خيرالله خيرالله: إعلان الوصاية الإيرانية على لبنان/محمد الحمامصي: الساحة اللبنانية منصة خلفية للصراع السياسي الإقليمي/وسام سعادة: ميشال سماحة أو الممانع الكامل

287

إعلان الوصاية الإيرانية على لبنان
خيرالله خيرالله /العرب/18 كانون الثاني/16
جاء الإفراج عن الوزير السابق ميشال سماحة المدان في قضية مرتبطة بنقل متفجرات من سوريا من أجل تنفيذ تفجيرات واغتيالات في لبنان مباشرة بعد سعي الرئيس سعد الحريري إلى تسوية في شأن رئاسة الجمهورية إنقاذا للجمهورية. الهدف من إطلاقه واضح كلّ الوضوح ويتمثّل في أن لبنان لم يعد بلدا يستطيع فيه اللبنانيون الاتفاق في شأن أي موضوع كان، بما في ذلك انتخاب رئيس للجمهورية. فاجأت التسوية التي سعى إليها سعد الحريري كثيرين، بمن في ذلك حلفاء لرئيس الوزراء السابق، خصوصا أنّها قضت بإيصال النائب سليمان فرنجية الموجود في صلب جماعة “الثامن من آذار” التي يقودها “حزب الله” إلى رئاسة الجمهورية. فضلا عن ذلك، يعتبر فرنجية نفسه “صديقا” لبشار الأسد رئيس النظام السوري المتواطئ، في أقلّ تقدير، في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، والجرائم الأخرى التي استهدفت اللبنانيين الشرفاء حقّا. من الأفضل التعاطي بدم بارد مع إطلاق محكمة التمييز العسكرية لمجرم مدان بالصوت والصورة وباعترافاته الشخصية في قضيّة استهدفت القتل من أجل إثارة الفتنة المذهبية وضرب السلم الأهلي في مناطق معيّنة ذات كثافة سنّية في البلد. لم يعد سرّا، من خلال اعترافات ميشال سماحة وما ظهر في الأشرطة المسجلة له وهو يسلّم المتفجرات والمال إلى الشخص الذي كان مفترضا به تنفيذ الاغتيالات والتفجيرات، أن بشّار الأسد متورط في المخطط الإرهابي، كذلك اللواء علي المملوك، مسؤول جهاز الأمن القومي، الذي كان سماحة يتعاطى معه مباشرة أو عن طريق مدير مكتبه.
لم يأت إطلاق ميشال سماحة من عبث. التوقيت كان مدروسا وجاء ليؤكد “حزب الله”، ومن خلفه إيران، أن لبنان صار تحت السيطرة. لم تعد هناك سلطة لبنانية مستقلّة عن “حزب الله”. بات في استطاعة النائب محمّد رعد، رئيس الكتلة البرلمانية في الحزب، القول إن سعد الحريري شخص “غير مرغوب فيه” في لبنان. هذا حدث لبناني مرّ مرور الكرام على الرغم من خطورته الشديدة.
أثبت “حزب الله”، من خلال إطلاق محكمة التمييز العسكرية لميشال سماحة أنّه وضع لبنان تحت وصايته. ممنوع حتّى على سعد الحريري الذهاب إلى حدّ القبول بسليمان فرنجية رئيسا للجمهورية. مطلوب بقاء الموقع شاغرا إلى أن يقرّر “حزب الله” متى أوان الإتيان بشخص يشغله، هذا في حال كان يريد بالفعل أن يكون هناك رئيس للجمهورية يوما. هناك رغبة إيرانية واضحة في تعديل النظام في لبنان، بما يضمن لطهران التحكّم بالبلد ومصيره من جهة، والتفاوض مع “الشيطان الأكبر” الأميركي في شأن الرئاسة اللبنانية من جهة أخرى. لم يعد لبنان سوى ورقة في جعبة طهران. تعتبر إيران في ضوء توقيعها الاتفاق في شأن ملفّها النووي أن لبنان جائزة ترضية بالنسبة إليها، وعلى العالم الاعتراف بذلك والرضوخ له. لم تستثمر إيران ما يزيد على ثلاثين عاما في “حزب الله” من أجل أن يبقى لبنان صاحب قراره. لم تغيّر طبيعة قسم كبير المجتمع الشيعي في لبنان، كي يعود أبناء هذا القسم من أبناء الطائفة مواطنين لبنانيين لديهم الحقوق والواجبات مثلهم مثل أي مواطن عادي آخر. بإطلاق ميشال سماحة، بالطريقة التي أطلق بها، أعلنت إيران بالفم الملآن أنّها تحكم لبنان وأن لا شريك لها في ذلك كما الحال في سوريا حيث الوجود العسكري والسياسي الروسي. هذا هو المغزى من إطلاق ميشال سماحه الذي عاد إلى منزله في ساحة ساسين، في الأشرفيه معقل بشير الجميّل، بحماية الطرف الذي كان وراء إخراجه من خلف القضبان.
