داود البصري:غلطة بوتين الكبرى/ثريا شاهين: واشنطن مقتنعة أن روسيا لن تنجح في ضرباتها//بول شاوول: بوتين يخطف دورَ إيران

491

غلطة بوتين الكبرى
داود البصري/السياسة/11 تشرين الأول/15
الجريمة الكبرى التي إقترفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعدوان على الشعب السوري ومحاولة إجهاض ثورته الشعبية, وحقن أكسير الحياة من جديد في أوردة النظام السوري المجرم, هي أكبر من كبوة, بل أنها جريمة ستراتيجية مع سبق الإصرار والترصد.
بعد أربع سنوات ونيف من المجازر المنظمة التي إرتكبها النظام السوري ضد شعبه الثائر,وصل المشروع الفاشي للنظام لنهايته الحتمية, وأنهارت خطوطه الدفاعية بشكل مريع , وفشل حلفاؤه الإقليميون في لبنان والعراق وإيران في توفير مستلزمات الصمود والبقاء له, وهنا تدخل الدب الروسي الحليف الستراتيجي القديم للنظام وأبرز مخالبه ليصل للمرة الأولى ومنذ عقود للمياه الدافئة بشكل هجومي فظ عبر عن نفسه بيافطة القضاء على التنظيمات الإرهابية! ومن واقع الدفاع عن ما أسماه الأمن القومي الروسي في الجمهوريات الإسلامية الدائرة في فلك الإتحاد الروسي!
ولقد كان تبرير التدخل العسكري الوحشي فظا وبائسا ومعبرا عن إفلاس قيمي وأخلاقي حقيقي , لكون هذا التدخل لم يأت أبدا لحماية الناس أو لمنع الأذى والضرر عن الشعب السوري الذي ظل ولسنوات طوال يتعرض لحرب إبادة بالسلاح الروسي وتكفلت البراميل القذرة التي تلقيها طائرات النظام الروسية بإبادة آلاف السوريين في محاولة لمنع إنتشار نيران الثورة الشعبية التي توسعت وخرجت عن السيطرة لتتحول مهمة إجهاضها لمسؤولية مافيا الدولية التي تمثل روسيا قطبا رئيسيا من أقطابها, لقد ضربت الطائرات الروسية أهدافها التي لم تتضمن أوكار الإرهاب كما أعلن , بل توجهت صوب ضرب القوى الحرة والمدنيين الأبرياء وبوحشية أممية يتفرج عليها العالم الحر ببشاعة وبما يهدد فعلا بتدويل المعركة وتحولها لنزاع دولي , ولعل قيام الأسطول الروسي بقصف الشعب السوري من البوارج الرابضة في بحر قزوين بعشرات الصواريخ العابرة للحدود إيحاء واضحا بتمدد المجال الحيوي الروسي ليشمل العراق والشام , وحيث باتت حكومة العراق تنتظر هي الأخرى إستعمال مخالب الدب الروسي في الخروج من فشلها المتكرر, كما إدت الدعايات الطائفية دورها الهزلي في تسويق العدوان الروسي ومنحه أبعادا ملحمية تتناسب وتسويق الروايات الخرافية التي أضحى لها في ظل الهرجلة القائمة في الشرق سوقا واسعا للأسف.
