نديم قطيش: عن سعد الحريري ودم أبيه/عبد الكريم أبو النصر: الديبلوماسية الأسد والمشروع القاتل

291

عن سعد الحريري ودم أبيه!
نديم قطيش/الشرق الأوسط/13 تشرين الثاني/15
مرعب أن يكتشف زعيم في لبنان بحجم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أن المجتمع اللبناني هش، وأن يقدم ذلك لجمهوره وناسه من أهل الدم، بوصفه لقيا عثر عليها. أتخيل كل الصراخ والدماء والتهديم الذي حصل في مواجهة عبارة «قوة لبنان في ضعفه» والمحاولات اليائسة لإثبات العكس، قبل أن يولد حزب الله، بل قبل أن تكون في إيران ثورة تصدر أحزابًا باسم الله. وضعف لبنان هو تمامًا في ضعف مجتمعه الذي سرعان ما يتشظى قبل أن تسمح طوائفه بانقلابات عليها تتيح لواحدة التحكم في الآخرين. حتى في عز الوصاية السورية على لبنان، لم تنجح كل أوهام القوة في «تنقية» لبنان من الخطاب المسيحي الذي هُزم في الحرب الأهلية وظلت الكنيسة تعبر عن ثوابته في وضح النهار. مرعب اكتشاف نصر الله، لكنه غير مفاجئ. كنت وما زلت من الذين يؤمنون بأن نصر الله لا يعرف البلد. هو ككل العقائديين الكبار، وهو عقائدي صادق في ما يؤمن به، تلتبس عليه الحدود بين الشيء والفكرة عنه، لا سيما حين يتصل الأمر بالمجتمع، هذا الكائن العجيب الذي يمتحن كل الأفكار ويرميها ويعيد تدويرها ثم يرميها ثم يبتكر نقيضها ثم.. ثم.. ثم!! قبل نصر الله، التبس الأمر على اليسار اللبناني بزعامة كمال جنبلاط، وكانت الأخطاء والخطايا بحق البلد، والتي دفعنا وندفع أثمانها إلى يومنا هذا.
لو أدرك نصر الله مبكرًا هشاشة المجتمع اللبناني، لما بالغ في أوهام الاستقواء على الآخرين، ولا أوهام تقوية بعضهم على بعض في لعبة استقطاب سياسي ومجتمعي ومذهبي من أخطر ما واجهه لبنان.
لو أدرك لما كان مضطرًا للرجوع عن توصيف جريمة السابع من مايو (أيار) بـ«اليوم المجيد» الذي أريد له أن يعيد صياغة لبنان، وتقزيمه إلى مجرد «رد فعل» وإجراء حمائي.. ولما كان تورط بعد هذا اليوم، وقبله، بإحاطة نفسه بالشبهة حيال كل دم أريق منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، وصولاً إلى الوزير محمد شطح. لو أدرك نصر الله مبكرًا هشاشة المجتمع اللبناني لما زينت له قوته أن المجتمع يدار بعقلية «تعيين» الرئيس نجيب ميقاتي رئيسًا للحكومة بعد «طرد» الرئيس سعد الحريري، أو بتقوية الجنرال ميشال عون إلى حدود تصريحه بأنه قطع لزعيم لبناني «وان واي تيكيت»، تذكرة ذهاب بلا عودة.
لا غرابة في أن يكون الاثنان، نصر الله وعون، من الجائز الافتراض أنهما لا يعرفان لبنان ولا يعرفان مجتمعه، أو في الحد الأدنى يتقاطعان عند جهل الأول وتجاهل الثاني.