بإطلاق ميشال سماحة، هناك مرحلة سياسية جديدة مختلفة كلّيا في لبنان. كان ملفتا أن قوى سياسية أساسية توافقت على انتخاب سليمان فرنجية رئيسا فشلت في حماية خيارها. ضمّت هذه القوى، إلى جانب “تيّار المستقبل”، رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط. تبيّن أن “حزب الله” يرفض وجود مثل هذه النواة التي يمكن أن تؤمّن النصاب في مجلس النواب بما يسهّل انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصا أن حزب الكتائب كان يمكن أن يشارك في هذه العملية الإنقاذية وتوفير الغطاء المسيحي المطلوب في حال توفّرت الشروط المعيّنة المطلوبة. ما نشهده حاليا يمثّل خطوة أخرى، في غاية الخطورة، في اتجاه حلول الوصاية الإيرانية المباشرة بديلا من الوصاية السورية – الإيرانية التي انتهت في العام 2005 بعدما أخرج اللبنانيون القوات السورية من لبنان ردّا على اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. كان اغتيال رفيق الحريري حلقة أساسية في الحرب على لبنان. الحرب استمرّت عبر موجة الاغتيالات التي استهدفت تطويع اللبنانيين. كانت الحرب المفتعلة صيف 2006، وكان الاعتصام وسط بيروت بغية تعطيل الحياة الاقتصادية في البلد، وكانت غزوة بيروت والجبل في مايو 2008. وكان اغتيال اللواء وسام الحسن بعد شهرين فقط من القبض على ميشال سماحة وإفشال المخطط الذي كان يسعى إلى تنفيذه في الشمال اللبناني.
ليس إطلاق ميشال سماحة سوى حلقة أخرى وليست أخيرة في مسلسل من بين حلقاته تحوّل وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إلى مجرّد موظف في جهاز العلاقات الخارجية لدى “حزب الله”. كان باسيل صوت إيران في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب. يشير مثل هذا التطور إلى مدى عمق التغيير الذي طرأ على لبنان الذي ألغى “حزب الله” حدوده الدولية مع سوريا، وصار شريكا في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. هل لا يزال لبنان بلدا عربيا يستطيع الوقوف بحريّة مع المملكة العربية السعودية أو أيّ دولة خليجية ساعدته ووقفت إلى جانبه في الظروف الصعبة؟
في ضوء أداء جبران باسيل في القاهرة، يمكن القول بكلّ راحة ضمير إن لبنان صار جرما يدور في الفلك الإيراني لا أكثر. تجرّأ من يُعتبر وزير الخارجية على الذهاب إلى أبعد ما كان يمكن أن يذهب إليه وزير الخارجية العراقي، ذي الأصول الأفغانية، الذي امتلك بعضا من حياء حال دون ذهابه بعيدا في الوقوف مع إيران ضدّ المملكة العربية السعودية، والمزاج العربي العام.
