علي الحسيني:الانتحاريون هواجس تسكن الأحياء والشوارع/نديم قطيش: بينما يعود حزب الله إلى لبنان

228

الانتحاريون.. «هواجس» تسكن الأحياء والشوارع
علي الحسيني/المستقبل/20 تشرين الثاني/15
بعد مرور اسبوع على تفجيري برج البراجنة الإنتحارييّن وما تلاها من القاء القوى الامنية القبض على شبكات إرهابية بعضها مرتبط بالحادثة نفسها وبعضها الآخر كان في طور التحضير لعمليات مشابهة في مناطق اخرى، سيطر هاجس الخوف على حركة اللبنانيين ويومياتهم وتحوّل إلى حالة ذعر رافقتها شائعات ومعلومات تحدثت عن وجود إنتحاريين بين الناس يرتدون أحزمة ناسفة في أكثر من منطقة وخصوصاً داخل مراكز تجارية. بدت خلال اليومين الماضيين الصورة في العديد من المناطق شبه ضبابية من جرّاء حالات الخوف التي أرخت بظلالها على حركة الناس في الشوارع حيث بدت غالبية المحالّ التجارية والمطاعم شبه خالية من روّادها وبنسبة كبيرة قياساً بالأيام التي سبقت يوم التفجيرين. وحده الخوف على المصير المجهول أصبح هاجس الناس وشغلهم الشاغل ومعه خضعت حركتهم للرسائل التي كانت تتناقلها هواتفهم والتي تحذرهم من زيارة أماكن يُحتمل وجود إنتحاريين بداخلها أو أرجحية تحوّلها إلى نقطة استهداف مُفترضة.
المعلومات التي جرى تداولها أمس عن وجود إنتحاريين بين الناس، جعلت جزءا كبيرا من اللبنانيين في حالة لا استقرار الأمر الذي انعكس خوفاً على حياتهم وحياة أبنائهم وأطفالهم، ما جعل أغلبيتهم يلتزمون منازلهم خصوصاً بعد ورود أخبار تفيد عن وجود إنتحاري في احد المراكز التجارية في محلّة ضبية وهو ما نفته قوى الأمن الداخلي ثم تلتها معلومات اخرى تحدثت عن العثور على أحزمة ناسفة في أكثر من مكان منها حزام ناسف غير معد للتفجير بين مركز الأمن العام وحاجز الجيش اللبناني عند مدخل بلدة عرسال. لكن وفي المقابل تستمر القوى الأمنية سواء الجيش وشعبة المعلومات والأمن العام، في عملها وتقوم بملاحقة الشبكات الإرهابية من الشمال إلى الجنوب وتحاصر منافذ ومداخل جميع المناطق المهددة بأعمال إرهابية لدرجة جعلت من أفراد الشبكات هذه، يتخلصّون من المواد المتفجرة لديهم خشية سقوطهم بيدها.
أمّا في الضاحية الجنوبية، فقد تفاوتت مشاهد الخوف والذعر بين منطقة وأخرى، فعند تقاطعات الغبيري، المشرفية وكنيسة مارمخايل، كانت حركة السير خفيفة قلما شهدتها تلك المناطق من قبل. لكن المفارق المؤدية إلى الضاحية على طول طريق المطار قد ازدحمت بالسير نتيجة التدقيق في تفتيش السيارات التي كانت تدخل إلى المنطقة وتحديدا تلك الآتية من الجهة الجنوبية. أخبار في الضاحية أوهمت الأهالي بأن إنتحاريين أصبحوا على مسافة قريبة منهم وأن هدفهم بيئة «حزب الله» فقط. وهنا من عاد للحديث عن فرضية الإنتحاري الذي سيُفجّر نفسه بين الناس على الطرقات أو داخل «فان» أو في أي مكان مُزدحم، والبعض ذهب إلى التفكير مجدداً بإعادة بناء الدشم الإسمنتية أمام منزله أو مقر عمله بعدما كان تم الإستغناء عن هذه الظاهرة منذ سنة تقريباً. كل الأوجاع المُتشابهة على أرض الضاحية الجنوبية المنطقة المعنية بالموت بشكل أساسي، يشعر بها زائرها منذ أن تطأها قدماه. أوجاع تدل على مشهديّة الموت في يوميّاتهم والتي تحوّلت جزءاً أساسيّاً من سنين تُلاحق خطواتهم لتخطف منهم أعز ما يملكونه، فالنعوش أصبحت علامة فارقة في حياتهم، أمّا من هم في داخلها فتحوّلوا بدورهم إلى رزنامة تتشابه في حكايا أوراقها لكنّها تختلف في الأرقام ومن حيث الموت. هناك من هو شهيد وهناك من هو «شهيد واجب»، وبين هذا وذاك، عاد شبح الإنتحاريين ليُسيطر مُجدداً على تفكير كل الاهالي وليحتل الهاجس الأكبر في عمليات تنقلاتهم اليومية. وفي الضاحية عاد من يسأل عن موت يُلاحقه أو قد يكون على بعد أمتار منه. الجميع أصبح متهما إلى أن يثبت العكس ومع هذا يضعون أعمارهم أمانة بيد الله وحده مع سيل من الأدعية والصلوات، وصاروا أيضاً يبحثون عن نقطة آمنة في لحظات عصيبة وصعبة فإن لم يجدوها قرّروا مغادرة منازلهم وأحيائهم مُجدّداً إمّا جنوباً وإمّا بقاعاً أو خلف حدود «دويلتها».

