أمير طاهري: الاتفاق الإيراني قصة الخداع المزدوج/إدريس الكنبوري: إيران وما بعد رفع العقوبات/أسعد حيدر:إيران.. معادلات الربح والخسارة

284

الاتفاق الإيراني.. قصة الخداع المزدوج
أمير طاهري/الشرق الأوسط/22 كانون الثاني/16

هناك بضع نقاط باتت في منتهى الوضوح في نهاية الأسبوع الذي هيمنت عليه أنباء «الاتفاق التاريخي» بشأن البرنامج النووي الإيراني.
النقطة الأولى هي أن الرأي العام العالمي كان حريصًا على تجاوز هذه المشكلة بأي صورة من الصور. وكان المزاج العام يميل نحو أن العالم يعاني ما يكفي من الصراعات والأزمات، ولم يعد في حاجة إلى أزمة جديدة تنطوي على تفجير نووي في مكان ما.
والنقطة الثانية هي أن الفصيل الموالي لأوباما في واشنطن، ورفيقه، الفصيل الموالي لرفسنجاني في طهران، كانا حريصين أشد الحرص على الخروج بشيء، أي شيء، وقد تمكنا من ذلك فعلا.
إن أوباما يعد تركته الآن في كتابه الجديد المثير للاهتمام حول تاريخه الرئاسي للبلاد. ويأمل فصيل رفسنجاني أن يعزز «الاتفاق» المبرم من مكانته في انتخابات الشهر المقبل.
والنقطة الثالثة هي أن «الاتفاق» لا يحتوي على ما يدعي المروجون له.
جرى التفاوض على الأمر برمته من قبل إيران ووحش دولي معروف باسم مجموعة دول «5+1+ الاتحاد الأوروبي»، والتي لا تتمتع بأي وجود قانوني ولا تملك سلطة التفاوض بالأساس. وذلك هو السبب في أنه بعد ما يقرب من عامين من المفاوضات لم يوقع أي طرف على أي شيء. وخطة العمل المشتركة الشاملة ذات الـ179 صفحة ليست ملزمة لأحد من الناحية القانونية، ولقد وصفها نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنها ليست إلا «قائمة من التدابير الطوعية».
يزعم الرئيس الإيراني حسن روحاني أن «الاتفاق»، والمعروف في اللغة الفارسية باسم «بارجام»، قد أدى إلى رفع كل العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية. لكن ذلك غير صحيح بالمرة.
إليكم قول السيد عراقجي عن تلك المسألة: «علينا قبول حقيقة أنه لن يتم رفع كل العقوبات عن إيران. بل سوف تُعلق فقط العقوبات ذات الصلة بالقضية النووية».
عبر السنوات الـ36 الماضية كانت إيران خاضعة لست مجموعات من العقوبات ذات الصلة بمجموعة من القضايا، من احتجاز الرهائن والإرهاب، إلى انتهاكات حقوق الإنسان، حتى الغش في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بطبيعة الحال. تستهدف هذه العقوبات، بطرق مختلفة، الحكومة الإيرانية، والشركات والبنوك الإيرانية الخاصة، وحتى مستوى المواطن الإيراني البسيط.
هناك نسبة خمسة في المائة فقط من مجموع العقوبات موجهة مباشرة للقضية النووية، وبالتالي فهي مغطاة من قبل «الاتفاق». وما لا يقل عن 45 في المائة من مجموع العقوبات لا علاقة له بالقضية النووية، ولن يتأثر بأي طريقة من الطرق بالاتفاق المبرم. وهناك نسبة 35 في المائة أخرى مصنفة تحت بند العقوبات «المختلطة»، وهي تتعلق بالقضايا ثنائية الجانب والتي يمكن للزاوية النووية العسكرية أن تكون أحد أضلاعها. وأخيرا، هناك نسبة 15 في المائة المتبقية من العقوبات الخاضعة للمنازعات القانونية حول تعريفاتها. وتقول إيران إن تلك النسبة الأخيرة يجب أن تكون متضمنة في «الاتفاق»، بينما مجموعة دول «5+1+ الاتحاد الأوروبي» تزعم أن هناك قضايا أخرى ذات صلة بتلك العقوبات.
