أحمد الأسعد: طاولة التهديد/خليل حلو: التطورات السورية على ضوء الضربات الروسية/حـازم الأميـن: فساد العونية غير المبتسم/حسام عيتاني: الأمن وجهٌ للدولة الفاشلة

313

طاولة…التهديد
أحمد الأسعد/08 تشرين الأول/15
من بداية اجتماعات ما يسمى “الحوار الوطني” ، لم نكن مقتنعين بجدوى التحاور مع طرف يمتلك السلاح، ولا يتردد في استخدامه لفرض ما يريد أو لتغيير المعادلات الداخلية. واليوم، جاء التهديد الذي أطلقه ممثل حزب الله في اجتماعات مجلس النواب الحوارية، ليؤكد ما كنا نقوله . فحزب الله قالها بصراحة على طاولة الحوار: “إذا تعامل أي طرف مع سلاحنا كما حصل في الماضي فسنتعامل معه كما فعلنا في الماضي”. تحت هذا السقف، يمكن لحزب الله إذا أراد أن يعتبر كل ما لا يرضى عنه سياسياً مسّاً بسلاحه، وأن يتعامل معه تالياً كما فعل في الماضي، أي على طريقة 7 أيار. وتحت هذا السقف، يمكن لحزب الله مثلاً أن يبرر 7 أيار جديداً اذا لم يكن راضيا” عن  قرار ما. وتحت سقف هذا التهديد يدرك حزب الله جيدا” بأن التهديد كاف لكي تنصاع قيادات 14 آذار . ففي 7 أيار 2008، عندما كان المجتمع الدولي بأجمعه معني بما يجري في لبنان، راهن حزب الله و كان محقا” في رهانه بأن الهلع سيدب في نفوس قيادات 14 آذار ويستسلمون بالتالي لجميع مطالبه بمجرد اقحام شبيحته في شوارع بيروت. لذا يؤمن حزب الله بأن الهلع والإستسلام لدى قيادات 14 آذار اكبر بكثير اليوم في ظل انعدام اهتمام المجتمع الدولي بالملف اللبناني . في ظل كل ذلك، نؤكد المؤكد: لا نفع من الحوار مع حزب الله ما دام يحاور بسلاحه. وحده هو يستفيد من التحاور معه، لأنه يكسب الوقت ويربح مهادنة من الطرف الآخر بحجة تبريد الإحتقان. وبينما الآخرون، أي فريق 14 آذار يمشون في لعبة الحزب، ويقدمون المزيد من التنزلات من خلال جلوسهم معه إلى طاولة الحوار، أو بالأحرى طاولة التهديد، يستمر هو في توريط لبنان في كل بؤر التوتر والنزاعات العربية، خلافاً لرأي الغالبية الساحقة من اللبنانيين. ومع أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حذّر أمس من خطورة تورط “حزب الله” في القتال في العراق واليمن، إضافة إلى سوريا، ممنوع على اللبنانيين أن يعترضوا على النشاط المتزايد لحزب الله خارج الحدود، لأنه سيتعامل معهم داخل الحدود…كما فعل في الماضي!

