أمير طاهري: أينما تطلع آية الله شرقًا لا يلق إلا الفراغ/ثريا شاهين: هل تؤثر الاستثمارات الغربية في أداء إيران في المنطقة/أسعد حيدر: ويلٌ لإيران وتركيا من سوريا المفيدة وكردستان

364

 أينما تطلع آية الله شرقًا لا يلق إلا الفراغ
أمير طاهري/الشرق الأوسط/05 شباط/16

كثيرا ما تساءل المسؤولون الأجانب الذي عملوا مع إيران منذ استيلاء الملالي على السلطة في البلاد حول من في حقيقة الأمر يملك مقاليد الأمور في طهران. لاحظ كريس باتن، الذي شغل ذات مرة منصب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أن المسؤولين الإيرانيين الذين تعامل معهم كانوا في أغلب الأحيان يبدون مثل «الممثلين» الذين يقومون بدور الوزراء في الحكومة. وعلى مدى عقود، توصل العشرات من المسؤولين من مختلف أنحاء العالم إلى ذات الاستنتاج عقب التعامل المباشر مع المسؤولين في طهران، ومن بينهم رجال يحملون السمة الرفيعة لرئيس الجمهورية. والانطباع المتحقق لدى أولئك القوم هو أن إيران تعمل من خلال حكومتين في آن واحد: إحداهما هي «حكومة الواجهة» المقدمة للعالم الخارجي، والأخرى هي «حكومة الظلال» التي تمتلك السلطات الفعلية والحقيقية. ولقد تعزز ذلك الانطباع كثيرًا خلال الأسبوع الماضي عندما طار علي أكبر ولايتي، الذي يشغل منصب المستشار الخاص للسياسة الخارجية لدى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، إلى موسكو، فيما وصفه الرجل بنفسه حين قال: «مهمة للشروع في الاستراتيجية الجديدة للجمهورية الإسلامية»، التي وصفت إعلاميا بـ«التطلع شرقا». كانت رحلة السيد ولايتي إلى موسكو مثيرة للاهتمام لعدد من الأسباب نوجزها فيما يلي:
أولا، جاء ميقات الزيارة الرسمية في أعقاب زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى روما وباريس، تلك التي بعثت برسالة مفادها أن الجمهورية الإسلامية تسعى لتعزيز الروابط الوثيقة مع الديمقراطيات الغربية. ومن المقرر أيضا للسيد روحاني أن يتوجه لزيارة النمسا وبلجيكا في وقت لاحق من هذا الشهر.
كذلك، لم يدع السيد روحاني فرصة إلا واستغلها ليبعث بإشارات ودودة إلى إدارة الرئيس أوباما في واشنطن.
ولقد أشاد روحاني بالرئيس الأميركي واصفا إياه بقوله: «رجل ذكي ومدرك لعواقب الأمور»، ويزعم أنه تربطه بالرجل علاقة «رسائلية» خاصة. ولقد أشار روحاني إلى العالم اليوم بأنه مثل قرية صغيرة وأميركا هي «زعيم القرية». وبالتالي فمن الأهمية بمكان بالنسبة للجمهورية الإسلامية أن تسعى لإقامة علاقات جيدة مع «الزعيم». وفي واقع الأمر، فلقد منحت الأوساط السياسية الإيرانية في طهران روحاني وحاشيته لقب «فتيان نيويورك»، وهم الفصيل المتفرع عن النظام الخميني الذي يأمل في مضاهاة الصين الشيوعية تحت حكم دينغ شياو بينغ، من خلال تكوين علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة مع الحفاظ في نفس الوقت على نظام الحزب الواحد الحاكم القمعي في الداخل. وكان الأب الروحي لذلك الفصيل هو الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، وهو «المفاوض الداهية» الذي فتح أول قناة سرية للاتصالات مع واشنطن في عام 1984، مما أدى بمرور الوقت إلى الكشف عن فضيحة «إيران غيت» في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان. ومنذ ذلك الحين، تابعت الإدارات الأميركية المتعاقبة ما تحول حتى الآن إلى خرافة كبيرة في الداخل الإيراني: أي مساعدة التيار «المعتدل» بزعامة رفسنجاني على الإطاحة بمعسكر «الصقور» الحاكم الذي يرأسه خامنئي، وإغلاق فصل الثورة الإسلامية من التاريخ الإيراني المعاصر، وتحويل الجمهورية الإسلامية إلى نظام مستبد جديد يُعنى بشؤونه الخاصة من دون الخوض في الكثير من المتاعب مع الولايات المتحدة وحلفائها.
