خيرالله خيرالله: بين الوضوح الروسي والغموض الأميركي/داود البصري: سورية وحقل التجارب الروسية/علي العاملي: اميركا بدأت بتسليح المعارضة من اجل استنزاف الروس في سوريا

419

سوريا.. بين الوضوح الروسي والغموض الأميركي
خيرالله خيرالله/المستقبل/12 تشرين الأول/15
في ظلّ الوضوح الروسي والغموض الأميركي، هناك حلقة ضائعة. هذه الحلقة هي الشعب السوري الذي لم يعد هناك من يحسب له حساباً على الرغم من أنّه يبقى إلى إشعار آخر اللاعب الأساسي على الأرض السورية. إنّه اللاعب الأساسي على الرغم من تدفق الأسلحة والمقاتلين الروس والإيرانيين وعناصر الميليشيات الشيعية. تعمل كلّ هذه القوى من اجل اقامة «دولة علوية« تحتكر لنفسها الساحل السوري. كان ملفتاً أنّ التدخل العسكري الروسي جاء من دون أي اعتبار للواقع السوري الذي تعبّر عنه ثورة شعبية مستمرّة منذ ما يزيد على أربع سنوات ونصف سنة. هذه الثورة، التي لم تشهد مثلها أي دولة عربية هي ثورة حقيقية وصادقة قبل أي شيء آخر. إنّها تعبير عن رغبة شعب في استعادة بعض من كرامته. هذا الشعب لا يعترف بنظام جاء نتيجة انقلاب عسكري. لم تكن للنظام السوري أي شرعية من أيّ نوع في يوم من الأيّام. الأكيد أن الإيراني والروسي لن يتمكنا من إيجاد شرعية لا لبشّار الأسد ولا للذين يُعِدّونه للحلول مكانه في الوقت المناسب. بعد أيّام على بدء التصعيد العسكري الروسي في سوريا، وهو تصعيد يستهدف الشعب السوري قبل أيّ شيء آخر، تبدو الصورة واضحة كلّ الوضوح. هناك تنسيق روسي – ايراني في العمق. هناك بكل بساطة توزيع للأدوار بين الجانبين اللذين يسعيان بمشاركة ميليشيا مذهبية لبنانية هي «حزب الله« من أجل خلق واقع جديد على الأرض السورية. يشمل هذا التنسيق، الذي يتضمن توزيعاً للأدوار، اقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بأن التطورات التي تشهدها سوريا، بما في ذلك وجود كلّ هذا العدد من الطائرات الروسية في منطقة الساحل السوري لا يمكن ان تشكّل أي خطر على اسرائيل. في المقابل، كان على نتانياهو اختبار وعود بوتين وان يؤكّد له أن بلاده لا يمكن ان تتهاون حيال كل ما من شأنه مسّ أمنها.
يبدو أنّ اسرائيل اختبرت النيات الروسية ومن خلفها النيات الايرانية، فوجّهت ضربات على مواقع محدّدة في الجولان لم يحصل أي ردّ عليها. كانت هذه الضربات التي جاءت مباشرة بعد زيارة نتانياهو لموسكو بمثابة دليل على ان التنسيق على خير ما يرام بين «حلف الممانعة« من جهة واسرائيل من جهة أخرى.
جاء التدخل العسكري الروسي المباشر في سياق خطة مرسومة وضعتها موسكو مع طهران. فالجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس« في «الحرس الثوري« الإيراني زار العاصمة الروسية مرّتين أخيراً وعقد اجتماعات مع العسكريين الروس بغية وضع الأسس للتنسيق بين الجانبين. كان هناك تعمّد للإعلان عن الزيارتين. اكثر من ذلك، إن معظم الطائرات الروسية التي تحط في اللاذقية ناقلة اسلحة ومعدات، تمرّ في الأجواء الإيرانية والعراقية وذلك لإثبات أن الحلف الروسي – الأميركي أقوى بكثير مما يعتقد.