الهجوم الروسي لن يعزز الأمن والسلام بل سيفتح جميع بوابات الشياطين وبما سيحول المنطقة لجحيم إرهابي مذهل ستحرق شظاياه الأطراف المتورطة في العدوان , وهي أطراف متناقضة فكريا وسلوكيا, لكن تجمعها مصالح البقاء والهيمنة , وتمدد الدب الروسي نحو المواقع الأميركية في بغداد سيؤدي حتما لصدام كبير على صعيد تضارب المصالح المتلاطمة في المنطقة ورغم سعي الحكومة العراقية المحموم لجلب الدب الروسي إلى المستنقع العراقي إلا أن الطريق لذلك ليس مفروشا بالورود والرياحين والروس يعلمون ذلك جيدا وقضية تجاوز التنسيق المخابراتي مع العراقيين لفعل عسكري ميداني ستؤدي لجعل الروس والأهداف الروسية هدفا مباشرا للمقاومة العراقية كما هو شأنهم مع المعارضة السورية!,ولعل في تأكيد الإعلام الروسي مباركة الكنيسة الأرثوذكسية للعمليات العسكرية في سورية هو بمثابة تصرف إعلامي أحمق ويصب بإتجاه صب الزيت على النار لكونه يترك إنطباعا عن أبعاد دينية وعقائدية للتحرك العدواني الروسي الذي يشكل سابقة تاريخية في التاريخ الروسي المعاصر , فروسيا لا تمتلك تاريخا إستعماريا في المنطقة بل كانت معروفة بمساندتها لحركات التحرر في العالم الثالث أيام الحقبة الشيوعية المنقرضة , وحتى التدخل السوفياتي السابق في أفغانستان فقد كان لحماية نظام أفغاني شيوعي حليف في أشد فترات الحرب الكونية الباردة سخونة , أما العمليات العسكرية الروسية الحالية فهي عمل إجرامي محض يتمثل أولا في حماية نظام مرفوض من شعبه وثانيا في المساهمة الروسية الفاعلة بتعزيز وحماية إرهاب النظام السوري عبر مزيد من الإرهاب الموجه ضد الشعوب الحرة , وهو أمر ستكون له تداعيات مستقبلية خطيرة سترتد نتائجها وتبعاتها على الوضع الداخلي السوري , يستطيع الروس اليوم المباهاة بقدرتهم التكنولوجية والصاروخية البعيدة المدى ولكن ذلك لن يوفر لهم الحماية ولن يمنع إنفلات عمليات العنف المفرط, بل لن يضمن أبدا تحقيق السلم الإقليمي المنشود.. الجريمة الروسية عمل شائن ولا أخلاقي يثير في النفس الأسى والحزن على تخاذل المجتمع الدولي في حماية الشعوب الضعيفة الرافضة للفاشية والظلم والعدوان.. وقائع وإرهاصات جديدة تتشكل في الشرق القديم وثمة أهوال كبيرة مقبلة مالم يرتدع المعتدون ويكفوا اذاهم عن الشعوب الحرة قبل أن يلوت وقت مندم.

 

واشنطن مقتنعة أن روسيا لن تنجح في ضرباتها
ثريا شاهين/المستقبل/11 تشرين الأول/15
تؤكد مصادر ديبلوماسية في الأمم المتحدة في نيويورك، أن السلوك العسكري الروسي في سوريا، يأتي في اطار تموضع روسيا في المنطقة، في وقت لم يخرج رد الفعل الغربي على سلوكها عن الادانة. ولكن لماذا لم يخرج رد الفعل الغربي والأميركي تحديداً عن الادانة؟ تجيب المصادر: اولاً: لأن الادارة الاميركية تعتبر ان كل المؤشرات تدل على أن موسكو لن تنجح في ضرباتها، واذا كانت تريد مكافحة الارهاب عبر محاربة «داعش» فهذا جيد، انما الرئيس الأميركي باراك أوباما أكد أنه لن يقوم بحرب مع روسيا في سوريا.
ثانياً: ان التحرك الروسي العسكري جاء بعد سنة من بدء التحالف الدولي ضرباته على «داعش». وبعد أكثر من ستة اشهر على تدريب واشنطن المعارضة المعتدلة وتسليحها.
ثالثاً: جاء التحرك الروسي بعد نحو شهرين على توقيع الاتفاق النووي بين الغرب وايران. وارادت روسيا ان تعزز تموضعها قبل ان يجلس كل الأطراف الى طاولة التفاوض حول ملفات المنطقة.
رابعاً: الضربات الروسية تأتي عشية تشكيل اللجان الاربع التي طرح الموفد الدولي لحل الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا تشكيلها، المتوقع خلال تشرين الأول الجاري. ومنذ نحو ثلاثة اشهر قال دي ميستورا ان الرئيس السوري بشار الاسد هو جزء من الحل. وهذا التصريح جرى حوله أخذ ورد.
