه الحالي بترشيح فرنجية.

وحيال كل ما تقدم يبقى السؤال عن تداعيات هذه الخطوة التي جاءت في التوقيت الخطأ، ذكرى اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وفي الملف الخطأ، اغتيال الشهيد وسام الحسن وإطلاق ميشال سماحة، خصوصا ان السعودية التي كانت انفتحت على شخصيات سنية قريبة من ٨ آذار أو في صلب محور الممانعة، لن تتخلى عن الشخصيات التي في صلب توجهها على مستوى لبنان والمنطقة، الأمر الذي سيزيد من قناعتها بضرورة إمساكها مباشرة بالملف اللبناني تجنبا لمزيد من الخسائر التي دفعتها مؤخرا إلى التدخل تجنبا لخسارة أهم حليف مسيحي استراتيجي على مستوى المنطقة.

وإذا كان السؤال بالأمس عن حضور الدكتور سمير جعحع الذكرى الحادية عشرة لاغتيال الشهيد رفيق الحريري، فإن السؤال اليوم عن حضور الوزير ريفي أم عدمه، وكيف سيتعامل معه الحضور، فإذا استقبله بحرارة ستعد رسالة سلبية موجهة إلى الحريري، وأما مهاجمته فقد تولد احتكاكات بين الحضور.

ويبقى ان الحريري لم يكن مضطرا لاتخاذ موقف ستكون له تداعيات سلبية في الشارع السني عموما والطرابلسي تحديدا، وعشية الانتخابات البلدية، فيما كان باستطاعته لو لم يكن محشورا إلى هذه الدرجة مواصلة تدوير الزوايا وتوزيع الأدوار، إلا ان السؤال الأساس كيف سيرد ريفي؟ وهل سيذهب إلى مزيد من الاستقلالية؟ وهل سنشهد ولادة الريفية السياسية قريبا؟