غسان شربل:الشيطان الأكبر الروسي/فايز سارة: القضية السورية في اجتماعات الأمم المتحدة/نديم قطيش: السعودية وروسيا الأسد

271

«الشيطان الأكبر» الروسي
غسان شربل/الحياة/06 تشرين الأول/15
الذهاب إلى الحرب أسهل بكثير من العودة منها. هكذا يقول التاريخ. ومن عادته ألا يكذب. تحتاج الطلقة الأولى إلى شجاعة أو تهور. تحتاج الطلقة الأخيرة إلى واقعية تساعد على تجرع الخيبات ومرارات التسويات. وفي الحروب التي يمكن أن ترتدي ولو زوراً نكهة دينية أو مذهبية تتقدم الخسائر على الأرباح حتى لدى المنتصر. ففي هذا النوع من الحروب لا مكان لضربة قاضية أو أخيرة. على الذين يستعدون للاحتفال بتورط الجيش الروسي في أفغانستان جديدة أو فيتنام عربية أن يتمهلوا قليلاً. المسرح مختلف بتركيبته وموقعه فضلاً عن تغير المشهد الدولي. ثم أننا لا نزال في بدايات هذا التدخل. ومن المبكر الخروج باستنتاجات من هذا النوع. وإذا كان يمكن وصف فلاديمير بوتين بالمغامر لتدخله عسكرياً في نزاع بهذا التعقيد فإن من التسرع اعتباره حتى الآن مقامراً ألقى ببلاده في حرب بلا حدود. لا بد من الانتظار فهو أفضل مستشار.
على الذين يستعدون للاحتفال بقلب المعادلة في سورية وطرد الولايات المتحدة من الشرق الأوسط الرهيب أن يتمهلوا قليلاً. لا يعلن النصر في مطلع الحرب وقبل اتضاح مجرياتها وخواتيمها. الوضع السوري شديد التعقيد ولا يسمح بانتصارات مدوية. ويصعب الاعتقاد أن بوتين يخطط لإعادة الوضع السوري إلى ما كان عليه قبل أربعة أعوام لأن ذلك متعذر. ويصعب تصور أنه يخطط لطحن المعارضة السورية بمجملها ولو كلفه ذلك انهيار علاقات بلاده بالعالم السني. ثم أن معركة بهذا الحجم تلقي على روسيا مسؤولية إعادة إعمار ما دمرته الحرب ولا شيء يوحي بأن اقتصادها قادر على النهوض بمثل هذه الأعباء. هنا أيضاً الانتظار أفضل مستشار. على الذين يعتقدون أننا في الطريق إلى أزمة تشبه أزمة الصواريخ الكوبية أن يتمهلوا قليلاً. سورية ليست قبالة السواحل الأميركية. إنها بعيدة. ولم تكن أصلاً في المعسكر الأميركي. ثم أن هذه المقتلة الواسعة تدور على أرض بلد تبدو حكومته مرشحة حالياً للعيش تحت قبعتين روسية وإيرانية أو الوقوع تحت انتدابين. سورية ليست كوبا. وبوتين ليس خروتشوف. وأوباما ليس جون كينيدي. تحمل الأزمات ملامح مكانها وزمانها على رغم عبر الماضي أو مراراته.
لا بد من الانتظار لمعرفة أهداف التدخل العسكري الروسي وحدوده. هل جاء الجيش الروسي لمحاربة «داعش» أم لقصم ظهر المعارضة السورية؟ هل جاء لضمان حدود «سورية المفيدة» وإجراء تعديلات طفيفة عليها أم لدفع المنطقة غير المفيدة نحو المزيد من التشرذم والانهيار والأفغنة والصوملة؟ هل جاء للمرابطة في مناطق النظام لحجز مقعد في الحل حين تنضج ظروفه أم أنه دخل الحرب وفي جيبه حل سيقدمه؟ هل يراهن على إعادة إنتاج النظام نفسه مع عمليات تجميل محدودة أم أنه يخطط للحصول من النظام الذي أنقذه وطمأن قاعدته الصلبة على تنازلات جدية تسمح بعملية سياسية يمكن تسويقها عربياً ودولياً؟
أسئلة أخرى لا بد منها. هل سيدفع النظام ثمن المظلة الروسية تنازلات تفتح باب الحل أم سيستنتج عكس ذلك؟ وهل تقبل إيران حلاً تحت قبعة الجنرال الروسي بعدما كانت تراهن على انتصار النظام تحت قبعة الجنرال سليماني؟ ليس هناك حل في سورية يمكن أن يعطي إيران ما كانت تتمتع به قبل اندلاع الأحداث. وليس هناك حل يوفر لـ»حزب الله» ما كان متوافراً له عشية الأحداث. بكلام أوضح. الحل القابل للعيش لا بد أن يتضمن شراكة فعلية بين المكونات. هذه المشاركة تدخل بالتأكيد تعديلاً في سياسات سورية الداخلية وفي علاقاتها العربية والإسلامية والدولية. تستطيع موسكو التعايش مع حل من هذا النوع لكن السؤال هو عن طهران. ثم إذا كان الحل في سورية يقوم بالضرورة على تعديلات في الشراكة فان حلفاء إيران في بغداد سيجدون أنفسهم مطالبين بجعل مشاركة السنة في السلطة فعلية وحقيقية على رغم اختلاف النسب السكانية بين البلدين. لا انتصار على «داعش» من دون معالجة قلق السنة في «الهلال».