من يعرف ميشال سماحة، يعرف، تماما، أن الرجل لا يمثّل شيئا، باستثناء أنّه أداة صالحة للاستخدام تنفيذا لأغراض معيّنة. لعلّ أخطر ما في إطلاقه يكمن في الظروف التي تمّت بها العملية. فإطلاقه هو إعلان رسمي ببدء عهد الوصاية الإيرانية على لبنان، ودعوة إلى كلّ سنّي لبناني من أجل الانضمام إلى “داعش”. أوليس النظام السوري وإيران الراعيان الأساسيان لهذا التنظيم الذي يلتقي مع المشروع التوسّعي الإيراني القائم على إثارة الغرائز المذهبية في كلّ بلد عربي، وفي كلّ دولة من دول المنطقة؟

الساحة اللبنانية منصة خلفية للصراع السياسي الإقليمي
محمد الحمامصي/العرب/18 كانون الثاني/16
ما يزال لبنان يعيش فراغا سياسيا بسبب شغور منصب رئاسة الجمهورية منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشيل سليمان في 25 مايو 2014 بسبب فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد للبلاد، وبسبب تواصل تضارب رؤى الفرقاء اللبنانيين المرتبطة بتداعيات وتأثيرات اللاعبين الإقليميين في هذا الملف. وفي هذا الإطار كان اللقاء مع عبدالغني عماد أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية على هامش مؤتمر الإسكندرية الأخير والذي أكد فيه استحالة أن تتمكن إيران من بسط نفوذها الكامل في لبنان أو سوريا أو العراق، نافيا أن تكون لداعش أي حاضنة اجتماعية أو أمنية في لبنان.
أكد عبدالغني عماد رئيس المركز الثقافي للدراسات والحوار في لبنان، وأستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، أن الوضع في لبنان متأثر جدا بتداعيات ما يجري في الإقليم ككل، وأن أبرز التأثيرات ما يتعلق بملف رئاسة الجمهورية الذي لا يزال معلقا، فلبنان ممنوع أن ينتخب ويختار رئيس جمهورية إلا بتوافق جميع الأطراف اللبنانية، وحيث أن توافق جميع الأطراف غير ممكن إلا بتوافق إقليمي، وهو غير متوفر حاليا، لذا يبقى الفراغ الدستوري في رأس الجمهورية مستمرا للسنة الثانية على التوالي. ورأى عبدالغني عماد في حوار معه على هامش مؤتمر صناعة التطرف الذي نظمته مكتبة الإسكندرية مؤخرا، أن هذا الفراغ الدستوري في رئاسة الجمهورية ينعكس بطبيعة الحال على الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي ككل، وقال “إن الخوف كل الخوف من أن ينتقل هذا الفراغ الدستوري والأمني والسياسي إلى تداعيات أمنية على الساحة اللبنانية. مضيفا “أن ما يمنع انتقال الخلافات السياسية وتحولها إلى صراعات أمنية على أرض الواقع بين الفرقاء أن هناك ــ كما يبدو ــ توافقا بين مؤيدي المحور السوري الإيراني الروسي بقيادة حزب الله ومجموعة 8 آذار، ومؤيدي المبادرة العربية والفريق العربي بقيادة السعودية ومجموعة 14 آذار، على إبقاء الساحة اللبنانية منصة خلفية للصراع السياسي فقط دون أن يتحول إلى صراع أمني، ويبدو أن هذا الأمر مستمر رغم محاولات بعض التنظيمات المتطرفة اختراقه من خلال عمليات أمنية هنا أو هناك.
التداعيات الإقليمية
أكد الباحث اللبناني أن تداعيات المشهد الإقليمي ألقت بظلالها بشكل كبير على المسرح اللبناني وهي لا تزال تعطل انتخاب الرئيس وإمكانية تشكيل حكومة جديدة، كما عطلت انتخابات المجلس النيابي في المرحلة السابقة. والانقسام في لبنان هو انقسام على أساس، أن فريقا وجد نفسه يناصر المشروع الإيراني، وفريقا آخر وقف بقوة ضد المشروع الإيراني وضد التدخل في الشأن السوري عسكريا، وخاصة تدخل حزب الله الذي دخل دون قرار من الحكومة اللبنانية ودون موافقة الشعب اللبناني. وقال عبدالغني عماد أن “أبرز تداعيات تدخل حزب الله في سوريا أنه عمق الشرخ الطائفي المذهبي في لبنان، فتدخله كان بمثابة فرض أمر واقع قامت به ميليشيا دون موافقة الحكومة والجيش والمؤسسات الشرعية.
