وسام سعادة: الشعارات الإصلاحية تحتاج بدورها إلى نفضة/خالد غزال: عن مأزق الحوار والحراك في لبنان/عايدة الجوهري: في أسباب القلق على الحراك اللبناني/بيار عطاالله: من قال إن النسبية تؤمّن المناصفة وحقوق المسيحيين

294

الشعارات الإصلاحية تحتاج بدورها إلى «نفضة»
وسام سعادة/المستقبل/23 أيلول/15
بعض من مشكلة هذا البلد يرجع أيضاً الى لوك الشعارات الاصلاحية نفسها بشكل ببغائي منذ السبعينيات الى اليوم، بحيث ان ما هو مطبوع في ذهن النخبة والعامة على حد سواء كشعارات اصلاحية يصبح بمنأى عن كل مناسبة في الزمان والمكان وعن كل مساءلة عن الراهنية. على صعيد التفكير السياسي يعاني البلد من قحط مصدره تشمّع الشعارات الاصلاحية نفسها، وتحوّلها الى منفصلة عن الذوات الاجتماعية التي يفترض ان تحملها وان تكسيها المعنى والمبنى. بعض هذه الشعارات أجوف أو تجوّف مع الزمن، ولا يزال ينظر الى مفهوم الدولة كما كان قبل عدد من الثورات في المفاهيم؛ فالشعارات الاصلاحية في هذا البلد اكثرها يلف ويدور حول نقطة واحدة، وهو التبشير بالفكرة اليعقوبية المركزية عن الدولة، «دولة الانصهار»، وعندما يعمّم السؤال البائس «أين هي الدولة؟« نضع على أعيننا غشاوة، اذ يصار الى افتراض الدولة ككائن خرافي مفقود ومشتهى، بدلا من الانطلاق من حال الدولة المعطوبة، لكن القائمة والتي ظلت قائمة حتى في عز سنوات الحرب. الشعارات الاصلاحية التي خيضت بجزء منها بدايات الحرب اللبنانية لم يُعَد النظر فيها كشعارات يمكن ان لا تكون اصلاحية بالفعل، وليس فقط غير واقعية على ما يجري تداوله. منذ البرنامج المرحلي للحركة الوطنية والنخب اللبنانية أسرى لشعارات بعينها حول سبل الاصلاح في البلد وتجاوز الطائفية واقرار قانون الانتخاب الأفضل الخ. وعلى الرغم من ان هذا البرنامج سحبت بنده العلماني الاحزاب الاكثر علمانية في هذه الحركة، فإنه لا يزال يفرض وطأته على النخب وعلى تصورات العامة عن التحديث والاصلاح المرغوبين حين تكون مفاتحة بالأمر. اكثر من ذلك، ما كان شعارات لفريق في وجه آخر من اللبنانيين في منتصف السبعينيات نجح في التحول الى مقياس الخطاب الاصلاحي التحديثي بالنسبة الى الجميع. وهذا ما يعرقل الانطلاقة من المجتمع وتعدديته القائمة ومشكلاته الملموسة والتي لا يمكن حلها بجهاز مركزي سحري عرمرمي واحد يدعى الدولة. في هذا الموسم من الحيوية التي يشهدها الشارع اللبناني، فإن السبيل لحماية هذه الحيوية من الكائدين لها هو مراجعة الشعارات الاصلاحية نفسها، والبحث في اربعين عاماً من التطور السياسي لمختلف التجارب عبر العالم، ظهر فيها أنّ الديموقراطية التمثيلية نفسها بأزمة ولا بدّ أن تفتح على آفاق أكثر تداولية وتشاركية، وعلى أنماط من ممارسة السلطة تكون أكثر محلية وأكثر انسجاماً مع تنوع الناس ثقافياً واجتماعياً ومناطقياً، في كل بلد من العالم وان بأشكال مختلفة. في لبنان يجري الاعتراف بالتنوع، لكن فقط من بعد تجريده، تجريده عن المعاش اليومي، وابعاده عن أشكال تحققه وتداخله في الجغرافيا السكانية للبنانيين. تجديد الشعارات الاصلاحية نفسها هو تحدي التحديات، فالشعارات الاصلاحية التي ينقلها جيل عن جيل كما لو كانت آخر صيحات الموضة الثورية في العالم، لم تعد كذلك، وليس صحيحاً انها لا تزال جذابة، واكثر، من يرفع لواءها مطمئن مسبقاً انها شعارات تطرح كي لا تنفّذ، بل تطرح كي لا تسمع جدياً، تطرح كي تعترض سبيل التفكير بإصلاح ملموس ينطلق من التحليل الملموس للواقع الملموس، ومن مصالح العدد الاكبر من الناس، ومن حقيقة ان الناس في غاية التعدد والتنوع فوق كل ارض. الشعارات الاصلاحية المكرسة لبنانياً منذ السبعينيات هي هي، تحتاج بدورها الى نفضة.