وجه التدخل العسكري الروسي في سورية صفعة جديدة إلى صورة أميركا وصدقيتها. تردد أوباما متعب لحلفاء بلاده وأصدقائها. لكن بوتين لا يملك ترف إخفاء نواياه طويلاً. يقدم خلال أسابيع مشروعاً مقنعاً للحل أو ينزلق إلى حرب يصعب حسمها أو الخروج منها. طريقة دعم الكنيسة الروسية لحربه لم تكن حصيفة. أي دخول له في مواجهة طويلة مع مشاعر العالم السني ستجعل بلاده تفوز بلقب «الشيطان الأكبر». لتفادي اللقب يحتاج إلى تنازلات جدية من النظام الذي جاء لإنقاذه. لغرقه في حرب طويلة على أرض سورية أثمان على أرض روسيا نفسها وفي الحزام الإسلامي على حدودها.
التاريخ شيخ وقور علمته الأيام. على من يرتكب الطلقة الأولى أن يمتلك تصوراً فعلياً لتقريب موعد الطلقة الأخيرة. اندفع القيصر في مجازفة كبرى. يخرج بكأس صانع الحل أو يرجع بلقب «الشيطان الأكبر».

القضية السورية في اجتماعات الأمم المتحدة
فايز سارة/الشرق الأوسط/06 تشرين الأول/15
لم يكن غريبًا، أن تكون القضية السورية في صلب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة، وأن تشير إليها أو إلى أحد تطوراتها كلمات معظم القادة والزعماء المشاركين في الاجتماعات. فقد تركت تطورات القضية السورية آثارها على السوريين قتلاً وجرحًا وتهجيرًا ولجوءًا ومعاناة تفوق الوصف، وتدميرًا لبلدهم وقدراتهم، قلما حدث ما يماثله طوال عقود من تاريخ العالم، وتجاوزت تداعيات القضية السورية دول الجوار إلى كثير من دول العالم، وخاصة في ثلاثة موضوعات تشغلهم؛ أولها تحول سوريا إلى بؤرة لإرهاب يمتد من إرهاب نظام الأسد وحلفائه إلى إرهاب جماعات التطرف، والثاني قضية اللاجئين وما باتت تتطلبه من مساعدات إنسانية وملاذات آمنة لملايين من السوريين، والثالث صيرورة سوريا واجهة لصراعات، باتت المواقف فيها ومنها تهدد باندلاع مواجهات وحروب إقليمية ودولية. وسط كثافة حضور القضية السورية، بدا من الطبيعي، أن يكون الحديث عن حل للقضية بين أبرز الطروحات، التي رددها المتحدثون أمام الجمعية العامة لدرجة، يمكن معها القول بأن ثمة توافقًا كبيرًا على ضرورة الخروج بحل للقضية السورية بعد خمس سنوات من ألم السوريين ومعاناة العالم حولهم. لكن الكلام عن الحل، لا يعني أن الأمور تسير في مسارها الطبيعي، فقد ترددت في السنوات الماضية ذات الطروحات دون نتيجة عملية، وحتى الإطار الدولي المتوافق عليه للحل ممثلاً ببيان جنيف 2012 وما تلاه من قرارات ومحاولات دولية، لم تتوفر لها إرادة سياسية لتأخذ طريقها للتنفيذ نتيجة رفض ومراوغة نظام الأسد وداعميه، وبسبب تراخي المجتمع الدولي في اتخاذ مواقف حاسمة، حتى في لحظات مناسبة منها ارتكاب نظام الأسد مجزرة الكيماوي بغوطة دمشق في صيف العام 2014. النقطة الأساسية، التي منعت الحل، كانت الخلاف على وجود بشار الأسد في مستقبل سوريا. وهو ما سعى لتأكيده نظام الأسد بدعم حلفائه من روس وإيرانيين، فيما أجمعت الأكثرية السورية والدولية على رفض وجود الأسد في مستقبل سوريا، وإن كان البعض يرى إمكانية وجوده في مرحلة المفاوضات وصولاً إلى تشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات حسب محتويات جنيف1، وما لحق به، فيما قلة قليلة، ترى أن الأسد يمكن أن يلعب دورًا محدودًا في جزء من المرحلة الانتقالية.
