علي الأمين: الممانعة كمنهج لتدمير المجتمعات والدول باسم فلسطين/سابين عويس//الحكومة السلامية في 2015 أسيرة الشغور وحارسة الخطوط الحمر: لا تسقط ولا تحكم

311

الممانعة كمنهج لتدمير المجتمعات والدول باسم فلسطين
علي الأمين/العرب/29 كانون الأول/15

قصة العداء للامبريالية في زمن الاتفاق النووي مع الشيطان الأكبر خدعة جديدة وشعار للاستهلاك ولمزيد من الانكفاء نحو العصبيات المذهبية والطائفية.
لا يكفي أن ترفع شعار تحرير فلسطين لتصبح شريفا ولا يكفي أن ترفع شعار تحرير القدس ليصبح قتالك مشروعا في المدن السورية وأريافها
فلسطين كما الإسلام كما الوحدة العربية والاشتراكية، شكلت في محطات تاريخنا الحديث عناوين كبرى لتغطية سياسات وسلوكيات إجرامية، وجسرًا للعبور نحو السلطة والنفوذ.
الحديث عن فلسطين اليوم في لبنان وسوريا، في أحسن الأحوال، هو محاولة لتبرير سياسات الحروب الأهلية العربية. تلك التي تنتشي بدمائها كل من تدّعي قوى الممانعة أنها تحاربها. فلسطين لا تستحق جريمة المشاركة في تدمير سوريا، ولا تشريد الشعب السوري كرمى نظام عائلي وطائفي، ولو كان يرفع شعار الممانعة. ثمة حقيقة تكشفها الوقائع السياسية والميدانية، إن شعار تحرير فلسطين كان دائما حاضرا في مشروع تدمير اليمن ودولته، يرفعه أولئك الذين فشلوا في بناء الدولة العراقية بعدما نهبوا ثرواتها وأفسدوا فيها، يرفعه المقاتلون دفاعا عن النظام السوري المنخرطون في تدمير الدولة السورية. وفي لبنان أيضا يبرر تعليق مشروع الدولة دائما بذريعة مقاومة الاحتلال، كل هذه الدول التي ذكرنا وحواضرها شهدت ولا تزال عملية تدمير ممنهج والمشترك بين هؤلاء رفع راية فلسطين أو شعار العداء لأميركا الخادع فيما النتيجة تدمير ما تبقى من مؤسسات دستورية ومجتمعات موحدة.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان هو أيضا وهو يقف على ركام الدولة اللبنانية ومؤسساتها المعطلة يصوب سبابته نحو فلسطين، ففي مناسبة إحياء ذكرى سمير القنطار الذي قتل في سوريا بقذيفة إسرائيلية، كانت مناسبة لتصويب السهام لكل من يخالفه في الدول العربية ومناسبة لتقديم الدروس في النضال، والأهم فلسطين كانت الوسيلة لتبرير هذا القتال التدميري والعبثي لحزب الله في سوريا. لكن هل من يسأل عن أحوال بلده وما هي مسؤوليته حيال الأوضاع التي وصلت إليه. في خضم الانخراط في القتال السوري على شماعة تحرير القدس وفلسطين ثمة دول تنهار، أو على وشك، ولبنان مثال.
ففي المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية اللبنانية ثمة إقرار من مختلف المتابعين أن أوضاع الدولة ليست على ما يرام. الموارد المالية تتراجع، وأزمة انخفاض أسعار النفط انعكست تراجعاً في تدفق أموال المغتربين نحو لبنان. والسياحة اللبنانية في أسوأ أيامها منذ عقدين من الزمن على الأقل. الضيق المالي والاقتصادي ظاهرة يتلمسها الجميع من التجار والمستهلكين، وليس في الأفق ما يوحي بأن تبدلات نحو الأحسن مقبلة على البلد.
هذه الصورة العامة في طياتها تفاصيل عديدة تحدد الأسباب وتظهر التداعيات، بحيث أن استمرار شلل المؤسسات الدستورية سيؤدي إلى المزيد من العجز الرسمي عن كبح جماح الأزمات التي تلتهم الاقتصاد وتهدد الأمن الاجتماعي، وتزيد من مخاطر تمدد النار السورية إلى داخل البلد. الإنهاك هو الصفة التي تنطبق على الجميع هذه الأيام. ليس حزب الله وحده المنهك في حرب الاستنزاف السورية، بسبب تضاعف الكلفة الدموية والمادية والسياسية المستمرة عليه من دون أي أفق لانتصار ما. بل ثمة إنهاك يطال مختلف القوى السياسية المتصارعة على ضفتي الانقسام الممتد من مجلس الوزراء إلى المجتمع. ما وصلت إليه البلاد اليوم. هو ما يجعل لبنان مكشوفا في وجه أي تحدّ خارجي حقيقي وجدّي. فلبنان بحالته اليوم ليس بلدا قادرا على تحمل أي عدوان إسرائيلي. والحصانة السياسية والاقتصادية شبه معدومة، بحيث أن المراهنة على اليأس هي الورقة الوحيدة المتوفرة في مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل. فقدرة الناس وفاعلية مؤسسات الدولة، والمجال العربي المنكفئ نحو أزماته الطاحنة، عناوين لا تشجع على أن يتورط لبنان في مواجهة مع إسرائيل.