عن مأزق الحوار والحراك في لبنان
خالد غزال/الحياة/23 أيلول/15
لم تخرج الجلسة الثانية للحوار بين أهل السلطة بنتائج مختلفة عن سابقتها. فالبند الأول المتصل بحل أزمة الرئاسة لا يزال يصطدم بموقف التيار الوطني الحر المدعوم من «حزب الله». يكمن وراء التعنت الهدف الأصلي للتيار والحزب في تعديل اتفاق الطائف عبر مؤتمر تأسيسي يعيد توزيع السلطة بين الطوائف، وهو أمر لا يبدو سهلاً الوصول اليه. إن الإصرار على هذا المؤتمر هو فتح الباب مجدداً لنزاعات أهلية غير سلمية كما عرف لبنان مثيلاتها في الأعوام 1958 و1975. لذا من المتوقع تواصل الاجتماعات الحوارية تحت بند الحد من التشنج والتوافق على عدم انزلاق البلد الى أخطار أكبر، خصوصاً ان هذا الحوار ينعقد وسط حراك شعبي، يراهن قسم من المتحاورين على الإفادة منه في طرح صيغه «الراديكالية» المتصلة بتغيير النظام وما شابه. وفي العودة الى الحراك المتواصل بأشكاله المتعددة، لا بد من تسجيل وتأكيد ما ينطوي عليه من إيجابيات تمثلت، حتى الآن، في هز موقع الطبقة السياسية – الطائفية الحاكمة، من دون ان يعني ذلك قرب انهيارها كما يدعو او يتمنى أهل الحراك ومعهم مجموع الشعب اللبناني. كما ان الحراك بدا بمثابة انتفاضة سياسية – اجتماعية تفيض بالتأكيد عن القائمين بها او الداعين اليها من كل الاتجاهات. ان تواصل الحراك، خصوصاً عبر التظاهرتين الكبيرتين، قد سدد صفعة لأهل الحكم لم يعتادوا عليها من قبل. في سياق المحصلة المتحققة حتى الآن، لا يمكن الاستهانة باضطرار السلطة الى فتح ملف النفايات والوصول به الى نتائج محددة، وهو نجاح يجب تسجيله في خانة الحراك والضغوط التي مارستها القوى على الأرض. قياساً على حراك اجتماعي كان كبيراً جداً ويفوق حجم الحراك الراهن في تسعينات القرن الماضي، أمكن للسلطة الالتفاف على المطالب ورفض الاستجابة لأي منها، بل استخدمت العنف العاري وسيلة لإنهاء الحراك آنذاك. ان التشديد على هذه الإيجابيات لا يمنع من قراءة نقدية لما جرى حتى اليوم، وللأخطار المحيقة بالحراك وانزلاقاته نحو العدمية. إحدى ميزات هذا الحراك انه لا يستند الى أطر نقابية على غرار الحراك في عقود سابقة، وهي مسألة تؤدي الى فوضى المطالب والعجز عن تعيين الأولويات. ليس غريباً على حراك انطلق في شكل عفوي واخترقته تنظيمات شبابية، قسم كبير منها يفتقد الى تجارب نضالية سابقة، ان تسوده فوضى المطالب والشعارات. لكن الفترة التي مضت عليه، كان يمكن لها ان تفرز في المطالب والشعارات ما هو بمقدورها ان تحقق فيه إنجازات، وبين شعارات لا يجب الإصرار عليها لاستحالة تحققها، خصوصاً ان الإصرار عليها مصيره الفشل والإحباط، من قبيل إسقاط النظام الطائفي او استقالة الحكومة او استقالة أي وزير.