ونتيجة لتدفق اللجوء السوري الى أوروبا اخيراً، بدأ المسؤولون الأوروبيون يعتبرون أن اللجوء سببه الوضع الأمني والسياسي الراهن وأن الحل العسكري في سوريا غير ممكن، فقبلوا بأن يكون الأسد في المرحلة الانتقالية للحل على أن يخرج من السلطة في نهايتها. وحدها فرنسا لا تزال متصلبة في الموقف حيال الاسد، ويصعب عليها اعتباره جزءاً من الحل ولو في المرحلة الانتقالية.
هناك شكوك دولية وأميركية حول قدرة روسيا على الاستمرار في تمويل الأسد وتسليحه، وما إذا سيعود كما كان عليه قبل تعاظم النزاع. والسؤال هل تكون له دولة علوية من اللاذقية وطرطوس ومحيطهما؟.
الضربات الروسية جاءت أيضاً، بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لموسكو الشهر الماضي.
كل الأطراف الدولية متفقة على حصول ضربات عسكرية روسية ولكن لأسباب مختلفة، وفقاً للمصادر. الروس لدعم النظام ومحاربة «داعش» أو هكذا يقولون. اسرائيل لمحاربة «داعش» وكذلك الأميركيون أما إيران و»حزب الله» فيريدان الضربات لدعم الأسد ومحاربة «داعش».
الاجتماعات الدولية التي حصلت على هامش افتتاح الدورة الـ 70 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لم تؤد الى اتفاق حول الحل في سوريا أو تغيير النظام. ومحاربة «داعش» كانت أساسية.
وتعتبر روسيا، بحسب المصادر، أن الادارة الأميركية الحالية هي الأضعف في السنة الأخيرة لولايتها، وأوباما أعلن أنه لن يدخل حرباً مع الروس. وبالتالي، هذا ما يعزز انطباعات الروس بأنه لن يكون هناك رد فعل قاس من جانب واشنطن، ولن تحصل مواجهات.
هناك الآن تغيير في المنظومة الدولية، بمعنى الانتقال من دولة عظمى الى دول تسعى الى تعزيز سلطتها دولياً ومن بينها روسيا. بدأ هذا المنحى في التعامل مع اوكرانيا، ولم يتحرك الغرب، وقبل ذلك في 2008 ساعدت روسيا اوسيتيا وابخازيا لتنفصلا عن جورجيا. والآن جرى التحرك الروسي العسكري في سوريا.
ان كثافة اللجوء السوري الى أوروبا، وحدته، ثم عدم الرد الا كلامياً على سلوك موسكو والتمسك بشعار الحرب على الارهاب، يحكمان الموقف الدولي من الوضع السوري.
وتذكر المصادر بالتدخل العسكري المباشر في أفغانستان، حيث تارة كان يحدث للدفاع عن النظام وطوراً لتغييره، وان ذلك يؤثر سلباً على الدولة نفسها، ولا يعني حتماً امكان التوصل إلى حل محدد لوضعها.
في ما يتصل تحديداً بالموقف الإسرائيلي من التدخل العسكري الروسي، فان زيارة نتنياهو لموسكو أدت الى تفاهم بين الجانبين حول عدم الاصطدام على الارض السورية. حيث ان الوجود العسكري الروسي في سوريا في الاساس وقبل الضربات يقلق اسرائيل التي تقوم بعمليات على الاراضي السورية بين وقت وآخر.
وجرى تنسيق روسي ـ إسرائيلي عسكري تلافياً لحدوث اي احتكاك أو تصادم بشكل غير مرغوب فيه فوق الأراضي السورية. وتم الاتفاق على اتخاذ كل الاجراءات الكفيلة بمنع حصول اي اصطدام. وكان رافق نتنياهو إلى موسكو وفد عسكري رفيع لهذه الغاية. كما زار وفد عسكري روسي قبل أيام اسرائيل لهذه الغاية.

