هشام ملحم: لاعب شطرنج اسمه بوتين/داود البصري: تحالف دمشق-طهران الستراتيجي/روزانا بومنصف: إسرائيل ضيّقت هامش واشنطن إزاء روسيا

310

لاعب شطرنج اسمه بوتين
هشام ملحم/النهار/24 أيلول 2015
منذ أن بدأت روسيا نشر قوات خاصة مدعومة بطائرات حربية وتوسيع منشآت عسكرية في اللاذقية والمسؤولون الاميركيون يتساءلون علناً ويستوضحون المسؤولين الروس المعنى الحقيقي لنيات موسكو. في البداية احتج الاميركيون وقال وزير الخارجية جون كيري إن الحشود تزيد الوضع تأزماً، وعندما اقترحت موسكو اجراء محادثات عسكرية في شأن الأوضاع في سوريا، وافقت واشنطن وناشدت روسيا التعاون معها ضد “الدولة الاسلامية” (داعش). وقبل يومين، قال كيري إن الحشود الروسية، وفقاً للتقويم الأولي للاستخبارات الأميركية، هي لحماية القوات الروسية. هذه التطورات تبيّن بشكل نافر مدى إخفاق إدارة الرئيس أوباما في سوريا، ومدى نجاح روسيا في الأشهر الأخيرة في فرض نفسها لاعباً رئيسياً ليس فقط في سوريا والمنطقة، بل أيضاً في أوروبا. الرئيس فلاديمير بوتين عبر هذه الحشود قضى على أي بحث جدي في إقامة مناطق آمنة في سوريا. وهو سيطرح قريباً مبادرة في الامم المتحدة لبناء تحالف دولي جديد في سوريا لمواجهة “داعش” يكون نظام الأسد في صلبه وسيدعو واشنطن ودول العالم للمشاركة فيه. والحرب في سوريا، التي ساهمت موسكو في اطالتها من طريق دعمها لنظام الأسد، أوجدت مشكلة لاجئين في أوروبا. الآن يطرح بوتين نفسه طرفاً أساسياً لأي حل في سوريا، وتالياً لأي حل بعيد المدى لأزمة اللاجئين في أوروبا. والرئيس الروسي، الذي وافق على صون آخر وقف للنار في أوكرانيا، نجح الى حد بعيد نتيجة استراتيجيته في سوريا في وضع الأزمة الأوكرانية في الخلفية، اذ يتركز الاهتمام الأوروبي الآن على سوريا وأزمة اللاجئين. ويقول بوتين لأميركا ولأوروبا إذا أردتم أي حل في سوريا أو في أوكرانيا، أو ضد الإرهاب بشكل عام، عليكم التعاون مع موسكو، وضمناً مع أصدقائها. انظروا من زار موسكو حديثاً: زعماء عرب من الخليج الى مصر، ولحق بهم بنيامين نتنياهو الذي يريد من موسكو ألا تعترض حرية طائراته في الأجواء السورية. هناك تفسيرات مختلفة للتنسيق الروسي – الايراني لدعم نظام الأسد، احدها يقول إن ثمة اتفاقاً ثلاثياً على أنه من المستحيل استعادة السيطرة على الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال والشرق وبعض الجنوب، وأن الهدف الآني هو تعزيز السيطرة على دمشق ومحيطها والممر الجغرافي المحاذي للحدود مع لبنان حتى المنطقة العلوية الساحلية. وحملات تهجير السنّة من هذه المناطق مستمرة منذ زمن، وما يحصل لسكان الزبداني دليل على ذلك. الفراغ القيادي المحرج لإدارة الرئيس أوباما في سوريا، وضع بوتين في موقع المبادر والفاعل، وزجّ أوباما في موقع رد الفعل. لكن الانهيار السوري لم يصل الى القعر بعد.

تحالف دمشق-طهران الستراتيجي؟
داود البصري/السياسة/24 أيلول/15
لاشك في ان معركة المصير التي يخوضها النظام الإيراني في الأرض السورية لم تأت اعتباطا, ولم تنشأ من فراغ,, بل كانت تعبيرا عن تاريخ طويل من التحالف والأعمال المشتركة وإدارة عمليات الإرهاب الإقليمي والدولي خلال عقود مهمة من تاريخ الشرق المعاصر.