إننا في مرحلة تهافت خطاب الممانعة وأيديولوجياتها، وفي نهاياتها البائسة التي لن تنتهي إلا مع نهاية مهمتها في التدمير المجتمعي على امتداد الدول العربية. أما قصة العداء للامبريالية في زمن الاتفاق النووي مع الشيطان الأكبر، فهي خدعة جديدة وشعار للاستهلاك ولمزيد من الانكفاء نحو العصبيات المذهبية والطائفية. وإلا فالعدو الذي يواجه أميركا هو من تتحالف الدول ضده من العرب والعجم: أبو بكر البغدادي خليفة المسلمين وحامل شعارات كل الإسلاميين من إيران إلى أفغانستان. البغدادي هو عدو الغرب وأتباعه والمتعاونين معه. عداء الغرب له لا يجعل منه شريفًا ولا صاحب قضية محقة، أن تكون عدوا للغرب الأميركي أو الروسي، لا يعني أنك أنت الصواب. لذا لا يكفي أن ترفع شعار تحرير فلسطين لتصبح شريفا، ولا يعني أن تفجر نفسك في مدينة إسرائيلية لتقتل إسرائيليين لتصبح بطلا مقاوما، ولا يكفي أن ترفع شعار تحرير القدس ليصبح قتالك مشروعا في المدن السورية وأريافها. الهزيمة ليست في نقص القدرات العسكرية في دولنا العربية، بل لوهم يسقط اليوم، وهو أن معيار الهزيمة والانتصار يتم قياسه بمعيار البندقية والسلاح، وليس بمعيار التقدم الاقتصادي والعلمي والمعرفي. البندقية ولغتها اختصرتا معادلة الصراع مع إسرائيل لذا انتصرت إسرائيل، ولم تتحرر فلسطين فيما هذا السلاح يتكفل بتدمير سوريا واليمن والعراق.
انكفاء مجتمعاتنا نحو خيارات الهوية الدينية والمذهبية هو الهزيمة النكراء التي نتعرض لها، وهي هزيمة حضارية يجب أن نقرّ بها. ولا يمكن لشعار تحرير فلسطين اليوم أن يكون مدخلا لنهاية المأزق الحضاري المتراكم الذي وقعت فيه دولنا. لقد تحول شعار المقاومة وتحرير فلسطين، في أدبيات الصراعات الأهلية اللبنانية والسورية والعربية، إلى سبيل لمزيد من الإضرار بالقضية الفلسطينية، وإلى المزيد من تسعير القتال الأهلي، ولم نلحظ أن هذا الشعار ساهم في التخفيف من نزف الدماء أو تراجع الكراهية في مجتمعاتنا.
الجواب السهل الذي يعفي مدّعي تحرير فلسطين، من غير الفلسطينيين، من أي نقد أو مساءلة، هو القول إن هدفهم المقاومة وتحرير فلسطين. باعتبار أن هذا الشعار كفيل بتبييض صفحتهم من كل الارتكابات والخطايا، لأنها ارتكبت من أجل فلسطين. فيما المطلوب شيء آخر تماما. المطلوب بناء مصادر القوة والتواضع في الشعارات، إذ كلما كانت الشعارات كبيرة كلما مهدت لارتكابات أكبر من قبل أصحابها، بوعي أو عن جهل.
تجارة الممانعة وفلسطين لم تعد مجدية، لذا صارت الهوية الطائفية والمذهبية هي السبيل والتعويض عما خسره الممانعون، والاحتماء بالدول الكبرى وسيلة من وسائل البقاء والنفوذ ولو على حساب تدمير المجتمعات والدول.
قيمة الإنسان بما يحسن، وقيمة المجتمعات والدول بما تقدم من نموذج جاذب للعيش لا للموت. صناعة الحياة تتطلب صناعة مثالها الحي على الأرض. مجتمعات لا تنتج، وحكومات لا تحسن أو لا تريد الإعلاء من قيمة العمل والإنتاج، هي تنتج مجتمعات وأفرادا لا يثقون بذاتهم، ولا بقدراتهم ولا بوجودهم الإنساني. مجتمعات كهذه تهتز وتتفتت في مواجهة أي تحدّ حقيقي، فتنكفئ إلى عصبياتها وخوفها وإلى شعورها العميق بالهزيمة. مجتمعات كهذه تقوم على أفراد لا يعرفون إلا الطاعة لفتوى الزعيم أو رجل الدين. وهنا جوهر القضية. ولن يحلها شعار تحرير فلسطين.