خلال الـ150 عاما الماضية، كانت كيفية تحقيق التوازن ما بين مختلف القوى الخارجية المعادية هي الشغل الشاغل للزعماء في إيران. وفي ذروة الإمبريالية الأوروبية، كانت النخبة الإيرانية منقسمة على ذاتها بين «عشق الإنجليز» و«الولع بالروس»، أو الخيار ما بين «الطاعون» و«الكوليرا».
وفي خمسينات القرن الماضي، ومع غروب شمس الإمبراطورية البريطانية وتحول روسيا إلى الاتحاد السوفياتي، كانت النخبة الإيرانية أيضا منقسمة على ذاتها ما بين موالاة الأميركيين وموالاة الروس. بدأ محمد مصدق، الذي شغل منصب رئيس الوزراء الإيراني لفترة وجيزة، حياته السياسية مولعًا بالولايات المتحدة، ولكن انتهى به الحال حالمًا بما سماه «التوازن السلبي»، وهو ما يعني بلغة أهل السياسة البقاء على مسافة واحدة من الغرب والشرق على حد سواء. ولخداع أنصار مصدق، الذين أقام الرجل معهم تحالفًا تكتيكيًا في مواجهة الشاه، رفع آية الله الخميني في ذلك الوقت شعارًا رنانًا يقول: «لا شرقية ولا غربية».
ومن زاوية الممارسة العملية، رغم ذلك، وصم الخميني الولايات المتحدة بأنها العدو الأكثر خطورة على آيديولوجيته الجديدة وواصفًا الاتحاد السوفياتي بالخطر الأقل تهديدًا عليها. وكان السبب في ذلك، وبالنسبة للكثير من الإيرانيين، أن الولايات المتحدة كانت شديدة الجاذبية من المناحي الثقافية، والعلمية، والاقتصادية، وحتى السياسية، في حين كان الاتحاد السوفياتي لا يتمتع بذات الجاذبية في استمالة حتى التيار الشيوعي الإيراني، الذي كان أتباعه في أغلب أمرهم من أنصار ماو، أو تروتسكي، أو كاسترو. بارك الخميني الهجمات التي نالت من السفارة الأميركية في طهران واحتجاز الرهائن الدبلوماسيين فيها، ولكنه عارض تمامًا اتخاذ نفس الإجراءات المعادية قبالة الاتحاد السوفياتي. ولقد دعا الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف لاعتناق المذهب الشيعي من الإسلام، وأعتقد أن النزعة المعادية للولايات المتحدة كافية تمامًا لتوطيد أواصر العلاقات ما بين موسكو وطهران.
كان خامنئي على بينة من كل ذلك.