جدلية العلاقات التحالفية والستراتيجية بين نظامي دمشق وطهران, أكبر من كل أشكال العلاقات الإعتيادية بين الدول, وما وصلت إليه محطات هذه العلاقة قد سجلت حالة تحالفية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية في الشرق الأوسط.
في مطلع ثمانينات القرن الماضي نسجت خيوط علاقة من نوع خاص بين النظام الإيراني الثوري, وقتذاك, وبين النظام “البعثي” السوري, وهي علاقة شكلت حالة جدلية غريبة في منظومة العلاقات الإقليمية, فنظام آيات الله الثوري في إيران لم يكن يخفي أبدا شعاراته الحماسية ودعواته الثورية لماعرف بسياسة “تصدير الثورة” وقلب الأنظمة, وهو الأمر الذي تردد صداه بشكل واضح في العراق المجاور الذي كان يحكمه نظام بعثي أيضا, لكنه مناوئ ومختلف عن الضفة الأخرى للبعث في دمشق , فقد خرج البلدان العربيان, وقتذاك, من تجربة وحدوية فاشلة إنتهت نهاية دموية بعد فشل تجربة العمل الوحدوي بين بغداد ودمشق التي تمت أواخر العام 1978 و أنتهت في صيف العام 1979 بعد التصفية الدموية للبعثيين في بغداد وإتهام الأخيرة لدمشق بالوقوف خلف الإنشقاق, مما أجهض مشروع الوحدة المفترضة, وأدخل النظامين, نظام صدام في بغداد ونظام حافظ الأسد في الشام في معركة كسر عظم دموية توجت بمحاولات القيادتين إحداث إنقلابات متبادلة , فدعمت بغداد المعارضة السورية, وخصوصا جماعة “الإخوان” والفرع البعثي المؤيد للعراق , فيما دعمت دمشق الفرع البعثي المؤيد لدمشق, وكذلك المعارضة الشيعية المدعومة من طهران, وهنا ظهر تقارب المتحالفين ونسجت علاقات خاصة بين النظام السوري والنظام الإيراني الذي قدم للسوريين حلفائه من الإسلاميين الشيعة العراقيين , وأندلعت الحرب العراقية الإيرانية رسميا في 22/9/1980 وتوغل الجيش العراقي في العمق الإيراني ووقفت دمشق موقفا مغايرا لغالبية المواقف العربية وساندت طهران بشكل واضح وتدفق المعارضون العراقيون على دمشق وبدأت مخابرات النظامين بإدارة عمليات تخريب متبادلة توجها العراقيون بدعم المعارضة السورية التي دخلت في معارك حاسمة مع النظام في حلب ودمشق ثم حماه وبلغت الذروة مع مجزرة حماه العام 1982, فيما إعتمد السوريون على جهود جماعة إيران في المعارضة العراقية من جماعة الحكيم المجاهدين العراقيين ومن عناصر “حزب الدعوة” و “منظمة العمل الإسلامي”! في إدارة عمليات التفجير في العراق , وتدفق الإيرانيون (الحرس الثوري) بشكل مباشر في العمق السوري ثم على سهل البقاع بعد الإجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982, وزاد تدفق العراقيين من المتمولين و المهجرين و أصحاب رؤوس الأموال وحتى المفلسين على دمشق واهتمت المخابرات السورية بالقوى الدينية العراقية ونسجت مع قياداتها علاقات خاصة من خلال أحد أهم فروع المخابرات السورية وهو فرع “مخابرات القوة الجوية” الذي كان مخصصا للتنسيق مع الأحزاب الشيعية العراقية من خلال رئيسه اللواء محمد الخولي, وكذلك الفرع “279″ (الفرع الخارجي) المخصص لتعقب و تجنيد المعارضين العراقيين , وادى الوزير العراقي الحالي باقر صولاغ, وكذلك نوري المالكي, دورا ستراتيجيا في إدارة أمور التخريب السوري في العراق من خلال تجنيد العناصر الإنتحارية , كما مارست سفارة إيران أيام السفير محتشمي دورا متميزا في دعم الإرهاب الطائفي, وشهد الخط العسكري بين