لم تحسن قوى الحراك الإفادة من استجابة أهل الحكم لمسألة حل النفايات، رغم ما يمكن ان يشوبها من ثغرات. أبرز الردود اتسمت بالعدمية وبرفض الحلول المقترحة والتي أتت استجابة للحراك. وابتعد معظم قيادات التنظيمات عن استحضار ملفات المطالب الحياتية الكبيرة من قبيل الكهرباء والماء والطرقات والأملاك البحرية … وغيرها الكثير، وهي قضايا ستهز الطبقة الحاكمة من خلال كشف الفضائح الكامنة فيها، على غرار ما جرى في قضية النفايات. لن ينجو اي زعيم طائفي – سياسي من فضائح هذه الملفات، ومن دون استثناء، فالكل متورط بالنهب والفساد. والأخطر من ذلك، تحول الحراك لأن يكون ممسوكاً من أطراف النظام نفسه. فالقوى العاملة تحت اسم «بدنا نحاسب»، على سبيل المثال، والمكونة من بقايا يسار وناصريين وقوميين منتهية صلاحيتهم، تعمل تحت عباءة فريق الثامن من آذار، وتركز شعاراتها على فريق الرابع عشر من آذار في وصفه وحده المسؤول عن الفساد في البلد، فيما الحقيقة ان كلا الآذاريين غاطسان في هذا الفساد من دون تمييز بين واحد وآخر. اما مطلب الإصرار على استقالة وزير البيئة، إضافة الى انه مطلب عبثي غير قابل للتحقق، فإن رافعيه قد لا يدركون ان هذه الاستقالة لو تمت، لكانت سينظر اليها في وصفها هزيمة للطائفة السنّية، حيث من الممنوع ان تهزم طائفة من قبل طائفة اخرى. لعل استعادة اعتصام العام 2006 والسعي الى احتلال السرايا وإسقاط حكومة فؤاد السنيورة خير تذكير في هذا المجال. من الأخطار التي يجب ان لا يستهان بها، تحول الحراك الى شغب وفوضى تنعكس على حياة المواطن العادي، فتجعله ينقلب على المتظاهرين من التأييد الى مطالبة السلطة باستخدام العنف من أجل تثبيت الأمن، ولعل في تجربة الشباب المصريين عام 2011 ما يكفي من الدروس حيث انقلب الجمهور عليهم بعد ان بات حراكهم عبثياً وعدمياً وفوضوياً. لم يفت الأوان على الاستدراكات وتصحيح البوصلة. فالحراك متواصل ولن يتوقف بالنظر الى القضايا التي يمثلها. لكن الخطر يهدد الحراك اذا ما انحرف نحو العدمية، التي تعتبر أقصر الطرق للإحباط واليأس.

في أسباب القلق على الحراك اللبناني
عايدة الجوهري/الحياة/23 أيلول/15
نكتبُ الآن وهنا، لأنّنا قلقون على مآل الحراك المدني الذي كان لمُطلقيه فضل إخراج أصوات اللبنانيين الحانقة المكتومة، ورجّ عقول المتذبذبين ومشاعرهم، وإعادة الحياة للموات السياسي، وإحياء الآمال الشعبيّة المترنّحة. ولأنّنا قلقون على قوام رؤيته المشتركة، المفترضة، واستراتيجياته وآلياته المشتركة، المفترضة، فنحن حيال مشروع واحد مفترض، وُلد من ظروف تاريخية اجتماعية سياسية واحدة، وبواعث انطلاقته واحدة. وأبواب الإصلاح لا تحتاج إلى اجتهاد كبير، فيما التنوّع في الرؤى والاستراتيجيات والآليات، يُبدّد الجهود والضغوط، ويُشتّت الرسائل، ويُنبئ إلى حدّ ما بمخرجات هذا الحراك.