في الخلاف على وجود الأسد في مستقبل سوريا، لا يتورع المطالبون ببقائه بترداد مزاعمهم عن ضرورته ونظامه في الحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها، ودوره في حماية الأقليات، والأهم في مشاركته في الحرب على التطرف والإرهاب، وخاصة في الحرب على «داعش»، وكلها مزاعم تكرر طرحها في كلمات قيلت في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرًا، تناست وقائع نحو خمس سنوات أخيرة من التاريخ السوري، دمر فيها نظام الأسد الدولة ومؤسساتها، وحولها إلى عصابة من القتلة للسوريين وقوة تدمير للمجتمع والبلد، مستعينًا بالوجود الأجنبي الإيراني والروسي، وبقوى إرهابية طائفية، صار رهينة لها، وصار قراره مرهونًا بقراراتها.
ولم يكن الحال أفضل في موضوع حماية الأقليات، رغم أنه لا يمكن وضع حماية الأقليات بمواجهة تدمير الأكثرية. ولم يتوانَ نظام الأسد عن اضطهاد الأقليات على نحو ما فعل بالأكثرية، والأمثلة كثيرة لا حصر لها، وآخرها ما فعله في السويداء، التي تضم أكثرية من الدروز، ومثلها في السلمية، التي تضم أكثرية من الإسماعيليين، بل إن أغلبية السريان والآشوريين في الجزيرة وكذلك جزء كبير من الأكراد فيها، هاجروا من مناطق يسيطر عليها النظام بسبب سياساته، وهو أمر حدث ما يماثله في المناطق المصنفة في عداد المؤيدين، وخاصة في اللاذقية وطرطوس، حيث أكثرية من العلويين، وكلها تكذب مقولة إن النظام يحمي الأقليات في سوريا.أما في موضوع الحرب على التطرف والإرهاب وعلى «داعش» خصوصًا، فإن النظام أثبت أنه الأبعد عن القيام بهذا الدور.. ليس لعجز فيه وبقدراته فقط، بل لأنه مستفيد من وجوده، وعبره يستمر في أكاذيبه في أنه لا يواجه ثورة شعبية بأهداف تحررية، وإنما جماعات إرهابية، تعطيه مبررات ممارساته الدموية، وهذا بعض ما يفسر ممارساته في إطلاق سراح متطرفين من أعضاء وأنصار «القاعدة» من سجونه في العام 2011، وانسحابه من المراكز الحدودية في الشمال والشرق تاركًا المجال لمجيء إرهابيي «داعش» وغيرهم من العراق ومن إيران وغيرهما، إضافة إلى تجنب الهجوم عليهم بعد سيطرتهم على الرقة، وتسميتها عاصمة لما يسمى دولة «داعش»، كما سهل تمدد «داعش» في أنحاء مختلفة، وسهل استيلاءه على مخازن سلاح ومطارات، كما حدث في مستودعات الجيش في تدمر ومطار الطبقة. كل الوقائع معروفة، وليست في باب الأسرار، ويعرف تفاصيلها، من رددوا في الأمم المتحدة مطالبهم ببقاء الأسد في مستقبل سوريا، ويعرفها أيضًا من سمعوا تلك المطالب سواء اقتنعوا بها أو رفضوها، والأهم في المطالبات، أنها حملت معنى استمرار القضية السورية في مجرياتها الداخلية وتداعياتها الخارجية، مما يؤشر إلى استمرار ضعف الإرادة السياسية للمجتمع الدولي من جهة، وتدني الحس الإنساني والأخلاقي عند غالبية قادة الدول ولدى الأمم المتحدة في آن معًا.