دمشق وبيروت الذي كان بإدارة المخابرات السورية أيام الإحتلال السوري للبنان دورا ستراتيجيا في عمليات التهريب ونقل الأفراد, وقد إنعكس الصراع الطائفي حتى على وضعية عمل حزب البعث السوري نفسه!, فكانت القيادة القومية السورية للحزب منقسمة بين جناح بعثي سني يقوده جبار الكبيسي وفوزي الراوي وجناح بعثي شيعي يقوده سهيل السهيل والأنصاري! وكان ذلك في منتهى الغرابة في لعبة خطرة كان يلعب بخيوطها ويحرك شخوصها حافظ الأسد الذي كان يمارس توازنا صعبا للغاية إقتقر إليه خليفته بشار الذي إستسلم تماما للنفوذ الإيراني بعد أن فقد ظله! وقتذاك أسس الإيرانيون قواعدهم وكانت الزيارات الأسبوعية لفرق الحرس الثوري لضريح السيدة زينب تثير الحيرة والتأمل , فشعارات النظام قومية وإشتراكية محض, وتحالفاته طائفية صرفة! ولكنه كان يضع جميع القوى تحت الرقابة اللصيقة في ظل نظام مخابراتي حديدي إستفاد مباشرة من الدعم الإيراني من دون أن يقطع الوصل مع الجوار الخليجي وقدم نفسه على كونه جسراً للحوار والتواصل بين طهران وعواصم الخليج مما فتح له باب المساعدات في وضع إقليمي ودولي حساس للغاية, ثم جاء الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990 ليعطي النظام السوري قوة ومكانة لم يكن يحلم بها… وتلك قصة أخرى.. وفصول تستحق متابعة مقبلة.

إسرائيل ضيّقت هامش واشنطن إزاء روسيا ! الاعتراض على حماية النظام غاب عربياً وأوروبياً
روزانا بومنصف/النهار/24 أيلول 2015
فيما وجدت زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى موسكو، التي عززت من وجودها العسكري في اللاذقية ومحيطها في الاسابيع الاخيرة، تفسيرات تتصل بايجاد الية تنسيق بين ما تستعد روسيا للقيام به في سوريا من حماية النظام وما تلتقي فيه والمصلحة الاسرائيلية، فان هذه الزيارة بدت بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية معبرة جدا عن تقبل اسرائيل بسرعة ومن دون اي اعتراض دور روسيا في سوريا والاستعداد للتعامل معه كأمر واقع وان في اطار رسم كل منهما حدود تحركه ومصالحه وعدم تأثيره على الاخر او تأمين ضوابط محددة. لم تفد أي معلومات بأن نتنياهو توجه الى موسكو للاعتراض بل لبحث اليات عسكرية معينة وانه نسق زيارته الى موسكو مع واشنطن في كل حيثياتها. كما لم يصدر في الواقع اعتراض على ما قامت به روسيا من الدول العربية المفترض انها معنية اكثر من سواها بالموضوع السوري علما ان ثمة معلومات تحدثت عن ان روسيا وضعت الدول العربية مسبقا في اجواء تحركها لئلا يفهم استهدافها مع النظام السوري لفئة مذهبية معينة هي الطائفة السنية. وكذلك غاب الاعتراض من الدول الاوروبية لا ايضا من الولايات المتحدة ولو صدرت مواقف تحذر من ان دخول روسيا المباشر على خط الحرب في سوريا قد يساهم في تعقيدها واطالة امدها اذا كان هدفها تعزيز بقاء الرئيس السوري ودعمه في اي مفاوضات على مستقبل سوريا. ومع ان الاعتراض اللفظي او السياسي لن يقدم او يؤخر في اي من الاحوال فضلا عن ان التدخل قائم في سوريا من جهات دولية واقليمية، فان احدا لم يشهر انتقادا لروسيا في الوقت الذي صدرت مواقف اوروبية من دول مؤثرة كفرنسا والمانيا توحي وكأن ثمة تفهما لما تقترحه روسيا من ضمن الحلول لسوريا لجهة احتمال بقاء بشار الاسد موقتا. وفيما تقول مصادر ديبلوماسية ان الخطوة