ماذا يحصل الآن؟ هناك قوات ايرانية على الأرض، فضلاً عن قوات روسية لا تشارك في معارك برّية. وهناك اعادة تجميع للقوات السورية التي ما زالت موالية للنظام وللميليشيات التي انشأتها الأجهزة الأمنية وبعض النافذين. فضلاً عن ذلك، هناك مزيد من العناصر التي يرسلها «حزب الله« إلى الأراضي السورية. الهدف من ذلك كلّه، الإعداد لهجوم برّي يستعيد فيه النظام بعض الأراضي التي يحتاجها لتوسيع رقعة نفوذه وضمان قيام «دولة علوية« ذات امتداد في لبنان. في اطار هذه الخطة، يلعب سلاح الجو الروسي دوراً يغطّي أي تقدّم على الأرض للقوات الإيرانية وتلك التابعة للنظام. ولذلك، كان أوّل ما فعلته الطائرات الروسية المرابطة في الساحل شنّ غارات على مواقع في مناطق قريبة من حمص وحماة وادلب تابعة لـ«الجيش الحر« ولتنظيمات اخرى معتدلة وليس لـ«داعش«. ليس «داعش« في نهاية المطاف سوى مبرّر لمتابعة الحرب على الشعب السوري والسعي الى تصوير الثورة الشعبية في سوريا على غير حقيقتها وذلك خدمة لنظام طائفي امتهن مع حلفائه ممارسة الإرهاب بكل اشكاله منذ ما يزيد على خمسة واربعين عاماً، منذ ما قبل احتكار حافظ الأسد للسلطة في 1970. في ضوء الموقف الأميركي المضحك – المبكي والتصريحات التي تتسم بالتناقض الصادرة عن المسؤولين الأميركيين، لا يمكن إلّا الاعتراف بأنّ الوضع السوري زاد تعقيداً. فالرئيس باراك اوباما، يتكلّم كقس بروتستانتي في قدّاس الأحد، ويبدو كأنّه يكتفي بالكلام الجميل عن الحرّية والديموقراطية والقانون الدولي، لكنّه يترك الأفعال لقيصر الكرملين الذي ينسّق كلّ خطوة من خطواته مع الجانب الإيراني. هذا الجانب الذي اثبت مرّة أخرى أنّه اخضع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لمشيئته. فاذا كانت تصريحات العبادي في شأن التطورات السورية تدلّ على شيء، فإنّها تدل على أن رئيس الوزراء العراقي الحالي ليس، في احسن الأحوال، سوى نسخة أخرى أقلّ فجاجة بقليل من سلفه نوري المالكي. سوريا إلى أين؟ ليس صحيحاً أنّ العالم كلّه، على رأسه تركيا، تخلى عن سوريا والسوريين. هناك بعض العرب الشرفاء الذين يرفضون الرضوخ لما تسعى إلى فرضه واشنطن وموسكو وطهران وحتّى بعض العواصم الأوروبية من بينها برلين حيث الكلام المستغرب الصادر عن المستشارة انجيلا ميركل. كلّما زاد الوضع السوري تعقيداً، زاد وضوحاً. هناك من لم يضع البوصلة، لا لشيء سوى لأن القضية السورية قضيّة شعب أوّلاً. صحيح أنّ سوريا، ككيان، مهدّدة بالتفتيت، لكنّ الصحيح أيضاً أن بقاء شعلة الثورة السورية مضاءة منذ آذار/مارس 2011، لم يكن من باب الصدفة. يصعب ايجاد شعب قادر على الصمود بالطريقة التي صمد بها السوريون على الرغم من كلّ هذا الحصار المفروض عليهم ومن غياب القيادة الواعية. ما لا يستوعبه الروسي والإيراني أن ليس في الإمكان شطب الشعب السوري من المعادلة، حتّى لو باتت طموحاتهما محدودة ومحصورة بـ«الدولة العلويّة«… التي لا يمكن ان تقوم يوماً، وان كانت تحظى بمباركة اسرائيلية. لن تقوم هذه الدولة لسبب في غاية البساطة يتمثل في ان كل حملات التطهير الطائفي والمذهبي والضربات الروسية والغارات الجوّية لا يمكن أن تلغي الأكثرية السنّية في كلّ منطقة من المناطق التي يتألّف منها الكيان السوري.
هل ينجح نموذج بوتين حيث فشل الآخرون؟

سورية وحقل التجارب الروسية!