بوتين يخطف دورَ إيران؟
بول شاوول/المستقبل/11 تشرين الأول/15
لماذا قرّر بوتين أن «يغزو» سوريا في هذه اللحظة بالذات، رسمياً، وبشكل مباشر وعلني حاملاً تبريراته وأسبابه وحتى أهدافه على الأقل الظاهرة. كانت روسيا بخبرائها وأسلحتها ودعمها للنظام موجودة من قبل، لكن بطريقة محدودة ومحددة. بل ان النظام السوري ومسؤولين من روسيا، ينفون أحياناً وجود مثل هذا التدخل الذي كان ظاهراً وموارباً في آن واحد. اليوم، برز بشكل اعلامي «مجلجل» إلى درجة التضخيم، أو «التعظيم» أو على العكس التنديد والاستنكار. وعلى غرار التورط الإيراني (مع ادواته الأصلية) (فيلق القدس وقائده المهزوم سليماني)، أو المستعار (حزب الله وبعض المجموعات الشيعية) فإن الروس وفي هذه المرحلة جاهروا وأعلنوا وقدِموا وأقدموا. عال! جاؤوا والساحة السورية يتقاسمها داعش وإيران والجيش الحر. وبالتدريج: كاد النظام على وشك السقوط فأنجده حزب الله بتكليف «شرعي» أو «تشريعي» أو تبريري فتأجل ذلك السقوط ثم، جاء دور داعش، ولا نعرف حتى الآن، أهو يحارب «النظام» وهذا مستبعد، أم جاء بمهمة تخدم الأسد، بالتركيز على الجيش الحر وتشتيت المعارضة. ومنذ دخول «داعش» بدأت سيطرة النظام تتضاءل: من 30 بالمئة إلى 20 بل أقل. وعلى الرغم من عدم وقوع تصادمات تذكر بين النظام وحزب الله من جهة مع «داعش» فإن حزب إيران بدأ حضوره ينكمش ودوره يتقلص. ولم ينجح لا داعش ولا «فيلق القدس» ولا الحزب من منع جيش النظام من التفتت والعجز….. فهل ان قرار بوتين الدخول مباشرة في هذه الحرب عائد إلى فشل الإيرانيين وأدواتهم؟ ربما! وعلى الأرجح نعم. وهل تعتبر خطوة روسيا منعشة للخيبات الإيرانية، أم معززة لحضورهم، ومؤازرة لجهودهم، لبعث «نظام البعث» المُحتضَر؟ هذه الأسئلة تستدعي أخرى: أترى إيران منزعجة ومرتبكة ومتخوفة من دخول روسيا المعترك بهذا الحجم؟ هناك، من يُصر على ارتياح إيران لمثل هذه المبادرة، خصوصاً اعلان الدولة الفارسية وتوابعها… اما بعضهم الآخر فيرى أن ايران تعض على جروحها: فهي لم تعد المهيمنة الرئيسية على سوريا وحتى على قرارات قصر المهاجرين وعلى مسار المعارك. جاء «شريك» مفخخ شاطَرَها في البداية هذه الهيمنة لتصير ايران في الخلفية لا في الواجهة.
كل هذا يُستشف من التصريحات الإيرانية المتناقضة. فقد قال روحاني في أحد اللقاءات الصحافية مؤخراً «ليس هناك تحالف بين ايران وروسيا لمواجهة الارهاب في سوريا» لتقابله تصريحات ايرانية مضادة: «التمدد الروسي في اللاذقية قد تم بالتنسيق مع طهران!» اعلام المقاومة المرحومة والممانعة «اللوناتيكية» سبق الجميع في «الاحتفال» اللفظي بهذا الدخول المجلجل لروسيا تحت شعارات مضحكة «انه جاء لمحاربة الارهاب ودعم حلفاء النظام»: «انتصار جديد» مستعار لحزب سليماني. لكن بوتين في مكان آخر. صحيح انه دشن النشاط الجوي بقصف الجيش الحر، وليس داعش، (وهذا مبتغى إيران التي قلما تصادمت أدواتها العملية بداعش) لكنه جاء من عدة أمكنة؛ وعندما سأل الصحافي شارل روز الرئيس الروسي عما إذا كانت بلاده ارسلت فرقها العسكرية لمنع سقوط الأسد، رد بالإيجاب! فإزاء البلبلة الروسية وضوح بوتين.
