روزانا بومنصف: مهلة شهر لتفعيل ترشيح عون أو حسابات الربح والخسارة بين الداخل والخارج/ نبيل بومنصف: معراب على البارد/ميشيل تويني: مبروك لسمير جعجع

271

مهلة شهر لتفعيل ترشيح عون أو…؟ حسابات الربح والخسارة بين الداخل والخارج
روزانا بومنصف/النهار/20 كانون الثاني 2016

بمقدار ما ترغب غالبية سياسية في لبنان في مصالحة مسيحية تنهي العداء التاريخي بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وهو عداء أنهك المسيحيين سياسيا واقتصاديا وعلى كل المستويات طيلة 30 عاما، فإن النظرة الى المصالحة التي جرت اخيرا بين الطرفين لم تخل من ريبة كبيرة، ولو ان احدا لن يكون ضد هذه المصالحة او يرفضها. والريبة مردها الى أن هذه المصالحة، على اهميتها، تأتي على خلفية أسباب خاطئة، غير منطلقة من رؤية قلقة للوضع المسيحي في لبنان والمنطقة. لكن ذلك لا يمنع من التعامل مع نتائجها على أساس أمر واقع فرضته حسابات الطرفين ومصالحهما على الآخرين، بالاستناد الى أسباب مبررة في رأي محايدين داعمين، تكمن في عدم قدرة الفريقين المسيحيين على أن يكونا ملحقين بحسابات حلفائهما المسلمين في هذا الاتجاه او ذاك، وان في تحالفهما شيئا من انتفاضة لكرامة كل منهما في وجه هؤلاء الحلفاء. مع مسارعة رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل الى لقاء الرئيس نبيه بري والحلفاء، بات 8 شباط، موعد الجلسة المقبلة لانتخاب رئيس للجمهورية، يشكل تحديا كبيرا من أجل تفعيل الزخم الذي اطلقه ترشيح جعجع لعون. ومن المهم ان يتم العمل على اقناع الافرقاء الاخرين، وفق مصلحة “التيار الوطني”، انطلاقا من معلومات عن ان المهلة ليست مفتوحة امام خطوة جعجع، وان امامها، أقله وفق هذه المعلومات مهلة شهر من أجل إنجاحها تحت وطأة احتمال بروز تطورات تؤدي الى ذهاب عون وجعجع الى خيار ثالث، اي ما يقضي بالاتفاق في ما بينهما على اسم شخصية يتوافقان عليها للرئاسة الاولى. والمهلة الطويلة، في حال استغرقتها المبادرة الجديدة، ستكون مقبرة لها في نهاية الامر، مع تأجيل غير محدد للرئاسة الاولى سيتحمله الطرفان المسيحيان المعنيان اللذان لم يتفقا منذ أكثر من سنة ونصف سنة على خيارهما الحالي، وهما أضافا الى تعقيدات الملف الرئاسي تعقيدات أخرى من خلال دعم جعجع لعون نتيجة حسابات ومصالح لا تتصل بالوحدة المسيحية او بالحسابات الوطنية.
يتفق سياسيون كثر على ان جعجع ربح أيا تكن نتائج خطوته، ولعل الرابح الأكبر في موازاة المكاسب التي حققها هو “حزب الله”، اولا من ترشيح قوى 14 آذار، متفقة او مختلفة، مرشحين مسيحيين محسوبين عليه، ثم تبني جعجع ترشيح عون، اي المرشح الاساسي للحزب. فجعجع يمكن ان يربح في حال وصول عون الى الرئاسة وفي حال إقناع الحزب كلا من الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط بدعم وصول عون، واضعا الرئيس سعد الحريري في وضع صعب، كما سيربح من اتفاقه مع عون في حصر المقاعد المسيحية النيابية بينه وبين “التيار الوطني”، وسيربح مسيحيا في حال عدم وصول عون والذهاب الى مرشح ثالث، ضامنا لنفسه موقعا كركن اساسي لا يمكن تجاوزه في المعادلة الداخلية. لكن الحزب لا تقل مكاسبه عن مكاسب جعجع، اذ سيربح من وصول مرشحه ومن استدراج جعجع الى محوره في المقابل. والخطوة الثانية على الارجح لـ”التيار الوطني” هي محاولة التقريب بين حليفه الشيعي وجعجع، على نحو قد يجد الحزب مصلحة كبيرة في انتزاع ورقة طرف مسيحي كان حتى اليوم محسوبا على محور الدول الخليجية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية. ومعلوم أن هذا الامر قد يلعب على نحو مختلف من خلال سعي هذا المحور الى عدم خسارة هذا الطرف ومحاولة استيعابه. وسيكون من مصلحة “التيار الوطني” ألا يبقى حليفه المسيحي الجديد مكشوف الظهر، من دون حماية اقليمية، إذا كانت خطوته من دون غطاء او موافقة اقليمية او دولية.
ومع أن الحسابات الداخلية ليست وحدها المقررة في الانتخابات الرئاسية، فإن إنجاحها من خلال الإجماع الذي تحدث عنه عون يفترض ان يسحب ورقة حسمها من يد جعجع الى يد الحزب الذي لا يستبعد ان يضع شروطه من أجل السير حتى بمرشحه متى كانت التسوية بين عون وجعجع تتضمن شروطا معينة. وسيتعين على عون أن يتوجه للحريري بأن ثمة موافقة مسيحية كبيرة عليه وان تكن غير مكتملة كليا، لكنها تحظى بدعم بكركي و”القوات” وهو الشرط الذي رفعه الحريري قبل سنة ونصف سنة حين رفض جعجع الحوار بين الحريري وعون من أجل ترجيح وصول الاخير. واذا كان عون سيضمن في المقابل عودة الحريري رئيسا للوزراء، فإن ثمة شروطا للحزب قد تبدأ بقانون الانتخاب وصولا الى ضرورة التخلي عن المحكمة الدولية، والتي على رغم إظهار الحزب لامبالاة حيالها، ينسحب عليها ما سرى بالنسبة الى لامبالاة السيد حسن نصرالله بالعقوبات الاخيرة التي فرضها الكونغرس على الحزب، فيما تحرك رئيس مجلس النواب طالبا تحريك اكثر من قناة اتصال لرفع الضرر بعد هذا القرار. والواقع أن كثرا يرون أن الحزب، إذا شك في نيات جعجع ولم يرغب في التسليم له بمكاسبه، قد يوازن بين ان يكسب التحالف المسيحي الجديد الذي قد يرى فيه خطورة على حصته النيابية وحصصه الباقية، وأن يجري مصالحة محتملة مع الطرف السني المؤثر في البلد. وهذه الحسابات لا تصب وفق المتابعين انفسهم في مصلحة التحالف المسيحي. وثمة سياسيون كثر ليسوا متفائلين بأن الامور ستسهل، بل على العكس.