داود البصري/السياسة/12 تشرين الأول/15
ما أعلنه الامين العام لحلف الـ »ناتو« جينس ستولتنبيرغ, وهورئيس وزراء سابق لمملكة النرويج, عن إستعمال روسيا لأسلحة جديدة ومتطورة في حربها العدوانية على الشعب السوري أمر خطير لم يتم التركيز عليه إعلاميا, ولم تتم الإشارة إليه بشكل تفصيلي وموضح أو موثق, فالمافيا الروسية الجديدة وهي تمارس البلطجة الرثة في الشرق العربي, وتتحالف مع أنظمة فاشية منهارة وساقطة أخلاقيا, وعصابات طائفية مريضة, لم تكتف بالإنضمام العلني لحلف الساقطين وتعزيزه ورفده بأسباب القوة والحياة, بل تحولت لدولة همجية تمارس القتل العشوائي وتستعرض عضلاتها على الفقراء والمستضعفين, وتظهر دورا استعماريا خبيثا لم تحاول إظهاره منذ عهد القيصر بطرس الأكبر, الرئيس الروسي بوتين اليوم وهو يحرك جيوشه لدك الآمنين في بلاد الشام بعد أن دمرهم حليفه نظام دمشق بترسانته الحربية الروسية لنحو خمسة أعوام من القتل المجاني, لم يلتزم بأقل المعايير الأخلاقية التي تؤطر ممارسات دولة كبرى بحجم دولة الإتحاد الروسي التي دخلت للأسف في حروب تدميرية مفتوحة ضد شعوب الشرق في محاولة بائسة للخروج من أزماتها المعقدة وخلافاتها المستعصية مع الغرب الأميركي ومع دول الإتحاد الأوروبي حول مسائل وقضايا القرم وأوكرانيا ومشاريع الغاز والطاقة, فلم تجد غير الشرق العربي مجالا حيويا لغاراتها ولأسلحتها الجديدة القذرة, ومن الملاحظ ان الإعلام الروسي العسكري وهو معروف بتحفظه الشديد أخذ يشير أخيرا وعلنا لمنظومة الأسلحة الروسية الجديدة من صواريخ ودبابات ووسائل إتصالات وتقنيات عسكرية!, وكانت الساحة السورية وقد تحولت لسباق ومهرجان شامل ومسابقة دولية للقتل المجاني هي المجال الحيوي والميدان الطبيعي لتجربة تلكم الأسلحة للأسف, وهي جريمة وفق كل المقاييس لن تستطيع موسكو الإفلات من عواقبها مهما طال الزمان وتغيرت المعادلات, فالجرائم ضد الجنس البشري لا تسقط بالتقادم, وما فعله الاميركيون بأسلحتهم من ذخيرة اليورانيوم المنضب في العراق مثلا يظل شاهدا على وحشية الدول الكبرى التي تتغطى وتتدثر بشعارات وأناشيد حقوق الإنسان المزيفة, وكذلك لن ينسى التاريخ أبدا جرائم جيش الإستعمار الأسباني في شمال المغرب ضد الريفيين في ثورة عبد الكريم الخطابي ضد الإستعمار الأسباني شمال المغرب في عشرينات القرن الماضي وكيف ظلت أمراض السرطان الخبيثة تستوطن المنطقة وتتوارثها الأجيال حتى اليوم, والروس المعتدون ليسوا إستثناء وصواريخهم العابرة للقارات والمستعرضة على رؤوس الفقراء والمحرومين هي علامة عار وإنكسار, وليست دليلا لنصر مبين, فالكلمة الأخيرة في معارك الشام لم تقل بعد, ومشاهد الصراع والمقاومة ضد العدوان الروسي لم تزل مفتوحة على مصراعيها, وأحداث الأيام المقبلة ستكون رهيبة في دلالاتها, وترسانات أسلحة التدمير الشامل الروسية لن تمنع أبدا إنهيار الحليف الأسدي المجرم.
كما أن تخاذل المجتمع الدولي المنافق لن يدوم إلى ما لا نهاية, قد لا يستطيع أحرار الشام والمنطقة, تدمير الآلة الحربية العدوانية الروسية لكنهم بالتأكيد يستطيعون إدماء أنوف الروس وإعادة تذكيرهم بأيامهم الأفغانية السوداء, فالمعركة الفاشية ضد خيارات الشعوب الحرة فاشلة مهما كانت قوة وحجم وطبيعة أدوات وأسلحة القمع. العدوان الروسي وقد وقع, والتحالفات الشيطانية وقد أظهرت قرونها ستؤدي في نهاية المطاف لتبلور موقف مقاوم وجبهة مساندة للشعب السوري الحر, وسيدفع المعتدون الروس وحلفاؤهم أثمانا باهظة لعدوانهم, ولكن لجوء الروس لاستعمال أسلحة جديدة ومتطورة في الصراع السوري يسجل تاريخيا كنقطة إيجابية لصالح الثورة السورية في كونها الثورة الشعبية الأولى في التاريخ التي أخرجت الدب المتوحش الفاشي الروسي من كهفه ومخبئه ليواجه الأحرار, وسيخسر المواجهة لكون الله سبحانه وتعالى يدافع عن الذين آمنوا, ولكون أسلحتهم التدميرية الخبيثة سترتد وبالا عليهم وستدمرهم ذاتيا, فحين أعلنها السوريون قبل سنوات »ما إلنا غيرك يالله«.. كانوا يعلمون علم اليقين حجم التحالف المافيوزي الواسع المجرم للنظام الذي يمتد من محاور الشر والجريمة الممتدة من موسكو وطهران وبغداد وبيروت, وكانوا مشخصين للحالة جيدا, أما اليوم وقد أعلن الامين العام لحلف الـ »ناتو« طبيعة الأسلحة العدوانية الروسية فإن على المجتمع الدولي والدول الكواسر فيه مسؤولية التحرك لمنع إبادة الشعب السوري, وحتى يستيقظ الضمير الدولي النائم فإن أحرار الشام سيواجهون العدوان وسيهزمونه بعون الله.. فأنتظروا مفاجآت الأيام المقبلة.

