نتالي اقليموس/أهالي العسكريين المخطوفين… حدا يشفق علينا ويسأل عن ولادنا

272

 أهالي العسكريين المخطوفين… «حدا يشفق علينا ويسأل عن ولادنا»
نتالي اقليموس/جريدة الجمهورية
الجمعة 05 أيلول 2014

«الله يِحرُق قلوبكن مِتل ما شلّعتو قلوب الإمّيات»… «يا جماعة حدا يِشفق علينا يسأل عن ولادنا». إلهي كلّ مين وِقف بوجَّك يا إبني الله يصطفل فيه…». كاد رئيس الحكومة الراحل رياض الصلح يتخلّى عن «تمثاله»، ويترجّل من على الصخرة في وسط العاصمة بيروت، ليُكفكف دموع الأمهات، ويُخفّف من وطأة ألم الآباء والأهالي الذين اعتصموا تزامناً مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء أمس، للمطالبة بتحرير أبنائهم العسكريّين المخطوفين. توافدوا من بعلبك، شمسطار، داريا، رياق، كسرنبا، أبلح… منذ التاسعة والنصف صباحاً ركنوا فاناتهم في الشارع المقابل لطريق السراي الحكومي، وتوجّهوا إلى ساحة رياض الصلح، لا زاد معهم، ولا قبعات تقيهم وهج الشمس. «خوفنا على مصير فلذات أكبادنا أكبر من خوفنا على أنفسنا»، على حد تعبيرهم.

عائلة عبّاس مشيك

«البابا وين يا ماما، ليش تأخّر؟». إنّه أحد الأسئلة التي يطرحها نجل الجنديّ المخطوف عباس مشيك، وتعجز أمّه زهراء عَن الإجابة عليه. فتُتمتم محاولة التغلب على حزنها: «طوّل بالك بكرا بيِرجع من الخدمة»، وسرعان ما تنزوي في حنايا المنزل لتختلي بدموعها.

تتحدث زهراء لـ«الجمهورية»، وهي تقف، حاملاً في شهرها السابع، إلى جانب المعتصمين مطالبة بالإفراج عن زوجها. وتقول: «وضع عباس الصحي دقيق، يعاني من جرثومة في الكبد، يحتاج إلى علاج مستمر، وهذا ما يزيدني إضطراباً، بالإضافة إلى غيابه عن المنزل وحرمان الأولاد من رؤيته». بنبرة غاضبة تقاطعها فاطمة شقيقة عباس قائلة: «تحدثت إلى أخي قبل لحظات من إختطافه، عند الثانية بعد الظهر، أخبرني أنّ مقاتلين يُحاصرونهم في الخارج، وعند الثالثة تمّ إقتحام المبنى واقتيد العسكر… ومنذ ذلك اليوم نعيش رهينة خبر أو صورة لنطمئن… والله قلبنا محروق».

عائلة عباس مدلج

«إبني لم يكن في الصيد، ولم يكن يقاتل في سوريا، ولا يرفع راية أي حزب، إنما هو إبن هذه الدولة اللبنانية، وخُطف أثناء قيامه بواجبه». بنبرة غاضبة وقفت الحجة زينب تناشد الوزراء المجتمعين مساعدتها في الكشف عن مصير إبنها عباس. أكثر من مرة خانها صوتها وهي تشكو لـ«الجمهورية» عمق جرحها من بطء تفاعل الدولة مع الملف، «ربما لأنني لا أنتمي لأي جهة سياسية أحمي بها ظهري أصابتني هذه المصيبة، فضّلت وأبنائي خيار الدولة». وتسأل: «ماذا لو كان بين العسكريين المخطوفين إبن وزير أو إبن زعيم سياسي؟ ألم يكن ليتحرَّك فوراً؟» سرعان ما تلتفّ النسوة حول سؤال زينب، ويستغربن عدم إتجاه الدولة إلى التفاوض مع الجهة الخاطفة: «ماذا ينتظرون؟ هل كراماتهم أثمن من أرواح أولادهم؟ كل من فريقي «8 و14 آذار» يتخلّى عن كرامته وفق مصلحته الشخصية، أما أن تتواضع الدولة وتفاوض إكراماً لنا، فهذا مستحيل، بحجة هيبتها. «ليش عندها هيبة؟».

