خليل حلو: تظاهرة 29 آب/سليم فريد الدحداح: الصيغة التعايشية الدستورية في لبنان نموذج حياتي للأقليات وضمان لاستمرارهم!

342

تظاهرة 29 آب …
خليل حلو/فايسبوك
غسل منظمو تظاهرة الأمس من “طلعت ريحتكم” و”بدنا نحاسب” و”حلـّوا عنـّا” أيديهم من أعمال الشغب التي دامت 3 ساعات كاملة عند إنتهاء تظاهرتهم، وكأن الشغب آتٍ من كوكب آخر وكأن إستغلال حملتهم لا يعنيهم … وصدر عنهم بيان يطالب بالدولة مدنية، وإستقالة وزير البيئة محمد المشنوق، ومعرفة من أطلق النار على المتظاهرين، ومحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق، وإيجاد حل بيئي وصحي للنفايات، وحصول انتخابات نيابية شرعية، وإلا بعد 72 ساعة العودة إلى التظاهر والتصعيد. وسمعنا أيضاً خلال التظاهرة مطالبات بإسقاط النظام، وأخرى ضد الفساد، لم تخلو من الكلمات النابية والسباب لدى البعض. منذ أسبوع وأكثر بذلنا جهداً كبيراً لتوعية الشبان المتحمسين، على مخاطر إستغلال غضبهم ضد الوضع الفاسد الذي وصلنا إليه، وكنا دعونا وما زلنا ندعو إلى ثورة من نوع آخر ضد الفساد، وهي ثورة قيم داخل كل واحد منـّا وثورة ضد الزعماء، وليس ثورة لإسقاط الدولة. أسقـِطوا أباطرة العصر الحديث وليس الدولة! أسقـِطوا الفاسدين وليس الصالحين والأبرار! نعم بالأمس تجرأ بعضكم وندد بكافة الزعماء وكادت تقع واقعة بعد التنديد بأحد هؤلاء الزعماء ظهر أمس فهل سيستمر هذا التنديد؟ من حسنات تظاهرة الأمس: تجرأتم أن تنددوا بالزعامات، وهذا جيد، لأنهم أصحاب القرار الفعليين، وليس القصر الحكومي، ولكن أكملوا ما تفعلوه بالتظاهر ضد التعطيل أمام منازل ومقرات من يعطلون الحكومة والرئاسة والمجلس، ولدينا شكوك أنكم ستفعلون … شكوك كبيرة جداً! أكملوا ما تفعلوه بالتظاهر ضد الفاسدين فقط أو أقله من تتهموه بالفساد وليس ضد 127 نائباً لأن من بين هؤلاء النواب من هو منتج ونزيه وفاعل وبعيد كل البعد عن الصفقات، والشيء نفسه بين الوزراء! ولكن هل ستميزون؟ ولدينا شكوك أنكم ستفعلون … شكوك كبيرة جداً … خاصة بعد ما شهدناه منذ 22 آب. أما ما يمكن أن يحدث إذا سقط النظام واستقال الوزراء من مناصبهم، فهو أحد الإحتمالات التالية أو أكثر وكلها سيئة جداً دون أدنى شك :
1. عدم إتفاق قادة التظاهرات فيما بينهم على برنامج سياسي واضح وانقسامهم على بعضهم والوصول إلى الفوضى وشريعة الغاب.
2. سيطرة الأحزاب التي لديها ميليشيات على بعض المناطق ووقوع مواجهات فيما بينها وبين الجيش مع ما في ذلك من مخاطر عودة الحروب كما يحدث في سوريا.
3. تقسيم لبنان الذي يسعى إليه البعض من أبطال نظرية تحالف الأقليات، دون أن يكون هؤلاء قد أطلقوا رصاصة واحدة.
4. حكم عسكري ووضع الجيش في موقع ليس له إطلاقاً مع كل ما لذلك من تداعيات ومخاطر الإنقلابات غير المعلنة.
في كل هذه الأحوال ستكونون أيها الشبان أنتم الخاسرون، وطبعاً سيكون لبنان الخاسر الأكبر، وستكونون الوقود الذي أضرم النار في الهشيم. أما إذا وجـّهتم ثورتكم إلى الأمكنة المناسبة وإلى داخل أنفسكم لتسييد القيـَم والسعي إلى المعرفة، عندها ستجدون معكم ليس فقط ثلاثين ألف متظاهر (مساحة التجمع في ساحة الشهداء قدّرت بحوالي 15000 متراً مربعاً – وإذا حسبنا 3 أشخاص في المتر المربع الواحد يكون العدد في حده الأقصى 60 ألف متظاهر، ولكن التقدير الواقعي بانتظار بيان من قوى الأمن لأنها الوحيدة التي تستطيع التقدير الدقيق، هو حوالي 40 ألفاً)، إذن عندما تصوبون ثورتكم بالإتجاه الصحيح ستجدون في الشارع ليس عشرات الآلاف بل تظاهرة مليونية حقيقية كما في 14 آذار 2005، وبانتظار ذلك هناك من يناضل منذ 40 عاماً ولم ييأس وسيستمر بالنضال من أجل القيم وتطهير الدولة من الفاسدين وإصدار قوانين لمحاربة الفساد.