السعودية و“روسيا الأسد”؟
نديم قطيش/المدن/الإثنين 05/10/2015
الفارق شاسع بين موقف الممكلة العربية السعودية من التدخل الايراني في سوريا والتدخل العسكري الروسي في الازمة نفسها.
صحيح ان التصريحات الصادرة من الرياض غير متحمسة، بل تنحو نحو السلبية في تقييمها للتدخل الروسي الذي وصفه وزير الخارجية عادل الجبير بأنه “تصعيد”، لكن الصحيح ايضاً أن ليس هناك إستنفار سياسي وإعلامي سعودي حيال المستجد السوري.
لماذا؟ ينطلق العقل السعودي في مقاربته لهذه التطورات من مرتكزات الأمن القومي السعودي وموجبات الجغرافيا السياسية.
على الرغم من النجاح الذي حققته زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الى واشنطن والحفاوة الاستثنائية التي لاقاها، والإنجاز المتمثل بإعلان شراكة إستراتيجية للقرن الحادي والعشرين، تتصرف المملكة على إعتبار أن أميركا باتت خارج الشرق الاوسط، أو على الاقل أن الشرق الأوسط بات يحتل مرتبة متدنية على سلم اولويات الاهتمام الاميركي اليومي! وبالتالي فالرياض معنية بتنويع تحالفاتها وتعزيزها وإستثمار تقاطعات المصالح مع آخرين فاعلين في المنطقة كروسيا، والإنفتاح على تعاطٍ أقل حدة مع من تختلف معهم من هولاء الفاعلين … كروسيا مجدداً.
وفق هذه الرؤية كانت الزيارة الإستراتيجية لولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان الى موسكو في حزيران الفائت وتوقيع السعودية وروسيا ست اتفاقيات استراتيجية، أبرزها اتفاقية تعاون في مجال الطاقة النووية، بالاضافة الى تفعيل اللجنة المشتركة للتعاون العسكري والتعاون في مجال الفضاء.
عليه، فإن أولويات الأمن القومي السعودي تفيد بأن اليمن دولة حدودية فيما سوريا ليست كذلك، وهي ستحكم على الموقف الروسي إنطلاقاً من قربه أو بعده عن المصلحة السعودية في اليمن قبل سوريا. ينبغي التنبه في هذا السياق الى أن موقف موسكو كان ولا يزال موقفاً إيجابياً حيال المصالح السعودية في اليمن، بل في أحيانٍ، موقفاً داعماً حتى في وجه المناورات الإيرانية.
حين تبنى مجلس الأمن الدولي، في نيسان الماضي، استنادا إلى مشروع عربي، القرار رقم 2216 الذي يحظر توريد الأسلحة للحوثيين ويؤكد دعم المجلس للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ولجهود مجلس التعاون الخليجي، إمتنعت موسكو عن إستخدام الفيتو ما سمح بتمرير القرار تحت البند السابع بأصوات 14 من أعضاء المجلس الـ15 ، وإمتناع روسيا عن التصويت.
كان هذا قبل التدخل الروسي في سوريا. أما بعده، فكانت لافتة المساهمة الروسية، في الكواليس الخلفية، في دفع مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة خلال اجتماعه في جنيف يوم الجمعة الفائت لتبني القرار العربي المقدم من مجموعة الدول العربية برئاسة السعودية، حول الدعم التقني وبناء القدرات في حقوق الإنسان في اليمن. كما تبنى المجلس بالإجماع القرار العربي في شأن لجنة التحقيق الوطنية المستقلة في اليمن، وقرار الرئيس اليمني، الخاص بتعيين أعضاء اللجنة للتحقيق في جميع حالات الانتهاكات في السابق ومنذ أيلول 2014.
لم يكن هذا التبني ممكناً لولا ضغوط روسية وتنسيق روسي سعودي أدى الى سحب هولندا مشروع قرار دولي اعدته بشكل رئيسي مع المانيا وكانت تقدمت به أمام مجلس حقوق الإنسان، للتحقيق فيما اسمته “جرائم الحرب المرتكبة في اليمن”.
وكشفت مصادر مطلعة على مداولات الاسبوعين الماضيين عن أن تنسيقاً، ألمانياً هولندياً إيرانياً يقف وراء هذه الخطوة في سياق الحرب التي يخوضها اللوبي الايراني ضد الرياض في كل زاوية متاحة. ولفت المصدر الى أن إيران افرجت عن ناشط هولندي ايراني في مجال حقوق الانسان في شهر آب الفائت قبل إنتهاء فترة حكمه وبشكل مفاجىء ما يعزز الشكوك بخدمات متبادلة بين ايران وبعض الاوروبيين. وفي هذا السياق يشير المصدر الى تندر ديبلوماسيين اوروبيين على وزير خارجية المانيا فرانك شتاينماير خلال المفاوضات النووية مع إيران أن مجموعة الخمسة زائد واحد كانت تفاوض “وزيري” خارجية إيران، محمد جواد ظريف وشتاينماير!!