وهو السبب وراء سعيه الدؤوب لاقتلاع «فتيان نيويورك» من جذورهم قبل فوات الأوان. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حالما كان «فتيان نيويورك» يطربون ويرقصون على أنغام «الاتفاق النووي» مع أوباما، طار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران، وانطلق مباشرة إلى قصر خامنئي، متجاهلاً روحاني ورفسنجاني تمامًا. وكان بعد ذلك الاجتماع، الذي وصفه السيد ولايتي بأنه «بداية عهد جديد»، أن خرج علينا خامنئي بعبارة «التطلع شرقًا» الجديدة. فهل في وسع خامنئي احتواء «فتيان نيويورك» في سياق المحور الإيراني – الروسي الجديد المناوئ للولايات المتحدة؟ تشترك طهران مع موسكو في عدد من الأهداف؛ إذ ترغب كل منهما في الاستفادة من التراجع الأميركي في المنطقة في ظل إدارة الرئيس أوباما، والتأكد من عدم عودة الولايات المتحدة إلى الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط كقوة مهيمنة وحاسمة. وترغب كلتا الدولتين، في هذا السياق، في احتفاظ بشار الأسد بمنصبه في سوريا، وإن كان لا يحكم إلا جيبًا صغيرًا متبقيًا من بلده، ولأطول فترة ممكنة. كما ترغبان في تعزيز النفوذ الذي تتمتع به إيران، وبدرجة أدنى روسيا، في العراق ولبنان مع بسط نفوذ سياسي مماثل على بعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وتحدث ولايتي، في موسكو يوم الاثنين، عن روسيا وإيران بوصفهما «حاميتي السلام والاستقرار» في منطقة غامضة وغير محددة المعالم، تلك التي تمتد من أواسط آسيا إلى شمال أفريقيا وحتى المحيط الأطلسي. وتكمن المشكلة الحقيقية في انخفاض كبير لشعبية روسيا في الداخل الإيراني، في حين أن هناك عددًا ضئيلاً للغاية من المواطنين الروس ممن يهيمون عشقًا بالجمهورية الإسلامية. وفي حين أن تركيا استقبلت أربعة ملايين سائح روسي في عام 2015 فإن «السياحة الحلال» التي تروّج لها وسائل الإعلام الإيرانية لم تفلح إلا في اجتذاب بضعة آلاف من السائحين الروس. والتجارة المشتركة ما بين الدولتين الجارتين في أدنى مستوياتها بسبب أنه ليس لدى روسيا شيء مما تحتاج إيران لشرائه، كما أن الإيرانيين ليس بمقدورهم صرف أنظار الروس عن المنتجات الغربية بحال. هناك تقليد إيراني – روسي قديم يمتد عبر قرون طويلة من الشكوك المتبادلة، وكان أحد تأثيرات ذلك التقليد فشلهما سويًا، بعد مرور 25 عامًا من المفاوضات الثنائية، في إقرار نظام قانوني مشترك بشأن بحر قزوين. ولأكثر من 25 قرنًا من الزمان، كانت «النظرة التاريخية» الإيرانية تتطلع صوب الغرب، في حين كانت روسيا، الوافدة الجديدة على تاريخ العالم كدولة قومية ذات سيادة، تيمم ناظريها شطر الغرب كذلك منذ القرن التاسع عشر على أدنى تقدير. وأخيرا، فإن النزعة المعادية المجردة لكل ما هو أميركي ليست كافية بحال لبناء استراتيجية عالمية جديدة بالنسبة إلى إيران أو روسيا. ومناورة «التطلع شرقا» الخامنئية ليست إلا فشلاً ذريعًا حتى قبل ترجمتها واقعيًا إلى سياسات راسخة وملموسة.

هل تؤثر الاستثمارات الغربية في أداء إيران في المنطقة؟
ثريا شاهين/المستقبل/05 شباط/16
