وسام سعادة: فرحة الحريّة تنغصها حسرة العالقين في الأسر/داود البصري: هل سيفعلها بوتين ويهاجم قطر والسعودية/الياس حرفوش: تبعات التفاوض مع جبهة النصرة/خيرالله خيرالله: حسرة لبناني حضر فورمولا وان في أبوظبي

275

فرحة الحريّة تنغصها حسرة العالقين في الأسر وعلى التسوية الشاملة أن تلحظ مرحلتين: قبل وبعد سقوط بشّار
وسام سعادة/المستقبل/02 كانون الأول/15
القياس السقيم، سواء في لبنان أو في سوريا، هو الذي ينطلق من القول بأن «بشّار ساقط» الى التقرير بأن «بشّار سقط»، ثم يبني على المبالغة، والتخليط الزمني، والتنقل الملتوي بين ما هو معنى رمزي وما هو معنى حرفي، جملة من التحليلات والخيارات والمسارات، وينتظر من الآخرين مبادلته النظر الى ما يقدّمه على أنّه معطيات وبداهات. لا يخدم هذا القياس المغلوط التسريع بسقوط نظام آل الأسد أبداً، بل العكس. هناك اختلاف كبير بين أن ترى أن نظام آل الأسد «آيل الى السقوط»، وأن أحداً لا يمكنه انقاذه من هذا المآل، وأنّ اعادة سيطرته على سوريا مستحيلة، وبين أن تقول بأنّه «ساقط ما دام بحكم الساقط».
الكثير من المطروح لبنانياً بشكل ملتبس ولا يخدم الغرض المعلن بسبب هكذا قياس مغلوط. المنطق الذي يبدأ بأنه «ما دام بشار الأسد ساقط، أي ما (يساوي القول) إنه ما دام قد سقط، وجب أن يعالج هذا الملف أو ذاك بهذه الطريقة وليس بتلك، كي تواكب تداعيات ما بعد السقوط». التعامل مع مصير النظام البعثي كما لو كان في انتظار إماتة رحيمة يتمّمها الاتفاق الدولي حولها هو في غير محله. انه نظام احتضار حيوي دموي مزمن أكثر من كونه نظاماً محتضراً مؤجَّلاً إنهاء وجوده الى حين الاتفاق على كيفية دفنه. النظام البعثي الفئوي انحسرت كثيراً رقعة سيطرته في سوريا وهو أعجز عن التمدد مجدداً الى مناطق خسرها رغم التدخلين الايراني والروسي. لكنه نظام لا يزال هنا، وهو نظام سلاح المدفعية بالدرجة الأولى. التركيبة التي تصنع هذا النظام ليست في وارد أن تتحلّل من تلقائها سريعاً. الحل السياسي تحت الرعاية الدولية يمكنه، صحيح، ان يتطور في أي لحظة، لكن لا شيء مضموناً هنا أيضاً قبل إتمامه. التحاليل التي تروّج، ولا تبدي قلقاً بإزاء تعددية الاحتمالات والمسارات المتخيلة أو الممكنة، وتستعيض عن الترجيح المتأني والحذر والمتحرّك، بالمماثلة بين «وجود ناقص» وبين «ناقص وجود»، تمنعنا كلبنانيين من وضع أسس صحيحة لإدارة عملية اعادة الحياة الى المؤسسات الدستورية الشاغرة أو المعطّلة، لأنها تمنعنا من مقاربة مستويين بشكل واقعي: التدخل السوري في لبنان، والتدخل اللبناني في سوريا. فلا الأوّل مستوى منقرض، ولا الثاني مستوى منفصل عن نتيجته الداخلية التي منها شغور الرئاسة. لا يعني ذلك وجوب الامتثال للمنطق العبثي المقابل الذي يعتبر أنّه ما دام «الحسم» لم يتمم في سوريا يمكن الركون الى ترك الأمور عالقة في لبنان دون بَت ودون محاولة للبَت. لأجل ذلك فإنّ «محاولة البت» التي نسميها «تسوية شاملة» في الأسابيع الأخيرة، عليها أن تنجز شموليتها هذه، فهي ليست من كل أطراف الخلاف الأهلي بحكم الجليّ والمعطى. عليها أيضاً أن تقسّم نفسها منهجياً بين «بدايات التسوية» المتعايشة مع مرحلة لا يزال نظام آل الأسد مستمراً، وبين «عمق التسوية» وما يرصد له في مرحلة ما بعد سقوط النظام، أي ادراك أننا لسنا في المرحلة الأخيرة هذه، واتخاذ الرغبات وقائع، واعتبار ان لحظة لا بد آتية هي لحظة بحكم الآتية أي لحظة أتت بالفعل، هو منزلق ضار سياسياً في غالب الأحيان، ومغامر سياسياً في كل حين.