التطورات السورية على ضوء الضربات الروسية
خليل حلو/فايسبوك/08 تشرين الأول/15
التطورات السورية على ضوء الضربات الروسية
بعد نشر روسيا لحوالي أربعة أسراب من الطائرات المقاتلة في سوريا، مدعومة بمدفعية وقوى مدرعة محدودة، وإلحاقها لخبراء في مختلف قطع الجيش السوري، ونشرها لقوى محدودة في كل من حمص وحماه، يبدو أن حالة الإنهيار التي كان يعاني منها النظام على أثر تراجعه في كافة المناطق منذ بداية العام الحالي، قد توقفت وهو الآن يتنفس الصعداء وينتقل من وضع الدفاع إلى وضع الهجوم في المناطق الشمالية الغربية لسوريا، ولكن هل يكفي الدعم الروسي لقلب المعادلة على الأرض؟
روسيا وإيران تهدفان في حال نجاح هذا الهجوم إلى تثبيت جيش النظام وجعله يستعيد بعض المناطق التي خسرها لرفع معنوياته، ولإعطاء الرئيس بشار الأسد أكبر قدر ممكن من هامش المناورات في المفاوضات المحتملة في المرحلة المقبلة وبرعاية روسية. في هذا السياق تشير المعلومات المتقاطعة من أكثر من مصدر أن النظام بدأ فعلاً بهجوم برّي متعدد المحاور في الشمال الغربي السوري مدعوماً بقوى روسية وإيرانية وحزب الله مع غطاء جوي روسي، وتختصر أهداف هذا الهجوم كما يلي:
• جيب الثوار المقاوم في شمالي مدينة حمص. إذا سقط هذا الجيب بيد النظام فإنه يزيل الخطر عن مدينتي حمص وحماه ويسمح بتحرير قوى عسكرية نظامية ونشرها على محاور أخرى.
• منطقة سهل الغاب والتلال المحيطة بها والواقعة شمالي غربي حماه والتي يسيطر عليها الثوار. هذا الهجوم إذا نجح يسمح للنظام بالتقدم نحو مدينة جسر الشغور ويبعد خطر هجوم الثوار المباشر على مدينتي اللاذقية وحماه.
• فك الحصار عن قاعدة الكويرس الجوية الواقعة جنوبي شرقي مدينة حلب وقد بدأ هذا الهجوم فعلاً في 15 أيلول الماضي وإستطاع النظام تحقيق تقدم بسيط تحت المظلة الجوية الروسية ولكن العمليات ما زالت في إطار الكر والفر، وخاصة في قرية تل النعام الواقعة شرقي السفيرة. إذا نحج هذا الهجوم سيحقق إنتصاراً معنوياً للنظام يعيد له إعتباره.
هذا الهجوم المتعدد المحاور تشارك فيه قوة من الحرس الثوري الإيراني تقدر بـ2000 رجل عدا عن مئات المقاتلين من حزب الله وتعتبر الضربات الجوية الروسية هي المشجع للمضي قدماً فيه، إضافة إلى ذلك تشير بعض التقارير عن مشاركة قوات برية روسية عن طريق القصف المدفعي والصاروخي البري والبحري للرفع من قدرات القوة النارية السورية النظامية.
في المقابل تشير تقارير أخرى أن دول الخليج والأردن وتركيا والولايات المتحدة تعد العدة لتزويد الثوار السوريين بتجهيزات عسكرية وأسلحة أكثر فعالية أكان في الشمال السوري أم في الجنوب الذي يبدو هادئاً نسبياً. من جهتها تساند الولايات المتحدة بفعالية قصوى قوات الحماية الكردية التي تقدر بحوالي 20،000 رجل والمدعومة بحوالي 5000 مقاتل من العشائر السنـّية السورية المتواجدة في مناطق الشمال الشرقي السوري، والتي تقاتل تحت لواء غرفة عمليات بركان الفرات، وذلك بغية التقدم نحو مدينة الرقة، العاصمة الفعلية لدولة الخلافة الإسلامية، ولإحتلال المساحة المتبقية من سيطرة الدولة الإسلامية على الحدود مع تركيا وهي بقعة لا يستهان بها ومسحتها حوالي 4000 كيلومتر مربع، وتركيا لا تعارض هذا الأمر إنما هي ليست مرتاحة لتصاعد القوة الكردية على حدودها. هذا الهجوم المرتقب كان مخططاً له قبل التدخل الروسي.
في الخلاصة: نتائج الهجمات النظامية السورية المدعومة روسياً وإيرانياً ليست مضمونة النتائج وما عجزت عن تحقيقه 9000 غارة جوية حليفة على داعش في سوريا منذ سنة حتى اليوم وبذخائر وأسلحة متطورة تقدر قيمتها بستة مليارات دولار، لا تبدو القوة الجوية الروسية قادرة على تحقيقه. التدخل الروسي يزيد في الحرب السورية تعقيداً، فمن جهة هناك تلاقي مصالح دولية وإقليمية ضد داعش، ولكن من جهة أخرى هناك حروباً باردة كثيرة بين الأفرقاء كافة على خلفية محاربة داعش وهي روسية أميركية (في شرقي أوروبا ووسط آسيا) وروسية أوروبية، وتركية أوروبية، وتركية روسية، وتركية سعودية، وتركية أميركية، وإيرانية سعودية خليجية (في اليمن والبحرين والكويت والعراق ولبنان) وسعودية أميركية وغيرها من التجاذبات الباردة والمعرضة للسخونة القصوى.