 

بينما يعود حزب الله إلى لبنان
نديم قطيش/الشرق الأوسط/20 تشرين الثاني/15

لا يحاجج عاقل في هزيمة ميليشيا حزب الله الواضحة في سوريا. زُين لقادتها ورعاتها عشية تدخلهم إلى جانب نظام بشار الأسد في حربه على الشعب السوري أنهم قادرون على حسم المعركة. ثم تدحرج التدخل، من حماية القرى الحدودية إلى حماية المقامات إلى الوجود «حيث ينبغي أن نكون» بحسب معادلة حسن نصر الله الشهيرة. ومعه تدحرجت فاتورة الدم التي تدفعها ميليشيا لبنانية تقاتل على أرض لا تعرفها ولا تملك فيها الدوافع التي امتلكتها في القتال ضد إسرائيل، مهما اجتهد مسؤولو الحزب في اختراع قضية مقدسة لجريمة الحرب على الشعب السوري. المفارقة أن فاتورة الدم كانت تتضخم بالتوازي مع تضخم الغموض بنظر عناصر الميليشيا حيال أهداف الحرب ومشروعها وخلاصتها. يصعب أن يكون فاتهم أنهم كلما انخرطوا في الحرب، تبدت هذه المعركة عبثية وأثمانها أكبر مما يمكن احتماله. حين أعلنت ميليشيا حزب الله عن دخولها الكامل في الحرب عام 2012 كان نظام الأسد آيلاً للسقوط بحسب ما اعترف مسؤولون إيرانيون. بعدها بثلاث سنوات، وحين دخلت روسيا الحرب، كان الأسد آيلاً للسقوط أيضًا، كما كشفت التقارير عن زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى سوريا، طالبًا التدخل الروسي لإنقاذ الأسد. فعل حزب الله كل شيء وبقي الأسد آيلاً للسقوط، بل تعاظمت رقعة الأراضي التي خسرها لصالح أسماء كثيرة من بين الفصائل المسلحة المقاتلة في سوريا. وإذا صح ما سربه الإعلام الإسرائيلي، عن إبلاغ فلاديمير بوتين الأسد حين استقبله في موسكو أنه ملزم بالتنازل عن صلاحياته لإطلاق عملية انتقالية تمهد لإنهاء الانهيار في سوريا، تكون ميليشيا حزب الله قد وصلت إلى حائط مسدود في المهمة الموكلة إليها. كل الدماء التي صرفها حزب الله وإيران قطفتها روسيا بلا أي قتيل، وباتت موسكو هي من تدير النظام في دمشق! على هذه الخلفية فاجأ حسن نصر الله الوسط السياسي اللبناني بدعوتين متتاليتين، توسطهما تفجير برج البراجنة، لتسوية سياسية شاملة في لبنان، تشمل رئاسة الجمهورية، والحكومة المقبلة، وقانون الانتخابات البرلمانية، من أجل إعادة تكوين السلطة في لبنان. وفي غمرة انشغال الوسط السياسي اللبناني بقراءة أسباب وظروف وأهداف هذه الدعوة، توقيتًا ومضمونًا، جاء كلام «إيضاحي»، غير معهود بنبرته، من نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، اعتبر فيه أن لا بديل عن التسوية الشاملة لسببين لافتين: الأول، والكلام لقاسم، أن انتظار التطورات الخارجية عقيم، لأن من كان يتوقع أن يربح في الخارج ليربح في الداخل تبيَّن أن هزائم الخارج تتالى وستتالى أكثر فأكثر، والثاني، أن الفرصة ما زالت سانحة في ظل استقرار أمني معقول ومناسب، فنستطيع أن نلملم أوضاعنا، وأن نناقش ونتحاور ونصل إلى النتائج المطلوبة. من حيث لا يقصد أشار قاسم لهزائم الخارج، كأنه يتحدث عن حزب الله، وإن كان يقصد خصومه في لبنان، ممن، للمفارقة، لا يقاتل أي منهم في سوريا إلا في مخيلة الشيخ نعيم وحزبه!
في النص نفسه يتابع قاسم أن «التسوية فيها تنازلات ومكاسب. علينا نحن أن نتنازل مقابل ما نربح، نحن نملك هذه الشجاعة ونتمنى أن يملكها كل القادة في لبنان».حقيقة ما قاله كل من نصر الله وقاسم، يفيد بأن حزب الله يعرف أنه هزم في سوريا، وأنه أمام خيار وحيد بالعودة إلى لبنان. وبالتالي فهو يناور لتخفيف حدة التوتر مع الداخل اللبناني، وتأمين مظلة سياسية تعطل الشهية لتدفيعه أثمان مغامرته التي جر لبنان إليها. يسعى إلى ذلك عبر العودة المفاجئة إلى العنوان الإسرائيلي، ومواجهة الخطر الإسرائيلي كوظيفة لحزب الله، وعبر خلق مناخ توافقي سياسي يعيد تنظيم أولويات الحياة السياسية في لبنان، على قاعدة العناوين السياسية الداخلية، بمعزل عن سلاحه والحرب في سوريا والميليشيات التي يرعاها تحت اسم سرايا المقاومة. كان لافتًا أن يدخل حزب الله في هذه اللحظة، في عظم الشأن الداخلي، مستبدلاً بعنوان «تغيير الدستور» عبر المؤتمر التأسيسي، استراتيجية التمسك بـ«الطائف» لفظًا وربط نزاع مع مضمونه من بوابة «تفسير» الدستور، أي عاد إلى إسرائيل والمقاومة، وإلى الداخل وتنظيم الشراكة، قبل اتضاح فداحة هزيمته في سوريا وقبل اضطراره للخروج بفعل الوقائع الجديدة التي تتكون في الميدان السوري. لا يجوز الفصل بين الإشارات التي يرسلها حزب الله وبين التحولات العميقة التي تعتمل في الداخل الإيراني بعد الاتفاق النووي، واتجاه إيران البطيء، ولكن الأكيد نحو استقرارها كلاعب سياسي إقليمي مهم و«عاقل»، رغم اعتراضات مكونات جدية في النظام على هذا المسار كالحرس الثوري الإيراني الذي يشاغب من بيروت إلى العراق وصولاً إلى البحرين والكويت!! المسؤولية الوطنية توجب عدم الاحتفال بهزيمة حزب الله بل فتح الباب له للعودة إلى رشده وتشجيعه على المزيد من التواضع. أملك كل أسباب الشك في حزب الله ونياته ومشروعه. ولكن لا يملك لبنان حياله إلا التسوية والأمل (أو الوهم؟) أن الجحر ينتج شيئًا غير اللدغات!