[ ما وراء بوتين
لكن حتى هذه التصريحات الآتية من جهات متعددة، فإن وراءها ما وراءها، وفي واقعها وخلفياتها ما يخفي النيات الحقيقية، لكنها مع هذا تظهر ان الخطوات الروسية فاجأت القيادات الإيرانية والمفاجأة ذاتها تعني عدم رضاها ولسان حالها يقول: كانت روسيا حليفاً بعيداً لدعم الأسد ووفرت معنا له الأسلحة والطائرات والخبراء والمساعدات. كما ان روسيا، وبعيداً، استخدمت «حق اليتو» مرات في مجلس الأمن لمنع قرارات ضد الأسد. تماماً كما فعلت إيران. لكن يبدو ان اللعبة قد أصابها تعديل، أو تبديل، أو اضيفت إليها عناصر جديدة، لم تكن في الحسبان» فالتدخل غير المتوقع للروس (أولاً ينفي امكانية التنسيق حوله) يغير أو يقلب المعطيات الأساسية نفسها التي دفعت بإيران لوضع ثقلها في سوريا. فروسيا لم تعد مجرد داعمة عن بُعد ومن وراء الحدود فها هي صارت في الميدان بجيشها وفرقها وطائراتها وسفنها الحربية… وبين ليلة وضحاها فرض الروس تأثيرهم وهذا لا يأخذ من حساب داعش كما بدا حتى الآن. ولكن من حساب إيران. جاء حضور ميداني على انقاض فشلهم أو على انقاض عدم قدرتهم على إيقاف تدهور الجيش السوري ورئيس ما تبقى من اللانظام» وهذا يعني على المديين القريب والبعيد نزع الورقة السورية من القبضة الإيرانية. أي توجيه المسارات بمشيئة روسية فكلما ازداد تأثيرها ضعف تأثير إيران. ومعروف ان سوريا بالنسبة إلى إيران (وأكثر من العراق) هي القاعدة الأساسية لانطلاق مشروع هيمنتها في المنطقة، وخصوصاً في لبنان. وما «اختراع» حزب الله وتسليحه وتمويله ودعمه إلا ليكون جزءاً من مخططاتها التدميرية للبنان وللعالم العربي. لكن بوتين الذي استغل عجز أوباما وبلبلته وتراجعه وجبنه، ها هو يقتنص الفرصة «الذهبية» لملء الفراغ الأميركي أي لاستعادة الوجود السوياتي القديم، لكن بسحنة قومية روسية. كما ان بوتين، ومن خلفياته، أراد تحديداً من هذه الخطوة كأولويات ان يسترجع المواقع التي خسرها في العالم جراء الغزو الأوكراني، وكسر عزلته والتعويض عن الأزمات الاقتصادية التي أصابت بلاده جراء الحصار الاقتصادي الغربي عليها. وهذا انعكس بقوة على النظامين السوري والإيراني اللذين بدوا وكأنهما صارا أسيري الطموحات الروسية. فلم يعد ينفعهما تواطؤ أوباما معهما ولا حتى اسرائيل ولا الصين… فقد جاء الدب الروسي إلى الساحة بكل قوته وجنونه وغرائزه وشهواته وجوعه.