ولا غرابة أن يلوذا بعد كل ما حصل بحجر زاوية وحيد، هو سعد رفيق الحريري، يقيهم شرور الانهيارات المجتمعية والسياسية والمؤسساتية الحاصلة اليوم. بعد سنوات من اتهام السنة بلبنان بأنهم ممن هضموا حقوق المسيحيين وتطاولوا على مواقعهم ومكتسباتهم، وبعد دعايات سياسية لا حصر لها تقوم على نظرية استحواذ السنة على صلاحيات المسيحيين، ها هم قادة الموارنة يخوضون معركة داحس والغبراء مع الزعيم الشيعي نبيه بري، لوضع بند على جدول أعمال مجلس النواب.. ويفشلون. ثم لا تخرج تسوية حفظ ماء الوجه، الشيعي والماروني، إلا من عند سعد الحريري، الذي تنازل لحساب التسوية.
في سياق مشابه، وبعد سنوات من اتهام السنة وزعامتهم الرئيسية بأنهم يعملون في خدمة المشروع الأميركي والصهيوني (ثم يتهمون إسرائيل باغتيال الحريري!!)، ها هو زعيم الشيعة في لبنان يلوذ بالدولة، ويناشد من اتهمهم بالأمس ألا يرفعوا الغطاء عنه إذا ما تعرض لضربة إسرائيلية، بعد أن أجاد في قراءة بيان اللقاء بين باراك أوباما وبنيامين نتنياهو. قرأها بشكل صحيح حسن نصر الله، تلك المساواة في واشنطن بين حزب الله و«داعش». وقرأ بأدق منها رسالة غارات الطائرات الإسرائيلية على أهداف لحزب الله في محيط مطار دمشق بعد لقاء واشنطن. فهو يعرف من يقاتل «داعش»، ويعرف من سيوكل إليه قتال حزب الله، ويعرف أكثر أن كل أوهام القوة لا تحميه إن لم يحمه البلد. المتهِمون هم صناع الأزمات. والمتهَمون هم ولاّدو التسويات والحلول. هذه واحدة من مآسي السياسة في لبنان!المفارقة أن نصر الله حين يخاطب ويتوعد ويهدد إنما يتحدث لجمهور له عند الأمين العام دماء أبنائه وآبائهم. وحين يرغي ويزبد الجنرال ميشال عون إنما يفعل ذلك أمام جمهور له عند الزعيم الماروني أرزاق دُمرت وأوطان تُركت نتيجة حروب الغايات والأهواء.

 

من حقيبة “النهار” الديبلوماسية الأسد و”المشروع القاتل
“عبد الكريم أبو النصر/النهار/13 تشرين الثاني 2015
“السوريون يريدون تدخلاً سياسياً دولياً اقليمياً حازماً وضاغطاً من أجل فرض مشروع حل شامل لازمتهم ينقذهم من معاناتهم الرهيبة ويبني سوريا الجديدة”. هذا ما ابلغه باختصار مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دو ميستورا الى المسؤولين الاميركيين والروس والى جهات غربية أخرى، ناقلاً اليهم حصيلة مشاوراته المكثفة مع مجموعة كبيرة من السوريين، وأضاف: “لن يستطيع السوريون حل أزمتهم ووقف الحرب الداخلية – الاقليمية – الدولية على أرضهم بأنفسهم. والرهان على ذلك خاطئ ويقود الى طريق مسدود والى مواصلة القتال والتدمير. وترك القرار في أيدي السوريين يعني تخلي الدول البارزة عن مسؤولياتها. وقد أجريت طوال اشهر مشاورات مع 230 مجموعة سورية ينتمي أعضاؤها الى المعارضة والنظام والى قوى مستقلة وهم أجمعوا على القول إنهم عاجزون وحدهم عن إنجاز تفاهمات مشتركة تضع حداً للصراع، وشددوا على أن من الضروري ان تتفق الدول الخمس الكبرى والقوى الاقليمية المعنية بالامر والمجتمع الدولي عموماً على مشروع مشترك جدي للحل والعمل على اقناع الافرقاء السوريين بتنفيذه في اشراف الأمم المتحدة وبمساعدتها من أجل الانتقال من مرحلة الحرب الكارثية إلى مرحلة الاستقرار والسلام وإعادة البناء”. هذه المعلومات أطلعنا عليها مسؤول دولي في باريس معني بالملف السوري، وقال: “لقد حصل دو ميستورا على تفويض اميركي – روسي – اقليمي – دولي واضح من أجل التباحث مع ممثلي النظام والمعارضة والافرقاء المعنيين تمهيداً لاطلاق عملية تفاوض جديدة ترتكز على بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 الذي يدعو إلى انتقال السلطة الى نظام جديد وعلى بيان فيينا الأخير. وهذا ما أكده دو ميستورا نفسه علناً في موسكو، وهذا التوجه يعني ان العملية السياسية التفاوضية الجديدة تهدف إلى انجاز الخطوات الأساسية الآتية:
أولا – إنهاء دور الحكومة السورية الحالية وتشكيل حكومة جديدة في اشراف الامم المتحدة وليس في اشراف الرئيس بشار الاسد وعلى أساس التفاوض وتقاسم السلطة بين ممثلي النظام والمعارضة السورية الحقيقية وتكون “ذات صدقية وشاملة وغير طائفية” استناداً إلى نص بيان فيينا الذي وافقت عليه كل الدول المعنية بما فيها روسيا وإيران.