حتى مع إضافة العقوبات المختلطة، فربما نتصور اتخاذ الإجراءات حيال نسبة 40 في المائة فقط من العقوبات. ولكن حتى ذلك الحين، ليس هناك تصور «لإلغاء» أو رفع العقوبات كما يزعم روحاني و«فتيان نيويورك».
وفرارًا من الكذب الصريح المباشر، تجنب روحاني وحاشيته استخدام الكلمات الفارسية الست التي يمكن أن تصف «إلغاء»، أو «إبطال»، أو «رفع» العقوبات. بدلاً من ذلك، عمدوا إلى استخدام كلمات غامضة مبهمة تعطي الانطباع بأن العقوبات، على الرغم من كل شيء، قد رُفعت من دون التصريح بذلك على نحو مباشر. وإليكم بعض تلك الكلمات: «بارشيده» وتعني «طويت»، و«فورورخته» وتعني «انهارت»، وأيضًا «باسا – تحريم» وتعني «ما بعد العقوبات».
تبلغ مدة «الاتفاق» عشر سنوات يمكن تخفيضها إلى ثمان فقط، إذا ما سارت الأمور على ما يرام. ومع ذلك، فهناك جوانب من الاتفاق تمتد حتى 15 إلى 25 عامًا، في بعض الحالات، وقد تُركت غامضة وهو ما قد يعني «للأبد»!
يمكن تعليق العقوبات، خلال ثماني إلى عشر سنوات، ذات الصلة بالقضية النووية، لا إلغاؤها. وبعبارة أخرى، فإن سيف العقوبات المسلط سوف يظل معلقًا فوق رأس إيران.
وبمجرد انقضاء السنوات الثماني أو العشر، يمكن لمجموعة دول «5+1+ الاتحاد الأوروبي» الإعلان عن أن طهران قد نفذت كل «التزاماتها الطوعية». عندئذ فقط، يمكن لعملية رفع العقوبات أن تبدأ من خلال إحالة حزمة العقوبات إلى الأجهزة التشريعية للدول المعنية.
وكمادة للسخرية، وبموجب المادة 23 من خطة العمل المشتركة الشاملة والمادة 21 من الملحق، تعهد الرئيس أوباما بـ«العمل الوثيق» مع الكونغرس الأميركي لرفع العقوبات عن إيران بالكلية. وحيث إن أوباما لن يستمر في رئاسة البلاد لأكثر من عام قادم، فذلك التعهد يمكن اعتباره من قبيل «ذهب الحمقى» الأميركي لإيران.
في غضون ذلك، يمكن للشركاء الأميركيين والأوروبيين تعليق العقوبات. ويمكن لأوباما ذلك من خلال الأوامر التنفيذية للفترات المتعاقبة لـ90، و120، و180 يوما، وقد قام بذلك فعليا في عدد من المجالات. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن مدى «تعليق العقوبات» تُقرره بروكسل بناء على اقتراح من الدول الأعضاء.
إن كل ما حصلت عليه إيران هو تخفيف محدود للعقوبات الدولية. وذلك موضع ترحيب لأنه يسمح لإيران بالبدء في استخدام بعض من أموالها لتلبية الاحتياجات الضرورية الداخلية، مثل سداد الرواتب المتأخرة للمدرسين، وعمال النفط، وفي بعض الحالات الجيش أيضًا. كما سوف تتمكن إيران أيضًا من البدء في مفاوضات مع بعض الدول، مثل الصين والهند واليابان والبرازيل، وهي الدول المدينة لإيران بأموال النفط الذي ابتاعته منها لكنها ترفض حتى الآن سداد قيمته تحت ذريعة تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن العقوبات الدولية. ومع تعليق العقوبات يمكن لإيران أيضًا محاولة استعادة جزء على الأقل من السوق النفطية التي فقدتها عبر سنوات من العقوبات.