[ الدب والثعلب
«فبوتين» «الدب» هو ثعلب أيضاً. من الصعب توقع أي التزام منه، سواء لايران أو لسوريا.. فهو لم يأت بهذا الضجيج المجلجل، ليكون طرفاً متساوياً أو ثانوياً مع إيران. بل جاء (ربما) ليكون هو الطرف تماماً كما جاءت القوات السورية من ضمن قوات الردع العربية إلى لبنان وما لبث حافظ الأسد ان عطّل كل القوى العربية المشاركة، ليكون هو القوة الوحيدة الحاسمة في لبنان. هذا ما يفعله بوتين تماماً! ومنذ أسابيع أو أكثر، ها هو بوتين يخطو مع أوباما خطى ملتبسة. فمن جهة انتقد الرئيس الأميركي التدخل الروسي ثم ما لبث ان طالب بالتنسيق الأميركي معها ليفضي الأمر إلى «اتفاق» سري بينهما! ومن الطبيعي أن «يلعب» الفأر في عب خامنئي وروحاني وعملائهما في لبنان وسوريا. وعندما راح الإعلام الفارسي والمقاوم والممانع يشيد بأن روسيا ستكون درعاً واقية ضد توغل الطيران الإسرائيلي الحربي في أجواء سوريا، لضرب مواقع لحزب الله والنظام، ها هو بوتين يجتمع بنتنياهو. اجتماع الأحبة والخُلاّن (تماماً كما اجتمع ظريف وكيري اجتماع الأحبة والخُلاّن)، وينحني للإرادة الإسرائيلية للسماح للطيران الإسرائيلي بالاستمرار في قيامه بطلعات في الأجواء الروسية لضرب تداخل الأسلحة المرسلة من إيران إلى «حزب الله»! يا للخيبة! (لكن هل الآتي أعظم؟). أقصد هل ستتمظهر الأهداف الروسية شيئاً فشيئاً، سواء في طموحاتها، أو في تطلعاتها الدولية؟
[ الفجوات
وهل، في المقابل، ستتوسع الفجوات بين المتنافسين الرئيسيين على سوريا؟ وهذا السؤال قد يجيب عنه، أو يجيب عن جزء منه، حشد حزب الله 3000 مقاتل لإرسالهم إلى الميادين السورية. أليس غريباً أن يقرر هذا الحزب تنفيذاً للمشيئة الإيرانية حشد هذه الكمية من المقاتلين بعد دخول الروس بدباباتهم، وصواريخهم، وبوارجهم، وطائراتهم، وفيالقهم البرية؟ فالمنطق يقول (إذا كان ثمة منطق) أن يرتاح الحزب كثيراً لانخراط «حليفه» في المعمعة السورية، لضرب داعش (هذا ما لم يفعله نظام الأسد ولا فيلق الخيانة ولا حزب الفرس!). ألا توحي هذه الخطوة أن إيران ستزج بقوات أخرى في سوريا، لكي تتمكن من «منافسة» الحضور الروسي ميدانياً وسياسياً؟ أكثر، ألا يشير ذلك وبصراحة إلى أن نظام الملالي، الذي قد يكون في حالة ارتياب، يتوجس مفاجآت قد يقدم عليها بوتين خدمة لأهدافه الحقيقية، في التحضير لحلول في سوريا، والتصرف بفردانية، واستقلالية عنه؟
[ رأس «الجيش الحر»
صحيح أن روسيا في إعلانها جهاراً أنها تريد رأس داعش، و»النصرة» لكن في الأساس تريد رأس «الجيش الحر» أوليس هذا ما فعله أوباما (عندما رفض تسليح هذا الجيش)، وإسرائيل عندما دعمت كل ما من شأنه بقاء الأسد «لأنها اعتبرت سقوطه كارثة عليها»، وإيران التي هادنت سراً داعش، وحاربته في إعلامها، لتكون التصفية الأخيرة في التسوية (المفترضة) بين داعش الإرهابي والنظام السوري «المدني» و»الإنساني» و»الديموقراطي»؟ إذاً «داعش» جُعل فزاعة للسوريين والغرب، وهو «صنيعة روسيا»، تموله وتدعمه بالقدر الذي هو أيضاً صنيعة سجون الأسد وإيران! وإذا كان بوتين يبني سياسته البروباغندية على اعتبار أنه يحارب الإرهاب المتمثل بداعش، فإنه يركز على «النصرة»، وعلى الجيش الحر، وعلى القوى المدنية في سوريا، جذباً لانتباه العالم وخصوصاً أوروبا التي اخترق فيها داعش والقاعدة مجتمعاتها وهدد أمنها. فكأنه يقول «أنا أحارب عنكم داعش» فكافئوني واكسروا الحصار الاقتصادي عن بلادي، واعترفوا بشرعية غزوتي لأوكرانيا. فالإرهاب يلجأ إلى الإرهاب لتمويه صورته. لكن بوتين قد يذهب إلى أكثر من ذلك، إذ كان له أن يستفرد بأوراق الحل (بعيداً عن إيران)، فلربما اعتقد أنه وبالاتفاق مع أوروبا والولايات المتحدة يرغم الأسد على تنظيم انتخابات (وهذا ما أوردته بعض الصحف الغربية)، وصولاً إلى التنسيق مع عناصر من المعارضة «بمن فيهم المعارضون لإيران والأسد». هل هذا محتمل؟ ولمَ لا! وربما أكثر! وافتراضاً: ما الذي يمنع بوتين الذي لا يحب أصلاً أن يشاركه أحدٌ لا في حكم روسيا، ولا في أوراق سوريا، من الانفتاح على مكونات أخرى كالسُنّة (وهم أعداء لإيران) كبعض دول الخليج وحتى مصر في ترتيب مستقبل سوريا! (لكن أوليس هذا ما يقض مضاجع الملالي؟).
