كريم مروّة: الإمام شمس الدين والانفتاح على العصر/صبحي أمهز: فرنجية يرفع سقف التحدي بأمر من حزب الله/نادين مهروسة: عون يقرع باب المستقبل الموصود

289

فرنجية يرفع سقف التحدي.. بأمر من “حزب الله”؟

صبحي أمهز/المدن/الثلاثاء 26/01/2016
ارتفعت وتيرة المواقف السياسية التي تصب في خانة رفع أسهم رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية الرئاسية، خصوصاً أن الموقف الناري لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سأل فيه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ان كان يريد من “حزب الله” أن يضع مسدساً في رأس القيادات السياسية لتنتخب رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون، تزامن مع تسريات تفيد بأن فرنجية قال أنه لن يتنازل عن ترشحه للرئاسة حتى لو هاتفه رئيس النظام السوري بشار الاسد، أو الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله. تسريبات فرنجية التي لم ينفها أحد، وضعتها بعض الأوساط السياسية في سياق تبني “حزب الله” لخيار فرنجية، خصوصاً أنه ليس لديه أي مشكلة بأن ينتخب فرنجية رئيساً، شرط ان يتم إخراج الامور بشكل يظهر ان الحزب بقي على التزامه بعون، ولكن سارت الأمور بهذه الطريقة خارج إرادته. وتضع مصادر مطلعة على الملف الرئاسي عبر “المدن” الكلام الجازم لفرنجية بعدم الإنسحاب من السباق الرئاسي، وعدم نفيه ما نقل عن لسانه، في إطار التنسيق مع “حزب الله”، خصوصاً أن هذا الموقف التصعيدي تضمن هجوماً واضحاً على الحلفاء، ويصب في خانة محاولة القول ان “حزب الله” لا يمكنه اقناع فرنجية بالإنسحاب لمصلحة عون، وبالتالي اخراج “حزب الله” من المعادلة بين الحلفاء. في قراءة اخرى أيضاً، لا تتضارب مع السابقة بل تتقاطع معها، ثمة من يرى أن صمت “حزب الله” كان عاملاً أساسياً في تمسك فرنجية بترشيحه، ورفع السقوف، فوراً بعد اعلان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع تبني ترشيح عون. وفي هذا السياق أيضاً، يصب ما تسرب الى “المدن” من أن المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” حسين الخليل، ورئيس وحدة الإرتباط والتنسيق وفيق صفا، إجتمعا بفرنجية على مائدة غداء قبل يومين. وعلى الرغم من هذه الأجواء، إلا أن الوزير السابق يوسف سعادة يرفض التعليق على الملف الرئاسي، مؤكداً أن تيار “المردة” لن يدخل في أي سجال سياسي في هذه المرحلة. كما تلتقي مع سعادة في اللجوء إلى التلميح والإبتعاد عن التصريح قيادات “حزب الله”. ويقول مصدر مقرب من مكتب النواب في “حزب الله” لـ”المدن” إن “القرار الرئاسي في غاية التعقيد وان البحث به ليس على المستوى النيابي، لا بل محصور بقيادة الحزب، التي لا تزال تدرس خياراتها بهدوء منعاً للإحراج”. أهمية الملف هذه، تدفع كثراً الى الحديث عن حقيقة موقف “حزب الله”. لكن الأكيد أن فرنجية، الذي يعتبر نفسه صاحب الفرصة الأكبر في الوصول الى بعبدا، مستنداً الى الدعم الداخلي، الذي يؤمن له الفوز عددياً وميثاقياً، لن يتراجع. ويقول مصدر مطلع على أجواء بنشعي لـ”المدن” إن “هناك تفاؤلاً لدى المردة أكثر مما مضى، ويصب في خانة أن “حزب الله” لن يتخلى عن فرنجية، وسيدعمه في نهاية المطاف للوصول إلى سدة الرئاسة الاولى”. وتشير مصادر “المدن” الى أن “حزب الله” يستغل الآن التنافس بين عون وفرنجية لإطالة أمد الشغور، وبعد ذلك لا مانع في وصول عون أو فرنجية إلى سدة الرئاسة الأولى، خصوصاً أن كليهما حليف للحزب.