يمثل «الاتفاق» ميزة أخرى جيدة بالنسبة لإيران؛ فهو يخفف من صورتها كدولة مارقة، ويفتح إمكانية رفع اسمها نهائيا من على قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ومع ذلك، وحتى تتمكن إيران من إنفاق أموالها، عليها قبول ترتيبات مهينة، تلك التي تضع جزءًا كبيرًا من اقتصاد البلاد تحت إشراف دولي فعال (أو ما يُطلق عليه بالفرنسية: حق المتابعة والاطلاع) من قبل مجموعة دول «5+1+ الاتحاد الأوروبي».
يجري الإفراج عن الأصول المجمدة خلال شرائح محددة من قبل ما يُعرف بـ«لجنة تنفيذ». وهي تتألف من الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي (ورجل إيران في هذه اللجنة هو عباس عراقجي). ولاتخاذ القرار، بما في ذلك إعادة تطبيق العقوبات أو إلغاء تجميد شريحة من شرائح الأموال الإيرانية، تحتاج اللجنة المذكورة إلى خمسة أصوات على الأقل.
كما يتعين على اللجنة أيضًا التأكد من أن إيران لن تنفق الأموال المفرج عنها في تمويل الجماعات الإرهابية أو تمويل المغامرات الإيرانية الخارجية.
واستخدام الخدعة المعروفة باسم «مخاوف الاستخدام المزدوج» يمنح اللجنة حق النقض (فيتو) على جزء من التجارة والتنمية الصناعية الإيرانية. وأي خطة يشتبه في انطوائها على استخدامات مدنية وعسكرية مزدوجة، أو ذات صلة بالبرنامج النووي، يمكن نقضها فورًا. حتى إذا تمكنت روسيا والصين، اللتان تعتبران متعاطفتين مع طهران، من الانشقاق عن الولايات المتحدة وحلفائها، فلن تكون لهما الأصوات الكافية لتخفيف حدة الوصاية المفروضة على إيران.
لم تكن إيران بمفردها من حيث الحصول على أقل القليل وبذل الكثير، كما يزعم الرئيس روحاني و«فتيان نيويورك».
كان أوباما هو الآخر مقتصدًا مع الحقيقة بعض الشيء. فالاتفاق النووي لم يُغلق كل المسارات في وجه حصول إيران على السلاح النووي، كما يزعم أوباما ويتفاخر. فهناك مساران رئيسيان، من خلال تخصيب اليورانيوم ومعالجة البلوتونيوم، لا يزالان مفتوحين بالنسبة لإيران. والشيء الوحيد الذي تحقق هو تجميد المشروع الإيراني لعشر سنوات أو نحوها عند مستواه الحالي، وهو يعني ابتعاد إيران مسافة عام واحد عن مقدرة بناء القنبلة النووية. وحيث إنني على يقين من أن الملالي لا يرغبون في بناء القنبلة في الوقت الراهن، عن أي وقت مضى، فإن تأخير السنوات العشر هو «ذهب الحمقى» الإيراني للولايات المتحدة الذي يسددون به «ذهب الحمقى» الأميركي لإيران.

