عبدو شامي: لهذا لم ولن أتظاهر مع “طلعت ريحتكم” وأخواتها

1824

لهذا لم ولن أتظاهر مع “طلعت ريحتكم” وأخواتها
عبدو شامي
02 أيلول/15

من الواضح أن الاستقرار المؤقت والمزيّف الذي أرساه الحزب الإرهابي في لبنان منذ نحو ثلاث سنوات قد انتهى، نهايته تؤرَّخ تحديدًا مع الزيارة المشؤومة والملعونة لوزير خارجية الاحتلال الايراني في 11/8/2015 حيث أبلغ الحزب الإرهابي تعليمات مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي والذي يحمل في ثناياه إطلاق يد إيران بتلزيمها المنطقة مقابل ضمان أمن إسرائيل وضمان استمرارية إدرار البقرة الحلوب الخليجية نفطَها وأموالَها بغزارة مضاعفة.

ما يعنينا في لبنان هو أن إيران لم تعد تريد فرض الامتيازات لحزبها وشعية ولاية الفقيه قهرًا بقوة السلاح الإرهابي لكونها امتيازات مخالفة للدستور، أنما تريد أن تحوّل امتيازاتها المفروضة قهرًا الى نصوص دستورية واجبة التطبيق بحكم الدستور نفسه دون حاجة لاستعمال سلاح أو قمصان سود أو رفع أصابع… دستور جديد ينبثق عن مؤتمر تأسيسي يبدو أنه هدف الحزب الاستراتيجي للمرحلة الحالية وهو ما طالب به علنًا منذ عام 2012؛ بناء على ذلك وفي ظل الإدارة الفاشلة وحالة الموت غير المعلَن لما كان يُسمّى “تحالف 14 آذار”، لم يعد السؤال عن إمكانية انعقاد مؤتمر تأسيسي من عدمها، إنما السؤال اليوم عن كلفة انعقاده هل ستكون دموية أم مادية، وعلى ماذا سينص، علمًا أن الدساتير في لبنان لا تغيّر الا بعد حروب!

“ويك أند” تخريبي تولى أمره جرذان الحزب والحركة، تبعته تظاهرة حاشدة انتهت بـ”السكيتش” التخريبي نفسه لقوارِض الحضارة، وبين الحدثَين اعتصامات يومية يكون مِسك ختماها مع من يسمون بـ”المندسين”، وجديد الحراك اقتحام وزارة البيئة ومحاصرة الوزير في مكتبه حتى يقدّم استقالته… إنه التظاهر، الموضة الرائجة في لبنان اليوم، أطلقتها حملة “طلعت ريحتكم” بذريعة أزمة النفايات وما لبث أن جرى تفقيس وتفريخ حملات وحركات تكاثرت كالفطر من حركة “بدنا نحاسب” الى “كلّن يعني كلّن” الى “حلّو عنا” والقائمة تطول، ولكل متظاهر مطالب خاصة تخالف المتظاهر الآخر، فهذا يريد استقالة الحكومة وذاك استقالة الوزيرَين المشنوقَين فقط وآخر يريد اسقاط النظام ورابع يريد انتخاب رئيس أولاً، حراك فوضوي لا يجمعه سوى عنوان النفايات شعبيًا وأجندة معلومة-مجهولة تنظيميًا… و”العترة” على الشعب المسكين الموجوع معيشيًا والمُهان رسميًا والذي يتم انزاله الى التظاهرات تحت عنوان معيّن ليتفاجأ أن المنظمين أصدروا بيانًا بمطالب سياسية لا يوافق عليها أو ربما لا يعلم معناها ولا مُؤدَّاها، لكن هؤلاء المتظاهرين العفويين في نهاية المطاف شاءوا أم أبوا علموا أم جهلوا، إنما يُستخدمون وقودًا لثورة إذا نجحت لن يكون لهم فيها ناقة ولاجمل ولا تحقيق حلم ولا نيل مطلب، إنما سيجني ثمارها ويحصد غلّتها ويسيّرها لأهدافه وأطماعه الحزب الإرهابي باعتباره الأقوى بين المكونات اللبنانية سياسيًا وعسكريًا وتنظيميًا وحشدًا شعبيًا…والأهم من ذلك أنه الطرف المدعوم أميركيًا… وهذه تكاد تكون من بديهيات الثورات التي لا يُعرَف لها رأس ولا يديرها فريق واحد منظم، أن يصادرها الفريق الأكثر تنظيما على الأرض.

في مصر، “ثورة 25 يناير2011” التي مهّدت لها وأشعلتها حركات شبابية مطالبة بالحرية والعيش الكريم ثم بإسقاط النظام لم تكن نتائجها من نصيب هؤلاء إنما قطفت ثمارها “جماعة الإخوان المسلمين” باعتبارها الحزب الأكثر تنظيمًا على الساحة المصرية مع أن “الاخوان” كانوا آخر من انضم الى الثورة؛ وبعد سنة من حكم إخواني تلا مرحلة انتقالية عسكرية تجرّأ الرئيس المنتخب ثم المعزول “مرسي” على ما لم يجرؤ عليه المخلوع “مبارك” فأمسك بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في البلاد بإعلان دستوري فوّض الى نفسه بموجبه صلاحياتمطلقة! ثار الشعب ثانية في “30يونيو2013” ليجني ثمار الثورة على الإخوان العسكر وتقع مصر مجددًا تحت حكم الجزمة العسكرية وإن تنكّرت أحيانًا بحذاء رسمي ملمّع. أما في إيران فالثورة على الشاه عام 1979 جنى ثمارها ملالي ولايه الفقيه بزعامة الخميني الذي عمل بمجرّد تسلّمه السلطة على تصفية معارضيه عبر القتل أو السجن أو الإقامة الجبرية، أقفل نحوًا من خمسين وسيلة اعلامية معارٍضة وأرسى دستور جمهورية ولاية الفقيه أصل البلاء وعدو المنطقة الأول والأخطر قبل إسرائيل.

لذلك كله، لم ولن أشارك في الحراك المشبوه المسمى شعبيًا، فلا أريد أن أكون مطيّة للحزب الإرهابي ولا أداة بيده وقد بدأ يستخدمها علنًا عبر تهديده الرئيس سلام بإنزال شعبه في التظاهرات إن لم يوافق على مطالب عون، لا أريد أن تجنح بي نقمتي على السياسيين الفاسدين لأتحوّل مِعوَل هدمٍ للجمهورية بنظامها الحالي الذي وإن كانت لي عليه مآخذ كثيرة إلا أني أرفض استبداله بنظام أكثر سوءًا وأشد طائفية، لا أريد أن أساهم في صنع ثورة فوضوية يجني ثمارها حزب مشبّع بثقافة الموت والحقد والكراهية واغتيال الآخر، ثقافة لا تشبه لبنان الذي أحبّه ولا تمُتُّ إليه بصِلة.