اميركا بدأت بتسليح المعارضة من اجل استنزاف الروس في سوريا
علي العاملي/جنوبية/11 أكتوبر، 2015
هل قررت اميركا ان تدخل الروس في حرب استنزاف في سوريا على الطريقة الافغانية التي اذت الى هزيمة السوفيات وخروجهم المذل من افغانستان في ثمانينات القرن الماضي؟ هناك مؤشرات ميدانية ترجّح ذلك فما هي؟
قال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، على هامش إجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي الذي عقد قبل ثلاثة ايام، أن التدخل الروسي في سوريا ستكون له عواقب وخيمة على روسيا نفسها، مؤكدًا بأنها “ستبدأ في تكبّد خسائر بشرية خلال الأيام المقبلة”. وقد تلا هذا التصريح تطور أميركي لافت ،اذ استغنت واشنطن عن تدريب مقاتلين “معتدلين” من فوات المعارضة واستبدلته بتسليح ودعم مباشر لبعض تشكيلات الجيش السوري الحر، فأعلن “البنتاغون” بأن أميركا ستقدّم سلاحًا وعتادًا لـ “قادة مختارين” في المعارضة السورية، وبأنها ستؤمن لهم غطاءً جويًا في معركتهم بوجه تنظيم “داعش”. كما نقلت قناة “بي بي سي” البريطانية نقلا عن مسؤول سعودي رفض ذكر اسمه، بأن “المملكة العربية السعودية قررت مدّ الثوار السوريين بأسلحة متطورة”، مؤكدًا بأن بلاده “ستقدّم المزيد من المعدات العسكرية للمجموعات التي تقاتل ضد الروس والإيرانيين وحزب الله وقوات الأسد في سوريا”، كما ولم يستبعد أن يُزوّد الثوار بصواريخ أرض – جو ليتمكنوا من التصدّي للغارات الجوية التي يشنها الروس عليهم. هذا وكشف نائب رئيس الإئتلاف السوري المعارض هشام مروة، خلال مقابلة صحفية نُشرت في الخامس من الشهر الحالي، عن إجتماعات بين الإئتلاف والفصائل العسكرية بهدف الاستعداد لتنفيذ عمليات نوعية ضد الروس في سوريا، مؤكدًا بأنهم ينتظرون “الاعلان عن تفاصيل التنفيذ فقط”. وبدأت بعض المعلومات الصحفية تتحدث عن ارادة أميركية في تغيير تكتيك دعمها للمعارضة وتفعيله وتكثيفه وعن معارك موضعية مرتقبة تهدف لإيقاع خسائر بشرية في صفوف الروس الموجودين في سوريا، وهذا ما يراه المتابعون “تطورًا لافتًا جدًا” في شكله ومضمونه وتوقيته سيّما في ظل الإحصائيات الأخيرة التي تحدثت عن أن غالبية الشعب الروسي ترفض التدخل العسكري في سوريا نتيجة مخاوفها من حرب طويلة، وبالتالي خسائر بشرية واقتصادية مباشرة. ويرى المراقبون الذين تابعوا الهجوم البري السوري الايراني قبل ايام على ريفي حماة واللاذقية المدعوم من سلاح الجو الروسي مدى تأثير صواريخ تاو الاميركية المعدلة على المعركة والتي زوّدت بها فصائل المعارضة حديثا، وهي ادت بدخولها المعركة بكثافة الى تفشيل الهجوم حتى الان، وقتل قائد الهجوم الايراني الجنرال همداني الذي نعته اطهران اول امس، وكذلك قتل قائد وحدات حزب الله المهاجمة حسن الحاج (ابو محمد الاقليم) الذي نعاه الحزب امس، اضافة الى تدمير عشرات الدبابات السورية ومقتل اطقمها كما افادت مصادر اعلامية مستقلة، وهذا انما يدل عن فعالية السلاح الاميركي من جهة، ويؤشّر الى ان التكثيف من الامداد بهذا السلاح وغيره الاكثر تطورا ليشمل الصواريخ المضادة للطائرات فان ذلك من شانه اعادة الامور الى نصابها ميدانيا، وربما الى قلب الموازين العسكرية لصالح المعارضة بعد استنزاف الروسي جوّا وربما البرّي اذا ما حاول الكرملين ان ينقذ الحليف السوري نظام الاسد في مبادرة يائسة اخيرة.