 

الصيغة التعايشية الدستورية في لبنان نموذج حياتي للأقليات وضمان لاستمرارهم!
سليم فريد الدحداح/النهار/31 آب 2015
يعيش الشرق منذ سبعين عاماً تقريباً، نزفاً متواصلاً أليماً ومتفجراً. تأرجحت دول المنطقة بين الحياة والفناء، وتعاقبت فيها أنظمة مختلفة خدمت كلها، إن مباشرة أو مداورة مصالح استراتيجية دولية واقليمية أكثر مما انجزته لأوطانها ومواطنيها. ومن بين المشاريع الجيوستراتيجية خارطة طريق رسمتها دولة اسرائيل بمباركة غربية، من أجل إنخراط كيانها، وإن تعسفياً، في محيط عربي رافض بعد انتهاء الحرب مع فلسطين. إن هذا المسار الطويل والمعقد أدى في العالم العربي الى انقسامات سياسية حادة، وتشرذم اجتماعي، وتعطيل سلطة المؤسسات، وتفتيت جيوغرافي أنتج نزوحاً سكانياً وتهجيراً لمكونات دينية على نطاق واسع، هرباً من التعذيب والخطف والقتل. في هذا الجو السائد الذي تزامنت وتصاعدت فيه الأزمات والحروب داخل الأوطان وبينها، استطاعت دولة الأرز تجنّب “التسونامي” الاقليمي الذي لا يزال يجرف على مساره “الأخضر واليابس”. فما هي العناصر التي ساهمت في تثبيت هذا التمايز حتى الآن؟ لا شك في أن دستور 1943 والصيغة التعايشية التي تم التوافق عليهما بين المكونين المسيحي والاسلامي آنذاك، نظّما وحصنّا كيان لبنان واستمراريته. فرغم كل الحركات والثورات والانقلابات التي انتشرت في بلاد الجوار، والتي كانت تنعكس دوماً وبصورة مختلفة على الساحة السياسية الداخلية معكرة اجواءها ومهدّدة مصيرها، صمد لبنان. السبب في ذلك يكمن في مضمون هذه الصيغة التي حملت في أحشائها قدراً من الحسنات ومن السيئات.وقد تحول الدستور من جراء هذه التركيبة، من مدني بالمبدأ الى طائفي بالفعل، كونه أصبح اداة لادارة شؤون الطوائف والمذاهب بصورة مباشرة وأساسية لا لادارة شؤون المواطن، كما هو الحال في دساتير الدول العادية، حيث المرجع هو المواطن لا المكوّن…! فرغم الضعف الهيكلي المنوط والناتج من هذا المسار الدستوري، نجا لبنان من كل المحاولات الخارجية لضرب استقراره والتعرض لسيادته واستقلاله، ونسف كيانه النموذجي. ما يعني أن الترابط بين المكونات والدولة ظهر هنا، وكأنه أقوى وأثبت وأصعب المنال، مما هو عليه مع المواطن، كون هذا الأخير لا يستفيد من المؤسسات فعلاً، إلاّ من خلال هويته الطائفية. فكل مشروع تغييري أو “انقلابي” على صعيد الوطن، يجب أن ينال “تشجيع” كل المكونات وموافقتها، وإلا سيفشل حتماً…! إضافة الى هذا التكوين الدستوري، هناك طبعاً ضمانات دولية واقليمية ضرورية لتثبيت التمايز المشار اليه أعلاه وغيابها عرّضت دوماً الوطن لعواصف وانشطارات كادت تدمّره. ولكن لا بد أيضاً من الاشارة الى أن في تلك الظروف، صارت صيغة 1943 السد المنيع أمام تغليب مكون على آخر، والضمان الفعلي لاستمرارية الكيان ولو سلبياً، اللهم اذا ما دُعم مسار مكوّن على حساب الآخر، نتيجة توافق دولي…! انطلاقاً من هذه الحيثيات ورغم وجوده في منطقة حساسة ومتقلبة من العالم، حيث تقاتلت فيها الأديان السموية في ما بينها مدى العصور، تحوّل وطن الأرز بعد انشائه، وبفعل صيغته، نموذجاً حياً ومركز اختبار لتعايش سلمي معتدل وفريد بين الأديان، وملجأ لكل أقليات هذا الشرق الملتهب الى أي دين انتموا. فلا بد للقيادات اللبنانية وللمواطنين أن يعوا أهمية هذا المصير الاستراتيجي بامتياز. وعليهم أن يسعوا لتحصينه وتسويقه، اقليمياً ودولياً، ويضعونه بتصرف هويته الوطنية، لتصبح جيوغرافيته، أرض سلام وحوار الثقافات والأديان، في الوقت الذي يتعمم الارهاب، خصوصاً الديني منه، ويطال كل مناطق العالم بدون استثناء. هذا لا يتعارض طبعاً مع دعم مشروع تبني الدولة المدنية الذي تطمح اليها الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، ولكن بعد توصل كل المكونات الى توافق شامل فيما بينها حول خارطة طريق وسلّة من الضمانات التي لا تمس ولا تُلغي من الوجود أي واحد منها، بل بالعكس تؤمّن له مساحة أكبر من الاستقرار والعدالة والحرية، وللدولة من السيادة والاستقلال. فاكتمالاً وتحقيقاً لهذا المنعطف، ندعو جميع المواطنين الأحرار والمجتمع المدني في كل فئاته وانتماءاته الى الالتفاف من دون خوف وتماد وبكل سكينة حول مشروع: “حياد لبنان وسلامته”، ليكون المدماك التأسيسي لهذه المسيرة التاريخية الحاضنة والضامنة لاستمرارية كيان لبنان بعيداً عن التدخلات الخارجية التي ما زالت حتى اليوم تعطل وتقسم اللبنانيين عمودياً وتدفعهم الى الهاوية.