 

 حسرة لبناني.. حضر «فورمولا وان» في أبوظبي
خيرالله خيرالله/المستقبل/02 كانون الأول/15
لا شيء ينجح مثل النجاح. هذا ما يدور في خلد لبناني عادي حضر سباق «فورمولا وان» في أبوظبي، الذي كان آخر سباقات هذا الموسم في اطار بطولة العالم لسائقي السيّارات. انّه نجاح يعطي فكرة عن تطوّر مجتمع وبلد ومؤسسات الدولة في الإمارات العربية المتحدة. عكس نجاح السباق وجود ارادة سياسية حقيقية تستهدف استخدام الثروة من اجل الإستثمار في كلّ ما هو ايجابي وحضاري بعيدا عن اي عقد من ايّ نوع. لعلّ اهم ما يخرج به من حضر «الجائزة الكبرى لأبوظبي»، وهذا اسم السباق الذي انتهت به بطولة العالم لسائقي السيارات، التطوّر الذي طرأ على الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة. آلاف المواطنين، والمقيمين، من طلّاب ومتطوعين، شاركوا في تنظيم السباق على حلبة جزيرة ياس. هناك عشرات الاف اتوا من مختلف انحاء العالم لحضور السباق او للمشاركة في الفعاليات التي تدور على هامشه او لحضور الحفلات الفنية التي تنظّم في المناسبة طوال اربعة ايّام. لعلّ اكثر ما يلفت الزائر هو وجود المواطن الإماراتي في كلّ مكان من اجل خدمة الزائر وتقديم صورة حقيقية عن التطوّر الذي طرأ على المجتمع على كلّ صعيد. بعد سبع سنوات، هي عمر «الجائزة الكبرى لأبوظبي»، يصعب ايجاد ما يضاهي الدقّة في تنظيم حدث رياضي بهذه الأهمّية. كلّ ما يمكن قوله ان تنظيم السباق كان في المستوى الذي بلغته السباقات التي تجري في مناطق مختلفة من هذا العالم، من استراليا، الى القارة الأميركية بشمالها وجنوبها ووسطها، وصولا الى الدول الأوروبية، بما في ذلك سباق جرى هذه السنة في منتجع سوتشي الروسي.
لم تعد أبوظبي مركزاً للمصارف العالمية الكبيرة ولشركات النفط الكبرى ولمشاريع انمائية ضخمة وللطاقة النظيفة. لم تعد مركزا لإستقطاب المتاحف العالمية مثل غوغنهايم واللوفر ولكبرى الجامعات، او لمعلم كبير مثل مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الدولة، رحمه الله. انّها فوق ذلك كلّه مكان لصنع انسان جديد يعرف قيمة العمل الجدّي. هذا ما يفعله الإماراتيون. انّهم لا يخجلون من العمل. العمل صار ملازماً لصفة المواطن، بل موضع فخر له. لم يأت هذا التطوّر من فراغ. لدى العودة الى التراث الذي خلفه الشيخ زايد، نجد انّه عرف كيف يبني الإتحاد ويبني المواطن في الوقت ذاته. ربط بين العلم والعمل والحداثة والإنجاز على كلّ صعيد. البلد صار أخضر. تغلّب على الصحراء. المناخ صار اقلّ قساوة تجاه الإنسان. عندما يتحدّث الزائر الى مواطنين اماراتيين يكتشف انّ الشاب لم يعد اتكاليا. انّه يبحث عن اكتساب خبرة في كلّ المجالات، ان عن طريق الدراسة الجامعية او تحصيل اللغات الأجنبية، على رأسها الإنكليزية. تلك النقطة المضيئة التي اسمها «الجائزة الكبرى لأبوظبي» لا تعني غض الطرف عن التحديات التي تواجه دولة شابة مثل الإمارات العربية المتحدة التي تحتفل هذه الايّام بالعيد الوطني الرابع والأربعين. لا مفرّ من مواجهة التحدّيات، بدءا بالسياسة الإيرانية، خصوصا ان