إنّ رهانات اللبنانيين التغييريين المحمومة على الحراك هي التي تدفع إلى وضعه المستمرّ تحت المجهر. عمليّاً، كشف الحراك النقاب عن اختمار حالة شعبية ناقمة على أداء السلطة منذ أمد بعيد، وتنتظر اللحظة المناسبة لتفجير غضبها، لتنفي نفياً قاطعاً أن يكون إصلاح الحال من المحال، وأن تكون الأقدار الكونية هي التي شاءت أن تكونَ الأمور على هذه الشاكلة، وأنّ قوى غاضبة مجهولة تتربّص بالكائنات والموجودات وتُلزمها بالسّكون. كشف الحراك النقاب عن شريحة واسعة من اللبنانيين سئمت لغةَ الجماعة ومفرداتها وتهويلاتها وهلوساتها، وأصنامها المعصومة، كما سئمت بالمقدار ذاته لغة سلطة أبطلت، متآزرة، شرف إدارة شؤون الناس والبلاد، وجوّفت مفهوم السياسة ولوّثته. كما لم يعد يُغري تلك الشريحة تحويلها إلى كائنات استراتيجية تُدمن الانتظار والترقّب والتلقّي، وتتغرغر بالعناوين والأهداف الكبرى، التي تحجب الواقع اليومي وتمنع رؤيته.
في الواقع، انتفضت عشرات الألوف من اللبنانيين ضدّ انحدار قيم الدولة والقانون والحق، وضدّ هيمنة أخلاق الميليشيا والبلطجة والتشبيح على الحكّام وأزلامهم، وعلى بعض المحكومين من باب العدوى، واستفحال الفساد الذي أدّى ويؤدّي إلى إهدار الأموال والأملاك العامّة، وإلى إثقال كاهل الشّعب بديون فلكية، يُسدّدها اللبنانيون، صاغرين، بقوّة الضرائب، والحرمان من المشاريع العامّة. وفي المقابل تُدرك شريحة واسعة من اللبنانيين المنتفضين أنّ مفهوم «حقوق الطوائف» الذي بُني عليها النظام اللبناني لم يُفضِ منذ تأسيسه سوى إلى التحكّم والاستبداد المحلّي المناطقي والوطني، وإلى تحاصص سياسي وإداري ومالي وعسكري واستخباري وثقافي وقضائي، فوقي، وحتّى بشري، إذا نظرنا إلى التقسيمات الانتخابية، وبالتالي إلى تشتيت قوى الشعب وشرذمتها، وإلى قصور في التنمية والتحديث، وإلى تشويه مفهوم العدالة، وإرساء آليات اللاعدالة والتقهقر، ما لم يُؤدِّ هذا المفهوم إلى حروب واحتكاكات وانتفاضات بائسة كاريكاتورية.