ثانياً – تتولى هذه الحكومة التي تضم ممثلين للنظام والمعارضة السلطة موقتاً وتعمل على وضع دستور جديد وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية تعددية.
ثالثاً – تجري هذه الانتخابات “الشفافة والحرة والنزيهة” في اشراف الامم المتحدة وبالتفاهم مع الحكومة الجديدة ويشارك فيها جميع السوريين بمن فيهم المهاجرون والمقيمون خارج البلد.
رابعاً – يسبق هذه الخطوات العمل الجدي على تنفيذ وقف النار في كل انحاء سوريا من اجل ضمان نجاح عملية انتقال السلطة الى نظام جديد تعددي يحقق التطلعات والمطالب المشروعة لكل مكونات الشعب استناداً الى نص بيان جنيف.
خامساً – تناقش الدول المؤثرة ضمن نطاق هذه العملية السياسية مسألة مصير الأسد بطريقة تساعد على ضمان انتقال السلطة الى نظام جديد وانقاذ سوريا من الجحيم.
وأوضح المسؤول الدولي ان المعلومات التي تلقتها باريس وواشنطن وعواصم أخرى من دمشق ومن مقربين من النظام تفيد “ان هذه التطورات وتفاهمات فيينا أحدثت “صدمة حقيقية” لدى القيادة السورية اذ انها تتناقض كلياً مع توجهات النظام وترفض موقفه الداعي الى مناقشة الحل السياسي بعد القضاء على الارهابيين اي على جميع الثوار والمعارضين استنادا الى مفهوم الأسد. وهذه التفاهمات تهدف اساساً الى تنفيذ “مشروع قاتل” للأسد ينهي حكمه بتركيبته القائمة، وان المطلوب دولياً واقليمياً من الرئيس السوري التعاون مع دو ميستورا والدول المعنية من اجل انهاء نظامه ومساعدة خصومه وحلفائه على إقامة تركيبة جديدة للحكم يختارها السوريون في اشراف الأمم المتحدة للمرة الاولى في تاريخ سوريا منذ أكثر من خمسين سنة”.
وشدد المسؤول الدولي على مسألة مهمة هي “ان القيادة الروسية لن تستطيع أن تنسق مع ايران مشروع نقل السلطة الى نظام جديد وتحوله مشروعاً لابقاء الأسد في الحكم والحفاظ على نظامه لأنها شاركت في انجاز تفاهمات فيينا وجنيف، ولأن ذلك يعني نهاية العملية التفاوضية والحل السياسي وتواصل الحرب. وضمن هذا النطاق قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري لزميله الروسي سيرغي لافروف: “إن الاعتقاد ان الاسد هو الشخص الوحيد الذي يستطيع انقاذ سوريا بعد كل ما فعله بالبلد وبشعبه وهم كبير بل اسطورة. الواقع انه ليس ممكناً وقف الحرب وإعادة إحياء وبناء سوريا ما دام الأسد في الحكم”.