الحكومة السلامية في 2015 أسيرة الشغور وحارسة الخطوط الحمر: لا تسقط ولا تحكم
سابين عويس/النهار/29 كانون الأول 2015
في حديث الـى”النهار” أطل فيه على العام 2015، لم يخف رئيس الحكومة تمام سلام تعبه وقلقه من مآل الاداء الحكومي والسياسي في وجه التحديات الجسام التي تواجه البلاد. يقول بأسى:”لست مرتاحا لأن حكومتي لا تنجز ولأننا ننحر نظامنا الديموقراطي”. لكن الرجل الذي عُرف بصبره وطول أناته، إستمر في تحمل مسؤولياته، محصنا بقرار داخلي ودعم دولي، لحماية الاستقرار وصونه وتحييد البلاد عن الصراع المذهبي والطائفي والارهابي الذي يعصف بالمنطقة ويغيّر وجهها ووجهتها. لم تتغير لهجة سلام طوال الاشهر الاثني عشر من 2015 بل ازداد قلقاً وامتعاضا مع كل تعثّر واجهته حكومته او خلافات قسَمت بين أعضائها. لم ينجح في تحييد حكومته كما ظل يطالب، عن الخلافات السياسية وحصر مهمتها بتسيير شؤون الناس، فظلت الازمات تلاحقه، الواحدة تلو الاخرى حتى بلغت أوجها مع تفجر أزمة النفايات لتعطل الحكومة لأكثر من 3 أشهر على التوالي.
ورغم كل التهديدات أو المزايدات أو التطاول على صلاحياته والسعي إلى تقاسمها معه أو حتى وصف الحكومة بـ”القاصرة”( العماد ميشال عون)، ظل سلام معتصما بصمته، انطلاقا من مبدأ إلتزمه منذ توليه السلطة، يقوده الى الابتعاد عن أي سجال بين القوى السياسية أو أي كلام يطاله شخصياً من أي جانب، حفاظاً على حياده ونأيه من موقعه على رأس السلطة التنفيذية عن الدخول طرفاً، وهو ما اعتبره “أقوى اسلحته للصمود”، مكتفياً بالتفرج على مشهد لا يعكس بالنسبة اليه الا مستوى الإفلاس الذي بلغته البلاد، تحت وطأة التعطيل الذي يشل عملها ومقدراتها ومؤسساتها.
يقف سلام مراقبا ومتابعاً لما يطال حكومته، وتحديد مصيرها، ويترك لنفسه الكلمة الفصل، في التوقيت الذي يجده مناسبا، تماماً كما في تحديد موعد انعقادها او تحديد جدول أعمالها.
يعي ان التلويح بالاستقالة لم يعد نافعاً. رفع مرة الصوت عاليا أمام المتحاورين محذرا من مغبة الاستمرار في سياسات التعطيل نظرا الى تداعياتها الخطيرة على البلاد والاقتصاد والمالية العامة، ولكن من دون نتيجة. فالحسابات السياسية في مكان آخر، ولا وقت لأي من متعاطي السياسة للنظر إلى الحكومة. المهم أن تبقى صامدة حتى يحين أوان استقالتها. ولأن هذا الاوان لن يحين قبل نضج التسوية، فإن بقاء الحكومة لا يزال حاجة، وقد يكون تفعيلها ايضا حاجة في الوقت الضائع الفاصل عن التسوية. هكذا، أُقفل ملف النفايات في الجلسة الاخيرة من العام، ليس فقط لأن الملف يحتاج الى ان يقفل، ولكن لأن سمعة الحكومة ومستقبلها باتا على المحك بعدما كان سلام أبلغ من يعنيهم الامر أنه لم يعد قادرا على الصبر والتحمل. ومن هذا المنطلق، وبعد جلسة الحوار الاخيرة، ينتظر أن يشكل الوضع الحكومي أولوية في المرحلة المقبلة حتى تتكشف ملامح التسوية الرئاسية.