عائلة سليمان الديراني

جرح عائلة العريف سليمان ديراني التي جاءت للإعتصام لا يقل وطأة، فيتحدث والده أحمد عن المأساة التي أصابت العائلة بعد اختطاف إبنها، ويقول: «تمرُّ الليالي وأنا أخاطب نفسي، وزوجتي تأّن في سريرها، أفقد أحياناً أعصابي ومرات أحاول التماسك أمامها، ولكنّ أعصابي لم تعد تتحمّل».غصة إعتصرت صوت الوالد، وهو يعرب عن شعوره بالذل، قائلاً: «منذ انتهاء الأحداث اللبنانية لم أقصد بيروت، واليوم نزلت للمرة الأولى، وفي الستين من عمري أستجدي تحرير إبني المخطوف على قارعة الطريق». ويضيف: «أكثر ما يزيد حرقتي أن زوجتي تنتظرني في المنزل وفي اعتقادها أنني سأعود ومعي نتيجة إيجابية، ولكن سرعان ما ستكتشف مرارة الواقع وتنهار أرضاً لأنقلها إلى المستشفى، فهذه حال حياتنا منذ اختطاف سليمان». عائلة علي الحج حسن تجلس الحجة وداد، والدة الجندي المخطوف علي الحاج حسن، محاولة إلتقاط أنفاسها، بعدما تعبت من الوقوف. «كيف نصمت ولا نطالب بمعرفة مصير زهرة عمرنا؟ لسنا أصناماً ولا هواة النزول إلى الشارع، إنما الظروف مذلّة، والشباب ليسوا «حبة ملح ودابت» إنما هم حماة الوطن». وتتابع مخاطبة إبنها: «اينما كنت يا ولدي أنظر إلى السماء، هناك الله فوق رأسك يحميك، وأدرى بمصيرك، وكّلت الله فيك، لن أقول أكثر من ذلك، أياً تكن النتيجة، فرأسي سيبقى مرفوعاً، لأنّ إبني اختار الدولة والدفاع عن الوطن». وتقاطعها جارتها، قائلة: «علينا التغلب على أثقالنا في هذة المحنة».

عائلة محمد حمية

«يطيلعوا مساجين من رومية، ينيزلوا ع رومية»… ما عادت تهمّنا تفاصيل المقايضة، طفَح كيلنا، وما عاد في وسع العشائر ضبط نفسها، يهمّنا أولادنا». يتحدث معروف حمية والد الجندي المخطوف محمد حمية، وعروقه تظهر فوق جبينه لحدّة سخطه، قائلاً: «لمحمد شقيقان منتسبان إلى المؤسسة العسكرية، وخيارنا نابع من اقتناع… صحيح أنّ إبننا أسير، ولكننا مع الجيش حتى الرمق الأخير، وقد يحدث ما لا تحمد عقباه إذا أصابت شوكة المخطوفين».

أجواء من الوحدة والتضامن ظلَّلت المشاركين في الإعتصام، والحرقة عينها كانت بين العائلات وإن اختلف إسم ابنها المخطوف. وبدا واضحاً حرصهم على ضبط أعصابهم وتحاشي أيّ مواجهة مع القوى الأمنية، التي حصَّنت السراي بأسلاك شائكة، وبدروع بشرية من عناصرها.

على مضض فضّ المعتصمون إعتصامهم، وبعلامات الخيبة غادروا الساحة، خصوصاً أنهم لم يسمعوا من مجلس الوزراء ما يروي غليلهم.

لمقايضة المخطوفين بالوزراء

خلال التحرك أطلق الأهالي ما أسموها «مبادرة لإطلاق أبنائهم تنص على أن «يعتقل قائد الجيش جميع الوزراء لمبادلتهم بالعسكريين المخطوفين». وقد تلا علي الحاج حسن بياناً بإسم الأهالي، أعرب فيه عن سخطهم، قائلاً: «جئنا لنبلغ الحكومة والسلطة السياسية التي كبّلت أيدي الجيش في عرسال، أننا نُحمّلها مسؤولية ما حصل وسيحصل لأبنائنا، وإنّ أيّ قطرة دم ستراق ستشعل فتنة مذهبية لن يتمكن أحد من لجمها»، داعياً أهل عرسال إلى أن يكونوا «على قدر الآمال والعيش الواحد في منطقة بعلبك – الهرمل».

في الختام، على رغم مأسوية معركة عرسال، إلا انه لايمكن سوى تسجيل إيجابيتين: الأولى، أن الجيش اللبناني أظهر فعلاً لا قولاً من خلال شهدائه أن لبنان العيش المشترك الذي تجسده هذه المؤسسة هو بألف خير.

أما الإيجابية الثانية، فتجلّت مع أهالي المخطوفين، إذ إنها من المرات النادرة التي تتحوّل فيها الأولوية لدى الأهالي، لا لقدسية القضية ولا لكل ما يتصل بالسياسة وشجونها، إنما أولوية إنقاذ حياة هؤلاء العسكريين، حيث بكى كل لبنان الرقيب علي السيد، و لا أحد يريد أن يبكي جندياً آخر. وبالتالي، من الواضح أن كل المعالجات إختلفت بين الأمس واليوم، بدليل إجماع مجلس الوزراء على الخروج بوحدة موقف من أجل إيصال قضية العسكريين المخطوفين الإنسانية إلى برّ الأمان. فهل تكون الدولة على قدر المسؤولية وتنجح في إعادة أبنائها المخطوفين مع الحفاظ على هيبتها؟