لهذه الأسباب تُطالب هذه الشريحة المنتفضة بحق اللبنانيين في الإدلاء برأيهم في كل من القوى السياسية التي تزعم إدارة شؤون لبنان، شؤونها، كي تستشعر هذه التكوينات بالمسؤولية الوطنية ولا تتهرّب من المحاسبة، وتتوقّف عن ادّعائها تمثيل «حقوق طوائفها» وعن ابتزاز طوائفها والطوائف الأخرى من أجل المحاصصة، أو من أجل مشاريع خاصّة، فئويّة، تتخطّى فيها القوانين. إنّ أشواقَ اللبنانيين الغزيرة التي يتعذّر سردها كلّها، تُلخَّص بإرادتهم في تطبيق القانون، القانون الذي يمنع التعسّف باستخدام السلطة من أجل مصالح خاصّة والذي يُعطّل التشريعات التي تُجيِّر هي الأخرى العام من أجل الخاص، وذلك من خلال تفعيل القضاء النزيه الذي يبقى السلاح الأقوى لملاحقة الفاسدين. هل لا يزال ديوان المحاسبة مثلاً حيّاً يُرزَق؟ هل تمّ ولو لمرّة واحدة تفعيل «قانون الإثراء غير المشروع»؟ هل تمّ إنشاء مجلس محاكمة الوزراء والرؤساء؟ وما هي الحكمة من مبدأ «الحصانة» التي يتمتّع بها النواب؟
وحين يحلم اللبنانيون بلبنان دائرة انتخابية واحدة وخارج القيد الطائفي، وبالنسبية، إنّما يُكرّرون ما جاء في دستور الطائف الذي يقول بإلغاء الطائفية السياسية وبتكبير الدوائر الانتخابية وبالنسبية. بعد محاولتنا تقويم مضامين الحراك واقتراحنا هدفاً أوليّاً له وأسباب قلقنا عليه، نختم بالقول إنّه، لقوّته الأخلاقية، المتأتّية من مشروعيّته، أحدث ثغرةً في الجدار السياسي يتعذّر ردمها، لكنّ فوضى الاستراتيجيات العابقة بالنوايا الطيّبة، قد تُفقده زخمه، وقد تُذهب حماسة اللبنانيين المتحلّقين حوله، وتجعلهم يفكّرون أنّ عيش المجتمع المدني الواحد متعثّر، مثل عيش طوائفه، وأنّ مخرجاته غامضة، متدحرجة، غير مضمونة، بل بعيدة المنال، وأنّ المجتمع المدني ليس جاهزاً بعد لتولّي مسؤولية التغيير، بنيةً وخطاباً. إنّ التغيير في لبنان يحتاج إلى قباطنة مهرة، يقودون باخرته في مشوارها الطويل وسط الأعاصير والأنواء بعد أن آن لليل أن ينتهي. إنّها مسؤولية تاريخية تحتاج إلى نضوج وجديّة.

من قال إن النسبية تؤمّن المناصفة وحقوق المسيحيين؟
بيار عطاالله/النهار/23 أيلول 2015
الكلام على النسبية وقانون انتخاب يستند اليها، بات رائجاً هذه الايام، وهي أصبحت بعدما طالبت بها مجموعات الحراك المدني وكأنها كلام منزل من السماء ولا تحتاج سوى الى اعتمادها. وما كان ينقص سوى تبنّي “التيار الوطني الحر” لعنوان النسبية لكي تكتمل حلقة المصفقين لهذا الخيار، الذي وإن كان يوحي بالحداثة والعصرية إلا ان لا شيء يضمن أنه يحقق تمثيل التعددية اللبنانية بصورة عادلة، وخصوصاً المسيحيين والاقليات الأخرى التي تجد نفسها دائماً مجبرة على تقديم التنازلات وعلى حسابها من أجل ارضاء الاطراف الآخرين.
ذات يوم قال البطريرك الماروني السابق مار نصرالله بطرس صفير: “الدستور أعطانا 64 نائباً ونريد 64 نائباً”. والمفارقة ان المسيحيين لا ينتخبون نصف نوابهم بل يفرضون عليهم فرضاً، وهذا الكلام يتم تداوله على نطاق واسع وفي محافل مسيحية مارونية وارثوذكسية وكاثوليكية، ترى ان مشاريع قوانين النسبية المطروحة، لا تؤمن الحد الادنى من المناصفة وحقوق الجماعات اللبنانية المهضومة وخصوصاً المسيحيين. ويقول الحقوقي وائل خير، ان النسبية والنتائج الناجمة عنها سوف تزيد الشرخ بين اللبنانيين وتؤدي الى مزيد من الانقسامات وتعطل آليات العمل الاداري الحكومي، بدليل ما يجري في اسرائيل التي تعتمد النسبية في انتخاباتها النيابية ما يؤدي الى عرقلة تشكيل الحكومات الاسرائيلية وانفراط عقدها عند اول خلاف واستقالة أي وزير عضو في الائتلاف الحاكم، بحيث يتعين على رئيس الوزراء او زعيم الأكثرية النيابية مراضاة أصغر الاحزاب والاستجابة لمطالبها المتطرفة في غالب الأحيان من أجل تأمين استمرار حكومته.