ايران تحتل منذ العام 1971، اي منذ ايّام الشاه، الجزر الإماراتية الثلاث، ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى. كذلك، لا تتجاهل الإمارات خطر «داعش»، بل هي شريك في الحرب على هذا التنظيم الإرهابي، كذلك هي شريك مع المملكة العربية السعودية في دعم الشرعية في اليمن من اجل وضع حدّ لاغتصاب الحوثيين المدعومين من ايران للسلطة، خصوصا بعد احتلالهم صنعاء في الواحد والعشرين من ايلول 2014 واعلانهم عن قيام نظام جديد يستند الى «الشرعية الثورية». جديد الإمارات انّها قوة عسكرية تعرف تماما معنى التحديات الإقليمية ومغزاها ان في مواجهة الإرهاب بكلّ اشكاله وان لجهة ضرورة اعادة الشرعية الى اليمن. الكلفة كبيرة في بعض الأحيان، لكنّ المجتمع الإماراتي يتفهّم ابعاد التحديات التي تواجه الدولة والمجتمع ويدرك خصوصا انّ لا مفرّ من تقديم تضحيات في احيان كثيرة، تماما كما الحال في ايّ دولة تمتلك جيشا عريقا محترفا. يبقى، ان سباق «الجائزة الكبرى لأبوظبي» يترك لدى اللبناني حسرة. كان هناك تفكير منذ العام 1996 في ضمّ لبنان الى الدول التي تستقبل سباقا من سباقات «فورمولا وان». كان ذلك في ايام الرئيس رفيق الحريري الذي كان يعيد بناء بيروت ويعيد لبنان الى خريطة المنطقة والعالم. كانت الفكرة تقوم على ايجاد حلبة داخل بيروت، على غرار حلبة امارة موناكو التي تستضيف سنويا احد اشهر سباقات السيّارات واكثرها شعبية في العالم.
وُجد من يحارب كلّ مشروع يصبّ في اعادة لبنان الى مكان يقصده سيّاح وزائرون من مختلف انحاء العالم، خصوصا من دول الخليج. اقلّ ما يمكن قوله ان ما يزيد على مئتي الف شخص كانوا في أبوظبي والمناطق القريبة منها خلال سباق «فورمولا وان». لا منافسة بين لبنان والإمارات. لا احد يأخذ مكان احد في هذا العالم. على العكس من ذلك هناك تكامل بينهما، هناك عشرات آلاف اللبنانيين الذين يعملون في الدولة ويساهمون في نهضتها ويرسلون اموالا الى عائلاتهم في الوطن الأم. يأتي ذلك في وقت لبنان بلا رئيس للجمهورية وفيما حكومته عاجزة عن معالجة مشكلة النفايات. من خلال زيارة لأبوظبي، يكتشف اللبناني كم بلده في الحضيض وكم اضاع ولا يزال يضيع الفرص… عن سابق تصوّر وتصميم، بما في ذلك فرصة تطوير الإنسان اللبناني وتوعيته اوّلا واخيرا!

هل سيفعلها بوتين ويهاجم قطر والسعودية ؟
داود البصري/السياسة/02 كانون الأول/15
ثمة حقيقة جوهرية باتت شاخصة في تصرفات القيادة المافيوزية الروسية التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بفظاظته وعدوانيته وحقده اللامحدود، وبهجمته الشرسة على الشرق مؤيدا لأعتى الأنظمة القبsيحة البشعة الحليفة له منذ أيام الحقبة السوفياتية المنقرضة، بوتين اليوم وهو يغرق في المستنقع السوري ويمارس عدوانا حقيرا على شعب أعزل كل ذنبه أنه انتفض لمقاومة ومقارعة الظلم والعدوان وفي حقه في العيش بحرية وأمان وديمقراطية وسلام، يبدو مستعدا للمضي حتى آخر الشوط في تنفيذ خطوات عدوانية ضد دول المنطقة من التي تقف بصلابة في مواجهة النظام السوري وفي دعم الشعب السوري الحر.
