أحمد عدنان: شر البلية بين فرنجية وعون

332

شر البلية بين فرنجية وعون
أحمد عدنان/العرب/نُشر في 27/12/2015
ما يفعله ميشال عون هذه الأيام ليس غريبا أو مفاجئا، هو استنساخ مملّ لدوره ومواقفه التي عرفها اللبنانيون وغيرهم منذ ابتلى الرئيس أمين الجميل لبنان بالحكومة العسكرية التي رأسها عون. من المتع المستجدة، متابعة المناكفات الطريفة، بين التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون وبين تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية، ومن مظاهر ذلك تبني الموقع الإلكتروني العوني لتقارير ومقالات تشكّك في شخص فرنجية ونواياه وحجمه بعد أن كان الحليف المخلص والشريك الموثوق. كان طريفا بالفعل منظر الكادر العوني سليم جريصاتي وهو يعلن عن لقاء عون-فرنجية، فدولة العماد لا ينتظر النائب أو الوزير السابق أو زعيم المردة، إنما ينتظر “عضو تكتل التغيير والإصلاح”، وتفسير ذلك أن لا صفة لفرنجية إلا التبعية لعون من وجهة نظر عون. من هنا الطريق إلى بعبدا.. ولا أحد غيري سيمر منها في المقابل، رد فرنجية التحية بمثلها أو بأحسن منها في مقابلته مع الإعلامي مارسيل غانم، فالعلاقة بينه وبين عون غير طبيعية منذ سنتين، والسياسة العونية عنوانها ومضمونها “أنا أو لا أحد”. وآخر المشاهدات الطريفة، استضافة البرنامج الصباحي في التلفزيون العوني، للسيدة فيرا يمين (عضو المكتب السياسي في تيار المردة)، أسئلة مقدم البرنامج عكست مناخا عونيا مختنقا وحانقا، وأجوبة يمين أظهرت أجواء الطمأنينة والثقة عند فرنجية، وبدا للمشاهد أن المنطق الذي أنتج أسئلة الحلقة يعاني انفصاما مأزوما.
في عام 2009، أصدرت دار النهار كتابا بعنوان “أقنعة المخلص” لوضاح شرارة ومحمد أبو سمرا، وهو من المحاولات الجادة القليلة لدراسة الحالة العونية وظاهرة رئيسها. وتميز الكتاب بشهادات واقعية وساخنة عن نهج الجنرال في إدارة حزبه، إضافة إلى ملامح عقله السياسي ومنطقه. وهذا الكلمات الثلاث نطلقها من باب المجاز، فليس هناك عقل ولا منطق ولا سياسة، إنما اختلاق الوهم وتصديقه وبيعه، وفوق ذلك نجد تراكمات من العقد والأحقاد التي يعجز عن التعامل معها أطباء الأرض كلهم. ومع استذكار هذا الكتاب وجب التنبيه إلى كتاب أهم، مذكرات البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، التي وثقت فترة الحكم العوني خلال الحرب الأهلية، وثّق بطريرك لبنان والعرب حكما عسكريا ظلوما جهولا غشوما من أبرز معالمه التضييق على الحريات وقمع وسائل الإعلام في مقابل سيادة خطاب شعبوي شكّل المعاني الخالصة للدعاية والشخصنة والتفرد والعبث وكل ما هو سلبي. والكارثة أنّ كل ذلك حصل باسم منطق الدولة والسيادة والاستقلال، وكأنّنا أمام صدى متأخر جدا للخطاب العربي في شقّه العسكري الثوري الذي طغى في الثلث الثاني من القرن العشرين، فدول الانقلاب العسكري العربية دخلت في طور النهاية منذ حرب أكتوبر 1973، لكن الجنرال عون أراد إحياءها في اللحظات الأخيرة من ثمانينات القرن الماضي بلا قيد أو شرط، حتى وصل الأمر إلى الاعتداء على البطريرك صفير في الحرم البطريركي من طرف أنصار عون.
ما يفعله ميشال عون هذه الأيام ليس غريبا أو مفاجئا، هو استنساخ مملّ لدوره ومواقفه التي عرفها اللبنانيون وغيرهم منذ ابتلى الرئيس أمين الجميل لبنان بالحكومة العسكرية التي رأسها عون بعد انتهاء ولاية الجميل. كانت تلك اللحظة إعلانا عن لعنة حلت بالمسيحيين وبالدولة اللبنانية لم تنته إلى يومنا هذا، مع الإشارة إلى إجازة طويلة عاشها عون في المنفى لم تكن أقل سوءا من الحضور العوني قبلها وبعدها. الجنرال عون هو بطل الفراغ والتعطيل، هذه هي بطولته الوحيدة في خسائر مستدامة لاحقت معاركه العسكرية والسياسية. لم ينتصر الجنرال في أيّ حرب، هذه حرب التحرير وتلك حرب الإلغاء. رفض اتفاق الطائف ليدفع الثمن أنصاره وجنوده مفضلا هو الهرب إلى السفارة الفرنسية ثم إلى المنفى، وليس هناك أعجب من إصراره على الاحتفال السنوي بهذه الفضيحة.