تدخل حزب الله في سوريا عمق الشرخ الطائفي في لبنان، فتدخله كان بمثابة فرض أمر واقع قامت به ميليشيا دون موافقة الحكومة
كما أن هناك فريقا أساسيا اعتبر هذا التدخل مخالفا لوجود لبنان وللميثاق الوطني، لكن حزب الله يعتبر أن دخوله جزء من التزامه بمشروع المقاومة ودعمه لنظام بشار الأسد جزء من دعمه لمشروع المقاومة، ولا أدري أي مقاومة هذه التي أدت إلى تدمير نصف سوريا. وأضاف “رغم محاولات حزب الله الترويج لتدخله العسكري إلى جانب نظام بشار الأسد، بكونه خطاب الدفاع عن المقاومة، إلا أنه لا يجد قبولا لذلك في الشارع اللبناني وبين شرائح واسعة إسلامية ومسيحية وليست فقط إسلامية على الصعيد السني، هناك أيضا شرائح مسيحية كبيرة ترفض تدخله”.
وحول توقعاته لتموقع حزب الله في ضوء مجريات المحيط الإقليمي قال “إن حزب الله مكون سياسي واجتماعي رئيسي يمثل الشريحة الكبرى في الطائفة الشيعية، لكن المشكلة أنه مرتبط بتحالف استراتيجي مع إيران، فعلى مستوى رسمه لسياسته على المستوى اللبناني ينطلق من مصالحه الاستراتيجية المرتبطة أساسا بإيران، وذلك انطلاقا من التزامه الأيديولوجي بنظرية ولاية الفقيه. وأضاف أن موازين القوى الحالية التي ينطلق منها حزب الله مرتبطة بالحلف الإقليمي الذي ينتسب إليه وهو الحلف الإيراني الروسي السوري، وبالتالي فإن الحزب يترجم عمليا ممارساته وسلوكه على الساحتين اللبنانية والسورية هذا التوازن الاستراتيجي الذي تعكسه هذه التحالفات. فمن الناحية العسكرية مثلا لم يذهب حزب الله إلى سوريا كفريق لبناني وإنما كفريق إيراني يجسد السياسة الإقليمية لطهران في المنطقة، وحال حصول تسوية للملف السوري سيكون لحزب الله موقع ومكان في هذه التسوية.
وأكد عبدالغني عماد أنه لا يمكن الحديث عن استهداف إيران للبنان وكذا سوريا والعراق عمليا. فلا يمكن لحزب الله أن يحكم لبنان وحده، وهو البلد الذي يتكون من طوائف كبرى وتحكمه قوى وتوازنات مذهبية وطائفية. وواقع الحال أنه يمكن أن يكون شريكا فاعلا في الحكم، بل أن حزب الله يحتاج إلى شركاء معه أيضا، ولهذا كان تحالفه مع ميشال عون رئيس تكتل التيار الوطني الحر، وترشيحه له لرئاسة الجمهورية، هذا الحلف الاستراتيجي بين الحزب وشريحة كبير من المسيحيين برئاسة عون إنما يؤكد أنه لا يستطيع حكم لبنان وحده.
عبد الغني عماد: تنظيم الدولة الإسلامية في لبنان لا يزال الطرف الأضعف لأنه يتحرك بسرية مطلقة ضمن خلايا معزولة، وليس له هامش اجتماعي أو أمني واسع
ولفت إلى أن حزب الله سعى إلى اختراق الساحة السنية وإقامة تحالف مع شريحة سياسية ممثلة للشارع السني لكنه لم يوفق بهذا حتى الآن، لأن الشارع السني له ممثلون كثر. ورغم تحالف الحزب مع ميشال عون إلا أن الشارع المسيحي منقسم ما بين عون وسمير جعجع والكتائب اللبنانية وغيرها، وبالتالي لا يستطع فريق لبناني أن يحكم لبنان مهما بلغت قوته العسكرية والسياسية،
وقال عبدالغني إن الفكرة الرائجة حول رغبة إيران في مد نفوذها على كل لبنان وكذا العراق وسوريا أمر لم يعد مطروحا، لأن موازين القوى اليوم لا تسمح بذلك، وكل ما تسعى له إيران حاليا هو تحسين شروط التسوية والتفاوض.