عون يقرع باب “المستقبل”.. الموصود!
نادين مهروسة/المدن/الثلاثاء 26/01/2016
في وقت شكّلت إحتفالية معراب، ضربة لتيار “المستقبل”، كان رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” النائب ميشال عون يدرك أنه بات عليه اجتياز عقبة وحيدة للوصول إلى بعبدا، خصوصاً أنه يعلم أن الوصول إلى سدة الرئاسة، من دون موافقة الطرف السنّي، إن على الصعيد العددي أو على الصعيد الميثاقي، مستحيل، خصوصاً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يسمح بعقد جلسة إنتخابية في غياب مكون أساسي. قبل الحدث المعرابي وبعده، بدا بوضوح أن عون يفتقد عنصر دعم باقي المكونات اللبنانية، خصوصاً المكون السني، والمكون الدرزي، ونصف المكون الشيعي، وهي النقطة التي أبقت رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية حاضراً، ورافضاً للإنسحاب لعون. وفق هذه القراءة، بادر عون سريعاً باتجاه “المستقبل”، بوصفه الحلقة الأهم، لتبريد الأجواء، وفي محاولة منه للعودة إلى مرحلة سابقة، تحديداً قبل سنتين من اليوم، عندما فتح حوار مباشر مع “المستقبل” تخلله غزل واضح، انهار بعد أن تبين أن “المستقبل” لا يريد عون للرئاسة.
إنطلق عون، في إشاراته إلى “المستقبل”، من قاعدة أرسيت في الحوار السابق، حينما توجه “المستقبل” إلى عون بالقول: “نحن معك، ولكن عليك إقناع المسيحيين بالأمر”. اليوم اقتنع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وبات خلف عون كتلة مسيحية وشعبية واسعة، وبالتالي يعتبر عون نفسه بصدد ردّ الجواب إلى “المستقبل” بناء على الوعد السابق. بدأ عون توجيه الرسالة، من موقف وزراء تكتل “التغيير والإصلاح”، وصولاً إلى موقف تبناه “التكتل” بعد احد إجتماعاته الأسبوعية يفيد بعدم الموافقة على كلام رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد بشأن عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان والى رئاسة الحكومة. كانت الخطوة هذه سابقة لإعلان معراب، واستتبعها عون في حديثه التلفزيوني الأخير، متخذاً مواقف إيجابية من “المستقبل”. وتشير مصادر “التيار الوطني الحر” لـ”المدن” إلى أن الحسابات اليوم تفيد بأن عون يحظى بإجماع مسيحي، وتأييد شيعي، وبالتالي يجب الإنفتاح على الطرف السني تحديداً، والتوجه اليه، لأنه في هذه الحالة يكون عون حقق “وطنية ترشيحه”. ووفق ما علمت “المدن” فإن أحد المقربين من عون بادر إلى الإتصال بمقربين من الحريري، وبمستشاره النائب السابق غطاس خوري، لكسر الجليد الذي حلّ سابقاً على علاقة الطرفين، وبعدها أتى إتصال عون بالحريري، داعياً إياه إلى السير بترشيحه مجدداً بعد موافقة “القوات”، لكن الحريري رد على طريقته عبر تسريب خبر اتصاله بفرنجية بعد اتصال عون به. رد الحريري المبطن يفيد بأن “المستقبل” متمسك بفرنجية ويرفض كلياً عون، لكن الأخير مصمم على قرع أبواب “المستقبل” مجدداً، على الرغم من أن هذه المحاولات لا تلقى أصداءاً إيجابية في أوساط “المستقبل” خصوصاً بعد المواقف الأخيرة التي إتخذها وزير الخارجية والغتربين جبران باسيل في عدد من الإجتماعات العربية والمؤتمرات الإسلامية. وتفيد مصادر دبلوماسية عربية لـ”المدن” أن مواقف باسيل الأخيرة أثرت سلباً على العلاقات اللبنانية الخارجية، وبالتالي لا تسمح لدعم عون رئاسياً. هذا الموقف يبني عليه “المستقبل” رفضه لعون، وانتقاده لكل ما تقدم في مشهد معراب، ولكن في السياق ذاته تؤكد المصادر الدبلوماسية لـ”المدن” أن الحديث عن تردي العلاقة بين السعودية و”القوات اللبنانية”، وعن اقفال الأبواب في وجه “القوات” غير صحيح، وهو من ضمن الحملة التي يقودها المحور المعرقل لكل الإستحقاقات اللبنانية. هذا الكلام يتمسك به قيادو “التيار الوطني الحر”. وحتى في الوسائل الإعلام المحسوبة على “التيار”ثمة نفي متكرر لأي موقف للسعودية ضد جعجع، علّ في ذلك بادرة أو إشارة سعودية بدعم ترشيح عون. لكن في المقابل، تنفي مصادر “المستقبل” عبر “المدن” إمكانية القبول بعون بعد فشل الإتفاق السابق بينهما، كما تنفي خبر إمكانية عقد لقاء بين باسيل والحريري، وتلفت إلى أن اللقاء إن حصل فهو لن يغيّر شيئاً في موقف “المستقبل”، لكنها تؤكد أن لا قطيعة بين “المستقبل” و”التيار”، وإن كان هناك إختلاف في وجهات النظر والمبادئ، خصوصاً أن الإتصالات حاضرة. ويشير عضو كتلة “المستقبل” النائب عاطف مجدلاني لـ”المدن” إلى أنه “من الممكن أن يسعى عون في مثل هذا الوقت لفتح حوار مع المستقبل، الذي لا يمانع إطلاقاً”، لافتاً إلى أن “مساعي عون حالياً قد تكون الحصول على موافقة المستقبل، ورضاه، مما يسهل عملية وصوله لبعبدا، ولكن المستقبل سيبقى متمسكاً بموقفه”. على الرغم من حسم “المستقبل” للأمر، إلا أن مصادر “التيار الوطني الحرّ” تؤكد لـ”المدن” أن الإتصالات تعود تدريجياً بين “المستقبل” و”التيار”، وستبقى قائمة من أجل الوصول إلى حلول مثمرة على صعيد الإستحقاق الرئاسي.

 

الإمام شمس الدين والانفتاح على العصر
كريم مروّة/النهار/26 كانون الثاني 2016
ما أحوجنا في هذه الأيام إلى المزيد من أمثال الإمام محمد مهدي شمس الدين الذي كان من أكثر رجال الدين المسلمين انفتاحاً على الأديان الأخرى وعلى الأفكار الفلسفية والإصلاحية بما في ذلك الأفكار والحركات العلمانية. هو انفتاح على العصر يستند فيه الإمام شمس الدين إلى ثقافة دينية وفقهية متجذرة ومتجددة قرأ فيها الإسلام بعمق وبعقلانية وباجتهاد العارفين. كما استند في انفتاحه إلى ثقافة واسعة هيّأت له الإمكانية للقيام بالاجتهاد وبالتجديد في شؤون الدين والدنيا. وقادته اجتهاداته في ظروف لبنان والعالم العربي والإسلامي وفي ظروف العصر الحديث إلى أن يقرر بمسؤولية عالية أن الدين الإسلامي لا يستقيم إلا إذا عرف المفكرون المسلمون