بعد بدء تنفيذ الاتفاق النووي بين الغرب وايران، اين اصبح ما كان يؤمل به من حوار دولي مع طهران حول حلحلة ملفات المنطقة، وهل ستستجيب لحلول وسطية؟ مصادر ديبلوماسية بارزة، اوضحت أن دعوة ايران الى المؤتمرات الدولية ـ الاقليمية حول الحل في سوريا تمّت، وهذا كان بمثابة اختراق، حيث لم يكن ليحصل ذلك من قبل. وعندما حصلت لقاءات دولية مع ايران على مستوى رفيع لا سيما من خلال زيارتي الرئيس حسن روحاني الى كل من باريس وروما اخيراً، طُلب من روحاني المساهمة في حلول في ملفات المنطقة ومن بينها ملف الرئاسة اللبنانية. الا ان مواقف ايران لا تزال هي ذاتها بما خص لبنان والمنطقة. لم يبدأ حوار مع ايران بمعنى تفاوض مباشر مع نتائج واضحة، الا انه خلال اية لقاءات تعقد بينها وبين المسؤولين الغربيين يتم بحث امكان ان تسلك ايجابياً في قضايا المنطقة. في ما خص البحث الغربي مع ايران حول سوريا، بدا لدبلوماسيين معنيين ان موقف طهران اكثر تصلبا من موقف روسيا. روسيا في ادائها تعمل على جبهات عدة، فهي تعمل على ان تكون وسيطة للحل عبر الأخذ والرد والبحث مع الاميركيين والخليج ومصر وكافة الأطراف ذات الصلة بالوضع السوري، وكذلك مع الأطراف السورية. وعلى جبهة أخرى هي تقصف داخل سوريا لدعم استمرار النظام اطول مدة ممكنة. في النتيجة، ايران وروسيا تسلكان عملياً السلوك ذاته، لكن روسيا توزع ادوارها بين اظهار الوساطة من جهة واظهار الحزم على الارض من جهة اخرى. لكن ايران تعبر بتصلب وتسلك بتصلب. هذا هو الفارق. في كل المباحثات الدولية مع ايران لم يحصل اي تقدم، حول كل الملفات، وفقاً للمصادر. هي ترى نفسها تتقدم في المنطقة. في العراق هناك الحشد الشعبي الذي يضغط على رئيس الوزراء حيدر العبادي لتحقيق ما يريد. وفي لبنان الوضع واضح وحلفاؤها اللبنانيون يعطلون الانتخابات الرئاسية وفي سوريا لديها من يقاتل لدعم النظام حتى الآن لم تقبل ايران بالحلول الوسط كما كان الغرب يتوقع. ايران تريد انتصارات عبر الميليشيات التابعة لها. ولن يكون هناك حل الا بهزيمة في مكان ما في المنطقة. في اليمن تستغل ايران الأداء الخليجي لتلعب اللعبة التي يحب الغرب ان يسمعها، لغة الانسانية، وكأن ليس من قتل وضحايا مدنية في اي مكان آخر لا سيما في سوريا. حاولت ايران، بحسب المصادر، المقايضة بين لبنان وسوريا من جهة، واليمن من جهة أخرى، لكن لم يتم قبول عربي بهذه الرغبة. العرب والخليج يتكبدون تضحيات كبيرة لكي لا يحصل تنازل في سوريا، وليس لتقديم اي ملف لايران على طبق من فضة.
وتكشف المصادر، ان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، يدرك جداً كيف يفاوض ويقوم بالعلاقات العامة التي تناسب الغرب. انما في اهدافه الحقيقية فان التشدد الايراني هو الذي يطغى. الأوروبيون قالوا عنه وعن فريقه التفاوضي ايام التفاوض حول انهاء الملف النووي، انه اخطر فريق تفاوضي نجح في التفاوض، ولم تعد ايران معزولة، لكنها في الوقت نفسه ابقت على سكوتها في المنطقة كما هو. الغرب، وفقاً للمصادر يعوّل الآن على الاستثمارات في ايران. اي ان يشكل الخوف الايراني على مصير الاستثمارات عاملاً مهماً لعقد صفقات لحلول وسطية معها حول ملفات المنطقة، لكن مثلما هي تخاف على استثماراتها، الغرب يخاف ايضا على استثماراته هناك. وبالتالي ليس مضموناً ان يؤثر موضوع الاستثمارات على الموقف السياسي الايراني، ايران تريد المنطقة كلها.
