عمـاد مـوسـى: هنيبعل صهر البلد/زيـاد مـاجد: الرئاسة اللبنانية

464

هنيبعل صهر البلد
عمـاد مـوسـى
لبنان الآن/15 كانون الأول/15
كيف يُخطَف صهر البلد السيّد هنيبعل معمّر القذافي، ويُجرجر ويُهان ويُحقّق معه ثم يُسلَّم لفرع المعلومات من دون أن تتكشّف هوية المتورطين بخطفه ونقله من دمشق إلى البقاع؟
هل لدى صهرنا (متأهّل من ألين سكاف جارتنا في أدما) ملفّ قضائي في لبنان، أو مشاكل قانونية؟ أو أنّ الرجل متّهم بتبييض أموال كي يتم توقيفه في بيروت؟ أو أنّ الأمر يقتصر فقط على الإستماع إلى ما لديه من معلومات أخفاها تتعلّق بقضية الإمام الصدر ورفيقيه؟ علماً أن “الهانيبعل” كان في الثالثة من العمر يوم أُخفي سماحة الإمام على الأراضي الليبية.
في مطلق الأحوال لا بأس من أن يستمع القضاء اللبناني إلى أقوال “الصهر” مرةً ثانية بعد التحقيق الأولي على أيدي محترفين أوسعوا الشاب المدلل، المرخيّ الشعر، ضرباً وشتماً وتعنيفا إنتقاماً لجرائم أبيه.
من يتصفّح سيرة الشاب الألمعي يقرأ أن الولد الخامس في ترتيب أبناء الأخ العقيد درَس في كوبنهاغن، وعاد بعد أعوام الدراسة واللهو إلى الجماهيرية الليبية في العام 2007، حيث استحدث له والده منصب “المستشار الأول للجنة إدارة الشركة الوطنية العامة للنقل البحري”، كما يفعل أي ديكتاتور عربي آخر، فالأبناء خُلقوا لتبوّء المراكز الدسمة.
لم يبرز إسم “الهانيبعل” إلا كصاحب سجلّ فضائحي في العواصم الأوروبية. بهدل إسم واحدٍ من أهم القادة العسكريين في العصور القديمة، إبن قرطاجة الفينيقية جدّنا هنيبعل الأول.
لنعد إلى الأساس. فقط في لبنان يُحقَّق مع المخطوف – المحرّر، ولا يولي التحقيق عظيم اهتمامٍ لمسألة الخطف، مراعاةً لمشاعر الخاطفين. ليس من تقاليد لبنان أن يسيء إلى سمعة الخاطفين مثل مجموعة “زوار الإمام الرضا” التي خطفت الطيار التركي مراد أكبينار ومساعده مراد أقجا على جسر الكوكودي، وتنقّلت بهما بين زوطر وحيّ الشراونة  وأُطلقا بعد أشهر بالتزامن مع إطلاق مخطوفي أعزاز بموجب إتفاق تم التوصل اليه بين السلطات اللبنانية والجهة الخاطفة، وذلك بحسب وزير الخارجية (السابق) عدنان منصور.
آه ثم آه كم فرحتُ برؤية عدنان في الحفل التضامني مع “المنار”. أرجِع لنا يا دهر ما كان في لبنان. خذ يا دهر جبران وأعِد لنا عدنان.
لم يسطّر القضاء أي مذكرة توقيف وجاهية بحقّ خاطفي التركيين وحرّاسهما المئة، كما لم يتوصل التحقيق إلى كشف هوية خاطفي أحمد زيدان في العام 2011 قرب المصنع، حُرّر زيدان بعملية لم يُحَط أحد بتفاصيلها ولم يتم فيها توقيف أي متورط. ما أذيع فقط أن خرافاً نحرت للمواطن الصيداوي في قصر عين التينة وأن المسؤول في حركة أمل بسام طليس رافق زيدان من البقاع إلى بيروت. مسلسل “عصابة الخطف المجهولة” طويل في زمن السلم الأهلي والأيام الأمنية، ولا بد من الإشارة إلى أنه لم يتم حتى الساعة توقيف أي فرد من “العصابة” التي خطفت جوزف صادر (شباط 2009) أو التحقيق مع من انتزع كاميرات المراقبة من المنطقة التي تمّت فيها عملية الخطف. قضية صادر ثانوية. القضاء منكبّ اليوم على صهر البلد.
بشرفكم هنيبعل صهر وجورج كلوني صهر؟

 