وإذا عرفت المرجعيات الإسلامية كيف يجعلونه بقيمه الإنسانية يواكب التطورات والأحداث والتحولات الجارية في العصر. ويعتبر الإمام شمس الدين أنه في اجتهاده هذا إنما يساهم في إعطاء الإسلام المكانة التي تعود له في الحياة الإنسانية العامة متحرراً من كل البدع والخرافات ومن التشويهات التي تتناقض جميعها مع قيمه الإنسانية. وهي بدع وخرافات وتشويهات ولّدت وتولد الحركات المتطرفة التكفيرية وأعطت صورة عن الإسلام أنه ضد التقدم وعائق أمامه. إلا أن الإمام شمس الدين لم يأت إلى هذا الموقع المتقدم الذي صار صفة من صفاته وسمة من سماته إلا بالتدريج. إذ هو بدأ حياته الفقهية والسياسية بالتعصب المذهبي الشيعي وبالتعصب ضد الأفكار الإصلاحية المدنية، اليسارية منها على وجه الخصوص. وصار يتدرّج في الاجتهاد الفكري والسياسي من طور إلى طور إلى أن استقر في الاتجاه الذي صار السمة التي اتصف بها وميّزته عن كثير من معاصريه من المرجعيات الدينية. وقد جعلته أفكاره ومواقفه مرجعاً كبيراً وملتقى لأصحاب الرأي من كل الاتجاهات والتيارات الفكرية والسياسية. ولد الإمام محمد شمس الدين في مدينة النجف في العراق في عام 1936. والده هو الشيخ عبد الكريم شمس الدين. وهو رجل دين شيعي درس الفقه في جامعة النجف وعاش فيها مع آخرين كثر من رجال الدين الشيعة اللبنانيين. ومارس فيها التدريس أسوة بآخرين من زملائه. في عام 1948 عاد الشيخ عبد الكريم إلى لبنان. لكن ابنه محمد مهدي بقي في النجف لاستكمال دراسته الفقهية في حوزة الإمام الخوئي. وبعد انتهاء دراسته مارس التدريس أسوة بوالده وبآخرين من أقرانه. وظل يقيم في النجف حتى عام 1969. هناك تعرّف إلى الإمام موسى الصدر. وأصبحا صديقين. وساهم معه في تأسيس مجلة “أضواء”. وعندما عاد إلى لبنان تابع تعاونه مع الإمام الصدر. وأسسا معاً في عام 1969 “الجمعية الخيرية الثقافية”. كما انضم إلى الإمام الصدر في تأسيس المجلس الشيعي الأعلى في العام ذاته برئاسة الصدر. وظلّ يتعاون معه في المجلس الشيعي الأعلى إلى أن انتخب في عام 1975 نائباً للرئيس. والجدير بالذكر أن ذلك العام كان عاماً مشهوداً في حياة المجلس. إذ اختار الإمام الصدر أن تكون لهذا المجلس المذهبي هيئتان: واحدة شرعية مشكلة من رجال الدين وأخرى مدنية منتخبة. أما الهيئة الناخبة فكانت مؤلفة من كبار الموظفين الشيعة في الدولة، ومن رؤساء الأحزاب والنقابات والجمعيات الثقافية والفنية والخيرية. ولم يستثننَ من هؤلاء الناخبين ذوو العقائد الفكرية المختلفة مع المجلس كمؤسسة دينية، بمن فيهم العلمانيون ومن ضمنهم الشيوعيون. وقد فاز في انتخابات الهيئة المدنية خمسة يمثلون الأحزاب العلمانية وكان بينهم شيوعيان.
بعد اختفاء الإمام الصدر في عام 1978 تابع الإمام شمس الدين عمله في المجلس رئيساً بالوكالة حتى عام 1994، حيث تمّ انتخابه رئيساً أصيلاً للمجلس.