والواقع أنه لم يكن ينقص حكومة الرئيس سلام وسط عامها الثاني إلا شغور في سدة الرئاسة الاولى، أفقده حليفاً وشريكاً في إدارة الازمة السياسية المستفحلة في البلاد بفعل الاصطفافات الحادة والمواقف المسبقة التي جعلت من حكومته، على رغم جمعها لكل التناقضات القائمة، حكومة المساكنة القسرية، العاجزة عن فض النزاعات، حتى لو كانت من طبيعة خدماتية أو إقتصادية أو ذات طابع ضرورة قصوى! فظلت بذلك محكومة بسقف عال من الخلافات التي عطلت إنتاجيتها وحجبت عنها أي قدرة على احتواء أو معالجة أي ملف من خارج التوافق المسبق في حوارات موازية شكلت الظل الحقيقي لها، ثنائياً كانت بين “حزب الله” وتيار “المستقبل”، او وطنية جامعة لجميع القوى السياسية تحت قبة المجلس النيابي او في عين التينة كما هو حاصل اخيرا.
قد يُظلم سلام كثيراً بوصف حكومته بعد عامين على تشكيلها، وما نجحت في إنجازه على المستوى الامني، بحكومة النفايات، بعد تفجر الازمة إثر إقفال مطمر الناعمة في تموز الماضي، علما انه لم يُترك له أي هامش للتحرك أو أخذ القرار. ولكن الواقع أن الحكومة لم تشكُ من النفايات بمعناها الحقيقي بقدر ما شكت من “نفايات سياسية” على حد توصيف رئيسها، إذ تميز إداء بعض أعضائها بالمماطلة والاستهتار بمصالح المواطنين حتى نفد صبر رئيسها الذي لم يتردد في التلويح بالاستقالة تحت وطأة ذلك الاداء، لكنه كان يصطدم دوما، وأمام كل محطة من محطات التعطيل بإجماع محلي ودولي على ضرورة الاستمرار، إنطلاقا من اقتناع ساد الداخل كما الخارج بأن على الحكومة السلامية تحمل مسؤوليات الفراغ الرئاسي وتعطل المجلس، فيما حرص “حزب الله” على عدم التفريط بالحكومة التي وفرت لتورطه في سوريا الغطاء الشرعي. غياب لبنان عن الرادار الدولي طوال العام المنصرم لم يُسقط مظلة الدعم لحكومة سلام ولحماية الاستقرار مع كل ما يعنيه أو يحمله من عناوين متشعبة: النأي بلبنان عن النار السورية، تحمل أعباء اللجوء وارتداداته، مواجهة الارهاب التكفيري واحتوائه. والغرض من ذلك منع التمدد الارهابي نحو الغرب إنطلاقا من كون لبنان آخر بوابات الدفاع، وإبقاء النموذج اللبناني حياً ومثالاً يحتذى، عندما تنضج المعالم الجديدة للمنطقة.
لقد شكل الشغور الرئاسي ذريعة مهمة تلطى وراءها فريق سياسي لشل عمل الحكومة، تارة تحت عنوان مقاربة جديدة لآلية ممارسة مجلس الوزراء لصلاحيات رئيس الجمهورية المنوط به مجتمعاً بفعل الشغور، وطورا تحت مطالب اخرى ابرزها وأكثرها تعقيداً كان ملف التعيينات العسكرية الذي لا يزال يشكل حتى الآن عنواناً خلافيا إلى جانب الآلية ويمنع الحكومة من الاجتماع. بالارقام، يتكشف حجم المأزق الحكومي: 39 جلسة حكومية في عام واحد، و66 جلسة في عام و7 اشهر وتحديدا منذ بدء الشغور الرئاسي خصصت ساعاتها الماراتونية لجدل حول عناوين عدة، قليلة هي التي اتخذت في شأنها قرارات فورية او سريعة، بدءا من ملفي عرسال والعسكريين المخطوفين مرورا بسلسلة الرتب والرواتب والموازنة، وصولا الى الالية والتعيينات وبنود الضرورة. ولم يكن وضع الحكومة في السياسة الخارجية أفضل، في ظل الانقسامات الفاضحة في المواقف حيال المسائل المطروحة، وليس موضوع انضمام لبنان الى التحالف الاسلامي الا دليلا إضافيا على ذلك، علما انه في المسائل المتعلقة بالحرب السورية، وجدت الحكومة نفسها في السير بالاجماع والنأي عن الاختلاف. لم يكن للوضع الاقتصادي والمالي اولويتهما امام الاجندات السياسية والامنية المزدحمة. لكن تشريع الضرورة نجح في إطالة فترة السماح المتاحة لإبعاد كأس الانهيار والتخلف وضرب السمعة المالية لا سيما حيال العقوبات المالية الدولية. 2015 عام انقضى وسط مسحة من التشاؤم والقلق لم يبددها الا النجاح في الصمود، فيما تطل 2016 محملة بأثقال سلفها، مع بصيص أمل واحد أن يخرج الاستحقاق الرئاسي من رحم التسوية الكبرى لتبقى الدولة.