 

فساد العونية غير المبتسم
حـازم الأميـن/لبنان الآن/08 تشرين الأول/15
من بين أنواع الفساد السياسي في لبنان وأشكاله ونكهاته، يبقى للفساد العوني وقع أثقل على النفوس، ليس فقط لأنه يأتي مترافقاً مع إدعاء العفة، إنما أيضاً لأنه يأتي محفوفاً مع وجوه أصحابه الذاهلة وغير المُصدقة بأن ما أتت به فساد.
ثمّة من يعتقد أن الفساد حق مُنِحه من خالقٍ، وهو بهذا المعنى صلاة، وليس فساداً، إلا إذا أقدم عليه الغير. هو فساد ذاهل ومُساجل ومتوتر، بينما يشعر المرء بأن فساد حركة أمل مثلاً فساد مبتسم وعادي وجارٍ. أما فساد “المستقبل” فهو مؤسَسٌ وأناني ومنكفئ. وفي هذا السياق يأتي الفساد الجنبلاطي شفافاً ومُتوّجاً باعترافات، وفساد “حزب الله” ايديولوجي وثقيل ظلٍ. الفساد العوني أكثر إثارة، ذاك أنه قد يأتي مصحوباً مع تظاهرة عونية ضد الفساد. المثال الأخير على ذلك، تمثل بأن عشية التظاهرة العونية الأخيرة في ساحة الشهداء، والمطالِبة بعودة مؤسسات الدولة إلى عملها وإجراء انتخابات نيابية، جرت حفلة توريث الجنرال ميشال عون تياره إلى صهره جبران باسيل. مثال آخر في سياق مختلف تماماً. فالتيار الوطني الحر صاحب مقولة إقفال الحدود في وجه اللاجئين السوريين بحجة ما يمثلونه من أعباء على الخزينة، هذا التيار هو نفسه من يتولى وزير منه (وزير التربية الياس بو صعب) مهمة إنفاق نحو 150 مليون دولار هي هبات من مؤسسات دولية لتعليم التلامذة السوريين النازحين في المدارس الرسمية اللبنانية. وفي ظل “شفافية” الوزير عَجِزنا منذ أكثر من ثلاثة أسابيع عن التدقيق بمعلومة وردتنا عن راتب المسؤولة التي عيّنها لمهمة إدارة مشروع تعليم التلامذة السوريين في لبنان والتي تقول “إشاعة” أنها تتقاضى عشرة أضعاف راتبها من الوزارة، ومعلومات أخرى عن أبواب هدر وترزّق، من أموال من المفترض أن تُخفف عن دولتنا المقدسة أعباء النازحين الذين ضاق بهم صدر الجنرال وصهره. لكن لماذا يثير الفساد العوني ما لا يثيره فساد الآخرين؟ الأجوبة حتى الآن غير مقنعة. إدعاء العفة لا يكفي، ذاك أن “العفة” تشمل الجميع.
يجب العودة إلى نوع العلاقة بين ميشال عون وبين جمهوره وشعبه. هذه العلاقة يتخللها صراخ كثير، وربما يخال المرء معه أن الصراخ يقتضي صراخاً موازياً، تماماً كما قد ينزلق واحدنا إلى مواجهة فساد حركة أمل بابتسامة، أو قد يُعجب بشفافية وليد جنبلاط عندما يقول: “أنا جزء من هذه الطبقة الفاسدة ويجب أن نحاكم كلنا”. لكن العودة إلى العلاقة بين الجنرال وبين “شعبه” لم تعد كافية أيضاً لتفسير سر الضيق بفساد العونية في مقابل ضيق أقل بفساد الآخرين. على المرء أن يبحث أكثر تجنباً لسقوطه بالتجني. ثمة غطاء اجتماعي وطائفي لفساد الآخرين. فالفاسد تشعر الطائفة التي خلفه بأنه ممثلها في الفساد، وأنه في مقابل فساده ثمة طائفة أخرى فاسدة. المسيحيون منقسمون الى نصفين، وأن تكون خلفك، وأنت تفسد، نصف الطائفة، فهذا لن يُسهل عليك المهمة. وصحيح أن هذه المعادلة لا تُفسر لوحدها تعثر العونية في المهمة التي انتدبت نفسها إليها، لكن من الممكن إدراجها في سياق التفسيرات المتواترة عن الظاهرة.