الروسية التي اتت في خضم مواجهة الدول الاوروبية ازمة غير مسبوقة في موضوع هجرة اللاجئين اليها ساهمت في تليين بعض المواقف الاوروبية على غرار ما عبرت عنه كل من النمسا واسبانيا لجهة امكان تفهم استمرار الاسد في المرحلة الانتقالية في ظل غياب البدائل، فان هذه المواقف الاوروبية معطوفة على الموقف الاسرائيلي الذي تحرك بسرعة في اتجاه موسكو في عز مواقف اميركية رسمية ملتبسة ضيق الهامش امام واشنطن لجهة رد الفعل السلبي المحتمل على تعزيز روسيا وجودها العسكري علما ان اداء واشنطن في الملف السوري لم يكن يتوقع ان يظهر اي تغير في سياسة الرئيس الاميركي باراك اوباما التي انتهجها في الملف السوري والتي كفلت انتقادات واسعة له من مسؤولين كبار عملوا معه في الاعوام الماضية واستقالوا نتيجة سلبية هذه السياسة وفق ما تعتبر هذه المصادر. وهؤلاء لم يتوانوا عن الاستمرار في توجيه انتقادات قاسية لادارة اوباما مع المزيد من التدخل الروسي على خلفية التسليم مسبقا من جانب واشنطن لروسيا بهامش كبير في الموضوع السوري وعدم ابداء الادارة اي استعداد لبذل اي جهد يذكر على هذا الصعيد في تتويج لمسار فاشل للادارة الاميركية في السياسة الخارجية في منطقة الشرق الاوسط.
وثمة من يعتبر في الموقف الذي اطلقه البابا فرنسيس وهو في طريقه من زيارة تاريخية لكوبا الى اخرى مماثلة للولايات المتحدة، انه لا يمكن حل اي قضية كبرى في العالم بمعزل عن روسيا، الأمر الذي يعطي التحرك الروسي دفعاً او زخماً من حيث المبدأ، انطلاقا من ان تقاعس الولايات المتحدة وعدم رغبتها في الاستثمار في حلول للازمات القائمة في المنطقة يشرعان الابواب على مساع للغير للاستثمار فيها، من دون قدرة كبيرة لواشنطن على الاعتراض او الرفض ما دامت هي منسحبة من المنطقة من الاساس ما لم يكن اعتراضها لفظيا او شكليا.
المفارقة بالنسبة الى المصادر المعنية هو امكان ان توظف الولايات المتحدة وسواها الوجود العسكري الروسي المباشر والمتزايد، في جملة احتمالات سلبا او ايجابا قد تعود لتصب في مصلحة المتحفظين غير المعلنين لهذا الوجود : اهمها التساؤل في ضوء المحادثات بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عما اذا كانت روسيا ستصبح مرجعية مؤثرة باتت تتمركز على الارض السورية ويمكن ان يتم التحدث اليها اقله في مناطق سيطرة النظام، وبالوكالة عنه، من اجل الضغط عليه في حال رغبت روسيا في تسويق التفاوض على الحل اقليميا ودوليا ما دامت هي مسؤولة على نحو مباشر عن تأمين استمراريته واعادة تأهيل القوات المتبقية معه. وذلك في الوقت الذي ليس هناك من قنوات مفتوحة مع رأس النظام وترغب دول عدة في استبعاد ايران عن واجهة المسؤولية المباشرة عنه. وفي ما خص الشعار الذي رفعته روسيا لزيادة تدخلها اي مساعدة النظام في مواجهة الارهاب، فانها قد تقع ضحية طموحها المتعدد في المحافظة على موقع قوتها في المنطقة كما في منافسة الولايات المتحدة متى تحولت طرفا مباشرا في الحرب الداخلية بحيث يحتمل ان تستدعي ردود فعل عنيفة على تدخلها من المتطرفين في سوريا كما في استدراج ذلك الى داخل روسيا ايضا. فايا كانت الخطط التي يضعها قادة او زعماء دول كبرى، فان الحرب غالبا ما تبدل المعطيات هذا في حال التسليم جدلا بان الخطوات المعتمدة لم تأت في سياق رد فعل او ارتجال في مكان ما.