محمد سلام/لبنان بين الجليل والقلمون

304

لبنان بين الجليل والقلمون
محمد سلام
الخميس 11 أيلول 2014

عندما إحتلت إسرائيل أرض فلسطين في العام 1948 نزح أهل الجليل والساحل الشمالي إلى أقرب منطقة إليهم، إلى لبنان، على أمل أن يعودوا … يوماً.

 ما جاءوا إلينا بإختيارهم. ما لجأوا إلينا برغبة منهم. ما أتوا إلينا سعياً للإرتزاق، بل على العكس كنا يومها نذهب نحن إلى فلسطين للعمل والإرتزاق. كانت الليرة الفلسطينية بقيمة الجنيه الإسترليني.

 وعندما عاد ياسر عرفات إلى رام الله، عاد معه فقط النازحون من الضفة الغربية، وبقي أهل الجليل في لبنان لأن لا أحد يريد إعادتهم إلى إسرائيل ليكونوا مواطنين إسرائيليين، ولأن إسرائيل لا تريدهم أساساً.

 بقي أهل الجليل في لبنان … وسيبقون، سيبقون، سيبقون، سيبقون، وسيبقون، إلا إذا كان هناك عبقري ما، في مكان ما، يصدق الشعار السياسي، بشقيه العروبجي والفارسي، بأن “دولة إسرائيل” ستزول ويهودها … سيغرقون في البحر.

 عندما أتى الفلسطينيون “رحب” اللبنانيون بهم على طريقتهم. من معه ثروة جنسناه، من معه حرفه “شغلناه” الصناعي  المسيحي، نعم المسيحي، نقلهم من عنجر، أسكنهم في تل الزعتر، وأسس حولهم مصانعه، ليكونوا يدها العاملة، وبعد هُدِم مخيم تل الزعتر في سنتي الحرب الأهلية (1975-1976) توزع البقية منهم على الناعمة ووادي الزينة … فلحقهم الصناعي … السني.

 هم ثروة إقتصادية. يعملون لدى اللبنانيين، يشترون منتجات اللبنانيين، ويسددون للبنانين ثمن ما إشتروه منهم من الرواتب التي يتقاضونها من اللبنانيين. ومن يكرمه الله منهم بعمل في الخليج يحوّل راتبه ومدخراته إلى … لبنان. هم قيمة إقتصادية صافية مائة بالمائة.

 قال لي كبير المحللين الإقتصاديين اللبنانيين، وهو ليس مسلماً بالمناسبة، إن الكارثة الكبرى التي يمكن أن تضرب الإقتصاد اللبناني هي أن “يغادرنا لاجئونا”.

 الحزام السوري (القلمون ضمناً)

 هي القصة-المأساة نفسها. السوريون نزحوا مكرهين عندما ضربهم نظامهم. “إستقبلهم” اللبناني كما “إستقبل” الفلسطيني وهو يفرك إبهامه بسبابته، يحصي ثروتهم وقروشهم ويدهم العاملة.

 وعودة إلى اللازمة النفعية-المصلحية-السوقية اللبنانية. من معه ثروة جنسناه، أو أسسنا له شركة مع “شركاء” من عندنا، كانوا حتى الأمس خدماً في شركاته على إمتداد الدول العربية.

 كساد مواسم الإصطياف حوله “النازحون” السوريون إلى موسم مزدهر، ليس صيفاً فقط بل على مدار السنة.

 البيوت الشاغرة كلها “إستأجرها … النازحون” الأثرياء إشتروا “الفلل”. ولا زالت تضج في أذني تعليقات بيئة الإصطياف: “الله جبر. ما إجوا الخليجيين، إجوا السوريين.” المهم أنهم “دفعوا.”

 ودفعوا، ودفعوا، ودفعوا.

 حتى المساعدات الدولية التي تدفع للنازحين السوريين تأسست لها شركات لبنانية وسيطة، تقبضها هي، وتدفع منها لهم.

 كنت أزور المحلات التجارية في مختلف المناطق اللبنانية. التاجر المسيحي صار عنده عامل سوري مسيحي، والتاجر الدرزي صار عنده عامل سوري درزي. والتاجر السني صار عنده عامل سوري … سني.

 اللبناني يفكر بأصبعية، بالإبهام والسبابة، هكذا يقيس الأمور. هكذا يفهم الحياة، عندما تتوقف حركة الإصبعين … يتوقف الترحيب. شعار “وطنكم الثاني لبنان” هو من قاموس الإصبعين، لا علاقة له لا بالكرم ولا بالأخلاق.

 الصديق الأستاذ طلال الدويهي، الناشط في مجال الدفاع عن بقاء أراضي المسيحيين ملكاً لأصحابها أو لبيئتها، قال لي يوماً: “مشكلتنا مع مار دولار (القديس دولار) عندنا مسيحيون يبيعون لمار دولار.”

 قلت له “ما تزعل، عندنا إمام يورو … يبيع لفة … المهم يقبض.”

 السوريون، من أرض الحزام اللبناني (من جبل الشيخ إلى الساحل الشمالي مرورا بالقلمون وحمص) نزحوا إلى أرض كان إسمها يوماً بلاد الشام. الذين لا يفكرون بالإبهام والسبابة يتساءلون: “هل هم عندنا؟ هل نحن عندهم؟ أم ترى نحن معاً في أرض اللامكان؟”

 الذين يفكرون بعقلهم، بدينهم، بأخلاقهم بثقافتهم لا يتفقون مع نوابغ الإبهام والسبابة، بل يتناقضون معهم كلياً.هم نحن، ونحن هم، من ساحل فلسطين إلى ساحل سوريا مروراً بالجليل وجبل الشيخ والقلمون وحمص وصولاً إلى بانياس ووادي النصارى ضمناً.

 ويقولون … مخيمات تجريبية قرب الحدود السورية!

 لمن؟ لأي نازحين؟ للنازحين من سوريا؟ للنازحين من لبنان؟ للنازحين من فلسطين؟.

 مدرسة الإبهام والسبابة من أتباع “مار دولار” و “إمام يورو” لا يعنيها الجواب. المهم … تراكم العدد.

(صفحة كلام سلام)