[ التخلي عن إيران؟
أكثر: وما الذي يمنع بوتين، الذي جمع في شخصيته رمزين: ستالين والقيصر في إعلانه «القومي» الأوراسي والسياسي والقمعي والوحشي، ما الذي يمنع مثله أن يوسع دائرة تنسيقه لتصل إلى قوى وجهات أخرى، وعند ذلك، ما الذي يحول دون تخليه عن إيران نفسها؟ فبين الولايات المتحدة وأوروبا وإيران لا يفضل هذه الأخيرة. فحساباته هناك. والحصار الاقتصادي الذي يتعرض له، بتداعياته الكارثية على الشعب الروسي، سبق أن تعرضت له إيران من هذه الجهات القادرة نفسها فأبرمت مع أميركا اتفاقها النووي.
لكن كل هذه الأسئلة، والمخاوف، والارتيابات، ما زالت من باب الافتراض، ومن باب المخططات المرسومة في العقول وعلى الورق. وقد تنقلب على بوتين وعلى إيران، كما انقلبت حسابات داعش وإيران ونظام الأسد عليهم جميعاً. فالدب الذي يريد أن يرقص يهشّم كل الراقصين على الحلبة والمثل الشعبي معروف «إجا الدب تا يرقص قتل سبعة تمان أنفس»! وهذا الراقص «المحترف» قد يعود على هذا الدب بالإنهاك، والتعب، وتشوش الحسابات. وكما أن حزب الله منذ دخول داعش المعترك (لضرب الجيش الحر وخدمة النظام)، قد تراجع، وتراجعت معه سيطرة الأسد من 30 في المئة إلى 15 في المئة من الأراضي السورية، فلماذا لا يحصل الأمر ذاته مع روسيا. فمجيء هذه الأخيرة سيستجلب مزيداً من المقاتلين وربما المتشددين، وسيحمل دولاً ما على زيادة مساعداتها للمعارضة تسليحاً ومالاً. وعلى الأرض السورية الشاسعة قد يغرق بوتين في الوحول التي ظنها «أوتوسترادات» سهلة، كما غرق الجيش الأميركي في فييتنام والعراق، وانكسر على الجبهتين. فبوتين جاء «غازياً»، وإذا كان سيرى أنه من المفيد أن يُضعف كل الأفرقاء في سوريا وخصوصاً إيران، فهذا لا يعني أنه سيهادن دول الجوار. فطموحاته الغبية قد تشملها، كالسعودية والخليج ولبنان…
وعلى هذا الأساس، فإن شخصيته التي تقتنص «الفرص» العابرة، قد تصطدم في المستقبل بمعرفة أن ما هو عابر يوفر انتصارات عابرة. ولذا، سيجد ضرورياً أن يعوض بجبهات أخرى تعويضاً عن انتكاسة هنا أو هناك! وهنا بالذات يقع في «الفوضى» التي أراد أن ينشرها، (كما إيران وحزبها المستعار والمستأجر) حوله.
فخطورة بوتين لا تكمن فقط في استفراد سيادته على سوريا… بل أيضاً في تحوله في النهاية مجرد مرتزقْ على أبواب إسرائيل والعالم… لإنقاذه من جنونه!