ما تغير بعد التوقيع على «النووي» هو مشاركة روسيا العسكرية في الحرب السورية الى جانب النظام. هذا يمكن اعتباره تغييرا على الارض. كذلك صدور القرار 2254، الذي يحمل جمعاً بين مواقف متناقضة كانت اتخذت حول سوريا، ثم الاصرار الاميركي ـ الروسي على انطلاق التفاوض على الرغم من كل المعوقات، حيث المهم جلوس الطرفين معاً وتحديد اولويات البحث والتفاهم حولها وانطلاق التفاوض لا يعني التوصل الى نتيجة. الدخول الروسي الى سوريا، وفق مصادر ديبلوماسية، ادى الى اعادة تموضع عسكري حيث انه لم يعد بالامكان عزل السياسة عن العسكر. هل هذا يعني ان تغييرا ما في السياسة سيحصل، وما مصير الرئيس السوري؟ من المؤكد، ان لا دور مستقبلياً له في سوريا، لكنه حاليا يجلس عبر ممثلي النظام على طاولة التفاوض حول المستقبل. في هذه الاثناء، لم تعد ايران، كما تجد نفسها، مضطرة للقيام بأي شيء في المنطقة من اجل حلحلة الملفات. انها تتابع مبادراتها، والمبادرات الروسية، وهي ستبقى على توجهها هذا، في انتظار تبلور الوضع السوري، وعلى اساسه يتحرك الوضع في كل من لبنان واليمن. لبنان مربوط من جانب ايران بالوضع السوري وبالوضع في المنطقة، وهذا ليس مفيداً للبلد وليس لمصلحته. ايران ستناقش الوضع في المنطقة من خلال حوارها المفتوح مع الغرب، لكنها ليست تحت الضغط للقيام بحل ما لملفاتها، وهي تعمل، وفق اعتقادها ان الوقت لصالحها. هناك زيارات متبادلة غربية ـ ايرانية حصلت اخيراً، والأهم فيها ان ايران باتت سوقاً كبيراً امام الغرب، وهي تحتاج الى كل انواع الاستثمارات. وبالتالي، ليس هناك من ضغط دولي على ايران، التي باتت شبه حليف للغرب لا سيما في محاربة «داعش».

 

ويلٌ لإيران وتركيا من «سوريا المفيدة» وكردستان
أسعد حيدر/المستقبل/05 شباط/16
«القيصر» فلاديمير بوتين، «شيشَن» سوريا. ليس مهماً بالنسبة إلى «القيصر«، ماذا سيبقى من سوريا، المهم ان ينتصر، ويبقى الرئيس بشار الاسد. لم يكن بوتين «يشيشن« سوريا، لو لم تكن إيران شريكة مباشرة له، والرئيس باراك اوباما «حارس» هيكل الصمت وترك الوقت للوقت ليفعل فعله، ويصوغ الحاضر مقدمة لرسم مسار المستقبل. وزارة الدفاع الروسية أعلنت رسمياً، بما يشبه إعلان انتصار ان الطيران الروسي في سوريا شن 900 غارة خلال ثلاثة ايام. الجيش الروسي حوّل سوريا الى ميدان ليدرب قواته، ويريد ان يكسر قاعدة قديمة بأن «الطيران لا يحقق الانتصار». بالمبدأ هذا صحيح، لكن في الواقع ان طائرات «السوخوي» تحلّق في فضاء لا يهدّده سلاح الدفاع الجوي. وعلى الارض مع «مستشارين» روس اعلن مقتل احدهم رسمياً مع أن غيره قتل قبل اليوم، والآلاف من الميليشيات الايرانية (قتل امس الجنرال قجاريان) واللبنانية والعراقية والافغانية والباكستانية وغيرهم وعدة آلاف من بقايا الجيش السوري الذين ارتفعت معنوياتهم مع كل غارة روسية قاتلة. واستناداً الى متابعات ميدانية، فان الروس يضربون السوريين بأنواع جديدة من الاسلحة لاختبارها، ومنها قنابل تحفر في الارض، خصوصاً حيث توجد خنادق ومغارات، حوالى ثلاثين متراً قبل ان تنفجر مدمرة كل شيء، وقنابل عندما تنفجر تقذف عدة قنابل موزعة على دائرة واسعة لتدمر وتقتل أكثر، إضافة الى أحدث أجهزة المراقبة والتنصت المتصلة بشبكة من الاتصالات والأقمار الصناعية، كل ذلك وغيره يجري وبمساندة وحدات «كومندوس» روسي متمرس. أخطر من كل هذه الاسلحة الروسية المتطورة، كانت وما زالت «سياسة اطالة الصراع» التي نفذت ببراعة وبلا رحمة. كل يوم اضافي من هذه الحرب الطويلة كما ترى قوى سورية وطنية معارضة يهدف الى:
[ افراغ الثورة من مضمونها في طلب الحرية والكرامة والديموقراطية.
[ نشر الفوضى المسلحة المسيرة خارجياً والمرتبطة بقوى إن لم تطعها لا تمدها بالمال والسلاح.
[ ترك القوى الارهابية تتضخم لتصبح خطراً يضع مقولة «الأسد او داعش« هي الحل المقبول دولياً.