 

 

إيران وما بعد رفع العقوبات
إدريس الكنبوري/العرب/22 كانون الثاني/16
أغلق رفع العقوبات المفروضة على إيران، منذ ما يزيد على عشر سنوات، قوس الأزمات الذي ظل مفتوحا لأمد طويل بين النظام الإيراني والغرب، وبشكل خاص الإدارة الأميركية. فقد تلقّت طهران شهادة حسن السلوك من واشنطن بإعلان رفع العقوبات، وتنفست طهران الصعداء بعد أن زال جبل الجليد بينها وبين الشيطان الأكبر، والسؤال الذي بات يطرح نفسه بعد الآن هو: ماذا بعد الآن؟ في خطابه الأخير، الوداعي، حول حالة الاتحاد الأميركي، أعرب الرئيس باراك أوباما عن ابتهاجه بنجاح إدارته، خلال الفترة الأخيرة، في فتح صفحة جديدة مع نظاميْن ظلاَّ طيلة العقود الماضية مصدر انزعاج لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة، وهما كوبا وإيران. وقد أكد أوباما أن التحدي الجديد الذي تواجهه بلاده لم يعد هذه الأنظمة التي كانت محسوبة على “محور الشر”، بل أصبح يتمثل في الجماعات المتطرفة والإرهاب العابر للحدود، الأمر الذي يتطلب من الولايات المتحدة توثيق التعاون مع شركائها وحلفائها لملاحقة هذه الجماعات الإرهابية والقضاء عليها. إيران، بدورها، ابتهجت للصفقة الجديدة التي أبرمتها مع البلدان الغربية والإدارة الأميركية، والتي ستمكنها من إعادة “تدويل” نفسها معتمدة على شهادة حسن السلوك التي حصلت عليها، وإعادة اكتشاف دورها الجديد في المنطقة وعلى الصعيد العالمي. فرفع العقوبات يعني إمكانية تسويق النفط الإيراني في الأسواق الدولية، ودخول حلبة المنافسة السياسية من بوابة أسعار البترول، ولكنه يعني أيضا إطلاق يد النظام الإيراني في أي مناورات سياسية يمكن أن يقررها. فطهران التي لجأت إلى الانخراط في المناورات السياسية في المنطقة طيلة الفترة الماضية، والتي كانت خلالها واقعة تحت ضغوط العقوبات، قد ترى بأنها ليس لديها ما يمكن أن تخسره في حال ما سعت إلى مضاعفة وتيرة تلك المناورات وهي متحررة من تلك العقوبات، ذلك أن من تدرب على الركض في المرتفعات يسهل عليه أن يفعل ذلك بشكل مضاعف في المنبسط.
من الصعب التكهن بطبيعة السياسة الإيرانية في حقبة ما بعد رفع العقوبات، لكن من السهل التقاط نوعية التحولات الجارية اليوم في المنطقة، وسياق هذا الانفتاح الجديد بين إيران والغرب.
خلال الأعوام الماضية ظل المشروع النووي الإيراني هو نقطة الخلاف الجوهرية بين الإدارة الأميركية وبين إيران، وفي جميع جولات التفاوض التي كانت تجمع بين طهران والعواصم الغربية كان هذا المشروع النووي هو النقطة الأبرز في جدول الأعمال. فواشنطن ظلت ترى أن انعدام الاستقرار الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط نابع من نية النظام الإيراني تخصيب اليورانيوم ومواصلة مشروعاتها النووية، رغم أنف الإرادة الدولية، لكن من دون أن تنظر إلى الجوانب الأخرى المرتبطة بالدور الإيراني في محيطه الإقليمي. وهذا يظهر بأن المصالح الأميركية كانت هي المقياس الرئيس الذي تقيس به الإدارة الأميركية موقفها من طهران، ومن خلف المصالح الأميركية الحليف الاستراتيجي لواشنطن، ممثلا في إسرائيل. وفي الوقت الذي انزلقت المنطقة في صراع طائفي غير مسبوق، نتيجة المحاولات الإيرانية لإعادة رسم خارطة الإقليم وخلخلة التوازن الطائفي، كان ما يهم الإدارة الأميركية بوجه خاص هو المشروع النووي الإيراني دون غيره. بل إنه يبدو أن الإدارة الأميركية، ذات السياسة التقليدية المعروفة في الشرق الأوسط، تدرك بأن التوقيت أهم من الحدث السياسي أحيانا، مهما كان حجمه، وتنظر من ثم إلى خطوة رفع العقوبات عن إيران بوصفها جزء من ماكينة سياسية تفيد في ضبط الوضع الإقليمي، من خلال الحفاظ على “توازن” مختل تلعب فيه إيران دورا محوريا في المرحلة القادمة، خاصة بعد صار الصراع السني – الشيعي محور الاستقطاب في المنطقة، والخطر الذي يهدد بتفجيرها، إذ لم يعد خافيا أن إيران، التي تسعى منذ عقود إلى خلق محور شيعي في المنطقة، سوف تجد في المناخ الجديد الذي يتيحه لها رفع العقوبات فرصة جديدة لاستئناف خياراتها السياسية.