تابعت مؤخرا مذكراته المرئية في التلفزيون العوني، تغنّى بجسارته الفائفة وبرعب الإسرائيليين منه، بينما تحدثت مذكرات قائد الجيش الأسبق إبراهيم طنوس عن جبنه الأسطوري، وتحدثت كتب عدة عن علاقته الودية بالإسرائيليين منها مؤلفات ألان مينارغ ومذكرات إلياس الهراوي. وإذ ننظر لمعاركه السياسية فالنتيجة ليست أفضل، قسّم الصف المسيحي وعطّل الدولة اللبنانية فابتلع البعث السوري لبنان وشعبه، أعلن أنه جندي صغير في جيش حافظ الأسد فاحتقره حافظ ولم يلق له بالا فصارت حرب التحرير. عاد إلى لبنان بدعاية بطل الاستقلال لكنّه باع الاستقلال لبشار الأسد وللوليّ الفقيه. قبل تحالفه مع ما يسمّى بحزب الله زعم أنه مهندس قانون محاكمة سوريا في الكونغرس وعرّاب القرار الدولي 1559 لكنّه بعد التحالف اتهم رفيق الحريري وإسرائيل بكل ذلك. خاض معركة صلاحيات نائب رئيس الحكومة فجأة ونسيها فجأة من دون تحقيق أيّ نتيجة. أعلن شعار رفض توزير الراسبين في الانتخابات وكان أول من انتهك شعاره. طالب بقانون الستين وانقلب عليه.
أعلن أنه أخرج سعد الحريري من رئاسة الحكومة بلا رجعة ثم ذهب إلى باريس ليتوسّله من أجل رئاسة الجمهورية. ادّعى الحرب على العائلات السياسية ونصّب صهره رئيسا لحزبه وولّى صهرا آخر على مؤسسته الإعلامية. وباسم الحقوق المسيحية أراد صهره الثالث قائدا للجيش. ومن حسن الحظ أنه لم ينجب صبيا وإلا لطالب له بمناصب رئاسة الجمهورية وبطركية الموارنة وقيادة الجيش ومصرف لبنان مجتمعين. الأزمة المكتومة بين عون وفرنجية تفضح الجنرال البرتقالي مجددا، “أنا أو لا أحد”، أو كما قال لي ماروني بارز “أنا أو لا بلد”، فليست قضية عون هي بناء الدولة ولا الحقوق المسيحية، هو ليس مؤمنا بالمقاومة ولا حتى بالسيادة، قضية ميشال عون منذ ظهر في المشهد السياسي اللبناني هي ميشال عون. وبالتالي هو يرى كل القضايا والمبادئ والقيم معجونة بذاته الأنانية الأحادية إلى حد الإقصاء والإلغاء لكل آخر ولكل معنى، وجماهيريته تبلورت من أزمة وعي بالتاريخ وبالواقع نتيجة هزائم متوالية وخيبات دفينة، وليت علماء الاجتماع والسياسة يقدّمون لنا بحثا جادا عن الظاهرة العونية وحالة زعيمها المضطرب وغير المستقر الذي تستثمره إيران عبر ما يسمّى بحزب الله لتدمير لبنان وحرب السنة. كتبت غير مرة النقد والانتقاد لتسوية الحريري-فرنجية، فقراءتها الأولية توحي بانتقال موقع الرئاسة من الحصة المسيحية إلى حرم حزب الله، كما أنها ستكسر التوازن القائم في لبنان بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار لمصلحة محور الممانعة والمقاومة والصمود والتصدي والوليّ الفقيه، هي تسوية تقدم خسائر قطعية مقابل مكاسب محتملة كمن يشتري سمكة في البحر. وأظن أن أعراضها الجانبية على قوى 14 آذار، التي تمثل قيم الدولة والاعتدال والامتداد العربي والهوية اللبنانية، أشد وأقسى من آثارها على قوى 8 آذار الإيرانية البعثية. وما زلت عند رأيي، وبحكم أن قوى 14 آذار عوّدتنا على الصدمات والهزائم والتنازلات، يحق لنا الابتهاج بالشرخ الشخصي بين فرنجية وعون سائلين الله أن يديمه ويفاقمه إلى يوم يبعثون مصداقا للدعاء الشائع “اللهم اشغل الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين”.