معراب… على البارد!
نبيل بومنصف/النهار/20 كانون الثاني 2016
استنفدت الصحافة ووسائل الاعلام كل مفردات التعظيم والانذهال بحدث معراب كما لم تفعل مع اي حدث داخلي سابق. وهو امر مبرر موضوعيا أمام هذه المحطة من محطات التحولات والانقلابات السياسية اللبنانية المثيرة خصوصا متى اتصل التطور الطارئ بواقع ثنائية مسيحية تسببت يوما بأفدح الزلازل للمسيحيين، وها هي الآن تحاول أخذهم بسرعة قياسية الى معايير التوحد على المستقبل. يقطف “الحكيم” حتما قصب السباق في انطباعات الرأي العام الداخلي وكذلك في الاستخلاصات السياسية ايا تكن مقاصدها من انه بطل التحول الذي جعل معراب وسمير جعجع شخصياً الممر الإلزامي الى بعبدا والسنوات الآتية في المعادلات السياسية الداخلية كما في الشارع المسيحي. الامر يكتسب وجاهة استثنائية في العمق المسيحي واللبناني الاوسع متى تكرست معادلة تفاهم الثنائية العونية – القواتية في فرض قواعد اشتباك وقواعد توازنات جديدة على الشركاء في الطوائف الاخرى وحتى ضمن الجماعات المسيحية الاخرى على قاعدة “عدالة” النظام الطائفي وكما أنتم نحن بلا زيادة او نقصان. ولعلها ستكون السابقة التي لم يسجل مثلها منذ فجر الطائف في اعادة الاعتبار الى التوازن واقعيا وفعليا من خلال لاعب “ثقيل ” لا يمكن تجاوز حضوره القوي. رغم كل هذه المشهدية الاستثنائية التي تثير غمرة من الاضطراب غير المسبوق لدى اللبنانيين، ولا سيما منهم المسيحيين، ترانا أمام محاذير يستحيل تجاهلها لهذا الخيار ليس من الزاوية المسيحية بطبيعة الحال التي يصعب الجدال الآن في استخلاصاتها المبكرة وانما من الباب الاوسع الذي يعني كثيرين وهو الخيار الرئاسي عبر المعايير “الوطنية ” فقط. معادلة ترشيح معراب للجنرال عون ذهبت واقعيا بالصراع الداخلي الى استكمال الفصل الاخير مما ذهبت اليه مبادرة الرئيس سعد الحريري غير المعلنة بعد بترشيح النائب سليمان فرنجية، اي انهما قوضا القواعد الطبيعية لبقايا صراع عابر للطوائف بين جبهتي 14 آذار و8 آذار من خلال تطويب مرشحي 8 آذار والاتجاه تدرجا الى دفع فرنجية للانسحاب أمام عون. ليس الخيار الإجماعي غريبا على تاريخ الاستحقاقات الرئاسية اللبنانية، ولكن تجربة تجري على وقع تدمير تحالف 14 آذار لا تؤخذ نموذجا عابرا إضافيا للتجارب اللبنانية بهذه البساطة. لم تتبد بعد فداحة الاختلال الذي سيحدثه خلط الاوراق الهائل الذي رسمت صورته احتفالية معراب لجهة ما نعده مع كثيرين اطلاق العد العكسي لنهاية 14 آذار مهما أخضعت هذه الخلاصة لتجميل وتنميق. حتى النقاط العشر السيادية التي تفوق الدكتور جعجع في تثبيتها “برنامجا لمرشحه” لن تكفل ردع مخاوف الكثيرين من تداعيات انقلابية لانهيار قواعد التوازن الوطني الذي كان تحالف 14 آذار حارسا على ملعبه.
مع صعوبة تجاوز مشاعر المتحمسين، عسانا نكون مخطئين.