وأشار إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية في لبنان لا يزال الطرف الأضعف لأنه يتحرك بسرية مطلقة ضمن خلايا معزولة، وليس له هامش اجتماعي أو أمني واسع ينطلق منه للتحرك، وبالتالي فهو لا يشكل خطرا حقيقيا على الأرض، وقال “في البداية حظي تنظيم الدولة بجاذبية ما استقطبت بعض الهوامش السنية في مناطق محاذية للبنان، لكن الآن لم يعد الأمر كذلك، لقد تغيرت النظرة إليه نتيجة ما ارتكبه من جرائم في كل من سوريا والعراق”.
وأوضح الباحث اللبناني أن التطرف يتأسس على وهم امتلاك الحقيقة المطلقة، وعليه تبنى نظرية التعصب “الدوغمائي” المغلقة بطوابقها اللامتناهية، بحيث يصبح من الصعب على صاحبه أن يتفاعل مع أفكار غيره، أو يتجاوز أفكاره لأنه يعتبرها قطعية ونهائية، هكذا تنشأ حالة التمركز على الذات، والتغذية على مرجعية ثقافية أحادية، والتي تتحول إلى منهجية في التفكير والسلوك، وتقود صاحبها إلى الخضوع لسلطة الجماعة التي ينتمي إليها وإلى سلب وعيه الفردي، وتؤدي إلى توليد ميل خفي إلى إقصاء الآخر ويمهد للقبول باستخدام العنف في التعامل معه.
وشدد عبدالغني عماد على أن مواجهة التطرف لا بد أن تكون سياسية وتنموية قبل أن تكون أمنية فقط، دون أن نقلل من أهمية البعد الثقافي والفكري المساعد في هذا المجال، وتتمثل في ترسيخ قيم الديمقراطية وثقافة التعددية والمساءلة والمحاسبة، وقيم المواطنة ودولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، أما الدولة التسلطية فهي الحاضنة والمولدة للفساد والتخلف والتطرف، وجالبة لكل أنواع التدخلات الأجنبية، فالطغاة كانوا على مدى التاريخ جسرا للغزاة وحلفاء طبيعيين لهم، وهما معا الوصفة السريعة لصعود الغلاة في كل مكان.

ميشال سماحة أو «الممانع الكامل»
وسام سعادة/المستقبل/18 كانون الثاني/16
حزب، كـ»حزب الله»، ينصّب نفسه، حامياً للقضاء، على خلفية فضيحة إخلاء سبيل «المفكر – المفجّر» ميشال سماحة. والشبيحة في الطرق يزهون بصور ميشال سماحة وبشار الأسد. «حزب الله» تعنيه في كل القضية هيبة القضاء. كقيمة في حدّ ذاتها. وكوكبة الممانعين يتأوّلون الموقف من ميشال سماحة بحسب جدول «القيم» أيضاً. فهذا يعتبر أن سماحة يجسّد قيمة «الوفاء» والتفاني: الإستعداد لتنفيذ أي شيء يطلبه منه «علي والرئيس»، ويُسجَن أربع سنوات لقاء هذا. وذاك يعتبر سماحة خان الأمانة، ولم يخبره بالمتفجرات في السيارة التي نقلتهما سوية. وثالث يعتبر أن سماحة أخطأ لأنه لم يلجم لسانه، وأورد اسم اللواء علي مملوك، الذي هو عنده «قيمة في ذاتها». أيام قليلة ويخرج علينا من يتأوّل محنة سماحة أيضاً على أنها محنة مناضل أراد محاربة الإرهاب بالإرهاب، وقطع الطريق أمام «داعش« و«النصرة«. الممانعة تناقش قضية سماحة من زاوية أخلاقية – هزلية. تتعاطى