لقد أسفر بوتين عن وجهه البشع بعد اسقاط الصواريخ التركية للطائرة الروسية والتداعيات التي حدثت بعد ذلك، وقد سبق الحادث سلسلة من التسريبات الروسية التي كانت تتضمن تهديدات مبطنة بل واضحة بضرب أهداف في الشرق والخليج العربي ومنها دولة قطر وحتى المملكة العربية السعودية!!، والواقع أن الهجمة الروسية على المنطقة باتت تتميز بأسلوب عدواني بلطجي واضح وصريح يعبر عن نفسه بالحملات الشرسة والارهابية وغير المبررة على أهداف مدنية صرف وباستعمال مختلف أنواع الأسلحة التدميرية الهادفة لايقاع أكبر أذى ممكن بالمدنيين في حالة انتقامية متوحشة لا تليق بدولة كبرى كالاتحاد الروسي، بل أن البلطجة قد توسعت قاريا لتشمل أوامر روسية باغلاق المجال الجوي العراقي فوق الشمال من أجل عدم اصطدام الطائرات المدنية بالصواريخ الروسية العابرة أجواء ايران والعراق لتضرب أهدافها في العمق السوري؟ انها حملة ارهاب دولي روسية لم تجد من ينتقدها أو يفرملها أوحتى يدينها، وتحول الفعل الروسي لعربدة ارهابية تميز باجراءات انتقامية ضد المصالح التركية، وبصواريخ حقد وسم على شعوب المنطقة. الدب الروسي في حالة هياج قد أفقده المنطق وبات يتصرف بحماقة بعشوائية مفرطة، والهدف الروسي المعلن هوانهاء دور المعارضة السورية المسلحة وخصوصا الجيش السوري الحر الذي يقاتل النظام والمتطرفين ووجه الروس أولى ضرباتهم المركزة والموجعة له ولجماهيره وليس لتنظيم الدولة الاسلامية، خصوصا وأن صواريخ وغارات القصف الروسية قد حرثت جبل التركمان في ريف اللاذقية وهذه المنطقة تحديدا خالية من أي وجود لعناصر تنظيم الدولة!! الهدف الواضح اذن هو انهاء الوجود المعارض واعادة فتح الطريق لقوات النظام السوري وهو أمر لن يتحقق حسب الرؤية الارهابية الروسية الا بضرب مصادر دعم وتمويل الجيش السوري الحر والأطراف والدول المساندة له، وهنا لايخفي الروس عبر تصريحاتهم المبطنة أوالصريحة أنهم لايستبعدون أبدا ضرب المملكة العربية السعودية ودولة قطر في خطوة جنونية قد يلجأ لها الارهابي بوتين كتعبير عن حالة الافلاس الأخلاقي والقيمي والسلوكي لقيادة مافيوزية أضحت تصرفاتها خطرا على الشعب الروسي ومصالحه وأمنه ومستقبله، بوتين ان فكر في تنفيذ خياره الانتحاري وضرب الرياض والدوحة فانه ليس فقط يلعب بالنار، بل بالأمن الدولي، وهي عملية ليست سهلة كما يحاول أهل المعسكر الفاشي والطائفي في المنطقة تصويرها بل أنها تحمل في ثناياها شرا مستطيرا لن يستطيع بوتين الافلات من عواقبه الوخيمة، ويبدو واضحا ان السلم العالمي في ظل التصرفات المستهترة للقيادة الروسية يقف اليوم على أعتاب مرحلة من أخطر مراحله منذ نهاية الحرب الباردة، وكل الاحتمالات واردة وجميع الخيارات ممكنة، فالهياج الروسي دفاعا عن بقايا الفاشية المنقرضة في الشرق قد بلغ مبلغا صعبا وحرجا. كل التهديدات الروسية الحمقاء لن تمنع تحقق الحتمية التاريخية في انهيار الطغاة، والشعب الروسي الحي سيقف حتما في مواجهة جنون بوتين الذي يقوده للجحيم والدمار، ولا سلام في المنطقة والعالم طالما بقي النظام السوري المجرم وحليفه الايراني الباغي يمارسان العدوان والقتل تحت التغطية الروسية… تهديدات جوفاء لقيادة متهورة.