يشكل رفع العقوبات وعودة إيران إلى المسرح الدولي تحولا نوعيا في المعطى السياسي العام في المنطقة، وهو تحول يتزامن اليوم مع الانقلابات الكبرى التي تمر بها المنطقة، ولذا يتعين على الجانب الإيراني أن ينظر إلى هذه الصفقة بينه وبين الغرب والإدارة الأميركية على أنها فرصة لاختبار نواياه حيال بلدان المنطقة، لا هدية مجانية في ظرفية توجد فيها المنطقة فوق رمال متحركة. فالسياسة ليست فقط فن صناعة الأزمات، بل هي بشكل رئيسي وهام فن الالتفاف عليها

 

إيران: معادلات الربح والخسارة
أسعد حيدر/المستقبل/22 كانون الثاني/16
أربعون يوماً تفصل عن الانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء في إيران. بعد أكثر من ثلاثين استحقاقاً انتخابياً منذ قيام الجمهورية الاسلامية في إيران، تبدو هذه الانتخابات وكأنها «أم الانتخابات». الإيرانيون ومعهم محيطهم الإقليمي والعالم كله متلهفون ومستعجلون لمعرفة من سيفوز فيها: المتشددون والحرس الثوري، أم المعتدلون من «روحانيين» و»رفسنجانيين» و»خاتميين»؟ النتيجة الحاسمة تعني إما وضع إيران جديدة على سكة «الدولة» بكل استحقاقاتها، وإما بقاء إيران، والتي هي في عهدة المرشد آية الله خامنئي، أسيرة خطاب التشدد خارج الشرعية الدولية رغم الاتفاق النووي ورفع العقوبات!
القراءة الدقيقة لكل ما جرى ويجري حالياً تعطي صورة أولية قائمة على معادلة وليدة وقائع متراكمة منذ أشهر وأبرزها: ان إيران تعيش على وقع صعود الرئيس حسن روحاني وهبوط المرشد خامنئي. الاول أمامه نصف ولاية رئاسية تقريباً، اي اقل من عامين، ونجاح شبه مضمون لولاية ثانية من اربع سنوات نتيجة لصعود شعبيته الخاصة بعد توقيع الاتفاق النووي والتوقعات بطفرة اقتصادية بدأت معالمها تتشكل منذ الآن، اضافة الى تحولات شعبية إيرانية باتجاه خطه المعتدل. أما خامنئي فإنه يتراجع مع تراجع خطابه «المقاوم» من الاقتصاد الى السياسة. يكفي انه بعد ربع قرن من سلطة الولي الفقيه المطلقة اضطر عملياً إلى «الاعتذار» الموجّه الى الداخل والخارج معاً من إحراق السفارة السعودية، والاعتداء على السفارة البريطانية قبل عام تقريباً، مما يعني وضع نقطة ختام على سياسة الخط الثوري الذي لا يقيم وزناً للقواعد والالتزامات الدولية. الأهم ان خامنئي في المرحلة التي ظهر فيها في المستشفى قبل أشهر قليلة، مؤكدا بذلك جدية مرضه، ومن ثم في اللحظة التي أكد فيها ان مجلس الخبراء المنتخب في شباط القادم هو الذي سينتخب المرشد خليفته، فإنه وضع الإيرانيين كافة على سكة البحث عن خليفة له، مما يفتح الأبواب امام بحث كل القوى والافراد عن مستقبلها خارج دائرته، ومن الطبيعي ان ذلك يضعفه الآن ولاحقاً.