الرئاسة اللبنانية
زيـاد مـاجد/لبنان الآن/15 كانون الأول/15
تعبّر “المبادرة الرئاسية” التي شاع الحديث عنها في الأسابيع الماضية عن مجموعة مسائل ترتبط بالحياة السياسية اللبنانية وأركانها.
المسألة الأولى أنها شكلاً وأشخاصاً أمينةٌ في تمثيلها لمستوى معظم السياسيين اللبنانيين وعلاقاتهم الداخلية وارتباطاتهم الخارجية ومنظوماتهم القيمية.
المسألة الثانية أنها تكريس لتحوّل الرئاسة الأولى في لبنان منذ عقود الى رئاسة “الغموض”، إذ غالباً ما لا يرافق انتخاباتها نقاشٌ علنيٌّ حول برنامج المرشّح وآرائه السياسية وتصوّراته لسبل إدارة المرحلة التي يودّ ترؤّسها. وحتى حين تكون أسماء المرشّحين معروفةً ومواقفهم العامة كذلك، يتحوّل البحث حول حظوظهم الى بحث في “الغموض”. وكلّما ازداد هذا “الغموض” الذي يُتيح أحياناً إعادة تعريفهم والسعي لتسويقهم بمعزل عن مواقفهم السابقة وربّما نقضاً لها، كلّما بدت حظوظهم أفضل واحتمالات انتخابهم أكبر.
المسألة الثالثة أن المبادرة في مأزقها تُكرّر سيرة انتخابات رئاسية لم تعرف مرّة مساراً “طبيعياً” منذ العام 1976. فانتخابات العام 1982 تمّت في ظلّ الاجتياح الإسرائيلي، وأعقبها اغتيال الرئيس المُنتخب، فعُوّض الأمر بأخيه. وانتخابات العام 1988 لم تجرِ بل انقسمت السلطة التنفيذية نتيجة انعدامها.
وحين جرت الانتخابات في العام 1989 اغتيل الرئيس المُنتخب ليأتي بعده رئيس بشروط (إقليمية) مختلِفة. وفي العام 1995 عُدّل الدستور للسماح بتمديد ولاية الرئيس، ثمّ جرى تعديل الدستور من جديد العام 1998 للإتيان بقائد الجيش رئيساً.
وفي العام 2004، أُعيد تعديل الدستور لتمديد ولاية الرئيس إياه. وفي العام 2007 تعذّر انتخاب رئيس الى أن أتاح تعديلٌ رابع للدستور انتخابَ قائد ثانٍ للجيش رئيساً. ومنذ إنهاء الأخير ولايته قبل عامٍ ونصف، شغر المنصب وما زال.
هكذا تعاقبت على لبنان استحقاقات رئاسية لم تكن مرّة وفق ترشيحات وبرامج مُعلنة، وتحوّلت عملية تعديل الدستور على مقاس شخص الى روتين يرافقها منذ العام 1995، بما أقرنها في السنوات العشرين الأخيرة بعملية مسٍّ تلقائي بالنص الذي يُفترض أنه الأكثر هيبة وحصانةً واحتراماً بين جميع النصوص الوضعية.
المسألة الرابعة أن هذه المبادرة تأكيدٌ على أفول تراثٍ سياسي سُمّي ذات يوم بالمارونية السياسية. وهو أفولٌ لا تكفي الحرب وإدارة النظام السوري للبنان من بعدها وتبدّلات الديمواغرافيا والاقتصاد، على أهمّيتها، لتفسيره. بل يفيد أيضاً البحث في تحوّلات النخب السياسية المارونية نفسها وعلاقاتها وتوازناتها وتحالفاتها للإحاطة بالكثير من جوانبه. وهذا لا يعني – على ما يتردّد بسذاجة – أن “انقسام المسيحيين” هو سببه.
فالمسيحيون، كجميع الطوائف، كانوا على الدوام منقسمين سياسياً واجتماعياً وثقافياً. وكان كلّ رئيس يأتي له خصومه من سياسيّي طائفته. الفارق اليوم أن الموارنة في لحظة انقسامهم الى معسكرين سياسيّين رئيسيّين أنّما يتجاورون مع طائفتين شيعية وسنّية شديدتي المركزية في زعامتيهما (وشديدتي التنابذ أيضاً)، بما يجعل انجذاب كلٍّ من معسكريهما الى إحدى الزعامتين المُسلمتَين سبيل تعطيل لمعظم أدوارهم السياسية. وحتّى حين يقرّر المعسكران المارونيّان التمرّد، فوزنهما مجتمعَين لا يكفي في اللحظة الرئاسية لتعديل الكفّة في ظلّ شروط النصاب الانتخابي وتوازناته. وهذا في أي حال واحد من علامات التصدّع الذي تعيشه “الديمقراطية التوافقية” منذ سنوات.
إذا أضفنا الى كل ذلك سائر الشجون التي يعاني منها البلد، بان لنا اليوم أن ما جرى ويجري هو محاولات “ترقيع”، يُعطي العجز عن التعامل مع أزمتَي النفايات والكهرباء مؤشّراً على مستوى “المرقّعين” فيها. لكن لا بأس إن حاولوا وإن أجّلوا اكتشاف أن النظام برمّته مأزوم وأن مشروعيّاتهم الشعبية (كلّ في طائفته) لم تعد تكفي للتعامل مع أزماته – أزماتهم.