الموارنة في الشرق يبعثون الروح في لغة المسيح

480

الموارنة في الشرق يبعثون الروح في لغة المسيح
العرب/22 كانون الثاني/16

اللغة كالكائنات تحيا وتموت، فبعض اللغات السامية لا زالت متداولة مثل الآرامية والعربية والعبرية والأمهرية وغيرها، وبعضها الآخر اندثر منذ عهد سحيق ولم يعد مستعملا اليوم كالأمورية والأكادية والكنعانية. ونجد في المقابل، الموارنة يسعون إلى إحياء وتوسيع انتشار لغة المسيح حتى لا تندثر، بل ويسعون أيضا إلى عودتها كلغة تخاطب في ما بينهم.

الجش (إسرائيل) – تقرأ السيدة مريم عيسى بصوت عال من كتاب للمطالعة “ميم”، “جولال”، “واو”، ويكرر حفيداها كريستيان وعبدالله ما سمعاه من حروف غريبة بالنسبة إليهما، إنهما الآن يتلقيان حصة تدريس بمنزلهما بقرية الجش الكائنة بشمالي إسرائيل لتعلم السريانية وهي لهجة من اللغة الآرامية القديمة.

وعلى الرغم من أن أهالي القرية من الموارنة يتحدثون في حياتهم اليومية باللغة العربية، إلا أنهم يرون أنفسهم جزءا من منطقة الشرق الأوسط التي كانت تسبق من الناحية التاريخية ظهور الإسلام، وبالتالي يريدون إحياء لغتهم القديمة.

ويعتقد أن المسيح كان يتحدث باللغة الآرامية وهي من اللغات السامية التي ترتبط باللغتين العبرية والعربية. وتنتمي السيدة مريم وتلميذاها إلى طائفة الموارنة وهي أحد المذاهب الكبرى في المجتمعات الشرقية المنبثقة عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.
ويسعى الموارنة الذين يشكلون أقلية مسيحية داخل الأقلية العربية في إسرائيل إلى بعث لغتهم القديمة، واستخدام اللهجة الآرامية مرة أخرى في حياتهم اليومية، ولا يرى كثير منهم أنهم ينتمون إلى العرب.

ويشير شادي هلول مؤسس الرابطة المسيحية الآرامية في إسرائيل إلى أنه من شأن إعادة إحياء اللغة تدعيم الهويّة الذاتية للموارنة، ويقول “إن كل أمة يجب أن تتاح لها الفرصة للحفاظ على تراثها ولغتها”.

مليون أو مليونان من الأشخاص على مستوى العالم كله يتكلمون اللغة الآرامية، ويستخدمها عدد قليل للغاية في حياتهم اليومية

ويوضح فيرنر أرنولد أستاذ اللغات السامية بجامعة هايلدبرغ الألمانية، أن الآرامية كانت لغة سائدة منذ نحو ألفي عام، في مناطق من الشرق الأوسط بما فيها الآن سوريا وإسرائيل ولبنان.

واليوم لا يستطيع التحدث بهذه اللغة سوى مليون أو مليونين من الأشخاص على مستوى العالم كله، ويستخدمها عدد قليل للغاية في حياتهم اليومية.

ويقول البروفسور أرنولد “إن هذه اللغة مهددة بالانقراض”. ويعيش الكثير من الموارنة الذين يبلغ عددهم داخل إسرائيل نحو عشرة آلاف بالقرب من الحدود مع لبنان -التي تتمتع الطائفة بمكانة متميزة فيها- داخل قرية الجش ويشكلون ما يصل إلى 70 بالمئة من سكانها.

وتصطف بالمساحات المرتفعة المنازل ذات الأسقف المسطحة التي تحيط بشرفاتها مجموعات من الحبال تتدلى منها الملابس المغسولة.

وبدأ أطفال الجش منذ خمسة أعوام تعلم اللغة الآرامية في المدارس إلى جانب اللغتين العبرية والعربية، وهي تشبه في طريقة كتابتها اللغة العربية غير أن طرق نطقها أكثر سهولة، وتمول وزارة التعليم والثقافة الإسرائيلية مشروع إحياء الآرامية.

ويمثل إحياء اللهجة الآرامية بالنسبة لمريم عيسى التي تعيش في الجش عودة إلى جذورها. وتقول مريم التي تبلغ من العمر 69 عاما إن المشروع “مهم حقيقة لأنه يحيي لغة أجدادنا، ونحن نحب هذه اللغة، كما أن التحدث بلغة الرب يقربنا منه”.
“ميم”، “جولال”، “واو”
ويدعم نديم عيسى وهو تاجر مشروبات كحولية يبلغ من العمر 60 عاما ويصف نفسه بأنه مسيحي آرامي مشروع إحياء هذه اللغة، ويقول إن العرب لا يعتبرون أقلية الموارنة عربا حقيقيين، وفي نفس الوقت لا يعتبر المسيحيون طائفة الموارنة مسيحيين حقيقيين.
ومنذ خريف 2014 فقط تمكن المسيحيون الإسرائيليون من أن يعرفوا أنفسهم في الوثائق القانونية بأنهم “آراميون”، وكانت السلطات الإسرائيلية تسجلهم قبل ذلك على أنهم عرب.
ويضيف نديم عيسى “كان علينا أن نجد شيئا لأنفسنا”، مشيرا إلى أنهم كانوا يمارسون طقوسهم الدينية دون أن يفهموا معاني الكلمات التي يرددونها”.

ورحب البروفسور أرنولد بالفرصة المتاحة أمام الأطفال لتعلم لغة أسلافهم وأن يفهموا طقوس العبادة، غير أنه لا يعتقد أن هذا المشروع سيكتب له الرواج.
ويقول “إنني لا أرى أي فرصة لأن تصبح الآرامية لغة متداولة كما كانت منذ 1500 عام، وهؤلاء الأطفال يعرفون اللغتين العبرية والعربية ويمكنهم التخاطب مع كل شخص في القرية”، وبالتالي فليست ثمة حاجة لتعلم لغة أخرى. ويضيف أرنولد أن الأكثر من ذلك هو أن الموارنة كانوا من الناحية التاريخية يتكلمون باللهجة الآرامية الغربية وليس اللهجة الشرقية منها التي تستخدم في طقوسهم الدينية.

ويرى البروفسور أرنولد أن محاولة إحياء هذه اللغة القديمة يعد أمرا مستبعدا، كما هو الحال في ما يتعلق بإمكانية أن تعود اللاتينية لتصبح اللغة المتداولة في أوروبا مرة أخرى.
ولا تزال لهجات أخرى من الآرامية متداولة في بعض مناطق الشرق الأوسط، غير أنها معرضة للاختفاء، ويمكن اقتفاء أثر اللغة الآرامية الأصلية إلى ألف عام قبل الميلاد تقريبا، وكانت اللغة الإقليمية السائدة إلى أن أدى ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي إلى إحلال اللغة العربية بدلا منها.
ولا تزال المجموعات العرقية الآشورية التي تقيم في جنوب شرقي تركيا والعراق وإيران وسوريا تتحدث بالآرامية الشرقية الحديثة، بينما يقتصر السكان الذين يتحدثون بالآرامية الغربية الحديثة إلى حد كبير على ثلاث قرى تقع على الحدود السورية مع لبنان