عدد نواب مجلس الشورى هو نائباً أغلبيتهم المطلقة من المتشددين الذين يعملون على عرقلة سياسة وقرارات الرئيس روحاني. من ضمن جميع النواب توجد كتلة «الحرس» المعروفة باسم «الصخرة» وهي تضم حوالي سبعين نائباً. فماذا عن المجلس المنتخب القادم؟
رفض ترشيح ثلاثة آلاف مرشح بينهم اكثر من خمسين أعضاء في المجلس الحالي كانوا قد وقعوا على كتاب يطالب بمراقبة مؤسسات تابعة للمرشد ويدير معظمها أولاده خصوصا السيد مجتبى الى جانب النائب «المشاغب» علي مطهري، أثار القلق من عملية رسم «خريطة خامنئية» للمجلس الجديد تثبت «يده» على المجلس الجديد وتقيد روحاني من جديد. في المبدأ ومن بعيد يبدو ذلك صحيحاً، اما في الواقع وعند الاقتراب من «الخريطة» الداخلية فإن النتيجة مختلفة. اولاً تتم حالياً مراجعة المبعدين وسيتم تعديلها. ثانياً لقد أُبعد ثلث المرشحين وبقي الثلثان فيما أُبعد في الدورات السابقة احياناً اكثر من النصف. لذلك فإن الأسماء ليست الأساس بل الأهم الالتزام. يبلغ عدد سكان إيران حوالى خمسة وسبعين مليوناً، بينهم دون الثلاثين من عمرهم، وينتخب منهم اكثر من ثلاثة وخمسين مليون ناخب من اصلهم اكثر من عشرة ملايين يحملون شهادات جامعية. هذه الأرقام تؤشر الى عمق التوجه نحو التغيير طلباً للعيش حسب معطيات العصر والأسواق والعثور على فرص عمل بعد ان تجاوزت البطالة اكثر من عشرين في المئة من مجموع القوة العاملة في السنوات الماضية. لذلك فإن الاقتراع بكثافة كما هو متوقع وكما يعمل اقطاب التغيير سيكون كبيرا وستفرز معالمه في حصول الأقطاب على الملايين من الأصوات عكس الآخرين مما يؤكد ويثبت شرعية إرادة التغيير. الرئيس الأسبق محمد خاتمي كما يصفه «معسكر» التغيير الاصلاحي والتغييري هو «عمود الخيمة الإصلاحية» وهو بدأ الحملة الانتخابية دون ان يترشح منذ اللحظة التي اقترع فيها لروحاني رغم مقاطعة الآخرين وتوجيه الاتهامات له بالتخلي عن موقعه. اهمية خاتمي ان ليس لديه الكثير مما سيخسره، بالعكس لديه إمكانات كثيرة للربح وللثأر من كل الخامنئيين والنجاديين الذين أبعدوه عن الساحة الى درجة منعه من الظهور الإعلامي والسفر. من المتوقع كما يرى أنصار التيارات المعتدلة والإصلاحية انه مهما جرت من ضغوط فإن تركيبة المجلس المنتخب ستتغير بحيث لا تضم كتلة «الصخرة» من «الحرس» أكثر من ثلاثين الى أربعين نائباً، وأن تتشكل مجموعة من المستقلين من إيران الداخلية تضم عدة عشرات يميلون حسب مصالحهم الانتخابية وموازين القوى، ومن الاصوليين والمتشددين كتلة تضم بين الى نائباً بدلا من حوالى كما هو الوضع، اما الكتلة الإصلاحية والمعتدلون فالكتلة من حوالى تسعين الى مئة نائب، ومن المتوقع أن ينضم اليهم من المستقلين عدد كافٍ لتشكيل أغلبية «مريحة» ومؤيدة لروحاني وخطه السياسي. من الآن وحتى يوم الانتخابات بعد أربعين يوماً، إن رياحاً كثيرة ستهب على الانتخابات وحملاتها وستفرض نفسها على النتائج . يبقى، وهو مهم جداً، ماذا عن مجريات ونتائج انتخابات «مجلس الخبراء» في تشكيل القوى التي ستنتخب المرشد القادم سواء غداً او في المستقبل؟ وبالتالي مستقبل إيران، فماذا عنه؟