تبعات التفاوض مع «جبهة النصرة»
الياس حرفوش/الحياة/02 كانون الأول/15
كان لبنان في عيد نهار أمس. احتفل الجميع، حكومة وشعباً، بإطلاق 16 عسكرياً كانت تحتجزهم «جبهة النصرة» بعد 16 شهراً أمضوها أسرى في المنطقة الحدودية الجبلية المحاذية لسورية في شرق البقاع اللبناني. لم يكن التفاوض بين الحكومة اللبنانية و»جبهة النصرة» تفاوضاً مباشراً. فالحكومة، التي كلفت مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم الإشراف على التفاوض، كانت تعرف صعوبات التفاوض المباشر ومحاذيره، مع جبهة مصنفة دولياً باعتبارها أحد التنظيمات الإرهابية.، فضلاً عن انها قتلت اربعة من الاسرى الذين كانت تحتجزهم. هنا لجأت الحكومة إلى من يستطيع أن يقيم قنوات اتصال مع هؤلاء، فكانت المساعدة التي قدمتها دولة قطر، والتي حرص المسؤولون اللبنانيون أمس على «شكرها» على الدور الذي قامت به. ليس هذا فقط. فالحكومة اللبنانية كانت تعرف أيضاً أن إطلاق الأسرى العسكريين له ثمن، وهو إطلاق سجناء في السجون اللبنانية، منهم من يواجهون تهماً بالقيام بأعمال إرهابية. انه ثمن يتعلق بمكانة القضاء وبمسألة تطبيق القانون، وفوق ذلك بقضية السيادة، التي لا تتحصن كما يفترض إلا إذا التزمت الدولة بمبدأ عدم التفاوض مع الإرهابيين، أو الخضوع لمطالبهم ولابتزازهم. انه المبدأ الذي تحافظ عليه دول كثيرة تعرّض مواطنوها للخطف، فيما تساهلت دول غربية أخرى مع هذا المبدأ وقدمت تنازلات، بل دفعت أثماناً غالية مقابل إطلاق أسراها، كما حصل في مرات متكررة مع أسرى غربيين كان يحتجزهم تنظيم «داعش». غير أنه لم يكن أمام الدولة اللبنانية من خيار سوى التفاوض. كان هناك ضغط أهالي العسكريين الذين اعتبروا وعن حق أن احتجاز أبنائهم يوجه إهانة مباشرة للدولة، التي يفترض فيها توفير الحماية لجنودها، كما أنه يثبت عجزها عن فرض سيادتها على منطقة حدودية من الفلتان الأمني الذي عاشته (ولا تزال إلى حد بعيد) منطقة عرسال وجرودها. لا حاجة هنا للدخول في الظروف العملانية التي أدت أو سهّلت أسر العسكريين. ما يمكن قوله إن هذه الظروف شكلت هي أيضاً عامل ضغط على الدولة اللبنانية للعمل على إطلاق جنودها بأي ثمن. لفترة غير قصيرة، خلال الشهور الستة عشر الماضية، واجهت الحكومة اللبنانية مسألة ما يمكن تسميته الحصول على «ترخيص» بالتفاوض، وإن غير المباشر مع «جبهة النصرة». فـ «حزب الله»، الجهة الأكثر نفوذاً في لبنان، والأوسع حضوراً على الساحة السورية بين التنظيمات المقاتلة إلى جانب النظام، لم يستحسن منذ البداية فكرة التفاوض هذه، أو تقديم التنازلات التي كان لا بد منها لـ «النصرة»، وهي أحد الأطراف المعادية للحزب في القتال على الساحة السورية. تذرع الحزب بحجة السيادة، في الوقت التي خُرقت هذه السيادة المزعومة مباشرة منذ اللحظة التي خرق فيها الحزب الإجماع الحكومي اللبناني، الذي كان يقتضي النأي بلبنان عن الحرب السورية، كي لا يضطر في ما بعد إلى مواجهة تداعياتها، كما يفعل الآن في مسألة التفاوض التي نحن بصددها، والتي قد تتكرر غداً إذا وجدت الحكومة اللبنانية استعداداً من جانب تنظيم «داعش» الإرهابي لفتح قنوات تفاوض معها لمحاولة إطلاق سراح الجنود التسعة الذين ما زالوا محتجزين لدى التنظيم. إذا كانت «جبهة النصرة» قد تمكنت، من خلال الصفقة الأخيرة، من ترتيب أوضاع اللاجئين السوريين في مخيمات عرسال، فيما كانت الحكومة اللبنانية تعتبر أن تلك المخيمات تحولت مصنعاً للتفخيخ وإرسال المتفجرات، كما تمكنت الجبهة من فرض وادي حميد كمنطقة آمنة للاجئين، لا تستطيع القوى الأمنية اللبنانية أن تتعرض لها، فما هو الثمن الذي سيطلبه تنظيم «داعش» لتحرير الجنود الذين يحتجزهم؟ وأي حكومة ستجرؤ على دفع ذلك الثمن؟ لا بد أنه السؤال الذي يراود المسؤولين اللبنانيين اليوم وهم يعيشون فرحة إطلاق جنودهم.