مع القيم كمسألة هزلية. فإما أن سماحة قيمة في ذاتها، وهي الوفاء «ع العمياني» لمالكه بشار الأسد ولعلي مملوك، وإما أنه لم يفِ الوفاء حقه لما أفشى في التحقيق ما أفشى، وإما أنه مناضل عقائدي، أراد تخليصنا من الشرَ بالشرَ تمكيناً للخير، وإما أنّ العبرة المعتبرة من كل هذا هو اختبار الموقف من القضاء، وضرورة احترام الحكم كما هو، وهذا موقف «الحزب». فعلاً، إنّها لتعددية حيوية في معشر الممانعة، حفّزتها تخلية السبيل. ميشال سماحة هو منظومة الممانعة مكثّفة. هو التجسيد الفكري والرمزي لها، سحنتها ومنطقها ومنطوقها. الجرأة على أن تكون ممانعاً تعني اليوم الجرأة على أن تُخرج ميشال سماحة الذي في صدرك، في قلبك، في رأسك، وتشهره كهوية كفاحية، كدليل عمل. بما أن القضية لم تدمج في ملفات المحكمة الدولية على ما يبدو، من الممكن أن يتساهل رأس النظام البعثي مع عبارة «علي والرئيس». لأن هذا يعني أنه سيلاقي لسماحة مشغلة أخرى. هذا الشخص، بحبه للديكتاتورية الأسدية، لنظرية المؤامرة، للوصل بين أجهزة الاستخبارات الممانعة منها والغربية، بلاساميته واسلاموفوبيته، هو «الممانع الكامل»، على طريقة «الإنسان الكامل» لدى الصوفية. لو قدّرت له الاطلالة الاعلامية في الأيام المقبلة، فمن المرجح أن يستخدم كلمة «ايمان» وعبارة «أنا رجل عقائدي» مئة مرة. حتى «حزب الله» لا يمكن أن يصل فيه زعيم أو نفر لمرتبة «الممانع الكامل» التي يجسّدها ميشال سماحة. حتى بشار الأسد. الحزب لا يؤمن جدياً بحلف الأقليات. يؤمن بجماعته المهدوية الخمينية الأحادية هو، يؤمن بجماعته كامتداد لدولة ذات طابع امبراطوري. بشار الأسد كذلك الأمر، يستخدم «حلف الأقليات» بمقدار ما يؤمن له عديداً ومدداً. أما سماحة فـ «هو» حلف الأقليات نفسه، الاسلاموفوبي، اللاسامي، المهووس بالترويج للديكتاتورية الأسدية كحامية الحضارة في وجه الهمجية. إخلاء سبيل ميشال سماحة فضيحة بكل المقاييس. الفضيحة الأكبر هي تداول الممانعة هذا الإخلاء من زاوية الاستدلال فيه على مدى مطابقة سماحة لقيمة الوفاء. العمل من أجل إعادة محاكمة سماحة، من أجل تصحيح خطأ إحالته الى العسكرية وإحالة الملف الى المجلس العدلي، من أجل حلّ جذري لمسألة المحكمة العسكرية، كل هذا في أمر اليوم. لكن كل هذا يستوجب نضالاً ثقافياً موازياً ضد الظاهرة. ظاهرة تتجاوز بعدها الجرمي. كل الذهنية التخوينية للآخرين، التي تؤبلس انتفاضات الشعوب لدواعٍ اسلاموفوبية، المبهورة بديكتاتورية كنظام آل الأسد، المحابية لحزب مسلح كـ «حزب الله»، المدمنة على نظرية المؤامرة ومروّجيها في الشرق والغرب، التي تسوّق البضاعة اللاسامية الكاسدة وتعادي الفلسطينيين بحجة الصراع العربي ـ الاسرائيلي، كل هذه الذهنية هي ميشال سماحة. وهذه لم يُطلق سراحها بالأمس. لم تُحبس أصلاً.