أصيب الإمام شمس الدين في العام 2000 بمرض السرطان. وأجريت له عملية جراحية انتقل بعدها إلى باريس وتابع العلاج هناك. لم يعش طويلاً وغادر الحياة في عام 2001. تميّز الإمام شمس الدين بالقدرة على مواكبة الأحداث والمتغيرات التي كانت تأتي بها الأحداث في لبنان وفي المنطقة وفي العالم وفي تجديد بعض مواقفه استناداً إليها. وكان يعتبر أن حياة البشر هي في حراك دائم لا حدود له ولا حصر.كان من أبرز وأهم مواقف الإمام شمس الدين تمايزه عن الإمام الخميني في موضوع ولاية الفقيه، وهو يعلن تأييده للثورة الإسلامية الإيرانية. إذ كان يعتبر أن ولاية الفقيه هي في الأساس من صنع إيراني قديم وحديث. وهي في مفهوم الشيعة الإمامية بدعة تتعارض مع الاجتهاد في تعدده وتعدد مرجعياته كأساس للفكر الشيعي الإمامي. وظلّ في ذلك الموقف حتى آخر حياته. وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي ومطالع التسعينات بدأ يتخذ مواقف سياسية في الوضع اللبناني تتعارض في جوهرها مع الوصاية السورية من دون أن يدخل في سجالات حادة. وكان من مؤيّدي اتفاق الطائف ومن المطالبين بتنفيذ وتطبيق بنوده بالكامل. وكان يعتبره مرحلة ضرورية لإنهاء الحرب الأهلية. وكان في ذلك يعلن تمايزه الواضح عن الوصاية السورية التي عطلت تطبيق بنود هذا الاتفاق. لكنه كان قد أعلن في ذلك الحين مشروعه الخاص بالديموقراطية العددية. غير أنه عاد سريعاً عن ذلك الموقف في مطلع التسعينات معتبراً أن تلك الديموقراطية كانت ستخلق خللاً في وحدة المجتمع اللبناني التعددي الذي يشكل المسيحيون فيه قوة أساسية لا يجوز المس بدورهم التأسيسي للكيان الوطني اللبناني في صيغته النهائية.
في تلك الفترة بالذات توطدت علاقتي به بصفتيّ الحزبية والشخصية. وكانت لنا لقاءات وحوارات عديدة في مختلف القضايا الفكرية والسياسية في لبنان وفي العالم العربي وفي العالم.
يعتبر كراس الإمام شمس الدين الذي يحمل عنوان “الوصايا” الأكثر تعبيراً عن مواقفه التي أنهى حياته متمسكاً بها. وشكلت تلك المواقف الجديدة العنصر الأساسي الحديث من شخصيته كواحد من كبار رجال الدين الذين عملوا على التوفيق بين الدين والحداثة وبين الدين والدولة. وإذ أشير إلى الحداثة هنا فلأن الإمام شمس الدين اعتبر أن الإسلام كنصوص وكشعائر يجب ألا يتعارض مع الأخذ بمنجزات العصر في شتى ميادين المعرفة. وكانت علاقة الدين بالدولة بالنسبة إليه علاقة تشكل الدولة فيها بمؤسساتها العامل الأساسي كدولة مدنية بالمعنى الحديث للدولة. وكان يكثر في أحاديثه الصحافية وفي محاضراته وفي كتاباته الحديث عن الدولة المدنية وعن ضرورة اندماج اللبنانيين فيها والولاء لها من دون سواها. في كراس “الوصايا” المشار إليه تتضح الملامح الأساسية لأفكاره الجديدة في الموضوع المتعلق بالطائفة الشيعية في لبنان وفي العالمين العربي والإسلامي. إذ هو يؤكد جازماً وقاطعاً بأن هذه الطائفة لا يمكن أن تكون في أي مجتمع إلا جزءاً منه، وأنه لا يمكن ولا يجوز للمنتمين إليها من رجال دين ودنيا أن يحولوها أقلية منعزلة عن سواها من مكونات المجتمع، وألا يخترعوا لها أدواراً خاصة بها تحت أية ذريعة، بما في ذلك باسم الدفاع عن الحقوق المسلوبة أو ضد محاولات التهميش، أو سوى ذلك مما كانت توصف به أحوال الطائفة الشيعية. إذ هو كان يرى أن كل هذه الأمور، حتى أكثرها إساءة للشيعة، ينبغي أن تحلّ في المجتمع وفي إطار الدولة ومؤسساتها، وليس بالتمايز عن أي منهما وبالاختلاف وبالتعارض معهما. واضح أن هذه المواقف بمجملها إنما تشير إلى عكس ما ساد في لبنان في الفترة التي أعقبت تحرير الجنوب في عام 2000. إذ كان الإمام شمس الدين عندما يتحدث عن دور المقاومة التي حررت ما كان قد تبقى من الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب في عام 2000، كان يؤكد أن دور المقاومة قد انتهى وأنها لا يمكن تحت أية ذريعة أن تكون بديلاً من الدولة ومن مؤسستها المدنية والعسكرية في المهمات العائدة إليها.