مبروك لسمير جعجع
ميشيل تويني/النهار/20 كانون الثاني 2016
ما حدث ليل الاثنين الماضي حقق مصالحة تاريخية ليتها حصلت منذ زمن طويل، لكانت وفرت الكثير… لكن المهم انها حصلت، والرابح الأكبر هو من دون أي شك “الحكيم”. لماذا؟
أولا، وجهت “القوات” رسالتين مبطنتين الى الرئيس الحريري. الاولى مفادها انه اذا أردت التفرّد بتسمية فرنجيه من دون استشارة “القوات”، فنحن بدورنا نتفرّد بتسمية الجنرال من دون استشارتك. والثانية رسالة الى “تيار المستقبل”: المسيحيون يرشحون ويتفقون على مرشح، لا أنتم (ولو ان الرئيس للجميع، لكن يبقى المقعد مارونياً ويجب ان تكون الأكثرية المارونية راضية). ثانياً، “الحكيم” ربح لانه وضع الكرة عند حليف الجنرال، “حزب الله”، وقال له: نحن دعمنا ميشال عون وأنت تدعمه، فكل ما تبقى لك ان تفعله هو إجراء انتخاب رئاسي والتصويت لحليفك وتأمين الأصوات له من حركة “أمل” وحلفائك الآخرين. فاليوم لا حجة لتعطيل الانتخابات الرئاسية، إذ اصبح للحريري ولجنبلاط مرشح هو فرنجيه، وللحزب و”القوات” مرشح، فما الذي يمنع الاتجاه الى جلسة والتصويت؟ بهذه الخطوة فكّ “الحكيم” عقدة التعطيل ووضع الكرة في ملعب المعطلين، وإن لم تجر الانتخابات سيواجههم بأنهم لا يريدون رئيساً للجمهورية ويريدون الفراغ، فحتى الجنرال لم يدعموه… أما السيناريو الثاني فهو أن تكون النيات صافية وأن يدعموا الجنرال، وفي هذه الحالة ايضاً “الحكيم” هو الرابح لان الجنرال سيردّ له الجميل في الحكم، وإن لم يربح الجنرال في التصويت فسيُصبِح التحالف العوني – “القواتي” أكبر وأشد ويكسب الكثير في الشارع المسيحي في الانتخابات النيابية، خصوصاً أن جعجع أثبت رؤية وحنكة. وطبعاً في كل هذه الخطة دور للزميل ملحم رياشي الذي يمتلك حنكة وثقافة خولتاه بدء مفاوضات ووضع ورقة نيات مع التيار منذ فترة، لكي يأتي الوقت المناسب لاستعمال هذه الورقة الرابحة للـ “القوات”! ثالثاً، وجّه ضربة قاضية لفرنجيه لانه وضع حركة “أمل” في حالة حرجة لا تمكنّها من ان تتخلى عن الجنرال، لان ذلك سيفسر بأن الحزب قد تخلى عنه، كما وضع حزب الكتائب في وضع حرج مسيحياً لانه لا يمكنه ألاّ يدعم أكبر إجماع مسيحي، وبهذه الطريقة يكون أضعف ترشيح فرنجيه.
رابعاً وأخيراً، كانت الرسالة واضحة: طريق “التيار” الى بعبدا تمر بمعراب، ومن كان ليقول إن ترشيح عون سيكون يوماً من معراب مع جمهور كوادر “القوات”؟
أخيراً، نحن الشباب نطمح الى تغيير الطبقة السياسية التي لم تعط لبنان شيئا كل هذه السنين إلا الشهداء والنفايات والتعطيل والفساد والفراغ. لكن رغم اقتناعنا بالتغيير والمحاسبة، لا يمكن اليوم الا التوقف عند خطوة “الحكيم” والقول إن المصالحات التي تولد أجواء إيجابية وتفاهماً بين قيادتين مسيحيتين ليست بالأمر السلبي، خصوصاً بعد كل الأوراق التي لعبت قبلها.