اذاً تقييم السعودية موقفها من موسكو وفق اولوياتها ووفق حاجتها الى الموقف الروسي لخدمة هذه الاولويات.
الى ذلك لا ترى الرياض أي حاجة للذعر والتوتر من المغامرة الروسية المحكومة هي الاخرى بأولويات الأمن القومي الروسي الذي تحتله أوكرانيا وملف العقوبات الاوروبية الاميركية المرتبط بها! ينطلق الموقف السعودي من تقديرات ثلاثة: الأول أنه لا توجد قوة في العالم قادرة على فرض بشار الاسد على مستقبل سوريا مهما أطالت مدة رحيله. ثانياً أن روسيا ليست قوة احتلال استراتيجي في سوريا أو قوة إعتداء على الأمن القومي للمنطقة كما هو حال الإنقلاب الايراني بقناع حوثي في اليمن.  بل دخلت مدفوعة بحسابات تتعلق باللحظة المتاحة للدخول في الأزمة ثم محاولة استثمارها لخدمة اولويات روسية أقرب الى الجغرافيا السياسية الروسية الأوروبية منها الى الشرق الاوسط.
وبالفعل حقق فلاديمير بوتين أهدافاً عديدة في خدمة اولوياته. فمن جهة كسر الحصار الديبلوماسي المفروض على بلاده من خلال الاجتماع الثنائي مع الرئيس الاميركي باراك أوباما على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة مبدياً للرأي العام الروسي فشل السياسات العقابية الغربية بحق بلاده بعد مغامرته الاوكرانية وما كبدته من خسائر. ومن جهة ثانية أعطى الاعلام الروسي قصة درامية جديدة تغذي الوطنية الروسية الحادة، بدل التركيز على الترويج الصعب لتغطية إخفاقات سياسته في أوكرانيا.
ثالثاً لا يعتقد صانع القرار السعودي أن فلاديمير بوتين يمتلك حقيقة الرؤية الاستراتيجية التي تنسب اليه في بعض التحليلات ووسائل الاعلام. فهو يمتلك عقلاً تكتيكياً إنتهازياً وسيكون بعد اسابيع قليلة في موقع يجبره على تنسيق التحرك والاهداف وتشكيل ملامح المرحلة المقبلة مع آخرين منهم الرياض.
هنا يقول سعوديون إن موسكو التي لا تمتلك كلفة ما ينسب اليها من طموحات امبراطورية، بفعل العقوبات وتدني اسعار النفط ودخول الاقتصاد الروسي حقبة صعبة من الانكماش والتباطؤ، والنزيف الحاد في إحتياطها النقدي، تبقى قوة كبيرة اذا ما قورنت بإمكانات إيران وميليشياتها. ما يعني أن الدور الروسي في سوريا هو حكماً دور يتحقق على حساب النفوذ الايراني، ويتيح أمام الرياض فرصة للتفاوض مع موسكو بدل طهران حين تدنو فرص التسوية.
ما لا يقوله أحد مباشرة حول هذه التسوية تعبر عنه همسات هنا وهناك. فما تسرب عن اللقاء بين الأمير محمد بن سلمان وعلي المملوك، وكانت موسكو في أجوائه، يفيد أن بين البنود السبعة بند رئيسي ينص على خروج كافة المقاتلين الأجانب من سوريا وترك أمر التسوية للسوريين!
هذا البند الشارط من الناحية العملية للتسوية يتحقق الآن بفعل العملية العسكرية الروسية في سوريا. فقد الغت القوة النارية الروسية كل أدوار اللاعبين “من أهل معسكرها” وهي تلغي الأجانب الآخرين رويداً رويداً. لهذا كان لافتاً أن يؤكد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف علناً على أن الجيش السوري الحر جزء من الحل، خلافاً للدعاية الاسدية التي تعتبره فصيلاً ارهابياً وتمييزه عن المقاتلين الاجانب الذين تشترك الرياض وموسكو في عداوتهم وفي تقدير خطرهم على الأمنين القوميين السعودي والروسي.