اضافة الى هذا المعطى، يدور نقاش في محافل مسيحية ودوائر جامعية متخصصة وجمعيات حول اقتراحات مشاريع قوانين الانتخابات النسبية في لبنان، لجهة التقسيمات الادارية التي ستعتمد فيها، وهل يكون لبنان دائرة واحدة كما يطالب الرئيس نبيه بري والاحزاب اليسارية المحسوبة على 8 آذار، بهدف تأمين وصول ممثلين عن الاحزاب والجمعيات الضعيفة النفوذ على مستوى الطوائف، أم تعتمد الدوائر الوسطى في هذه الانتخابات، ومنها مشروع القانون الذي اتفق عليه “المستقبل” و”التقدمي” و”القوات” والذي يخدم تالياً مصالح هذه الاحزاب ويقصي الاحزاب الاخرى. أم يعتمد مشروع التقسيمات الذي اقترحه الرئيس بري، او ذلك الذي اقترحه النائب العماد ميشال عون، مع ما يعنيه ذلك من حسم للنتائج لمصلحة قوى معينة. وأيضاً لجهة اعتماد التقسيم الوارد في المشروع الذي اعدته الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب، والذي يقول فيه المحامي انطوان سعد ان تأثير الناخب المسلم المباشر متفوق بنسبة 65 في المئة تقريباً، ما يعني انه يمكن المسيحيين نظرياً انتخاب 47 نائباً حداً اقصى، في حين انهم لا يستطيعون عملياً انتخاب اكثر من 43 نائباً من أصل 64 نائباً خصصها لهم الدستور. ويشرح سعد نظريته بأن قدرة الناخب المسيحي الصافية، في حال اعتماد النسبية مع تقسيمات قانون 1960، على إيصال مرشحين من دون أي تأثير حاسم للناخب المسلم، لن تتجاوز 26 نائباً (77 نائباً منهم 39 مسيحياً) على أساس القضاء، ولن تكون اكثر من 17 من أصل 25 نائباً مسيحياً على أساس المحافظة، من بين 51 نائباً تكون على أساس النسبية. وتالياً القدرة الصافية للمسيحيين على إيصال نوابهم مقتصرة على 43 نائباً من أصل 128، ويخسرون 21 نائباً، ما يعيد الامور الى المربع الاول والى الشكوى عينها لدى المسيحيين من عدم احترام المناصفة ومبدأ الشراكة. وهكذا يخسر الارثوذكس مقاعد تمثيلية في طرابلس وعكار ومرجعيون وعاليه، اضافة الى مقاعد يخسرها الموارنة في عكار وطرابلس وزغرتا وبشري والبترون.المثير في الأمر ان جميع الاحزاب تصفق للنسبية، التي يقول عنها الحقوقي خير أنها لم تعد مطروحة على مستوى المجتمعات المتقدمة نظراً الى شموليتها، وهي تخلت أو أخلت مكانها تدريجاً لقانون الانتخاب الذي يستند الى الدائرة الفردية ويعزز محاسبة النائب ويضعه وجهاً لوجه أمام ناخبيه ويمكّنهم من محاسبته كل مدة من دون وجود أي وسيط حزبي، وتالياً لا شيء يحول دون اعتماد الدائرة الصغيرة ونظام الصوت الواحد (One man one vote).