 

«الأمن» وجهٌ للدولة الفاشلة
حسام عيتاني/الحياة/09 تشرين الأول/15
غالباً ما يسير تدهور وضع الدولة ومؤسساتها يداً بيد مع انتشار الجريمة والانفلات الأمني وسيادة العصابات. لكن هذه المرحلة تترافق من جهة ثانية مع تشدد في الإجراءات الأمنية للسلطة المذعورة من قرب انهيارها يصل الى حدود الهستيريا والخروج الفج على القانون. في الأعوام القليلة الماضية، قدّم لبنان نموذجاً واضحاً لتجاور الحالتين، التسيّب والتشدد، وتعايشهما وتغذيتهما الواحدة للأخرى. ذلك ان الدولة التي يترقق أداء وظائفها وتتراجع في الإشراف على مهماتها الأكثر حساسية وبداهة، من ازالة النفايات الى حماية الحدود وضمان امن الأفراد، لا تجد رداً على انحسار دورها غير التوسع في اعتماد اجراءات امنية اعتباطية يمليها استنساب أمراء الأجهزة وقادتها وعناصرهم المنتشرين في الشوارع وليس التمسك بما يحدده القانون وما يتعين ان تسير عليه دولة تقول انها تنفذه. في الوسع سرد لائحة طويلة لوقائع من الأسابيع القليلة الماضية لاعتقالات وحالات توقيف في الشارع لناشطي الحراك المدني الحالي اضافة الى عدد لافت للانتباه لاستدعاءات صحافيين للمثول امام المحققين القضائيين في مسائل تتعلق بممارستهم عملهم الذي يضمن الدستور حريته وحق المواطنين، كافة، في التعبير عن رأيهم. ثمة حالات أنصفها الاهتمام العام وسارعت السلطات الأمنية والقضائية الى اخلاء سبيل الموقوفين فيها لأسباب شتى، تبدأ من الخشية من زيادة التوتر في ساحات التظاهر وصولاً الى اكتشاف الأخطاء الفادحة في اجراءات الاعتقال. لكن ما يهم في المقام هذا هو الحالات التي تبقى طي الكتمان ولا تثير انتباه وسائل الإعلام وتشمل اللاجئين السوريين والمواطنين «العاديين». فلا يمر يوم إلا وتحمل الوسائل تلك اخباراً عن اعتقال اشخاص سوريين ولبنانيين للاشتباه بعلاقاتهم بـ «تنظيمات ارهابية» او مشاركتهم في القتال ضد الجيش. والحال ان احصاءً سريعاً لعدد المعتقلين يجعل الحاصل الشهري او السنوي يتجاوز الآلاف. لا تبالي وسائل الإعلام في العادة بمصير هؤلاء الموقوفين ولا بما يتعرضون له اثناء الاعتقال ولا بالإفراج عن الأكثرية الساحقة منهم بعد ايام بسبب غياب الأدلة بعد ان يكون المعتقلون قد تعرفوا على مستوى «الضيافة» لدى الأجهزة. تقود هذه الممارسات التي تمثل الجزء الغاطس من جبل جليد الإجراءات الأمنية في لبنان في الأعوام الماضية، الى استنتاج يفيد ليس بتغوّل الأجهزة وتحوّلها الى دولة داخل الدولة على غرار ما يجري في الديكتاتوريات العربية التقليدية (والتغوّل هنا ليس دليل قوة الدولة العربية بل العكس)، بل الى تفكّك منظومة السيطرة السياسية والرقابية على الأجهزة الأمنية التي كانت تقوم بها – نظرياً على الأقل – المؤسسات التشريعية والقضائية والإعلامية في نظام شبه ديموقراطي مثل لبنان، وهي المؤسسات المصابة بدورها بما لا يحصيه عدد من أمراض وأوبئة.
وحين يعمد وزراء ورجال دين الى تطويق منازلهم بالحواجز وإلى ابتكار ما لا يخطر على البال من عوائق امام حركة المواطنين، وحين ترفع صور رجال الأمن على المفارق والجسور، وعندما يعتقل مواطن لطلبه رؤية بطاقة تعريف رجل أمن، الى جانب سهولة استدعاء كل من كتب رأياً على موقع «فايسبوك» للمثول امام القضاء، نكون امام سلطة كفّت عن ان تكون سلطة بالمعنى الدولتي للكلمة، وبتنا في إقطاعات يتحكم بها أشخاص يعرفون في العمق انعدام شرعيتهم، ولا يملكون غير استعراض قوتهم على من لا حول له ولا قوة، ما يبرّر توقّع ردود فعل من الطراز ذاته.