كل ذلك، للوصول الى مرحلة ييأس فيها الثوار والمنظمات لينصاعوا للحلول التي تتفق عليها القوى الكبرى من دون الأخذ بما يريده الشعب السوري.
ولا شك ان اسباب العلة ليست كلها خارجية. ذلك ان «الائتلاف» الذي يقود عملياً المعارضة، تحول لأسباب كثيرة الى «عبء» على الثورة وقد حان الوقت للعمل للتحول الى «رافعة» للثورة، ولذلك «يحتاج الى اصلاح عميق وجذري حتى لا تنتج «الانتصارات» الجارية للروس والايرانيين والاسد انتصاراً دائماً«. وهذا يتطلب، باعتراف قوى سورية معارضة، عملاً وطنياً حقيقياً متحرراً من تسجيل النقاط والمواقع، وهدفه قيام سوريا الحرة من الوصاية الاجنبية.
الانتصارات التي يحققها تحالف موسكو وايران والاسد برضى اسرائيلي وصمت «اوبامي» يشبه الموافقة ليست نهائية، لأن سوريا ارض كل الحروب حيث كل شيء فيها متحرك ومتغير. ما هو قائم اليوم، قد لا يكون غداً. وصول ادارة اميركية جديدة سواء كانت ديموقراطية برئاسة هيلاري كلينتون او جمهورية، ستنفذ سياسة مختلفة وليس بالضرورة انقلابية، عن «السياسة الاوبامية»، تفرض قواعد جديدة على الصراع وادوار الآخرين من قوى عظمى ووسطى ووسيطة. وصول صاروخ ارض جو الى ايدي المعارضة السورية يفرض تعاملاً مختلفاً يحد من حرية الطيران الروسي. ايضاً حصول ولو تغيير محدود في ايران وليس بالضرورة انقلابياً، يحدث فرقاً كبيراً لأنه سيؤدي الى تعاملات مختلفة مع دول الجوار العربية وأخذ موافقتها في الاعتبار. ايضاً أي تدخل تركي مباشر ولو محدود على الارض السورية يفتح آفاقاً واسعة على الصراع في سوريا، حيث خطر مواجهة روسية تركية قائم ويطرح سؤالاً كبيراً ماذا عن الحلف الأطلسي؟
السؤال الكبير القائم في ظل الغارات الروسية هو ماذا يريد «القيصر» من الحرب؟ هل يريد تثبيت حدود «سوريا المفيدة» تحت ولاية الاسد؟.
بوضوح شديد إقامة «سوريا المفيدة» ولو موقتاً، فكيف اذا استمرت طويلاً، تفتح الباب، امام التمدد الى البقاع اللبناني جغرافياً وفي احسن الاحوال عودة النفوذ السوري الى اقوى مما كان في بيروت. لكن في الوقت نفسه تنتج تثبيتاً لحدود «كردستان السورية»، التي حتى بدون استقلال ناجز، تلد عاجلاً أو آجلاً طموحاً قابلاً للتنفيذ لقيام اقليم كردي سوري «مستقل« على الطريقة الكردية العراقية. المسار الكردي العراقي الذي وصل الى مشارف إعلان الاستقلال.
«سوريا المفيدة» و»دولة كردستان» القائمة عملياً في العراق، والمرسومة في سوريا، تشرّع الغاء اتفاقية سايكس- بيكو وتطرح مباشرة مشروعاً لتقسيم المنطقة كلها. اكبر المتضررين ليس الضعفاء اي السوريين والعراقيين فقط وانما تركيا وايران.
علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الايراني اكد وعي الدولة الايرانية لهذا الخطر وان كان قد حصره في العراق فقال: «اذا حصل تقسيم بالعراق فانه سينتقل الى باقي دول المنطقة».
الكشف عن الداء وسببه لا يكفي. معالجته تكون بكل الوسائل قبل ان يستفحل. تركيا وايران تملكان وسائل المعالجة من موقع الخطر القومي، وهو أولاً في وقف الحرب خارج الانتصار والهزيمة، لانهما يعمقان الاحقاد والاستقواء فينتجان التطرف وتنفيذ سياسة «عليَّ وعلى أعدائي».